هموم المرأة


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلىآله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعــد:

فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

هموم المرأة: هو الدرس الحادي والأربعون من سلسلة الدروس العلمية العامة، وهذه ليلة الإثنين الرابع عشر من ربيع الآخر، لسنة (1412هـ).

أيها الأحبة: أرى جمعكم في هذا اليوم أقل من المجلس السابق، ولا أدري أهو نوعٌ من الاحتجاج على معالجة قضايا المرأة، أم أنه تنفيذٌ لأوامر صدرت إليكم من جهةٍ مجهولة، وقد قرأت في بعض الطرائف، أنه أقيم معرض في مكانٍ ما، ووضع فيه لوحتان، كتب على أولاهما: الذين تطيعهم زوجاتهم، وكتب على اللوحة الثانية: يقف هنا الذين يطيعون زوجاتهم؛ فوقف أمام لوحة الذين يطيعون زوجاتهم طابورٌ طويل، أما اللوحة التي كتب عليها: الذين تطيعهم زوجاتهم، فلم يقف أمامها إلا رجلٌ واحد، فجاءت اللجنة المنظمة لهذا الاختبار، لتسأل هذا الرجل، إلى أي حدٍ تطيعه زوجته؟

فقالوا له: ما سر وقوفك هنا؟

قال: لأن زوجتي أمرتني بأن أقف هنا..!

أيها الأحبة: المرأة شقيقة الرجل وأخته، ونظيره في أصل الخلقة، يقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء:1].

فالناس من جهة التمثيل أكفاءُ     أبوهمُ آدمٌ والأم حواءُ

فإن يكن لهمُ من أصلهم نسبٌ     يفاخرون به فالطينُ والماءُ

ويقول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [الحجرات:13] ويقول سبحانه: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا [الأعراف:189].

فأصل الخلق وأصل البشر آدم عليه السلام، وقد خلقت منه حواء، ولهذا جاء في الحديث الصحيح: {إن المرأة خلقت من ضِلعٍ} كما في الصحيحين، وجاء عن ابن عباس: [[أنها خلقت من ضلع آدم عليه السلام]] ولهذا يقول الشاعر:

هي الضلع العوجاء لست تقيمها     ألا إن تقويم الضلوع انكسارُها

أتجمع ضعفاً واقتدراً على الفتى     أليس غريباً ضعفها واقتدارُها

فالمرأة خلقت من الرجل، لكنها خلقت بطبيعة خاصة، فهي تحتاج إلى أن تعرفها المرأة ويعرفها الرجل، حتى يتم التعامل معها بصورة صحيحة، وبشكلٍ عام فإن نظرة الإسلام إلى المرأة يلخصها قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي روته عائشة رضي الله عنها كما في المسند، وسنن أبي داود وسنن الترمذي، ورواه أيضاً أنس، كما في مسند البزار، ومسند أبي عوانة، وسنن الدارمي، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {إنما النساء شقائق الرجال} وهو حديث حسن، فالمرأة شقيقة الرجل، وهي جزءٌ منه، وهي أخته، وأمه، وزوجه، وقريبته.

والمعاملة في الدنيا الأصل فيها التساوي، إلا ما نص الشرع على تمييز الرجل عن المرأة فيه، أو نص على تمييز المرأة عن الرجل فيه، وكذلك المعاملة في الدار الآخرة، قال الله عز وجل: فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ [آل عمران:195] وقال تعالى: وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ [النساء:124].

ولذلك فإنه من نافلة القول، ومن البدهيات التي لا تحتاج إلى تكرار، وهو أن نقول: إن المرأة جسد، وروح، وعقل، وحين نتحدث في هذا الدرس عن هموم المرأة، فإننا لن نقصر الحديث على الهموم المادية البحتة من مطعم ومشرب وملبس ومنكح؛ لأن هذه الهموم كلها تمثل الجانب الجسدي، في الرجل والمرأة على حدٍ سواء، وحصر الإنسان في هذه الهموم فقط -كما هو واقع في الحضارات المادية الغربية والشرقية اليوم هو نوعٌ من جعل الإنسان حيواناً لا هم له، إلا الأكل والشرب والسفاد، يقول الله عز وجل: وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ [محمد:12].

إن كون الإنسان في هذه الدنيا لا همَّ له إلا المتعة، بالأكل والشرب وبألوان المتع المادية الحسية، هو أمرٌ يشترك فيه الإنسان مع الحيوان، بل لا نبالغ إذا قلنا: إن الحيوان أقوى من الإنسان فيه، فالناس إذا رأوا إنساناً شرِهاً في الأكل، قالوا: هذا يأكل أكل البعير مثلاً، أو أكل الحمار، فالإنسان إذا كانت القضية مقصورة على الجوانب المادية، والمتع الحسية، فإن الحيوان فيها يكون أبرع من الإنسان وأكثر.

وفي هذا المجال يعجبني ما ذكر الإمام الراغب الأصفهاني في كتابه الجيد المفيد: تفصيل النشأتين وتحصيل السعادتين، وهو يتكلم عن الإنسان، فماذا يقول عن الإنسان؟ يقول: "لم أعن بالإنسان كل حيوان منتصب القامة، عريض الظهر، أملس البشرة، ضاحك الوجه، ممن ينطقون ولكن عن الهوى، ويتعلمون ولكن ما يضرهم ولا ينفعهم، ويعلمون ولكن ظاهراً من الحياة الدنيا، وهم عن الآخرة هم غافلون، ويكتبون الكتاب بأيديهم، ولكن يقولون: هذا من عند الله ليشتروا به ثمناً قليلاً، ويجادلون ولكن بالباطل ليدحضوا به الحق، ويؤمنون ولكن بالجبت والطاغوت، ويعبدون ولكن من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم، ويبيتون ولكن ما لا يرضى من القول، ويأتون الصلاة ولكن كسالى ولا يذكرون الله إلا قليلاً، ويصلون ولكنهم من المصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون، الذين هم يراءون ويمنعون الماعون، ويُذَكَّرون ولكن إذا ذكروا لا يذكرون، ويدعون ولكن مع الله آلهة أخرى، وينفقون ولكن لا ينفقون إلا وهم كارهون، ويحكمون ولكن حكم الجاهلية يبغون، ويخلقون ولكن يخلقون إفكاً، ويحلفون ولكن يحفلون بالله وهم كاذبون، فهؤلاء وإن كانوا بالصورة المحسوسة أناساً فهم بالصورة المعقولة لا ناسٌ ولا نسناس.

والنسناس نوع من الحيوان الوهمي، الذي يدعون أنه يشبه الإنسان، مثل العنقاء، أي أنه حيوان وهمي لا وجود له كما قال أمير المؤمنين علي رضي الله عنه: [[يا أشباه الرجال ولا رجال]] بل هم من الإنس المذكور في قوله تعالى: شَيَاطِينَ الْأِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً [الأنعام:112].

قال: وما أرى البحتري إذا اعتبر الناس بالخلق لا بالخلق متعدياً، في قوله:

لم يبق من جُل هذا الناس باقية     ينالها الوهم إلا هذه الصورُ

-يقول: ما بقي من الناس إلا صورهم وأشكالهم، أما حقائقهم فاختفت وزالت- ولا من يقول في قصيدةٍ أخرى:

فجلهمُ إذا فكرت فيهم     حميرٌ أو ذئابٌ أو كلابُ

ولا تحسبن هذه الأبيات أقوالاً شعرية وإطلاقاتٍ مجازية، فإن الله تعالى يقول: أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً [الفرقان:44]".

المراد بهموم الإنسان

إذاً نحن حين نتكلم عن هموم الإنسان، رجلاً كان أو امرأة، لا نقصد به هموم الجسد فحسب، ولا هموم المادة فسحب، ولا هموم الأشباح الحسية، وإنما نقصد هذه ونقصد معها هموم العقل وهموم الروح، التي بها تميز الإنسان وصار إنساناً، وأنقل لك ولكِ أختي المسلمة أيضاً، نصاً آخر عن الراغب في كتابه السالف الذكر أيضاً، وهو نصٌ جميل يقول: "جعل الله الإنسان سلالة العالم وزبدته، وهو المخصوص بالكرامة، كما قال الله تعالى: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ [الاسراء:70] وجعل ما سواه كالمعونة له، كما قال الله تعالى في معرض الامتنان: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ [البقرة:29] قال: وليس فضله بقوة الجسم؛ فالفيل والبعير أقوى منه أجساماً، ولا بطول العمر في الدنيا، فالنسر أطول عمراً منه".

