Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 73

Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 73

شرح بلوغ المرام - كتاب الزكاة - باب قسم الصدقات- حديث 663-669


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

رقم هذا الدرس (213) من دروس شرح بلوغ المرام، والتاريخ هو ليلة الأربعاء التاسع عشر من جمادى الثانية من سنة (1428هـ)، وهذا هو إن شاء الله تعالى الدرس الأخير في دروس الزكاة، فنكون أنجزنا بنهايته إن شاء الله تعالى كتاب الزكاة في حوالي أحد عشر درساً، وأتينا على معظم المسائل المهمة فيه.

عندنا باب قسم الصدقات، هكذا عبر المصنف رحمه الله في البلوغ، ابن حجر يقول: (باب قسم الصدقات).

ومقصوده بقسم الصدقات، يعني: توزيع الزكاة وإعطاؤها لمستحقيها، والفقهاء عادة يعبرون بهذا التعبير أو يقولون: باب إخراج الزكاة، ولعل المعنى متقارب بكل حال، ولكن باب قسم الصدقات أو باب إخراج الزكاة يفترض أن يشتمل على كثير من المسائل المتعلقة بأهل الزكاة -بالأصناف الثمانية- ومن تحل له الزكاة ومن لا تحل له منهم، وما يدخل في ذلك أيضاً في موضوع آل البيت، وهل تحل لهم الزكاة أو لا تحل؟

ويدخل فيه أيضاً: مم تخرج الزكاة؟ هل تخرج من جنس المال الذي وجبت فيه أو يجوز إخراجها من غير ذلك كأن تخرج نقداً؟

وكذلك متى تجب الزكاة؟ هذا يدخل في قسمها، متى يكون وجوب الزكاة ومتى تسقط؟ إلى غير ذلك.

بينما المصنف رحمه الله تقريباً أخل بأشياء كثيرة من هذا، وتكاد أن تكون الأحاديث تدور حول مسائل قليلة جداً في الأغنياء الذين تدفع إليهم الزكاة والذين لا تدفع إليهم، وما أشبه ذلك من المسائل كما سوف يأتي.

كيفية إخراج الصدقات

وإخراج الزكاة أو قسم الصدقة يكون بأحد ثلاث طرق:

الطريقة الأولى: أن يخرج الإنسان الصدقة بنفسه فيعطيها للمستحقين مباشرة، يتولاها بنفسه وبذاته.

الطريقة الثانية: هي أن يوكل من يقوم عنه بإخراج الزكاة أو إخراج الصدقة، سواء كانت هذه وكالة فردية أو وكالة عامة جماعية، مثل أن يوكل الجمعيات.. جمعيات البر والجمعيات الخيرية ومؤسسات النفع العام التي تكون كالوسيط بين المزكي وبين المحتاج، وإذا كان إخراج الإنسان لصدقته أفضل من جهة كونه يباشره بنفسه ويطمئن إليه ويتولى ذلك، وهذا يحدث في نفسه أيضاً أن دفع الزكاة نفسه هو عملية تعبدية، يعني: ذهابه للفقير وإعطاؤه الفقير ومشاهدته لأثر الزكاة على الآخذ، هذه أشياء جيدة تجعل من الأفضل للإنسان أن يخرج الزكاة بنفسه إذا كان يستطيع أن يتعرف على المحتاجين.

لكن الطريقة الثانية وهي إخراج الزكاة عن طريق الوكلاء، المؤسسات والجمعيات والجهات العامة، هذا فيه مزية وفضيلة، أن لديهم القدرة على التعرف على المحتاجين أكثر، ويكون عندهم لجان تقوم بالبحث والتحري وتحديد المحتاج، وأيضاً إعطاء الزكاة بشكل تدريجي بحسب الحاجة، ويمكن أن يكونوا من خلال جمع زكوات كثيرة تولد لديهم خبرة وأن يشتروا بعض الأشياء بسعر الجملة أيضاً ويوزعوه على المحتاجين، فهذه ميزات.

الطريقة الثالثة: هي أن يتم صرفها عن طريق الساعي الذي يوكله الإمام أو الحاكم في جمع الزكاة، وكان الأئمة والخلفاء يبعثون السعاة خصوصاً في زكاة الإبل والبقر والغنم والخارج من الأرض كما سبق معنا في ذلك، ومنه الخرص، بخلاف الأموال الباطنة مثل النقود ونحوها.

