خطب ومحاضرات
شرح بلوغ المرام - كتاب الحج - باب صفة الحج ودخول مكة - حديث 786-797
الحلقة مفرغة
بسم الله الرحمن الرحيم.
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، ونصلي ونسلم على عبده ورسوله سيدنا وإمامنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
هذه هي الجلسة الختامية من أمالي شرح بلوغ المرام، هذا هو الدرس التاسع والعاشر في هذه الليلة؛ ليلة الخميس التاسع والعشرين من شهر رجب لسنة 1430هـ.
وبنهاية هذا الدرس نكون قد استكملنا -بفضل ربنا وحمده وشكره- أحاديث شرح بلوغ المرام -كتاب الحج- ضمن هذه الدورة المكية المكثفة الثالثة، وبعدها سوف أقوم بعرض سريع ومختصر لكتاب الحج كله من أوله إلى آخره، ثم نجيب على الأسئلة التي ترد هذا اليوم، ثم أعطيكم كلمة الختام بإذن الله تعالى، ولن يأخذ هذا منا أكثر من الوقت المعتاد.
الحديث رقم (768):
حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ( إذا رميتم وحلقتم فقد حل لكم الطيب وكل شيء إلا النساء ) رواه أحمد وأبو داود وفي إسناده ضعف.
تخريج الحديث
وهذا الحديث ضعيف كما أشار إليه المصنف، فإنه من رواية الحجاج بن أرطأة، وهو مع ضعفه يروي هنا عن الزهري وهو لم ير الزهري ولم يسمع منه، وبهذا أعله الأئمة كالإمام أحمد والبيهقي والدارقطني وأبي داود والنووي وابن حجر وغيرهم.
ومع ضعف إسناده وانقطاعه إلا أن متنه فيه اضطراب أيضاً، ففي بعض ألفاظه يقول: ( إذا رميتم فقد حل لكم كل شيء )، وفي بعضها: ( إذا رميتم وحلقتم فقد حل لكم كل شيء )، وهذان قولان مختلفان كما هو معروف.
معاني ألفاظ الحديث
وقوله: (فقد حل لكم الطيب) يعني: وضع الطيب في الرأس وفي البدن وفي الثياب، وهو من محظورات الإحرام.
وقوله: (إلا النساء) هذا استثناء، والمقصود الجماع؛ فإن الجماع لا يحصل إلا بالتحلل التام، أو التحلل الثاني، أو التحلل الأكبر كما سوف يأتي بسطه إن شاء الله تعالى.
ما يحصل به التحلل الأول من أعمال يوم النحر وأقوال أهل العلم فيه
مما يكاد أن يكون اتفاقاً بين أهل العلم أن للحج تحللين: تحللاً أصغر وهو يسمى التحلل الأول، ويسمى التحلل الأصغر.
وتحللاً ثانياً يسمى التحلل الأكبر أو التحلل التام. فهما تحللان.
السؤال: التحلل الأول بماذا يحدث؟ فيه قولان:
القول الأول: أن التحلل الأول يحصل بعمل واحد من أعمال يوم النحر وهو رمي جمرة العقبة، فمن رمى جمرة العقبة فقد حل، وهذا ثبت بإسناد صحيح عن جمع من الصحابة كـعمر رضي الله عنه، وجاء عن عائشة وابن الزبير وعطاء، وهو قول المالكية ورواية في مذهب الإمام أحمد اختارها ابن قدامة في المغني ورجحها شيخنا الشيخ عبد العزيز بن باز رحمهم الله جميعاً، أن التحلل الأول يحصل برمي جمرة العقبة.
واستدلوا أولاً بحديث الباب على رواية: (إذا رميتم فقد حل لكم كل شيء)، وفي هذا الاستدلال:
أولاً: ضعف الإسناد.
ثانياً: اضطراب المتن. فلا يتم الاستدلال.