وأقول من عندي: ذكر بعض الذين صنفوا في الحيوان كـالجاحظ، والدميري وغيرهم، أن الضب أيضاً طويل العمر، حتى قال بعضهم: إنه يعيش إلى سبعمائة سنة، ولا أدري من هو الذي عاش سبعمائة سنة، حتى راقب الضب واكتشف أنه عاش هذه المدة الطويلة! المهم هذا مما قيل.

يقول: فليس فضل الإنسان بقوة الجسم؛ فالفيل والبعير أقوى منه أجساماً، ولا بطول العمر في الدنيا؛ فالنسر والفيل أطول منه عمراً، ولا بشدة البطش؛ فالأسد والنمر أشد منه بطشاً، ولا باللباس واللون؛ فالطاوس والدراج أحسن منه لباساً ولوناً، ولا بالقوة على النكاح؛ فالحمار والعصفور أقوى منه نكاحاً، ولا بكثرة الذهب والفضة؛ فالمعادن والجبال أكثر منه ذهباً وفضة.

قال المتنبي:

لولا العقولُ لكان أدنى ضيغم     أدنى إلى شرف من الإنسانِ

ولما تفاضلت النفوس ودبرت     أيدي الكماة عوالي المرانِ

أي لولا العقول التي ميز الله بها الناس، لكان الحيوان أدنى إلى الشرف من الإنسان، ولما تفاضل الناس فيما بينهم، ودبرت أيدي الأبطال الشجعان في المعارك الأسلحة التي يحملونها.

يقول: وليس فضل الإنسان بعنصره الموجود منه، كما زعم إبليس حيث قال: خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ [ص:76] بل ذلك بما خصه الله تعالى به من المعنى الذي ضمنه فيه، والأمر الذي رشحه له، وقد أشار إليه بقوله تعالى: فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ [الحجر:29] وقوله تعالى: لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ [ص:75].

إذاً ميزة الإنسان أن الله تعالى خلقه بيده، ونفخ فيه من روحه، فوقع الملائكة له ساجدين، أعني آدم عليه السلام، ثم كانت سلالته مفضلة على بقية الخلق بالعقل والروح والتكليف، فميزهم الله تعالى وفضلهم على كثيرٍ ممن خلق تفضيلاً.

قد رشحوك لأمرٍ لو فطنت له     فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهملِ<

مكانة المرأة في الإسلام

إذاً فنحن ننظر للمرأة على أنها الجزء الآخر من الحياة، والوجه الثاني من المجتمع، ونعتبر الذين ينظرون إلى المرأة، على أنها مجرد أداة لترويج بعض البضائع والسلع، أو مادة للإعلانات التجارية كما يحصل في التلفاز وغيره، أو أنها صورة للإغراء على غلاف مجلة، حتى يقبل عليها المراهقون، أنهم يستخدمون من المرأة الجانب الجسدي فحسب، ويحرضون فتيات المجتمع على العناية بالجانب الجسدي وحده، فنحن نعلم جميعاً -ولا يختلف منا اثنان في هذا- أن الذين يقدمون المرأة في إعلانٍ تجاري في التلفاز، أو على صورة غلاف في مجلة، لا يقدمون للناس الفتاة العاقلة، ولا يقدمون الفتاة الخلوقة، ولا يقدمون الفتاة الذكية، ولا يقدمون الفتاة المتدينة، ولا يقدمون الفتاة البارة، ولا يقدمون الفتاة القادرة على صناعة الحياة، وصناعة السعادة، كلا، إنما يقدمون الفتاة الجميلة!!.

وهم بهذا يقولون لفتيات المجتمع: إن الأهمية هي للجانب الجسدي فحسب، وهي للجمال فقط!! وهذا في الواقع إجحافٌ بحق المرأة ذاتها، قبل أن يكون إهداراً لكرامة الإنسان، وذلك أن الفتيات الجميلات من المجتمع يشكلن في كل المجتمعات نسبة معينة افرض أنها (20%) أو (25%) أفلا يعني ذلك أن هؤلاء يحتقرون ثلاثة أضعاف المجتمع؛ لأنهن لا يتميزن بالجانب الجسدي البارز لديهم؟!

ثم حتى هذه الجميلة، ماذا قدموا لها؟

إنما جعلوها ألعوبة ومطية للوصول إلى أغراضهم، وجعلوها أداة لترويج بضائعهم، ولأخذ الأموال من جيوب الناس وسرقتها من الفقراء؛ حتى يثروا على حساب الآخرين، فهم في الواقع حطموا جنس الإنسان أولاً، وحطموا عنصر المرأة بالذات ثانياً، فأولى طبقات المجتمع بأن تحارب هذه النوعية من الناس هي المرأة، لأنهم يوجهون إلى المرأة تهمة خطيرة، ويحقرون المرأة بما فيه الكفاية.

إن صناعة الإعلام في العالم كله -أيها الأحبة- تقوم عليها اليوم شركات تستخدم من المرأة أداة ترويج لكل شيء، حتى أخص خصائص المرأة تستخدمها شركات الإعلام والإعلان في أغراضٍ لا تمتُّ إلى المرأة بصلة، لا من قريب ولا من بعيد، وربما وجدت إعلاناً عن بعض المعدات الثقيلة، أو الدركترات أو غيرها، أو السيارات، فوجدت أنهم يعلنون عن ذلك، ويلفتون نظر المشاهد من خلال صورة امرأة جميلة.

ونحن لا ننكر الجانب المادي من المرأة، ولذلك سنتحدث في هذه الحلقة وفي حلقات قادمة -إذ قد لا يتسع الحديث الآن لكل شيء- عن الجوانب المادية من المرأة، فسأتحدث عن الموضة والشعر والزواج والمنـزل وغيرها، ولكننا سنضيف إليه الجانب الأخلاقي والمعنوي من المرأة، فنتحدث -مثلاً- عن العبادة، وعن الدعوة، وعن أحوال القلب، وعن الأسرة، وعن العمل، وعن الدراسة، وعن الأشياء الأخرى التي تحتاج المرأة إلى الحديث عنها.

أيها الإخوة والأخوات، كنا بالأمس نسمع بعض الناس يتحدثون عن غياب المرأة، أو غياب الفتاة عن مجالات الإبداع، والأدب، والشعر، والقصة، والنقد، وضعف مشاركتها في هذا المجال، ليس في هذه البلاد فحسب، بل في بلادٍ أخرى كثيرة، فإذا برزت امرأة وكتبت مقالة، أو قصة أو قصيدة أو أخرجت ديواناً، صفقوا وطبلوا، وحاولوا أن يبرزوا هذا من أجل دعوة الأخريات للمشاركة والمساهمة، أما اليوم فإذا بنا نجد أن الأمر تحول إلى مجالات الشعر الشعبي مثلاً، الذي لا يعني أكثر من مغازلات مكشوفة على صفحات الجرائد؛ التي أصبحت تخشى من الكساد، فتتلاعب بمشاعر المراهقين والمراهقات دون رقيبٍ ولا حسيب، فاليوم نقرأ قصيدة شعبية لفتاة، وغداً قصيدة شعبية لفتى، تدور حول عبارات الحب والغزل والغرام والتغني بالحبيب، والشوق إلى لقائه، وشتم العادات والتقاليد على حد تعبيرهم، التي تحول بينهم وبين ما يشتهون.

وتصور فئة قليلة من المجتمع على أنهم يمثلون طبقة الشباب، أو طبقات الفتيات كلهن، بل تطور الأمر أكثر من ذلك، فأصبحنا نجد بعض الصحف الرياضية تنذر بقدوم الأقلام النسائية على صفحاتها الباهتة، وتستفز مشاعر المجتمع بهذه الطريقة الغريبة، ولما لم تجد هذه الصفحات ومن ورائها، تجاوباً من بنات هذا المجتمع، صارت تكتب بأقلامٍ رمزية وتستعير أسماء وهمية للنساء، لا وجود لها إلا في خيال المرضى الذين صنعوها واختلقوها، فهذه مثلاً فتاة كذا، وهذه بنت بريدة، وهذه فتاة الحفر، وهذه مشجعة هلالية، وهذه فتاة نصراوية، وهذه وهذه...الخ، وبعناوين ملفتة، فلانة ترد على فلان، أو عنوان آخر: بنات يهاجمن فلاناً، إثارة مكشوفة، دعوة البنات إلى المساهمة في مجال الكتابة الرياضية، تمهيداً لبروزهن ومشاركتهن ومطالبتهن بالرياضة، وكأن هذه الجريدة الباهتة، تستجدي بناتنا أن يكتبنَ إليها تجاوباً معها، بعد ما استثارت، أو حاولت أن تستثير مشاعرهن للكتابة.

