خطب ومحاضرات
شرح بلوغ المرام - كتاب الحج - باب صفة الحج ودخول مكة - حديث 767-777
الحلقة مفرغة
عن ابن عمر رضي الله عنه: [أنه كان إذا طاف بالبيت الطواف الأول خب ثلاثاً ومشى أربعاً]. متفق عليه.
تخريج الحديث
معاني ألفاظ الحديث
وقوله: (خب ثلاثاً)، وفي رواية: (ثلاثة أشواط)، والأشواط جمع شوط، وهو: الدورة الكاملة على البيت أو السعية الكاملة، وأصله من شوط الفرس، فإن الفرس إذا وضع له علامة يسعى إليها، فإذا وصلها سمي هذا شوطاً، كما نجد اليوم هذا اللفظ استولى عليه الرياضيون كثيراً، فاعتبروا اللعبة إلى نهاية قسمها تسمى شوطاً، وهذا أصل الاستعمال اللغوي, أن الإنسان إذا حدد لنفسه وقتاً أو مسافة، فإذا بلغه سمي شوطاً.
وهكذا ما يتعلق بالطواف, فإن الدوران حول الكعبة من الحجر إلى الحجر يسمى شوطاً، وكذلك السعي من الصفا إلى المروة يسمى شوطاً، ومن المروة إلى الصفا يسمى شوطاً، ولهذا نقول: يطوف سبعة أشواط, ويسعى سبعة أشواط أيضاً.
حكم الرمل في الطواف وأقوال أهل العلم فيه
حكم الرمل هذا سنة عند الأئمة الأربعة.
واستدلوا لذلك بأحاديث كثيرة, مثل أحاديث الباب التي ذكرناها، حديث ابن عمر رضي الله عنه وحديث ابن عباس وحديث جابر .. وغيرهم من الصحابة الذين نقلوا: ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمرهم بالرمل في عمرة القضاء, وأمرهم بالرمل وفعله في حجة الوداع ). فهذا دليل لما ذهب إليه الأئمة.
ومما استدلوا به أيضاً، قالوا: إن الحكمة من الرمل في عمرة القضاء كانت واضحة, أن المشركين كانوا موجودين بـمكة , وكانوا يشاهدون المسلمين، فيستدعي المقام إظهار القوة، لكن في حجة الوداع كان الأمر قد استتب للمسلمين، وأسلم الناس, ولم يكن في مكة مشرك يومئذ، ومع ذلك أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالرمل، بل أكثر من هذا أنه عليه الصلاة والسلام في حجة الوداع جعل الرمل يستوعب الأشواط كلها, ولم يلغه أو ينسخه، فقالوا: هذا يدل على أنه وإن كان الأصل في بدء الرمل ومشروعيته إظهار القوة للمشركين في مكة، إلا أن فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم يدل على أنه مستحب باستمرار, حتى ولو زال سببه، ولذلك عمر رضي الله عنه مرة كأنه يفكر كما يقال بصوت مسموع، وقال: (كنا نرمل يوم أن كان المشركون وقد ذهبوا, ثم قال: شيء فعله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فنفعله). فهذا يرجح ويؤكد ما ذهب إليه الأئمة الأربعة من أن الرمل مستحب حتى بعد زوال سببه الذي كان أول الأمر.
القول الثاني: أن الرمل ليس بسنة؛ لزوال سببه؛ لأنه مربوط عندهم بعلة, وهي: وجود المشركين وقولهم: وهنتهم حمى يثرب. وقد زالت هذه العلة. وهذا مذهب عطاء فقيه مكة وإمام المناسك، ومذهب طاوس والحسن والقاسم، وروي عن ابن عباس رضي الله عنه وأرضاه.
ولا شك أن القول الأول باستحباب الرمل أقوى وأرجح.
ونقول: إن بقاء الرمل في حجة الوداع دليل على استحبابه ومشروعيته، وكذلك نقول: إن العلة الأولى كانت هي العلة في مشروعيته، لكن لا يعني أنها انفردت به. فهناك علل أخرى.
الحكمة من الرمل
ويقال ثانياً: إن إظهار القوة مطلب, والرمل يذكر المسلم بأن عليه أن لا يكون ضعيفاً, وأن يظهر القوة، فينبهه إلى ما ينبغي أن يكون في حال المسايفة والمقاتلة والحرب مع الكافرين من إظهار العزة وإظهار القوة.