لكن استدلوا أيضاً بحديث أم سلمة رضي الله عنها، وهو حديث طويل فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ضمن حديث: ( إنه رخص لكم إذا رميتم جمرة العقبة أن تحلوا )، أو قال: ( هذا يوم رخص لكم إذا رميتم جمرة العقبة فيه أن تحلوا )، والحديث عند أبي داود وغيره، وهو حديث صحيح الإسناد، وأعله بعضهم، والواقع أن هذا القدر من الحديث صحيح، وفيه زيادة منكرة وهي: أن ( من لم يطف بالبيت حتى أمسى فإنه يعود حراماً كهيئته )، فهذه الزيادة منكرة، ولكن لا يمنع أن يكون أصل الحديث صحيحاً محفوظاً كما رجحه غير واحد.
وكذلك قول عمر رضي الله عنه أنه قال: (من رمى جمرة العقبة فقد حل له ما حرم الله عليه)، وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.
وجاء نحو هذا عن جمع من الصحابة كـابن عمر رضي الله عنه وابن الزبير وسواهم، وهذه الآثار عن الصحابة هي أقوى مستند لمن قال بأن من رمى جمرة العقبة فقد حل، هذا هو القول الأول.
القول الثاني: أن التحلل الأول يحدث بفعل اثنين من ثلاثة:
أولاً: رمي جمرة العقبة.
ثانياً: الحلق.
ثالثاً: الطواف.
والنحر لا مدخل له في التحلل، وإنما التحلل مربوط باثنين من هذه الثلاثة، يعني: لا يكفي فيه رمي جمرة العقبة حتى يطوف بالبيت أو يحلق، فإذا رمى وطاف، أو رمى وحلق، أو حلق وطاف فقد تحلل التحلل الأول بفعل اثنين من ثلاثة، وهي: الرمي والحلق والطواف بالبيت الذي هو طواف الإفاضة، فالفقهاء يقولون: التحلل الأول لا يكفي فيه جمرة العقبة حتى يكون بفعل اثنين من هذه الثلاثة، وأعيد بأن النحر ليس له مدخل في التحلل.
هذا القول هو رواية عن الإمام أحمد أيضاً؛ بل هو رواية مشهورة، وهو قول الشافعية والحنفية، واستدلوا بحديث الباب على رواية: ( إذا رميتم وحلقتم )، وأيضاً مما استدلوا به حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ( طيبت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لإحرامه قبل أن يحرم، ولحله قبل أن يطوف بالبيت ).
فقالوا: إن حديث عائشة رضي الله عنها يدل على أنه رمى ثم حلق ثم تطيب قبل أن يدفع إلى البيت ويفيض منه، وقد حل له الحلق عليه الصلاة والسلام فبان أنه غير محرم، وكذلك كل محرم، يقولون: إذا رمى جمرة العقبة حل له الحلق.
القول الثالث: هو أن الإنسان إذا دخل عليه وقت رمي جمرة العقبة فقد حل حتى لو لم يرم، وهذا قول ابن حزم، كما نصره في المحلى فقال: إن مجرد دخول وقت الرمي كافٍ في التحلل، ووقت الرمي سبق أن بينا أن الرمي يكون إما بمنتصف الليل أو يكون بطلوع الفجر على الروايتين المشهورتين، فهذا قول الإمام ابن حزم رحمه الله.
ولعل القول بأن الإنسان إذا رمى جمرة العقبة حل؛ هذا هو قول قوي من جهة الإسناد ومن جهة الدليل، ولا يوجد أدلة أخرى تنصر القول الآخر أكثر منه، يعني: حديث أم سلمة -وإن كان بعضهم أعله- إلا أنه فيه قوة ووجاهة، وأيضاً الآثار الصحيحة عن ابن عمر وعن عمر رضي الله عنهما فيها قوة، وإن كان مما يخدش الاستدلال بقول عمر وابن عمر أنه جاء عن كلٍ منهما رواية أخرى أنه إذا رمى جمرة العقبة وحلق فقد حل له ما حرم الله عليه، فيصبح الاستدلال بها للقول الأول وللقول الثاني.