وأنا بطبيعة الحال لستُ أنكر أنّ في مجتمعنا بعض الفتيات المخدوعات، لكنني أعلم علم اليقين -ويعلم غيري- طرائق بعض غلمان الصحافة، لجر الفتيات إلى ما يريدون، وطرائقهم إيضاً في طرح الموضوعات النسائية بأسلوبهم الخاص.

ونحن نخاطب أولاً الإخوة القائمين على تلك الصحف، أن يتقوا الله تعالى في بنات المسلمين، فلسنا بحاجة إلى مثل هذه الهموم الرياضية الجديدة إن صح التعبير، التي يريدون أن يغرقوا فيها بنات المسلمين، وكفى ما نال شبابنا من الضياع على مدرجات الكرة، وكفى ما نال شبابنا من الضياع على الأرصفة.

ونخاطب ثانياً أولياء أمور البنات والشباب في بيوتهم، أن يراقبوا بيوتهم جيداً، فمن غير المعقولٍ -أيها الأب الكريم- أبداً أن تشتري جهاز التلفاز، وتضعه في البيت، ولا تدري ماذا يحدث بعد ذلك، فأقل ما نستطيع أن نقوله لك: إن هذا الجهاز يعرض المباريات الرياضية، وليس ببعيد، أن يكون من بين اللاعبين -وهم يظهرون بصورةٍ تبرز أكثر أجسامهم- من يلفت نظر الفتيات، فيكون مجالاً للإغراء، ومجالاً للإعجاب، ومجالاً للحديث، ومجالاً للاتصال، وربما اتصلت فتاة تسبق دمعتها كلمتها، تقول: كنتُ أسخر ممن يقولون: أخرجوا التلفاز من البيوت، واليوم عرفتُ لماذا يطالب الصالحون بإخراجه من البيوت، لأنني وقعت ضحيته، ووقعت في هوى من لو جاء يخطبني من الباب ما قبلته، ولكنها بلوى الفؤاد.

كما أننا نخاطب القائمين على رقابة الصحف في كل مكان، ألّا يسمح بنشر مثل هذا الهراء، ومثل هذا الهوس الكروي على صفحات الجرائد والمجلات، حفاظاً على أخلاقيات الأمة، وحفاظاً على المستوى الذي نريده لصحافتنا! أما بعد:

إذاً نحن حين نتكلم عن هموم الإنسان، رجلاً كان أو امرأة، لا نقصد به هموم الجسد فحسب، ولا هموم المادة فسحب، ولا هموم الأشباح الحسية، وإنما نقصد هذه ونقصد معها هموم العقل وهموم الروح، التي بها تميز الإنسان وصار إنساناً، وأنقل لك ولكِ أختي المسلمة أيضاً، نصاً آخر عن الراغب في كتابه السالف الذكر أيضاً، وهو نصٌ جميل يقول: "جعل الله الإنسان سلالة العالم وزبدته، وهو المخصوص بالكرامة، كما قال الله تعالى: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ [الاسراء:70] وجعل ما سواه كالمعونة له، كما قال الله تعالى في معرض الامتنان: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ [البقرة:29] قال: وليس فضله بقوة الجسم؛ فالفيل والبعير أقوى منه أجساماً، ولا بطول العمر في الدنيا، فالنسر أطول عمراً منه".

وأقول من عندي: ذكر بعض الذين صنفوا في الحيوان كـالجاحظ، والدميري وغيرهم، أن الضب أيضاً طويل العمر، حتى قال بعضهم: إنه يعيش إلى سبعمائة سنة، ولا أدري من هو الذي عاش سبعمائة سنة، حتى راقب الضب واكتشف أنه عاش هذه المدة الطويلة! المهم هذا مما قيل.

يقول: فليس فضل الإنسان بقوة الجسم؛ فالفيل والبعير أقوى منه أجساماً، ولا بطول العمر في الدنيا؛ فالنسر والفيل أطول منه عمراً، ولا بشدة البطش؛ فالأسد والنمر أشد منه بطشاً، ولا باللباس واللون؛ فالطاوس والدراج أحسن منه لباساً ولوناً، ولا بالقوة على النكاح؛ فالحمار والعصفور أقوى منه نكاحاً، ولا بكثرة الذهب والفضة؛ فالمعادن والجبال أكثر منه ذهباً وفضة.

قال المتنبي:

لولا العقولُ لكان أدنى ضيغم     أدنى إلى شرف من الإنسانِ

ولما تفاضلت النفوس ودبرت     أيدي الكماة عوالي المرانِ

أي لولا العقول التي ميز الله بها الناس، لكان الحيوان أدنى إلى الشرف من الإنسان، ولما تفاضل الناس فيما بينهم، ودبرت أيدي الأبطال الشجعان في المعارك الأسلحة التي يحملونها.

يقول: وليس فضل الإنسان بعنصره الموجود منه، كما زعم إبليس حيث قال: خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ [ص:76] بل ذلك بما خصه الله تعالى به من المعنى الذي ضمنه فيه، والأمر الذي رشحه له، وقد أشار إليه بقوله تعالى: فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ [الحجر:29] وقوله تعالى: لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ [ص:75].

إذاً ميزة الإنسان أن الله تعالى خلقه بيده، ونفخ فيه من روحه، فوقع الملائكة له ساجدين، أعني آدم عليه السلام، ثم كانت سلالته مفضلة على بقية الخلق بالعقل والروح والتكليف، فميزهم الله تعالى وفضلهم على كثيرٍ ممن خلق تفضيلاً.

قد رشحوك لأمرٍ لو فطنت له     فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهملِ<

إذاً فنحن ننظر للمرأة على أنها الجزء الآخر من الحياة، والوجه الثاني من المجتمع، ونعتبر الذين ينظرون إلى المرأة، على أنها مجرد أداة لترويج بعض البضائع والسلع، أو مادة للإعلانات التجارية كما يحصل في التلفاز وغيره، أو أنها صورة للإغراء على غلاف مجلة، حتى يقبل عليها المراهقون، أنهم يستخدمون من المرأة الجانب الجسدي فحسب، ويحرضون فتيات المجتمع على العناية بالجانب الجسدي وحده، فنحن نعلم جميعاً -ولا يختلف منا اثنان في هذا- أن الذين يقدمون المرأة في إعلانٍ تجاري في التلفاز، أو على صورة غلاف في مجلة، لا يقدمون للناس الفتاة العاقلة، ولا يقدمون الفتاة الخلوقة، ولا يقدمون الفتاة الذكية، ولا يقدمون الفتاة المتدينة، ولا يقدمون الفتاة البارة، ولا يقدمون الفتاة القادرة على صناعة الحياة، وصناعة السعادة، كلا، إنما يقدمون الفتاة الجميلة!!.

وهم بهذا يقولون لفتيات المجتمع: إن الأهمية هي للجانب الجسدي فحسب، وهي للجمال فقط!! وهذا في الواقع إجحافٌ بحق المرأة ذاتها، قبل أن يكون إهداراً لكرامة الإنسان، وذلك أن الفتيات الجميلات من المجتمع يشكلن في كل المجتمعات نسبة معينة افرض أنها (20%) أو (25%) أفلا يعني ذلك أن هؤلاء يحتقرون ثلاثة أضعاف المجتمع؛ لأنهن لا يتميزن بالجانب الجسدي البارز لديهم؟!

ثم حتى هذه الجميلة، ماذا قدموا لها؟

إنما جعلوها ألعوبة ومطية للوصول إلى أغراضهم، وجعلوها أداة لترويج بضائعهم، ولأخذ الأموال من جيوب الناس وسرقتها من الفقراء؛ حتى يثروا على حساب الآخرين، فهم في الواقع حطموا جنس الإنسان أولاً، وحطموا عنصر المرأة بالذات ثانياً، فأولى طبقات المجتمع بأن تحارب هذه النوعية من الناس هي المرأة، لأنهم يوجهون إلى المرأة تهمة خطيرة، ويحقرون المرأة بما فيه الكفاية.