وبإزاء ذلك نذكر بالمعنى الآخر، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم، بل القرآن الكريم يدعو المسلمين إلى إظهار اللين, وإلى إظهار البر مع من لم يقاتلنا، فهذه شريعة وهذه شريعة. ومن العجب أن أظهر آية في القرآن الكريم فيها الأمر بالبر والقسط والإنصاف مع غير المسلمين من غير المحاربين هي نزلت في سورة الممتحنة، حيث نزلت هذه السورة لتعاتب حاطب بن أبي بلتعة على الكتاب الذي كتبه للمشركين، فانظر كيف تضمنت هذه السورة التي نزلت بهذه المناسبة العظيمة الصعبة, وفيها التحذير الشديد, لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ [الممتحنة:1]. وفيها قوله سبحانه: وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ [الممتحنة:1]. ومع ذلك تضمنت قوله سبحانه: لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [الممتحنة:8]. فهذه شريعة وهذه شريعة، والمسلم يستوعب هذا وهذا, في حال القوة والحرب له حكم وله أخلاق، وفي حال الدعوة والسلم والمعاملة له حكم وله أخلاق، ولا يقضي واحد منهما على الآخر.
فوائد الحديث
من فوائد الحديث: المعاريض بالفعل، المعاريض في القول معروفة، و( في المعاريض مندوحة عن الكذب )، يعني: أن الإنسان يمكن أن يعرض أحياناً فيما لا يريد. ولكن هنا التعريض بالفعل، فإن إظهار المسلمين القوة من خلال الرمل ومن خلال الاضطباع، ومن خلال السعي في موضع السعي - والله أعلم- إظهار هذه القوة فيه نوع من المعاريض، يعني: ما نسميه بالاستعراض، الآن يسمونه الاستعراض, الاستعراض العسكري أو غيره، فأحياناً الحرب تستدعي نوعاً من إضفاء صبغة من القوة والانضباط.
ومن المعاريض أحياناً: عدم إظهار الضعف، ومن الضعف على سبيل المثال: الاختلاف، فإذا كان الناس مختلفين فيكون من المعاريض الجميلة أن لا يظهروا ضعفهم لخصمهم وعدوهم، فيظهروا أنفسهم وهم يد واحدة ومتضامنون، يحترم صغيرهم كبيرهم، ويرحم كبيرهم صغيرهم، ولو لم يكن هذا هو الواقع في حقيقة الأمر، فهذا من المعاريض بالفعل، فالحديث يدل على أن المعاريض تكون بالقول وتكون بالفعل.
ومن فوائد الحديث: أن الرمل أو الخبب لا يتدارك، بمعنى: أن محله الأشواط الثلاثة الأولى، فلو أن الإنسان نسيه هل نقول: يقضيه في الأشواط الباقية؟ لا، نقول: فات محله, فلا يمكن تداركه.
وفيه أيضاً من الفوائد: أن الرمل خاص بالقادم، لكن بأي جنس؟ خاص بالرجال، ولا مدخل للنساء في الرمل، وهذا يكاد أن يكون اتفاقاً.
وفيه: أن الرمل في الأشواط الثلاثة كلها حتى ما بين الركنين, وأنه خاص بطواف القدوم.
قوله: (خب)، الخبب هو الرمل, كما نص عليه الإمام الشافعي , الخبب هو الرمل، فهما بمعنى واحد أو متقارب.
وقوله: (خب ثلاثاً)، وفي رواية: (ثلاثة أشواط)، والأشواط جمع شوط، وهو: الدورة الكاملة على البيت أو السعية الكاملة، وأصله من شوط الفرس، فإن الفرس إذا وضع له علامة يسعى إليها، فإذا وصلها سمي هذا شوطاً، كما نجد اليوم هذا اللفظ استولى عليه الرياضيون كثيراً، فاعتبروا اللعبة إلى نهاية قسمها تسمى شوطاً، وهذا أصل الاستعمال اللغوي, أن الإنسان إذا حدد لنفسه وقتاً أو مسافة، فإذا بلغه سمي شوطاً.