واليوم وجد جهات في بعض البلاد مسئولة عن الزكاة تقوم بضبط رأس المال، مثلاً: عندك شركة أو مؤسسة أو متجر يقيمون رأس المال فتقول مثلاً: رأس المال مائة ألف ريال فيطلبون منك زكاة مائة ألف ريال سنوياً، فهذا الذي تدفعه لهم لا شك أنه زكاة، لكن الكثير من الناس لا يحددون رأس المال بدقة، فقد يعطيهم نسبة معينة أقل مما هو واقع، كأن يكون رأس ماله مثلاً مليون ريال ويقول: أربعمائة ألف ريال، فيأخذون منه زكاة أربعمائة ألف ريال، فما أخذوه منه فهو زكاة لأربعمائة ألف ريال، وما بقي في ذمته يجب عليه أن يتولى قسمه وإخراجه بنفسه أيضاً.

النية في إخراج الزكاة

في موضوع قسم الصدقات أو إخراج الزكاة إشارة إلى مسألة لم يذكرها المصنف رحمه الله، وهي مهمة: مسألة النية في إخراج الزكاة، والأئمة الأربعة رضي الله عنهم يشترطون أنه لابد من النية في إخراج الزكاة، بمعنى أنه لابد حينما يخرج الزكاة أن ينوي بها أنها زكاة، وهذا مذهب الأئمة الأربعة خلافاً للأوزاعي، فالدليل على وجوب النية في إخراج الزكاة قول النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث عمر رضي الله عنه: ( إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى )، وكذلك اشتراط النية في العبادات كلها، فمثلاً: في الصلاة لابد من النية بل هي شرط بالاتفاق، وهكذا الحج والصوم ( لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل ).

فدل على اشتراط النية في العبادات كلها، والزكاة واحدة منها، فلابد فيها من اشتراط النية في إخراج الزكاة، إلا أنه يستثنى من ذلك مثل ما يستثنى في بقية العبادات، مثلاً مال الصبي كما أسلفنا.. إخراج الزكاة من مال الصبي، وكذلك من مال المجنون، والذي رجحناه أن الزكاة تخرج من مالهم، فهنا نية الولي عليهم؛ ولي اليتيم والصبي والمجنون؛ نية وليهم تكفي عن نيتهم، فلو لم يكن عندهم نية خاصة بإخراج الزكاة فهذا مما يستثنى، وكذلك أيضاً إذا أخذها الإمام قسراً ممن منع الزكاة، كما بينا أيضاً حينما شرحنا حديث: ( فإنا آخذوها وشطر ماله ) يعني: الذي يمتنع من أداء الزكاة، فإذا أخذت من الإنسان بالقوة والقسر بغير اختياره؛ فهنا حتى لو لم تتوفر عنده نية يكفي نية الإمام الذي أخذها عند الجمهور، وبعضهم يقول: إنها لا تبرأ بها ذمته، لكن هذا ليس بظاهر.

مسألة تأخير الزكاة

أيضاً من المسائل المتعلقة بإخراج الزكاة، ولم يذكرها المصنف هنا مسألة: تأخير الزكاة، ونحن قد بحثنا فيما مضى مسألة تعجيل الزكاة، وذكرنا أقوال العلماء في تعجيلها، وأن النبي صلى الله عليه وسلم تعجل من العباس زكاة سنتين، وقال صلى الله عليه وسلم: ( هي علي ومثلها ) يعني: أن العباس عجل للنبي صلى الله عليه وسلم صدقة سنتين، ومن هنا قلنا بجواز تعجيل الزكاة.

لكن مسألة تأجيل الزكاة أو تأخير الزكاة لم يتم بحثها، والجدير بها هو هذا الباب باب: قسم الصدقات.