إن صناعة الإعلام في العالم كله -أيها الأحبة- تقوم عليها اليوم شركات تستخدم من المرأة أداة ترويج لكل شيء، حتى أخص خصائص المرأة تستخدمها شركات الإعلام والإعلان في أغراضٍ لا تمتُّ إلى المرأة بصلة، لا من قريب ولا من بعيد، وربما وجدت إعلاناً عن بعض المعدات الثقيلة، أو الدركترات أو غيرها، أو السيارات، فوجدت أنهم يعلنون عن ذلك، ويلفتون نظر المشاهد من خلال صورة امرأة جميلة.

ونحن لا ننكر الجانب المادي من المرأة، ولذلك سنتحدث في هذه الحلقة وفي حلقات قادمة -إذ قد لا يتسع الحديث الآن لكل شيء- عن الجوانب المادية من المرأة، فسأتحدث عن الموضة والشعر والزواج والمنـزل وغيرها، ولكننا سنضيف إليه الجانب الأخلاقي والمعنوي من المرأة، فنتحدث -مثلاً- عن العبادة، وعن الدعوة، وعن أحوال القلب، وعن الأسرة، وعن العمل، وعن الدراسة، وعن الأشياء الأخرى التي تحتاج المرأة إلى الحديث عنها.

أيها الإخوة والأخوات، كنا بالأمس نسمع بعض الناس يتحدثون عن غياب المرأة، أو غياب الفتاة عن مجالات الإبداع، والأدب، والشعر، والقصة، والنقد، وضعف مشاركتها في هذا المجال، ليس في هذه البلاد فحسب، بل في بلادٍ أخرى كثيرة، فإذا برزت امرأة وكتبت مقالة، أو قصة أو قصيدة أو أخرجت ديواناً، صفقوا وطبلوا، وحاولوا أن يبرزوا هذا من أجل دعوة الأخريات للمشاركة والمساهمة، أما اليوم فإذا بنا نجد أن الأمر تحول إلى مجالات الشعر الشعبي مثلاً، الذي لا يعني أكثر من مغازلات مكشوفة على صفحات الجرائد؛ التي أصبحت تخشى من الكساد، فتتلاعب بمشاعر المراهقين والمراهقات دون رقيبٍ ولا حسيب، فاليوم نقرأ قصيدة شعبية لفتاة، وغداً قصيدة شعبية لفتى، تدور حول عبارات الحب والغزل والغرام والتغني بالحبيب، والشوق إلى لقائه، وشتم العادات والتقاليد على حد تعبيرهم، التي تحول بينهم وبين ما يشتهون.

وتصور فئة قليلة من المجتمع على أنهم يمثلون طبقة الشباب، أو طبقات الفتيات كلهن، بل تطور الأمر أكثر من ذلك، فأصبحنا نجد بعض الصحف الرياضية تنذر بقدوم الأقلام النسائية على صفحاتها الباهتة، وتستفز مشاعر المجتمع بهذه الطريقة الغريبة، ولما لم تجد هذه الصفحات ومن ورائها، تجاوباً من بنات هذا المجتمع، صارت تكتب بأقلامٍ رمزية وتستعير أسماء وهمية للنساء، لا وجود لها إلا في خيال المرضى الذين صنعوها واختلقوها، فهذه مثلاً فتاة كذا، وهذه بنت بريدة، وهذه فتاة الحفر، وهذه مشجعة هلالية، وهذه فتاة نصراوية، وهذه وهذه...الخ، وبعناوين ملفتة، فلانة ترد على فلان، أو عنوان آخر: بنات يهاجمن فلاناً، إثارة مكشوفة، دعوة البنات إلى المساهمة في مجال الكتابة الرياضية، تمهيداً لبروزهن ومشاركتهن ومطالبتهن بالرياضة، وكأن هذه الجريدة الباهتة، تستجدي بناتنا أن يكتبنَ إليها تجاوباً معها، بعد ما استثارت، أو حاولت أن تستثير مشاعرهن للكتابة.

وأنا بطبيعة الحال لستُ أنكر أنّ في مجتمعنا بعض الفتيات المخدوعات، لكنني أعلم علم اليقين -ويعلم غيري- طرائق بعض غلمان الصحافة، لجر الفتيات إلى ما يريدون، وطرائقهم إيضاً في طرح الموضوعات النسائية بأسلوبهم الخاص.

ونحن نخاطب أولاً الإخوة القائمين على تلك الصحف، أن يتقوا الله تعالى في بنات المسلمين، فلسنا بحاجة إلى مثل هذه الهموم الرياضية الجديدة إن صح التعبير، التي يريدون أن يغرقوا فيها بنات المسلمين، وكفى ما نال شبابنا من الضياع على مدرجات الكرة، وكفى ما نال شبابنا من الضياع على الأرصفة.

ونخاطب ثانياً أولياء أمور البنات والشباب في بيوتهم، أن يراقبوا بيوتهم جيداً، فمن غير المعقولٍ -أيها الأب الكريم- أبداً أن تشتري جهاز التلفاز، وتضعه في البيت، ولا تدري ماذا يحدث بعد ذلك، فأقل ما نستطيع أن نقوله لك: إن هذا الجهاز يعرض المباريات الرياضية، وليس ببعيد، أن يكون من بين اللاعبين -وهم يظهرون بصورةٍ تبرز أكثر أجسامهم- من يلفت نظر الفتيات، فيكون مجالاً للإغراء، ومجالاً للإعجاب، ومجالاً للحديث، ومجالاً للاتصال، وربما اتصلت فتاة تسبق دمعتها كلمتها، تقول: كنتُ أسخر ممن يقولون: أخرجوا التلفاز من البيوت، واليوم عرفتُ لماذا يطالب الصالحون بإخراجه من البيوت، لأنني وقعت ضحيته، ووقعت في هوى من لو جاء يخطبني من الباب ما قبلته، ولكنها بلوى الفؤاد.

كما أننا نخاطب القائمين على رقابة الصحف في كل مكان، ألّا يسمح بنشر مثل هذا الهراء، ومثل هذا الهوس الكروي على صفحات الجرائد والمجلات، حفاظاً على أخلاقيات الأمة، وحفاظاً على المستوى الذي نريده لصحافتنا! أما بعد:

فالهموم التي سأتحدث عنها كثيرة، وسأبدؤها بهمّ هو لا شك ليس أكبرها ولا أعظمها، ولكن هكذا بدأت به، ثم شعرتُ بأن الوقت لا يتسع لغيره.

إذاً فترتيب هذه النقاط التي سأتحدث عنها لا يخضع لأهميتها، بل بالعكس، ربما كان الموضوع الأول، ينبغي أن يكون هو آخر الموضوعات، ليس أهمها بل هو في آخرها، أو من آخرها.

همُّ الموضة

والموضة كلمة أجنبية إنجليزية معناها: على الطراز الحديث أو الجديد، أو آخر زي، والإنسان الذي يتبع الموضة أولاً بأول، ذكراً أو أنثى، يطلق عليه عندهم: مودرن، أي عصري أو جديد، وهذه الألفاظ البراقة، مثل طراز حديث، أو آخر زي، أو موضة، وهذه الألفاظ تختلب ألباب السطحيين دائماً، وتجعلهم يسيرون في ركابها، لأنهم غير مستقلين في حكمهم على الأشياء بل هم تابعون لغيرهم، فلا يحبون أن يكونوا متأخرين في نظر الناس، أو رجعيين أو متخلفين، أو كما تقول بعض البنات: دقة قديمة، وهذا إذا رأت امرأة لا تتابع الموضة، فتقول: هذه دقة قديمة، ومن قبل سميت الخمر مشروبات روحية، وسمي الزنا حباً وغراماً عند بعضهم، وسمي الانحلال والفجور وكشف العورات فناً، وسميت عبودية الأجسام رياضة.

وفي المقابل يحرص الغرب على تسمية الإسلام بالرجعية، وكثيراً ما يطلق الآخرون على المتدين بأنه معقد أو طائفي أو متطرف أو أصولي أو ما أشبه ذلك من العبارات التي يقلبون بها الحقائق، من أجل تنفير الناس عن هذا الأمر، أو دعوتهم إلى ضده.