فنقول: من رمى جمرة العقبة فله أن يتحلل، والأولى والأحوط أن لا يتحلل إلا بعدما يفعل شيئاً آخر، مثل أن يرمي جمرة العقبة ثم يحلق رأسه، أو يرمي جمرة العقبة ثم يطوف بالبيت فيتحلل بذلك التحلل الأول.
فوائد الحديث
فيه بيان ما يحصل به التحلل الأول، وهو رمي جمرة العقبة أو فعل اثنين من ثلاثة على ما ذكرنا.
وفيه وجود تحللين، هذا الحديث مما يستدل به على وجود تحللين أصغر وأكبر.
وفيه الفرق بين التحلل الأكبر والتحلل الأصغر، وأن التحلل الأصغر يحل له كل شيء إلا النساء، إلا الجماع، يعني: يحل له أن يلبس ثيابه، وأن يحلق شعره، فهذا نسك يحصل به التحلل، وأن يتطيب، طبيعي، ويقلم أظافره، وأيضاً يحل له أن يعقد النكاح بعد التحلل الأول، وأن ينكح وأن يُنكح بمعنى العقد، إلى غير ذلك، ولكن يحرم عليه النساء، يحرم عليه الجماع.
إذاً: هذا هو الفرق بين التحللين.
ومن فوائد الحديث: أنه لا مدخل للنحر في التحلل كما ذكرنا.
الحديث رواه أحمد في مسند عائشة رضي الله عنها ضمن مسنده، ورواه أبو داود في المناسك، وقد خرجه وصححه ابن خزيمة وابن حبان، ورواه الدارقطني والبيهقي والطحاوي وابن أبي شيبة وغيرهم.
وهذا الحديث ضعيف كما أشار إليه المصنف، فإنه من رواية الحجاج بن أرطأة، وهو مع ضعفه يروي هنا عن الزهري وهو لم ير الزهري ولم يسمع منه، وبهذا أعله الأئمة كالإمام أحمد والبيهقي والدارقطني وأبي داود والنووي وابن حجر وغيرهم.
ومع ضعف إسناده وانقطاعه إلا أن متنه فيه اضطراب أيضاً، ففي بعض ألفاظه يقول: ( إذا رميتم فقد حل لكم كل شيء )، وفي بعضها: ( إذا رميتم وحلقتم فقد حل لكم كل شيء )، وهذان قولان مختلفان كما هو معروف.
قوله: (رميتم) المقصود هنا رمي جمرة العقبة، وهو رمي يوم أو ليلة النحر.
وقوله: (فقد حل لكم الطيب) يعني: وضع الطيب في الرأس وفي البدن وفي الثياب، وهو من محظورات الإحرام.
وقوله: (إلا النساء) هذا استثناء، والمقصود الجماع؛ فإن الجماع لا يحصل إلا بالتحلل التام، أو التحلل الثاني، أو التحلل الأكبر كما سوف يأتي بسطه إن شاء الله تعالى.
النقطة الثالثة: مسألة الحديث: بماذا يحصل التحلل الأول؟
مما يكاد أن يكون اتفاقاً بين أهل العلم أن للحج تحللين: تحللاً أصغر وهو يسمى التحلل الأول، ويسمى التحلل الأصغر.
وتحللاً ثانياً يسمى التحلل الأكبر أو التحلل التام. فهما تحللان.
السؤال: التحلل الأول بماذا يحدث؟ فيه قولان:
القول الأول: أن التحلل الأول يحصل بعمل واحد من أعمال يوم النحر وهو رمي جمرة العقبة، فمن رمى جمرة العقبة فقد حل، وهذا ثبت بإسناد صحيح عن جمع من الصحابة كـعمر رضي الله عنه، وجاء عن عائشة وابن الزبير وعطاء، وهو قول المالكية ورواية في مذهب الإمام أحمد اختارها ابن قدامة في المغني ورجحها شيخنا الشيخ عبد العزيز بن باز رحمهم الله جميعاً، أن التحلل الأول يحصل برمي جمرة العقبة.