وهكذا ما يتعلق بالطواف, فإن الدوران حول الكعبة من الحجر إلى الحجر يسمى شوطاً، وكذلك السعي من الصفا إلى المروة يسمى شوطاً، ومن المروة إلى الصفا يسمى شوطاً، ولهذا نقول: يطوف سبعة أشواط, ويسعى سبعة أشواط أيضاً.
في الحديث حكم الرمل في الطواف، وبالذات في طواف القدوم الذي سماه ابن عمر هنا الطواف الأول، وكأنه طواف التحية بالنسبة للقارن والمفرد.
حكم الرمل هذا سنة عند الأئمة الأربعة.
واستدلوا لذلك بأحاديث كثيرة, مثل أحاديث الباب التي ذكرناها، حديث ابن عمر رضي الله عنه وحديث ابن عباس وحديث جابر .. وغيرهم من الصحابة الذين نقلوا: ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمرهم بالرمل في عمرة القضاء, وأمرهم بالرمل وفعله في حجة الوداع ). فهذا دليل لما ذهب إليه الأئمة.
ومما استدلوا به أيضاً، قالوا: إن الحكمة من الرمل في عمرة القضاء كانت واضحة, أن المشركين كانوا موجودين بـمكة , وكانوا يشاهدون المسلمين، فيستدعي المقام إظهار القوة، لكن في حجة الوداع كان الأمر قد استتب للمسلمين، وأسلم الناس, ولم يكن في مكة مشرك يومئذ، ومع ذلك أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالرمل، بل أكثر من هذا أنه عليه الصلاة والسلام في حجة الوداع جعل الرمل يستوعب الأشواط كلها, ولم يلغه أو ينسخه، فقالوا: هذا يدل على أنه وإن كان الأصل في بدء الرمل ومشروعيته إظهار القوة للمشركين في مكة، إلا أن فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم يدل على أنه مستحب باستمرار, حتى ولو زال سببه، ولذلك عمر رضي الله عنه مرة كأنه يفكر كما يقال بصوت مسموع، وقال: (كنا نرمل يوم أن كان المشركون وقد ذهبوا, ثم قال: شيء فعله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فنفعله). فهذا يرجح ويؤكد ما ذهب إليه الأئمة الأربعة من أن الرمل مستحب حتى بعد زوال سببه الذي كان أول الأمر.
القول الثاني: أن الرمل ليس بسنة؛ لزوال سببه؛ لأنه مربوط عندهم بعلة, وهي: وجود المشركين وقولهم: وهنتهم حمى يثرب. وقد زالت هذه العلة. وهذا مذهب عطاء فقيه مكة وإمام المناسك، ومذهب طاوس والحسن والقاسم، وروي عن ابن عباس رضي الله عنه وأرضاه.
ولا شك أن القول الأول باستحباب الرمل أقوى وأرجح.
ونقول: إن بقاء الرمل في حجة الوداع دليل على استحبابه ومشروعيته، وكذلك نقول: إن العلة الأولى كانت هي العلة في مشروعيته، لكن لا يعني أنها انفردت به. فهناك علل أخرى.
ومن علل الرمل: شكر الله سبحانه وتعالى على ما فتح على المسلمين، فإن الإنسان حينما يرمل يتذكر يوم كانوا يظهرون القوة، فيشكر الله تعالى على هذه النعمة، وهذا شبيه بقوله صلى الله عليه وسلم على المسعى عند الصفا وعند المروة: ( لا إله إلا الله, نصر عبده, وأعز جنده, وهزم الأحزاب وحده ). هذا أولاً.
ويقال ثانياً: إن إظهار القوة مطلب, والرمل يذكر المسلم بأن عليه أن لا يكون ضعيفاً, وأن يظهر القوة، فينبهه إلى ما ينبغي أن يكون في حال المسايفة والمقاتلة والحرب مع الكافرين من إظهار العزة وإظهار القوة.