والموضة هي فنٌ مستقل أيضاً، قائم بذاته، له في الغرب والشرق دورٌ كبيرة، ودور العرض أيضاً موجودة مع الأسف حتى في بلاد الإسلام، بل حتى في كثيرٍ من البلاد المحافظة، حيث يضعون صالات العرض -عرض الأزياء- انتظاراً لوجود فرص تتيح لهم أن يقوموا بالعرض، فأماكن العرض مستمرة، والحفلات الساهرة تستنـزف ملايين الريالات، وهناك برامج إذاعية وتلفازية، تهتم بالموضة، وليس بغريبٍ فقد أعلنت الصحف في هذه الأيام عن مركز تلفزيون الشرق الأوسط، وهذا المركز يبث من لندن إلى العالم، وإلى العالم العربي بالذات، ومن ضمن البرامج التي أعلنوا عنها -لدعوة الناس ولفت نظرهم إلى هذا المركز- برنامج دنيا الموضة!! وهو في طليعة البرامج التي يبشرون بها الجماهير!!

وإن مما يلفت النظر بالمناسبة، أنني قد قرأت في الأمس في جريدة الرياض إعلاناً غريباً جداً، وهو إعلان عن إيريال هوائي خفيف صغير الحجم، ثمنه معقول، يباع في محل مجهول لا يُعْرَف مكانه إلا من خلال الهاتف، والخطوط التلفونية الضخمة التي تدل على توقع الإقبال الكبير عليه، وهذا الإيريال يستقبل مركز تلفزيون الشرق الأوسط، الذي يبث من بريطانيا، والمحطة المصرية، ومحطة الهند، ويحتمل إضافة محطات أخرى، وهو خفيف التركيب سهل الأداء، وبطبيعة الحال سيكون سعره معقولاً، وليس مثل الأشياء الغالية الأخرى، الأقراص التي قد تصل إلى عشرات الآلاف من الريالات، أما هذا فسيكون أقل حتى يتسنى للآخرين الاستفادة منه، وربما قالوا: إنه صنع خصيصاً للشرق الأوسط، فلستُ أستبعدُ أبداً أن يكون روعي في صناعته بشكل خاص؛ أنه يمكن وضعه في البيت دون أن يدرك الآخرون ذلك، بحيث لا يدري الناس إن كان هذا البيت يستقبل البث الخارجي أو لا يستقبل، لأن هذا الإيريال صغير ومعقول، ولا يشاهد بصورة واضحة كما تشاهد الأقراص الكبيرة.

وهذا جزء من الغزو الخطير الكبير، ونحن نتذكر في هذه المناسبة قوله تعالى: إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً [الأحزاب:10-11].

إنها حضارة جديدة، وثقافة جديدة، وتعاليم جديدة، بل أقول بكل وضوح: إنه دين جديد يقدم للناس كبديل عن دين الإسلام.

فإذا كان الإسلام ينظم حياة الإنسان من يوم يولد إلى أن يموت، فالإسلام يستلم الإنسان يوم يولد، بل قبل الولادة، حتى وهو في بطن أمه، ويوم يولد، يستلمه الإسلام فيقترح الاسم المناسب، ويذكر الأسماء الممنوعة مثلاً، إلى أن يموت، فيذكر مثلاً طريقة دفن الميت، وما بين ذلك كله دين، ينظم لك من... إلى، فما يعرض من خلال قنوات البث الإعلامية هو دينٌ جديد بديل عن الإسلام، يستلم الإنسان منذُ نعومة أظفاره، ومنذُ طفولته، فيما يسمى بأفلام الكرتون وغيرها، إلى أن يلفظ آخر نفس في حياته، وهو ينظم له برنامج حياته كاملاً.

فهذه قضية يجب أن تكون واضحة للعيان، وأن ندرك حجم الخطر، وكيف نواجه مثل هذه المخاطر التي تهدد المسلمين، المهم أن أقول: إن دنيا الموضة هي من أهم البرامج التي يبشرون بها في هذا المركز.

أما المرأة فإنما يبشرون بدنيا الموضة لها، لكي تطلع على آخر صرعات الموضة ساعة بساعة، بل دقيقة بدقيقة، وأما الرجل فلكي يستمتع بمشاهدة اللحوم الآدمية، التي تتخصص في تهييج الغرائز وإثارتها باسم الفن والعرض والرقص..الخ.

خاصة وقد نشرت جريدة الشرق الأوسط أيضاً، في عدد الجمعة مقالاً ضافياً واسعاً، بعنوان: لندن تستعيد مكانتها الدولية في عالم الأناقة والموضة.

أيها الأحبة.. وأيها الأخوات! للموضة قانونٌ صارخ، لا يجوز في عرف ودين ملوك الموضة تعديه، ويسهر على حماية هذ القانون جموعٌ من ضعفاء العقول المجندين لخدمة رجال الموضة ودورها وبيوتها، إذا رأى هؤلاء الرجال أو النساء المرأة مثلاً تلبس أزياء السهرة في الصباح، أو أزياء الصباح في الظهيرة، أو أزياء الليل في النهار، أو أزياء النهار في الليل، أو أزياء فصل الربيع في الخريف، أوالعكس، تغامزوا وتضاحكوا وتقهقهوا، كأنهم رأوا إنساناً قد هبط عليهم من عالمٍ آخر، أو من كوكبٍ آخر.

وبذلك يحكمون القبضة، فلا يستطيع إنسان أن يخرج عن رموزهم وعن رسومهم وعن طقوسهم وعن شرائعهم في عالم الموضة، وليس الفرق فيما يتعلق بالموضة في سماكة الثوب، وأن منه للصيف ثوب، ومنه للشتاء ثوب، أو شفافيته، كلا، بل تعدى الأمر إلى الألوان، والخيوط، والخطوط، والتصميمات، والأشكال، والأحجام... إلى غيرها.

المكياج

ويتبع ذلك أيضاً المكياج، فهناك عشرات الألوان مما يسمى بأحمر الشفاة، وعدة ألوان من ظلال العيون، وأغلبها ذلك اللون الأحمر الباهت الذي يجعل المرأة التي تطلي به جفنيها، وكأن جفنيها متورمان من شدة البكاء، وكأنها امرأة حزينة قد ابتليت بمصيبة، وهذا يصبح موضة أو عادة لا تملك الفتاة إلا أن تخضع له، ويصبح حسناً في عينها، ولو كان قبيحاً في عينها قبل قليل.

ومن الغريب أن الوشم وهو ظاهرة قديمة، يسعى إلى إخراج الدم من الجلد عن طريق الوخز أو غيره، ثم يثبت بذلك ويصبح ألواناً ثابتة في الجسد، هذا الوشم كان موجوداً عند أهل البادية في الزمان القديم، ومرَّ وقت شنت عليه الصحافة والكتب والمحاضرات وغيرها حملة شعواء، وأن هذا تشويه للإنسان، وهذا، وهذا...إلخ.

أما الآن فعاد الوشم من جديد لأنه قانون الموضة الصارم الذي يفرض على الجميع، فعاد الوشم من جديد، ولا تستغرب ولا تستغربي أبداً أن تجدي فتاةً يوماً من الأيام، وقد وشمت في وجهها، أو في يديها، أو في أي موضع من جسمها بلا استثناء، صوراً، أو ألواناً أو زهوراً أو أشياء معينة، لأن هذا قانون الموضة الجديد.

ثم هناك أيضاً من ألوان المكاييج مكياج خاص للون الأسمر، ومكياج خاص للأشقر، وثالث ورابع وخامس، وهناك أدهان منوعة، لحفظ البشرة، وأخرى لترطيبها، وثالثة لتغذيتها، ورابعة لتنظيفها، وخامسة لتثبيت المكياج، وسادسة لإزالته، وسابعة وثامنة وتاسعة..إلخ.