واستدلوا أولاً بحديث الباب على رواية: (إذا رميتم فقد حل لكم كل شيء)، وفي هذا الاستدلال:
أولاً: ضعف الإسناد.
ثانياً: اضطراب المتن. فلا يتم الاستدلال.
لكن استدلوا أيضاً بحديث أم سلمة رضي الله عنها، وهو حديث طويل فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ضمن حديث: ( إنه رخص لكم إذا رميتم جمرة العقبة أن تحلوا )، أو قال: ( هذا يوم رخص لكم إذا رميتم جمرة العقبة فيه أن تحلوا )، والحديث عند أبي داود وغيره، وهو حديث صحيح الإسناد، وأعله بعضهم، والواقع أن هذا القدر من الحديث صحيح، وفيه زيادة منكرة وهي: أن ( من لم يطف بالبيت حتى أمسى فإنه يعود حراماً كهيئته )، فهذه الزيادة منكرة، ولكن لا يمنع أن يكون أصل الحديث صحيحاً محفوظاً كما رجحه غير واحد.
وكذلك قول عمر رضي الله عنه أنه قال: (من رمى جمرة العقبة فقد حل له ما حرم الله عليه)، وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.
وجاء نحو هذا عن جمع من الصحابة كـابن عمر رضي الله عنه وابن الزبير وسواهم، وهذه الآثار عن الصحابة هي أقوى مستند لمن قال بأن من رمى جمرة العقبة فقد حل، هذا هو القول الأول.
القول الثاني: أن التحلل الأول يحدث بفعل اثنين من ثلاثة:
أولاً: رمي جمرة العقبة.
ثانياً: الحلق.
ثالثاً: الطواف.
والنحر لا مدخل له في التحلل، وإنما التحلل مربوط باثنين من هذه الثلاثة، يعني: لا يكفي فيه رمي جمرة العقبة حتى يطوف بالبيت أو يحلق، فإذا رمى وطاف، أو رمى وحلق، أو حلق وطاف فقد تحلل التحلل الأول بفعل اثنين من ثلاثة، وهي: الرمي والحلق والطواف بالبيت الذي هو طواف الإفاضة، فالفقهاء يقولون: التحلل الأول لا يكفي فيه جمرة العقبة حتى يكون بفعل اثنين من هذه الثلاثة، وأعيد بأن النحر ليس له مدخل في التحلل.
هذا القول هو رواية عن الإمام أحمد أيضاً؛ بل هو رواية مشهورة، وهو قول الشافعية والحنفية، واستدلوا بحديث الباب على رواية: ( إذا رميتم وحلقتم )، وأيضاً مما استدلوا به حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ( طيبت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لإحرامه قبل أن يحرم، ولحله قبل أن يطوف بالبيت ).
فقالوا: إن حديث عائشة رضي الله عنها يدل على أنه رمى ثم حلق ثم تطيب قبل أن يدفع إلى البيت ويفيض منه، وقد حل له الحلق عليه الصلاة والسلام فبان أنه غير محرم، وكذلك كل محرم، يقولون: إذا رمى جمرة العقبة حل له الحلق.
القول الثالث: هو أن الإنسان إذا دخل عليه وقت رمي جمرة العقبة فقد حل حتى لو لم يرم، وهذا قول ابن حزم، كما نصره في المحلى فقال: إن مجرد دخول وقت الرمي كافٍ في التحلل، ووقت الرمي سبق أن بينا أن الرمي يكون إما بمنتصف الليل أو يكون بطلوع الفجر على الروايتين المشهورتين، فهذا قول الإمام ابن حزم رحمه الله.
ولعل القول بأن الإنسان إذا رمى جمرة العقبة حل؛ هذا هو قول قوي من جهة الإسناد ومن جهة الدليل، ولا يوجد أدلة أخرى تنصر القول الآخر أكثر منه، يعني: حديث أم سلمة -وإن كان بعضهم أعله- إلا أنه فيه قوة ووجاهة، وأيضاً الآثار الصحيحة عن ابن عمر وعن عمر رضي الله عنهما فيها قوة، وإن كان مما يخدش الاستدلال بقول عمر وابن عمر أنه جاء عن كلٍ منهما رواية أخرى أنه إذا رمى جمرة العقبة وحلق فقد حل له ما حرم الله عليه، فيصبح الاستدلال بها للقول الأول وللقول الثاني.