وبإزاء ذلك نذكر بالمعنى الآخر، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم، بل القرآن الكريم يدعو المسلمين إلى إظهار اللين, وإلى إظهار البر مع من لم يقاتلنا، فهذه شريعة وهذه شريعة. ومن العجب أن أظهر آية في القرآن الكريم فيها الأمر بالبر والقسط والإنصاف مع غير المسلمين من غير المحاربين هي نزلت في سورة الممتحنة، حيث نزلت هذه السورة لتعاتب حاطب بن أبي بلتعة على الكتاب الذي كتبه للمشركين، فانظر كيف تضمنت هذه السورة التي نزلت بهذه المناسبة العظيمة الصعبة, وفيها التحذير الشديد, لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ [الممتحنة:1]. وفيها قوله سبحانه: وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ [الممتحنة:1]. ومع ذلك تضمنت قوله سبحانه: لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [الممتحنة:8]. فهذه شريعة وهذه شريعة، والمسلم يستوعب هذا وهذا, في حال القوة والحرب له حكم وله أخلاق، وفي حال الدعوة والسلم والمعاملة له حكم وله أخلاق، ولا يقضي واحد منهما على الآخر.
النقطة الخامسة: بعض فوائد الحديث:
من فوائد الحديث: المعاريض بالفعل، المعاريض في القول معروفة، و( في المعاريض مندوحة عن الكذب )، يعني: أن الإنسان يمكن أن يعرض أحياناً فيما لا يريد. ولكن هنا التعريض بالفعل، فإن إظهار المسلمين القوة من خلال الرمل ومن خلال الاضطباع، ومن خلال السعي في موضع السعي - والله أعلم- إظهار هذه القوة فيه نوع من المعاريض، يعني: ما نسميه بالاستعراض، الآن يسمونه الاستعراض, الاستعراض العسكري أو غيره، فأحياناً الحرب تستدعي نوعاً من إضفاء صبغة من القوة والانضباط.
ومن المعاريض أحياناً: عدم إظهار الضعف، ومن الضعف على سبيل المثال: الاختلاف، فإذا كان الناس مختلفين فيكون من المعاريض الجميلة أن لا يظهروا ضعفهم لخصمهم وعدوهم، فيظهروا أنفسهم وهم يد واحدة ومتضامنون، يحترم صغيرهم كبيرهم، ويرحم كبيرهم صغيرهم، ولو لم يكن هذا هو الواقع في حقيقة الأمر، فهذا من المعاريض بالفعل، فالحديث يدل على أن المعاريض تكون بالقول وتكون بالفعل.
ومن فوائد الحديث: أن الرمل أو الخبب لا يتدارك، بمعنى: أن محله الأشواط الثلاثة الأولى، فلو أن الإنسان نسيه هل نقول: يقضيه في الأشواط الباقية؟ لا، نقول: فات محله, فلا يمكن تداركه.
وفيه أيضاً من الفوائد: أن الرمل خاص بالقادم، لكن بأي جنس؟ خاص بالرجال، ولا مدخل للنساء في الرمل، وهذا يكاد أن يكون اتفاقاً.
وفيه: أن الرمل في الأشواط الثلاثة كلها حتى ما بين الركنين, وأنه خاص بطواف القدوم.
الحديث الذي بعده رقم (750)، وهو أيضاً حديث ابن عمر رضي الله عنه قال: ( لم أر النبي صلى الله عليه وآله وسلم يستلم غير الركنين اليمانيين ) رواه مسلم .
الحديث أيضاً رواه البخاري، ولهذا لا وجه لاقتصار المصنف رحمه الله على مسلم، إلا أن يكون على سبيل عدم المراجعة لتخريج الحديث، فالحديث متفق عليه، فقد أخرجه البخاري في الحج، باب: من لم يسلم غير الركنين، وأخرجه مسلم أيضاً كما أشار المصنف رحمه الله في الحج، باب: استحباب استلام الركنين، وقد أخرجه أبو عوانة وأبو داود والنسائي وابن ماجه وابن خزيمة والبيهقي وأحمد في مسنده .
معاني ألفاظ الحديث
والركنان اليمانيان تثنية يماني، وهو منسوب إلى اليمن، والركنان اليمانيان هما: الحجر الأسود والركن اليماني. وتسميتهما بالركنين اليمانيين هذا ما يسميه أهل اللغة على سبيل التغليب، مثل: القمرين للشمس والقمر، والعمرين لـأبي بكر وعمر، والأبوين للأب والأم، وهكذا اليمانيان.
فهذه أربع مسائل, ولها نظائر، يطلق فيها على سبيل التغليب.