تسريحات الشعر

وهناك تسريحات الشعر، وهي شيءٌ آخر، وكل موضة لها تسريحة تخصها، والذين يتبعون هذه الموضة، أو هذه التسريحة لا يملكون إلا أن يخضعوا لرسومها، فإذا كانت رسوم الموضة تقتضي أن يكون الشعر منتفشاً مجعداً، فإنه لا بد من فعل ذلك، حتى ولو كانت الفتاة ذات شعرٍ ناعم، تتفاخر بنعومته في الأمس، فإنها اليوم تسعى بألوان المعالجات المختلفة حتى يصبح شعرها متثنياً ومجعداً، وإذا كانت الموضة بعكس ذلك، فإنها تسعى بقدر ما تستطيع، من خلال الكوافير وغيرها إلى أن يكون شعرها ناعماً مسترسلاً، وليس المهم هو أن يعجبها هذا أو ذاك، إنما المهم هو متابعة قانون الموضة، شبراً بشبر، وذراعاً بذراع، وألا تخرج عنه بحالٍ من الأحوال.

وهذه لا شك أنواعٌ من الأشياء التي أتتنا عن طريق الغرب، وأصبحنا نسير فيها حذو القذة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلناه، وهناك أنواع بطبيعة الحال من البودرة والعطور، وطلاء الأظافر، ومن التسريحات التي نسمع بها في مجتمعنا: تسريحات الكاريه، والقصة الفرنسية، وآخر ما سمعت من صرعات التسريحات: عاصفة الصحراء!!

والموضة كلمة أجنبية إنجليزية معناها: على الطراز الحديث أو الجديد، أو آخر زي، والإنسان الذي يتبع الموضة أولاً بأول، ذكراً أو أنثى، يطلق عليه عندهم: مودرن، أي عصري أو جديد، وهذه الألفاظ البراقة، مثل طراز حديث، أو آخر زي، أو موضة، وهذه الألفاظ تختلب ألباب السطحيين دائماً، وتجعلهم يسيرون في ركابها، لأنهم غير مستقلين في حكمهم على الأشياء بل هم تابعون لغيرهم، فلا يحبون أن يكونوا متأخرين في نظر الناس، أو رجعيين أو متخلفين، أو كما تقول بعض البنات: دقة قديمة، وهذا إذا رأت امرأة لا تتابع الموضة، فتقول: هذه دقة قديمة، ومن قبل سميت الخمر مشروبات روحية، وسمي الزنا حباً وغراماً عند بعضهم، وسمي الانحلال والفجور وكشف العورات فناً، وسميت عبودية الأجسام رياضة.

وفي المقابل يحرص الغرب على تسمية الإسلام بالرجعية، وكثيراً ما يطلق الآخرون على المتدين بأنه معقد أو طائفي أو متطرف أو أصولي أو ما أشبه ذلك من العبارات التي يقلبون بها الحقائق، من أجل تنفير الناس عن هذا الأمر، أو دعوتهم إلى ضده.

والموضة هي فنٌ مستقل أيضاً، قائم بذاته، له في الغرب والشرق دورٌ كبيرة، ودور العرض أيضاً موجودة مع الأسف حتى في بلاد الإسلام، بل حتى في كثيرٍ من البلاد المحافظة، حيث يضعون صالات العرض -عرض الأزياء- انتظاراً لوجود فرص تتيح لهم أن يقوموا بالعرض، فأماكن العرض مستمرة، والحفلات الساهرة تستنـزف ملايين الريالات، وهناك برامج إذاعية وتلفازية، تهتم بالموضة، وليس بغريبٍ فقد أعلنت الصحف في هذه الأيام عن مركز تلفزيون الشرق الأوسط، وهذا المركز يبث من لندن إلى العالم، وإلى العالم العربي بالذات، ومن ضمن البرامج التي أعلنوا عنها -لدعوة الناس ولفت نظرهم إلى هذا المركز- برنامج دنيا الموضة!! وهو في طليعة البرامج التي يبشرون بها الجماهير!!

وإن مما يلفت النظر بالمناسبة، أنني قد قرأت في الأمس في جريدة الرياض إعلاناً غريباً جداً، وهو إعلان عن إيريال هوائي خفيف صغير الحجم، ثمنه معقول، يباع في محل مجهول لا يُعْرَف مكانه إلا من خلال الهاتف، والخطوط التلفونية الضخمة التي تدل على توقع الإقبال الكبير عليه، وهذا الإيريال يستقبل مركز تلفزيون الشرق الأوسط، الذي يبث من بريطانيا، والمحطة المصرية، ومحطة الهند، ويحتمل إضافة محطات أخرى، وهو خفيف التركيب سهل الأداء، وبطبيعة الحال سيكون سعره معقولاً، وليس مثل الأشياء الغالية الأخرى، الأقراص التي قد تصل إلى عشرات الآلاف من الريالات، أما هذا فسيكون أقل حتى يتسنى للآخرين الاستفادة منه، وربما قالوا: إنه صنع خصيصاً للشرق الأوسط، فلستُ أستبعدُ أبداً أن يكون روعي في صناعته بشكل خاص؛ أنه يمكن وضعه في البيت دون أن يدرك الآخرون ذلك، بحيث لا يدري الناس إن كان هذا البيت يستقبل البث الخارجي أو لا يستقبل، لأن هذا الإيريال صغير ومعقول، ولا يشاهد بصورة واضحة كما تشاهد الأقراص الكبيرة.

وهذا جزء من الغزو الخطير الكبير، ونحن نتذكر في هذه المناسبة قوله تعالى: إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً [الأحزاب:10-11].

إنها حضارة جديدة، وثقافة جديدة، وتعاليم جديدة، بل أقول بكل وضوح: إنه دين جديد يقدم للناس كبديل عن دين الإسلام.

فإذا كان الإسلام ينظم حياة الإنسان من يوم يولد إلى أن يموت، فالإسلام يستلم الإنسان يوم يولد، بل قبل الولادة، حتى وهو في بطن أمه، ويوم يولد، يستلمه الإسلام فيقترح الاسم المناسب، ويذكر الأسماء الممنوعة مثلاً، إلى أن يموت، فيذكر مثلاً طريقة دفن الميت، وما بين ذلك كله دين، ينظم لك من... إلى، فما يعرض من خلال قنوات البث الإعلامية هو دينٌ جديد بديل عن الإسلام، يستلم الإنسان منذُ نعومة أظفاره، ومنذُ طفولته، فيما يسمى بأفلام الكرتون وغيرها، إلى أن يلفظ آخر نفس في حياته، وهو ينظم له برنامج حياته كاملاً.

فهذه قضية يجب أن تكون واضحة للعيان، وأن ندرك حجم الخطر، وكيف نواجه مثل هذه المخاطر التي تهدد المسلمين، المهم أن أقول: إن دنيا الموضة هي من أهم البرامج التي يبشرون بها في هذا المركز.

أما المرأة فإنما يبشرون بدنيا الموضة لها، لكي تطلع على آخر صرعات الموضة ساعة بساعة، بل دقيقة بدقيقة، وأما الرجل فلكي يستمتع بمشاهدة اللحوم الآدمية، التي تتخصص في تهييج الغرائز وإثارتها باسم الفن والعرض والرقص..الخ.

خاصة وقد نشرت جريدة الشرق الأوسط أيضاً، في عدد الجمعة مقالاً ضافياً واسعاً، بعنوان: لندن تستعيد مكانتها الدولية في عالم الأناقة والموضة.

أيها الأحبة.. وأيها الأخوات! للموضة قانونٌ صارخ، لا يجوز في عرف ودين ملوك الموضة تعديه، ويسهر على حماية هذ القانون جموعٌ من ضعفاء العقول المجندين لخدمة رجال الموضة ودورها وبيوتها، إذا رأى هؤلاء الرجال أو النساء المرأة مثلاً تلبس أزياء السهرة في الصباح، أو أزياء الصباح في الظهيرة، أو أزياء الليل في النهار، أو أزياء النهار في الليل، أو أزياء فصل الربيع في الخريف، أوالعكس، تغامزوا وتضاحكوا وتقهقهوا، كأنهم رأوا إنساناً قد هبط عليهم من عالمٍ آخر، أو من كوكبٍ آخر.

وبذلك يحكمون القبضة، فلا يستطيع إنسان أن يخرج عن رموزهم وعن رسومهم وعن طقوسهم وعن شرائعهم في عالم الموضة، وليس الفرق فيما يتعلق بالموضة في سماكة الثوب، وأن منه للصيف ثوب، ومنه للشتاء ثوب، أو شفافيته، كلا، بل تعدى الأمر إلى الألوان، والخيوط، والخطوط، والتصميمات، والأشكال، والأحجام... إلى غيرها.