فنقول: من رمى جمرة العقبة فله أن يتحلل، والأولى والأحوط أن لا يتحلل إلا بعدما يفعل شيئاً آخر، مثل أن يرمي جمرة العقبة ثم يحلق رأسه، أو يرمي جمرة العقبة ثم يطوف بالبيت فيتحلل بذلك التحلل الأول.
الأمر الرابع: فوائد الحديث:
فيه بيان ما يحصل به التحلل الأول، وهو رمي جمرة العقبة أو فعل اثنين من ثلاثة على ما ذكرنا.
وفيه وجود تحللين، هذا الحديث مما يستدل به على وجود تحللين أصغر وأكبر.
وفيه الفرق بين التحلل الأكبر والتحلل الأصغر، وأن التحلل الأصغر يحل له كل شيء إلا النساء، إلا الجماع، يعني: يحل له أن يلبس ثيابه، وأن يحلق شعره، فهذا نسك يحصل به التحلل، وأن يتطيب، طبيعي، ويقلم أظافره، وأيضاً يحل له أن يعقد النكاح بعد التحلل الأول، وأن ينكح وأن يُنكح بمعنى العقد، إلى غير ذلك، ولكن يحرم عليه النساء، يحرم عليه الجماع.
إذاً: هذا هو الفرق بين التحللين.
ومن فوائد الحديث: أنه لا مدخل للنحر في التحلل كما ذكرنا.
الحديث رقم (769):
حديث ابن عباس رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ( ليس على النساء حلق إنما يقصرن )، أو: ( إنما عليهن التقصير ) والحديث رواه أبو داود بإسناد حسن.
تخريج الحديث
مقدار ما تأخذه المرأة من شعرها
ولو أن المرأة حلقت شعرها هل يجزئها ذلك؟
نعم يجزئها وقد أساءت، وللعلماء تفصيل في جواز حلق المرأة رأسها أو كراهته أو تحريمه، على ثلاثة أقوال.
في الحديث مسألة، وهي: التقصير للنساء، وأن المرأة لا تحلق شعرها وإنما تقصره، وهذا هو الذي عليه جماهير أهل العلم: أن المرأة تقصر من شعرها ولا تحلقه، والتقصير يكون بقدر أنملة كما هو معروف.
ولو أن المرأة حلقت شعرها هل يجزئها ذلك؟
نعم يجزئها وقد أساءت، وللعلماء تفصيل في جواز حلق المرأة رأسها أو كراهته أو تحريمه، على ثلاثة أقوال.
الحديث رقم (770):
عن ابن عمر رضي الله عنهما: ( أن
تخريج الحديث
معاني ألفاظ الحديث
وقوله: (استأذن رسول الله صلى الله عليه وآله سلم) أي: طلب الإذن من الرسول عليه الصلاة والسلام بأن يترك المبيت بـمنى ليالي منى وقت نزول الحاج بـمنى، وأن ينزل إلى مكة من أجل السقاية.
والسقاية: هي سقاية الحاج ماء زمزم، وكان العباس هو الذي يتولى الإشراف عليه بحكم شرفه ونسبه ومنزلته، فكان هو المشرف على أمر السقاية، وكانوا يسقون الحاج ماء زمزم، وعادة ما يضعون مع الماء شيئاً من الزبيب وهو ما يسمى بالنبيذ، يعني: يرمون الزبيب مع الماء من أجل أن يحلو الماء، فكانوا يكرمون الحجيج بهذا، وحتى في الجاهلية يفتخرون به؛ ولهذا قال الله عز وجل: أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ [التوبة:19].