وهي منسوبة إلى اليمن؛ لأنها في جهة اليمن من الكعبة، ويقابلهما الركنان من الجهة الأخرى, ويسميان الركنيين الشاميين؛ لأنهما من جهة الشام، أو من جهة الشمال أيضاً؛ لأن العرب يسمون الشمال شاماً، فجهة الشمال قد تسمى شاماً، فهي من جهة الشام، أو من جهة الشمال. وسوف نبين الفرق بين هذه الأركان.
ما يستلم من الأركان في الطواف والأقوال فيه
أولاً: القول الأول: أنه يستلم الركنين فحسب، الركن اليماني والحجر الأسود، وهذا مذهب الجمهور، فهو مذهب مالك وأبي حنيفة والشافعي وأحمد وجمهور الفقهاء وأكثر العلماء، يعني: الأئمة الأربعة وغيرهم، وهو منقول أيضاً عن الصحابة رضي الله عنهم, أنه لا يستلم إلا الركن اليماني والحجر الأسود.
وقد بينا أن الاستلام مثل السلام، بس فيه زيادة التاء، فهو معناه أنه يمسح الركن بيده, أو يلمس الركن بيده. هذا معنى الاستلام. وسأوضح الفرق بينهما بعد قليل.
القول الثاني: أنه يستلم الأركان كلها، وبناء عليه فإنه يستلم الأركان الشامية أيضاً، وهذا جاء عن بعض الصحابة رضي الله عنهم، فهو قول منسوب لـأنس بن مالك وجابر بن عبد الله , وصح عن معاوية رضي الله عنه كما في صحيح البخاري، وكذلك عبد الله بن الزبير وعروة بن الزبير أيضاً، والحسن والحسين رضي الله عنهما وعنهم أجمعين، وكذلك أبو الشعثاء جابر بن زيد كان ذلك من مذهبه، يرون استلام الأركان الأربعة، وأنه لا فرق بين أركان الكعبة.
وفي هذا قصة ذكر أصلها البخاري وأهل السنن: ( أن
فهذا يدل على مذهب معاوية رضي الله عنه ومن وافقه، وهذا الحديث بتفصيله ذكره الترمذي وقال: حديث حسن صحيح، ورواه البخاري في صحيحه معلقاً. فهذا هو القول الثاني.
ولا شك أن الراجح أن السنة استلام الركنين فحسب؛ وذلك لسبب:
أولاً: فعل النبي صلى الله عليه وسلم وكفى به حجة، فإنه عليه الصلاة والسلام لم يستلم إلا هذين الركنين, كما نقله عنه الكافة من أصحابه.
ثانياً: نقول: إن الركنين لهما فضيلة، أولاً: فضيلة وجودهما, وكونهما على قواعد إبراهيم عليه الصلاة والسلام، فإن الركنين هما على قواعد إبراهيم، بخلاف الركنين الشاميين فليسا على قواعد إبراهيم، فإن قريشاً لما أرادت بناء الكعبة قصرت بهم النفقة، فقصروا بناء الكعبة, وجعلوا الحجر أو ما يسمى بالحطيم خارجها، وإلا فإن معظم ما يسمى اليوم بالحجر أو الحطيم هو من الكعبة، حوالي ستة أذرع أو سبعة أذرع يعتبر من الكعبة، ومن دخله فكأنما دخل الكعبة، ومن صلى فيه فكأنما صلى في الكعبة، ولعل من حكمة الله أن يبقى كذلك؛ ليتمكن الناس من الدخول والصلاة فيه من غير إشكال، بينما لا يستطيع الكثير من الناس دخول الكعبة، ويمكن أن أكثرنا أو كلنا ما رأينا الكعبة من داخلها.
وفي إحدى الأيام وأنا هنا جاءتني رسالة تقول: إذا أحببت أن ترى صورة الكعبة من الداخل ما عليك إلا أن ترسل رقماً وذكروا رقماً للاتصالات, يعني: من شأنه أنك تستطيع رؤية الكعبة من الداخل، فإذاً: وجود الحجر نعمة ورحمة من الله سبحانه وتعالى بالعباد، ولكن القصة والمدار على أن الركنين الشاميين ليسا على قواعد إبراهيم عليه الصلاة والسلام، ولهذا لا يستلمان.