ويتبع ذلك أيضاً المكياج، فهناك عشرات الألوان مما يسمى بأحمر الشفاة، وعدة ألوان من ظلال العيون، وأغلبها ذلك اللون الأحمر الباهت الذي يجعل المرأة التي تطلي به جفنيها، وكأن جفنيها متورمان من شدة البكاء، وكأنها امرأة حزينة قد ابتليت بمصيبة، وهذا يصبح موضة أو عادة لا تملك الفتاة إلا أن تخضع له، ويصبح حسناً في عينها، ولو كان قبيحاً في عينها قبل قليل.

ومن الغريب أن الوشم وهو ظاهرة قديمة، يسعى إلى إخراج الدم من الجلد عن طريق الوخز أو غيره، ثم يثبت بذلك ويصبح ألواناً ثابتة في الجسد، هذا الوشم كان موجوداً عند أهل البادية في الزمان القديم، ومرَّ وقت شنت عليه الصحافة والكتب والمحاضرات وغيرها حملة شعواء، وأن هذا تشويه للإنسان، وهذا، وهذا...إلخ.

أما الآن فعاد الوشم من جديد لأنه قانون الموضة الصارم الذي يفرض على الجميع، فعاد الوشم من جديد، ولا تستغرب ولا تستغربي أبداً أن تجدي فتاةً يوماً من الأيام، وقد وشمت في وجهها، أو في يديها، أو في أي موضع من جسمها بلا استثناء، صوراً، أو ألواناً أو زهوراً أو أشياء معينة، لأن هذا قانون الموضة الجديد.

ثم هناك أيضاً من ألوان المكاييج مكياج خاص للون الأسمر، ومكياج خاص للأشقر، وثالث ورابع وخامس، وهناك أدهان منوعة، لحفظ البشرة، وأخرى لترطيبها، وثالثة لتغذيتها، ورابعة لتنظيفها، وخامسة لتثبيت المكياج، وسادسة لإزالته، وسابعة وثامنة وتاسعة..إلخ.

وهناك تسريحات الشعر، وهي شيءٌ آخر، وكل موضة لها تسريحة تخصها، والذين يتبعون هذه الموضة، أو هذه التسريحة لا يملكون إلا أن يخضعوا لرسومها، فإذا كانت رسوم الموضة تقتضي أن يكون الشعر منتفشاً مجعداً، فإنه لا بد من فعل ذلك، حتى ولو كانت الفتاة ذات شعرٍ ناعم، تتفاخر بنعومته في الأمس، فإنها اليوم تسعى بألوان المعالجات المختلفة حتى يصبح شعرها متثنياً ومجعداً، وإذا كانت الموضة بعكس ذلك، فإنها تسعى بقدر ما تستطيع، من خلال الكوافير وغيرها إلى أن يكون شعرها ناعماً مسترسلاً، وليس المهم هو أن يعجبها هذا أو ذاك، إنما المهم هو متابعة قانون الموضة، شبراً بشبر، وذراعاً بذراع، وألا تخرج عنه بحالٍ من الأحوال.

وهذه لا شك أنواعٌ من الأشياء التي أتتنا عن طريق الغرب، وأصبحنا نسير فيها حذو القذة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلناه، وهناك أنواع بطبيعة الحال من البودرة والعطور، وطلاء الأظافر، ومن التسريحات التي نسمع بها في مجتمعنا: تسريحات الكاريه، والقصة الفرنسية، وآخر ما سمعت من صرعات التسريحات: عاصفة الصحراء!!

وكما أن هناك موضات للنساء فيجب أن نعلم أيضاً أن الرجال لهم كذلك موضات خاصة، ولا بد أن بعضكم مرَّ على أماكن الحلاقة بالنسبة للرجال، ووجد أنواع القصات للشباب، فالرجال أيضاً لهم موضات خاصة، ونقوش وألوان وخامات تصنع منها الثياب والقمصان، وهي تستهدف إلحاق الرجال بالنساء، فهناك السلاسل الذهبية التي يلبسها بعض الشباب، وهناك قصات الشعر كما أسلفت، وهناك تشجيعهم على حلق اللحية، واعتبار أن إعفاءها نوعٌ من التخلف، فهذا قانون الموضة، وهو يخالف شريعة الله تعالى، ومع ذلك فيتبعون قانون الموضة..!

ومن الطريف أنه في أكثر من بلد إسلامي -وأقول بين قوسين: إسلامي باعتبار ما كان- يحارون حين يريدون أن يضعوا لوحة على حمامات النساء، وحمامات الرجال، كيف يميزون أن هذه الحمامات للرجال، وهذه الحمامات للنساء؟

وذلك لأن الفوارق عندهم ذابت أو كادت أن تذوب بين الرجل والمرأة، وقد رأيت بعيني أنهم -أحياناً- يضعون على حمامات الرجال صورة إنسان وبفمه ما يسمى بالغليون، لأنه لا يوجد شيء يميزون به الرجل، إلا أنه أكثر تدخيناً من المرأة، فيضعون صورة إنسان، -لا أقول: رجل، لأنه لا يتميز أنه رجل أو امرأة- المهم في فمه الغليون، فتدخين الغليون دليل على أن دورات المياه هذه خاصة بالرجال.

وأحياناً يضعون صورة حذاء بكعبٍ عالي، وكأنه لم يبق من ميزة المرأة إلا الكعب العالي، وأحياناً ثوباً قصيراً ميزة للمرأة، لأن المرأة تلبس ثوباً قصيراً، أما الرجل فثوبه إلى ما تحت الكعبين، وهذا مع الأسف موجود حتى في هذا البلد، في أكثر من مكان، وربما تراه في بعض المطارات أحياناً، وذات مرة، قررت الموضة أن تجعل من رسومها إعفاء اللحية، فسارع المفتونون بالموضة إلى إعفاء اللحية، ثم عادوا إلى حلقها من جديد، حينما تغيرت الموضة واختلفت.

ونحن نجد مع الأسف الشديد، أن من الأجانب، من العظماء عندهم ومن نخبتهم الممتازة، ممن يسمونهم برجال الدين ومن المفكرين، ومن الرسامين، ومن الفلاسفة، ومن أصحاب العقليات الفذة والعباقرة عندهم من يعفون لحاهم، ويفتخرون بها، ويظهرون في صورهم بلحاهم الكثة، وفي كثير من بلاد الإسلام، صار حتى العلماء والفقهاء والوعاظ يتحرجون من إعفاء اللحية، ويحلقونها ليعبروا على الأقل للآخرين عن مرونتهم وتسامحهم، ويتخلصوا من وصمة التطرف والتخلف التي يخشون أن تلصقها بهم جهة من الجهات.

فلقد صارت الموضة، وملاحقة الموضة هماً يعيشُ مع الفتى ومع الفتاة ليلاً ونهاراً، حتى والفتاة على مقاعد الدراسة!

وليسمح لي الجميع أن أذكر لكم نكتة مصنعة محلياً، فهي ليست حقيقة على كل حال، وهذه النكتة تقول: إن المدرسة -وهي مدرسة المواد الشرعية- سألت الطالبة وقالت لها: ما هي أسباب سجود السهو؟

أي: متى يشرع للإنسان أن يسجد سجود السهو؟

فتوقفت الطالبة حائرة، لا تعرف ما هو الجواب، فساعدتها المدرسة في بعض الإجابة، قالت لها: يا ابنتي يشرع سجود السهو إما لزيادة، أو لنقص، أو لشك، أو؟

فقالت الفتاة: أو تطريز!!

وعلى كل حال: أرجو ألا يكون هذا مدعاة إلى شيءٍ آخر، فنحن نتحدث عن عينة فقط، ولا أحد يستطيع أن ينكر وجودها.

والحمد لله في المقابل هناك عينات كثيرة جداً، وهي الغالبية إن شاء الله، في أكثر من مكان، وأكثر من ميدان، من فتياتنا من ترفعنَّ عن هذا المستوى، بل أصبحنَ بحاجة إلى من يحثهنَّ على المحافظة على قدر من العناية بالنفس، كما سأتحدث بعد قليل.

وهناك قصة واقعية، وهي لمعيدة جامعية سمراء اللون وسمراء الشعر، حيث إنها جاءت يوماً من الأيام إلى مدرستها، وقد صبغت شعرها باللون الذهبي، ثم أخذت تتحدث عن سر هذه الصبغة باللون الذهبي، وهو لونٌ لا يتناسب إلا مع اللون الأبيض، فذكرت هذه الفتاة لبعض زميلاتها أن لها أخاً يدرس في أوروبا، وقد تزوج بفتاةٍ أوروبية، فلما أراد أن يزور مسقط رأسه -البلد الذي هو منه- سارعت أخته بصبغ شعرها باللون الذهبي الذي هو لون شعر الأوروبيين، وهو السائد هناك!!