حكم المبيت بمنى ليالي التشريق وأقوال أهل العلم فيه
القول الأول: أن المبيت بـمنى واجب من واجبات الحج، وهذه رواية للإمام أحمد وقول لـمالك والشافعي، وهو قول عطاء بن أبي رباح، واختاره ورجحه الشيخان ابن باز وابن عثيمين رحمهما الله تعالى.
والإمام أحمد مع أنه يقول -في رواية عنه- بوجوب المبيت بمنى؛ إلا أنه لا يقول بالفدية على من ترك المبيت، لا يقول: إن من ترك المبيت عليه دم، وهذا دليل أنه قد يقول إمام بوجوب الشيء ولا يقول بوجوب الدم أو الفدية على من تركه؛ فإن بعض المفتين يأخذون بالأحوط في الفتوى في الإيجاب، ثم يطردون من وراء ذلك أن من ترك هذا الواجب فعليه دم، ويفعلون ذلك احتياطاً للنسك، وينسون أحياناً الاحتياط للمكلف والاحتياط لمال المكلف، وأنه لا يؤخذ منه إلا بحق أو بدليل شرعي.
فالإمام أحمد رحمه الله مع أن عنده قولاً مشهوراً في أن المبيت بمنى واجب، إلا أنه لا يقول بأن من ترك المبيت عليه دم، ولما (نقل له أحدهم أن إبراهيم النخعي كان يقول: إن من ترك المبيت فعليه دم ضحك الإمام أحمد مستنكراً، وقال: الدم شديد)، يعني: لا يوجب على الناس الدم هكذا جزافاً، (وإنما يتصدق بشيء)، مما يدل على أنه ليس في الأمر توقيف وإنما يحث الحاج على أن يتصدق أو يطعم.
القائلون بوجوب المبيت بـمنى من أقوى أدلتهم قول الله سبحانه وتعالى: وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ [البقرة:203]، فهذه الأيام هي أيام التشريق، ومن ذكر الله تعالى المبيت بـمنى ؛ ولذلك هذا الأمر في قوله عز وجل: وَاذْكُرُوا اللَّهَ [البقرة:203]، والليلة تتبع اليوم بطبيعة الحال، فقالوا: هذا دليل على وجوب المبيت.
وكذلك يستدل بفعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأنه بات بـمنى وقال: ( خذوا عني مناسككم ).
كذلك استدلوا بالرخصة، أن النبي عليه السلام رخص للعباس ورخص للرعاة أن يتركوا المبيت، فقالوا: إن الرخصة لا تكون إلا مقابل عزيمة، فدل على أن هذه الرخصة في حقهم هي عزيمة في حق غيرهم.
القول الثاني: أن المبيت بمنى سنة.
وهذا القول أيضاً له قوة وله وجاهة، فهو رواية عن الإمام أحمد، وهو قول الحنفية والظاهرية ورواية عند الشافعية، ومنقول عن ابن عباس رضي الله عنه من الصحابة وجمع، ومنقول عن الحسن البصري، ولذلك الإمام أحمد [سئل -في رواية- عمن ترك المبيت بمنى؟ فقال: قد أساء ولا شيء عليه].
وهذا أغلب ما يكون أنه يعبر به عن أمر سنة أو متأكد السنية وليس صريحاً في الوجوب.
وقال هؤلاء: إن مجرد الرخصة من النبي صلى الله عليه وآله وسلم للعباس، أو مجرد الرخصة من النبي صلى الله عليه وسلم للرعاة أن يتركوا المبيت ليس صريحاً في الوجوب، قالوا: مجرد الرخصة ليس صريحاً في الوجوب، وإلا فلو كان واجباً لجعل على من يتركه شيئاً كما في حال طواف الوداع؛ فإن النبي عليه الصلاة والسلام نهى عن ترك طواف الوداع، وأمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت، ولم يرخص إلا للحائض بترك الوداع، ولذلك الأئمة جعلوا على من ترك الوداع شيئاً، ولم يجعلوا على من ترك المبيت بـمنى شيئاً كالإمام أحمد، فقالوا: هذا دليل على السنية.