تفضيل الحجر الأسود على الركن اليماني
إذاً: السنة بالنسبة للركن اليماني هو أن يستلم باليد فقط، أما بالنسبة للحجر الأسود فالأمر مختلف، فإن السنة ماذا؟ أولاً نقول: ممكن حتى السجود أن يسجد عليه، وهذا ثبت معنا أمس من فعل ابن عباس، فإذا استطاع أن يسجد عليه سجد, هذا جيد، ولا يقال: إنه منكر أو بدعة, فقد ثبت عن صحابي.
الشيء الثاني: أن يقبله، وهذا أيضاً بالاتفاق، يستحب أن يقبله مرة واحدة تكفي؛ حتى يدع الفرصة للناس؛ لأن هذا مكان لا يخلو من تضييق على الناس، ولهذا يقبله مرة واحدة وينصرف.
الشيء الثالث: إذا لم يستطع تقبيله فإنه يستلمه بيده, أو يستلمه بشيء، مثلما استلمه النبي صلى الله عليه وسلم بمحجن وقبل المحجن، فإذا لم يستطع كل هذه الأشياء يشير إليه بيده, ولا يقبل, أكيد لا يقبل ما أشار إليه به.
إذاً: الحجر الأسود له أربعة أشياء، ومع ذلك هناك أمر خامس, وهو: إذا كان في طواف فإنه يستحب له أن يكبر، إذا حاذاه قال: الله أكبر، وعند بداية الطواف ثبت عن بعض الصحابة والسلف أنه يقول: بسم الله أيضاً في بداية الطواف.
بالمناسبة الآن هذه أشياء تكون في بداية كل طوف أو شوط، بالنسبة للشوط السابع إذا انتهى من الطواف: هل يشير ويكبر أو لا؟ لا يشير ولا يكبر، لأن المسألة تحتمل، إما أن نقول: لا يشير ولا يكبر؛ لأن الإشارة والتكبير تكون في بداية الشوط, وهو قد انتهى الآن. هذا وجه.
الوجه الثاني: أن بعضهم يقول: الإشارة والتكبير مرتبطة بمحاذاة الحجر، سواء قبل أو بعد. وبناء عليه لو كبر أو أشار فالأمر واسع، وهذه أيضاً من المسائل التي لا داعٍ أن الإنسان يحرج الناس فيها, لا تكبر بعد السابع، يصنع الإنسان زحمة, والمسألة ما فيها إشكال، ذكر لله سبحانه وتعالى ونية طيبة واحتساب وقول فقهي معتبر، بعضهم يقول: يشير؛ لأن الإشارة ليست مرتبطة بالشوط، وإنما هي مرتبطة بمحاذاة الحجر، فالأمر في ذلك واسع، ولم يرد فيه شيء مرفوع.
فوائد الحديث
من فوائد الحديث: فضيلة الحجر الأسود وما يختص به.
ومن فضائله أيضاً: فضيلة الركن اليماني وما يختص به.
ومن فوائد الحديث: التفريق بين الركنين اليمانيين والركنين الشاميين, وسر هذا التفريق.
قوله: (الركنين اليمانيين), هكذا على الأفصح أنها تنطق بالتخفيف، ما تقول: اليمانيّين, اليمانيين، وهذا موجود في شعر العرب كثيراً.
والركنان اليمانيان تثنية يماني، وهو منسوب إلى اليمن، والركنان اليمانيان هما: الحجر الأسود والركن اليماني. وتسميتهما بالركنين اليمانيين هذا ما يسميه أهل اللغة على سبيل التغليب، مثل: القمرين للشمس والقمر، والعمرين لـأبي بكر وعمر، والأبوين للأب والأم، وهكذا اليمانيان.
فهذه أربع مسائل, ولها نظائر، يطلق فيها على سبيل التغليب.
وهي منسوبة إلى اليمن؛ لأنها في جهة اليمن من الكعبة، ويقابلهما الركنان من الجهة الأخرى, ويسميان الركنيين الشاميين؛ لأنهما من جهة الشام، أو من جهة الشمال أيضاً؛ لأن العرب يسمون الشمال شاماً، فجهة الشمال قد تسمى شاماً، فهي من جهة الشام، أو من جهة الشمال. وسوف نبين الفرق بين هذه الأركان.