حتى لا تبدو تلك الفتاة العربية أقل جمالاً وجاذبية من زوجة أخيها الأوروبية، وفاتها أن في السمراوات من هي أشد جمالاً وجاذبيةً من غيرهن، لأن الجمال لا تحده الأصباغ والألوان، والذهبي لا يناسب مطلقاً تلك الفتاة، بل يجعل من شعرها أضحوكةً للأخريات، فذهبت تلك الفتاة إلى المطار، تستقبل أخاها وزوجته الأوروبية، وفوجئت بالعروس الأوروبية، وقد ارتدت ثياباً فضفاضةً طويلةً، واحتشمت وغطت رأسها بخمار، فلم يبدُ من شعرها الذهبي الحقيقي خصلة واحدة، وبلغ السيل الزُبى، وغضبت هذه الفتاة أشد الغضب، عندما استضافت أخاها وزوجته الأوروبية في بيتها، فرأتها تسارع إلى الوضوء والصلاة، كلما طرق الأذان مسمعها، وتقول لمن حولها: الصلاةَ الصلاةَ!!

بينما تغطُ تلك المعيدة في نومٍ عميق، أو تتشاغل بأي عمل جانبي؛ لتخفي عار تركها لهذه الفريضة التي هي الفاصل بيننا وبين الكافرين، كما في الحديث: {العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر} فما كان من زوج تلك الفتاة العربية إلا أن استقبح أفعال زوجته، وبدت له وكأنها حيوانٌ لا هم لها إلا الأكل والشرب واللهو فحسب، فكان يعاتبها، مقارناً أفعالها بأفعال تلك الفتاة المسلمة الأوروبية، فما كان منها إلا أن طردت أخاها وزوجته المؤمنة من المنـزل، قائلةً: إنكما ستخربان بيتي، فاختارا مكاناً آخر ليقيما فيه.

وللموضة أضرار كبيرة جداً، لا أستطيع أن أتحدث عنها، بل هناك كتاب خاص وهو جيد جداً، لـفاطمة عبدالله عن الموضة وحكمها، أنصح بقراءته واقتنائه، لكن من أضرار الموضة بشكلٍ عام:

الاستنزاف المادي

أولاً: إذا كانت المعلمة أو الموظفة تقبض في نهاية الشهر مرتباً ضخماً، فإنها لو اهتمت بمتابعة الموضة أولاً بأول، فمن المؤكد أن هذا الراتب قد لا يكفي لمتابعة الموضة والعناية برسومها وطقوسها وتقاليدها، وهذا لا شك فيه إهدارٌ لاقتصاد الأمة بشكل عام، وفيه إهدار لحياة هذه الفتاة، التي أصبحت تحيا للتتجمل، وتلبس اللباس الحسن، وتعتني بشعرها، ومكياجها، ولون بشرتها.

كما أن فيه تضييعاً لهذا المال، الذي كان من المفروض أن يصرف في المصارف الشرعية، مثل الإنفاق على الفقراء والمساكين والمحتاجين والأهل والأقارب وسبل الخير، أو على الأقل أن تحفظه المرأة لنفسها، فربما تحتاج يوماً من الدهر، أو لأولادها، فربما يموت زوجها، فتكون محتاجة إلى ذلك، أو مساعدة زوجها على تكاليف الحياة، فضلاً عن أن تقوم المرأة، إضافةً إلى ما تنفق من نفسها، بمطالبة زوجها بمزيدٍ من الرسوم الباهضة والتكاليف.

ولو أن إنساناً خبيراً في الاقتصاد، حسب الأموال الضائعة التي تذهب إلى جيوب اليهود وإلى غير اليهود من رجال الموضة، لوجد أن اقتصاد الأمة في خطر، من جراء هذه الأموال التي تذهب إليهم عن هذا السبيل.

التحطيم المعنوي لإنسانية الإنسان

ثانياً: كما أن من أضرار الموضة التحطيم المعنوي لإنسانية الإنسان؛ لأن أبرز سمات الموضة هي التلاعب بإظهار أجزاء جديدة من جسم المرأة، وبطريقة جديدة أيضاً، ولا أبالغ إذا قلتُ أحياناً: إن العري الكامل الذي يعيشه الإنسان في الغابة أخف وألطف بكثير من ذلك العري المتفنن الذي تبدو به المرأة وهي تتابع الموضة أولاً بأول، وتخضع لرسومها الملزمة، وإذا ما بدا من المرأة أي تمنع تجاه رسوم الموضة، صدرت التعليقات بأنها لا تزال تعيش بعقلية ريفية، وأنها فتاة قروية، لا تزال تمارس أخلاق القرية، وقد سمعت هذا بأذني.

وإذا كان هدف اللباس في الإسلام هو ستر جسد المرأة وحمايته من العيون النهمة والنظرات الجائعة، فإن هدف اللباس الغربي هو التفنن في كشف جسد المرأة، وقد قال الله عز وجل: فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا [الأعراف:20].. فهذه من مهمات إبليس وجنوده: لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا [الأعراف:20].. وقال سبحانه: فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ [الأعراف:22] وقال سبحانه: يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنـزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا [الأعراف:27].. وقال جل وعلا: يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنـزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ [الأعراف:26].

والموضة لعبة -أيها الأخ وأيتها الأخت- وإذا دل اسم الموضة على التجديد والحداثة، وأن الموضة زي جديد، فحقيقة الموضة أنها عودة إلى القديم، وعودة إلى الوراء، فالملابس القصيرة مثلاً وجدت في أيام الفراعنة، وجددتها الموضة، وفتحات الفساتين الموجودة الآن، وجدت في فرنسا قبل عهد نابليون، وأطلق عليها القسس وقد حاربوها حين ذاك: نوافذ الجحيم.

وكثيراً ما تكتب بعض المجلات النسائية تحت زيٍ حديث، وموضة جديدة، تكتب عبارة: ملابس جدتي أصبحت موضة!

إذاً فالتي تريد أن تسبق الموضة، عليها أن تحافظ على القديم الذي هي عليه، وبعد زمانٍ طويل سوف ترجع النساء الأخريات إليها.

وقد رأيت بعيني الموضة في أكثر من بلد غربي، فوجدت كثيراً من الشباب والفتيات يعتبرون أن الموضة هي لبس ما يسمى بالجنـز القديم الممزق، فيشتري الشاب منهم أو الفتاة لباس الجنـز، ويقوم بتمزيقه بنفسه بطريقةٍ معينة، فيشققه هنا وهناك من عند الركبة ومن أمام ومن فوق ومن تحت وهكذا، ويشقق أسفله، ثم يمشي به، فيصبح ثوباً مهماً عندهم، وقد يبيعه بأضعاف ثمنه الذي اشتراه به وهو جديد!!!

فما دامت هذه رسوم الموضة، فإنهم يتبعونها؛ لأنهم في الغرب ليس عندهم إلا هذه القضية، وكل يوم عندهم جديد، لكن العجب من أناس ينتسبون إلى الإسلام، وهم من أهل الإسلام، وعندهم هذا القرآن، وعندهم هذا الدين، وعندهم هذا التميز، ومع ذلك رضوا من أنفسهم ومن عقولهم ومن استقلاليتهم، بأن يكونوا مجرد أتباع لملوك الموضة، بل لزبانية الموضة الذين يصدرونها في دور الغرب والشرق، ثم يتلقفها المسلمون وتتلقفها المسلمات دون وعي ولا بصيرة.


استمع المزيد من الشيخ سلمان العودة - عنوان الحلقة اسٌتمع
أحاديث موضوعة متداولة 5155 استماع
حديث الهجرة 5026 استماع
تلك الرسل 4157 استماع
الصومال الجريح 4148 استماع
مصير المترفين 4126 استماع
تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة 4054 استماع
وقفات مع سورة ق 3979 استماع
مقياس الربح والخسارة 3932 استماع
نظرة في مستقبل الدعوة الإسلامية 3874 استماع
العالم الشرعي بين الواقع والمثال 3836 استماع