وقد جاء عن ابن عباس رضي الله عنه أنه كان يقول: [إذا رميت الجمرات فبت حيث شئت]، وهذا الأثر رواه الإمام أحمد في مسنده، ورواه ابن حزم واحتج به على عدم الوجوب.
ولكن أوله بعضهم بأن قوله: [بت حيث شئت] يعني: من منى . ليس بلازم أن يبيت الإنسان قريباً من الجمرة أو ما أشبه ذلك، وإنما ظاهره أن يبيت حيث شاء من منى كما أوله قوم.
والأقرب أن ذلك واسع بالنسبة لـابن عباس، وأنه يقصد: [ بت حيث شئت ] يعني: في منى أو في غيرها.
فهذان قولان مشهوران، والأقرب منهما: أن المبيت واجب؛ بدليل الآية الكريمة، وبدليل الرخصة للعباس وأنه استأذن، والرخصة للرعاة أن يتركوا المبيت من أجل غنمهم.
ولكن نقول: هذا المبيت مع وجوبه فإن من تركه فقد أساء ولا شيء عليه، ويحسن أن يتصدق بشيء كما قال الإمام أحمد، يتصدق أو يطعم.
وكذلك نقول: المبيت هو لمن وجد مكاناً يبيت فيه أو خيمة يبيت فيها، أما أن يبيت في الشارع أو على قارعة الطريق فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك.
وأيضاً بعض الناس يركب بسيارته ويدور في شوارع منى، وهذا يترتب عليه أضرار صحية في وجود عادم السيارات وإزعاج للناس وازدحام، هذا أيضاً ليس بمشروع، ولا يتعبد الله سبحانه وتعالى بمثل ذلك.
وأيضاً أن يدفع الإنسان المبالغ الطائلة غير المعقولة من أجل أن يأخذ خيمة يتبارى بعض ضعاف النفوس في رفع قيمتها وثمنها، فهذا أيضاً ليس بسائغ ولا حسن، لكن من وجد مبيتاً مناسباً لائقاً بمثله فإنه يجب عليه المبيت، ومن لم يجد لهذه الأسباب التي ذكرناها أو للازدحام؛ فإنه يبيت حيث شاء، كما قال ابن عباس رضي الله عنه: (إذا رميت الجمرة فبت حيث شئت)، وليس عليه في ذلك شيء.
فوائد الحديث
وكذلك الرخصة للسقاة، في رخصة النبي صلى الله عليه وسلم للعباس، وتحمل رخصة النبي عليه الصلاة والسلام للعباس على الرخصة للمحتاجين للمصالح العامة، مثل رجال المرور، ومثل رجال الشرطة، ونحوهم ممن هم مشغولون بأمور الحج وأمور الحجيج، أنهم يرخص لهم في ترك المبيت.
وكذلك من لم يجد مكاناً في منى فحكمه حكم هؤلاء.
استمع المزيد من الشيخ سلمان العودة - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
شرح بلوغ المرام - كتاب الطهارة - باب الوضوء - حديث 38-40 | 4784 استماع |
شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صلاة الجماعة والإمامة - حديث 442 | 4394 استماع |
شرح بلوغ المرام - كتاب الطهارة - باب الوضوء - حديث 57-62 | 4213 استماع |
شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صفة الصلاة - حديث 282-285 | 4095 استماع |
شرح بلوغ المرام - كتاب الحج - باب فضله وبيان من فرض عليه - حديث 727-728 | 4047 استماع |
شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صلاة التطوع - حديث 405-408 | 4021 استماع |
شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صفة الصلاة - حديث 313-316 | 3974 استماع |
شرح بلوغ المرام - كتاب الطهارة - باب الوضوء - حديث 36 | 3917 استماع |
شرح بلوغ المرام - كتاب الطهارة - باب المياه - حديث 2-4 | 3900 استماع |
شرح بلوغ المرام - كتاب الحج - باب فضله وبيان من فرض عليه - حديث 734-739 | 3879 استماع |