النقطة الثالثة: ماذا يستلم الطائف؟
أولاً: القول الأول: أنه يستلم الركنين فحسب، الركن اليماني والحجر الأسود، وهذا مذهب الجمهور، فهو مذهب مالك وأبي حنيفة والشافعي وأحمد وجمهور الفقهاء وأكثر العلماء، يعني: الأئمة الأربعة وغيرهم، وهو منقول أيضاً عن الصحابة رضي الله عنهم, أنه لا يستلم إلا الركن اليماني والحجر الأسود.
وقد بينا أن الاستلام مثل السلام، بس فيه زيادة التاء، فهو معناه أنه يمسح الركن بيده, أو يلمس الركن بيده. هذا معنى الاستلام. وسأوضح الفرق بينهما بعد قليل.
القول الثاني: أنه يستلم الأركان كلها، وبناء عليه فإنه يستلم الأركان الشامية أيضاً، وهذا جاء عن بعض الصحابة رضي الله عنهم، فهو قول منسوب لـأنس بن مالك وجابر بن عبد الله , وصح عن معاوية رضي الله عنه كما في صحيح البخاري، وكذلك عبد الله بن الزبير وعروة بن الزبير أيضاً، والحسن والحسين رضي الله عنهما وعنهم أجمعين، وكذلك أبو الشعثاء جابر بن زيد كان ذلك من مذهبه، يرون استلام الأركان الأربعة، وأنه لا فرق بين أركان الكعبة.
وفي هذا قصة ذكر أصلها البخاري وأهل السنن: ( أن
فهذا يدل على مذهب معاوية رضي الله عنه ومن وافقه، وهذا الحديث بتفصيله ذكره الترمذي وقال: حديث حسن صحيح، ورواه البخاري في صحيحه معلقاً. فهذا هو القول الثاني.
ولا شك أن الراجح أن السنة استلام الركنين فحسب؛ وذلك لسبب:
أولاً: فعل النبي صلى الله عليه وسلم وكفى به حجة، فإنه عليه الصلاة والسلام لم يستلم إلا هذين الركنين, كما نقله عنه الكافة من أصحابه.
ثانياً: نقول: إن الركنين لهما فضيلة، أولاً: فضيلة وجودهما, وكونهما على قواعد إبراهيم عليه الصلاة والسلام، فإن الركنين هما على قواعد إبراهيم، بخلاف الركنين الشاميين فليسا على قواعد إبراهيم، فإن قريشاً لما أرادت بناء الكعبة قصرت بهم النفقة، فقصروا بناء الكعبة, وجعلوا الحجر أو ما يسمى بالحطيم خارجها، وإلا فإن معظم ما يسمى اليوم بالحجر أو الحطيم هو من الكعبة، حوالي ستة أذرع أو سبعة أذرع يعتبر من الكعبة، ومن دخله فكأنما دخل الكعبة، ومن صلى فيه فكأنما صلى في الكعبة، ولعل من حكمة الله أن يبقى كذلك؛ ليتمكن الناس من الدخول والصلاة فيه من غير إشكال، بينما لا يستطيع الكثير من الناس دخول الكعبة، ويمكن أن أكثرنا أو كلنا ما رأينا الكعبة من داخلها.
وفي إحدى الأيام وأنا هنا جاءتني رسالة تقول: إذا أحببت أن ترى صورة الكعبة من الداخل ما عليك إلا أن ترسل رقماً وذكروا رقماً للاتصالات, يعني: من شأنه أنك تستطيع رؤية الكعبة من الداخل، فإذاً: وجود الحجر نعمة ورحمة من الله سبحانه وتعالى بالعباد، ولكن القصة والمدار على أن الركنين الشاميين ليسا على قواعد إبراهيم عليه الصلاة والسلام، ولهذا لا يستلمان.
وأيضاً: مما يذكر بهذه المناسبة تفضيل الحجر الأسود على الركن اليماني؛ لأنه بالنسبة للركن اليماني هناك الاستلام, من استطاع أن يستلمه استلمه، فإن لم يستطع يستلم بيده، هذا بالنسبة للركن اليماني يستلمه بيده، فإن لم يستطع تركه ومضى، ولا يستحب أن يقبله، ولا يستحب أن يقبل يده، ولا يستحب أن يشير إليه عند الجمهور, هذا هو الراجح. ولكن أنا أؤكد ما ذكرته بالأمس, أن هناك أقوالاً فقهية، فإذا رأيت أحداً يفعل هذا، وكان هناك مجال أنك تحاوره بالهدوء واللين فحسن، وإلا لا يكون هناك جرجرة للناس ونوع من العسف عليهم، فإن هذا ليس مطلوباً في هذه المناسبة في القضايا الفرعية التي فيها اختلاف.
إذاً: السنة بالنسبة للركن اليماني هو أن يستلم باليد فقط، أما بالنسبة للحجر الأسود فالأمر مختلف، فإن السنة ماذا؟ أولاً نقول: ممكن حتى السجود أن يسجد عليه، وهذا ثبت معنا أمس من فعل ابن عباس، فإذا استطاع أن يسجد عليه سجد, هذا جيد، ولا يقال: إنه منكر أو بدعة, فقد ثبت عن صحابي.
الشيء الثاني: أن يقبله، وهذا أيضاً بالاتفاق، يستحب أن يقبله مرة واحدة تكفي؛ حتى يدع الفرصة للناس؛ لأن هذا مكان لا يخلو من تضييق على الناس، ولهذا يقبله مرة واحدة وينصرف.
الشيء الثالث: إذا لم يستطع تقبيله فإنه يستلمه بيده, أو يستلمه بشيء، مثلما استلمه النبي صلى الله عليه وسلم بمحجن وقبل المحجن، فإذا لم يستطع كل هذه الأشياء يشير إليه بيده, ولا يقبل, أكيد لا يقبل ما أشار إليه به.
إذاً: الحجر الأسود له أربعة أشياء، ومع ذلك هناك أمر خامس, وهو: إذا كان في طواف فإنه يستحب له أن يكبر، إذا حاذاه قال: الله أكبر، وعند بداية الطواف ثبت عن بعض الصحابة والسلف أنه يقول: بسم الله أيضاً في بداية الطواف.
بالمناسبة الآن هذه أشياء تكون في بداية كل طوف أو شوط، بالنسبة للشوط السابع إذا انتهى من الطواف: هل يشير ويكبر أو لا؟ لا يشير ولا يكبر، لأن المسألة تحتمل، إما أن نقول: لا يشير ولا يكبر؛ لأن الإشارة والتكبير تكون في بداية الشوط, وهو قد انتهى الآن. هذا وجه.
الوجه الثاني: أن بعضهم يقول: الإشارة والتكبير مرتبطة بمحاذاة الحجر، سواء قبل أو بعد. وبناء عليه لو كبر أو أشار فالأمر واسع، وهذه أيضاً من المسائل التي لا داعٍ أن الإنسان يحرج الناس فيها, لا تكبر بعد السابع، يصنع الإنسان زحمة, والمسألة ما فيها إشكال، ذكر لله سبحانه وتعالى ونية طيبة واحتساب وقول فقهي معتبر، بعضهم يقول: يشير؛ لأن الإشارة ليست مرتبطة بالشوط، وإنما هي مرتبطة بمحاذاة الحجر، فالأمر في ذلك واسع، ولم يرد فيه شيء مرفوع.
استمع المزيد من الشيخ سلمان العودة - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
شرح بلوغ المرام - كتاب الطهارة - باب الوضوء - حديث 38-40 | 4761 استماع |
شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صلاة الجماعة والإمامة - حديث 442 | 4393 استماع |
شرح بلوغ المرام - كتاب الطهارة - باب الوضوء - حديث 57-62 | 4212 استماع |
شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صفة الصلاة - حديث 282-285 | 4094 استماع |
شرح بلوغ المرام - كتاب الحج - باب فضله وبيان من فرض عليه - حديث 727-728 | 4045 استماع |
شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صلاة التطوع - حديث 405-408 | 4019 استماع |
شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صفة الصلاة - حديث 313-316 | 3972 استماع |
شرح بلوغ المرام - كتاب الطهارة - باب الوضوء - حديث 36 | 3916 استماع |
شرح بلوغ المرام - كتاب الطهارة - باب المياه - حديث 2-4 | 3898 استماع |
شرح بلوغ المرام - كتاب الحج - باب فضله وبيان من فرض عليه - حديث 734-739 | 3877 استماع |