فنقول: بالنسبة لما يتعلق بالتأخير، فإن جمهور أهل العلم يرون وجوب إخراج الزكاة فوراً، يعني: يرون الزكاة واجبة على الفور، وهذه قاعدة عامة عندهم وعند الأصوليين يقولون: الأمر على الفور، يعني: إذا جاء أمر في الشريعة فهو للفور ولا يجوز تأخيره، ويطردون هذا في مسألة الحج مثلاً، أنه إذا وجب عليه الحج وجب أن يحج فوراً عند جماعة من أهل العلم، ولا يجوز أن يؤخره إلا لعذر، فمن ذلك الزكاة، قالوا: إن الزكاة واجبة فوراً.

وأيضاً: من أدلتهم على وجوب أداء الزكاة في وقتها: أن الزكاة عبادة مؤقتة لوقت تجب في الحول؛ فلذلك لو أخرها فهو كمن أخر الصوم مثلاً، ومن أخر الصلاة، وربما تراكمت عليه زكوات سنوات عديدة وطويلة، فلا يجوز ذلك إلا لسبب، يجوز تأخيرها لسبب مثل لو حل عليه وقت الزكاة وهو لا مال عنده، يعني: ليس عنده سيولة يستطيع أو حتى عروض يستطيع أن يخرج الزكاة فيها، أو لعارض من العوارض فهذا يجوز، أما الأحناف فإن إخراج الزكاة عندهم على التراخي وليس على الفور، فلو أخر الزكاة جاز عندهم ذلك.

حكم نقل الزكاة من بلد إلى آخر

أيضاً مما يتعلق بقسم الصدقات ولم يذكره المصنف: موضوع نقل الزكاة، وقد بحثناه سابقاً في حديث ابن عباس رضي الله عنه: ( أن الله قد فرض عليهم زكاة تؤخذ من أغنيائهم، فترد على فقرائهم )، وبينا أقوال أهل العلم في جواز نقل الزكاة من بلد إلى آخر، وأن الراجح جواز نقلها للحاجة والمصلحة الراجحة.

الدعاء لمن يخرج الزكاة

من المسائل المتعلقة بقسم الصدقات ولم يذكرها المصنف أيضاً مسألة الدعاء، وقد جاء في الحديث دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لمن يخرج الصدقة، حديث عبد الله بن أبي أوفى أنه إذا أتاه قوم بصدقتهم، قال: ( اللهم صل على آل أبي أوفى ) فدعا لهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

وكذلك دعاء الآخذ، يعني: الفقير والمسكين والمحتاج الذي يأخذ الصدقة، فإنه يستحب له أن يدعو لباذلها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( من صنع إليكم معروفاً فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له، حتى تروا أنكم قد كافأتموه ) هذا جاء فيه أحاديث وآثار.

حكم إسقاط الدين عن المدين واعتباره من الزكاة

من المسائل أيضاً في قسم الصدقات مسألة دقيقة: هل للإنسان أن يسقط الدين عن المدين ويحسبه من الزكاة؟

لك دين عند فلان مثلاً مائة ألف ريال، وأنت تريد أن تخرج زكاة -مليون ريال زكاتك-، هل يمكن أنك تسقط الدين الذي على إبراهيم أو صالح مائة ألف، وتقول: هذا أحسبه من الزكاة التي عندي، فأسقط عنه الدين؛ لأنه مدين وغارم ومحتاج إلى الزكاة؟

الجمهور يرون أنه لا تسقط بذلك، لا يحل ذلك، ولا يجوز أن يسقط الدين ويحتسبه من زكاة نفسه؛ لأنه بذلك يكون جلب لنفسه مصلحة وخيراً.

وجماعة من السلف رأوا أن ذلك جائز، وأنه من الغارمين، فلو أنه أسقط الدين عن فلان جاز له أن يحسبه من الزكاة، ولا يلزم تمليك الغارم المال.

وتوسط في ذلك الإمام ابن تيمية رحمه الله، فرأى أنه إن كانت الزكاة بالنسبة له زكاة دين -يزكي ديوناً-، فيجوز أن يسقط ديناً؛ لأن الزكاة تكون من جنس المال، أما إن كانت الزكاة زكاة مال ونقد وعروض فيجب أن يدفعها مالاً ونقداً وعروضاً.

وإخراج الزكاة أو قسم الصدقة يكون بأحد ثلاث طرق:

الطريقة الأولى: أن يخرج الإنسان الصدقة بنفسه فيعطيها للمستحقين مباشرة، يتولاها بنفسه وبذاته.

الطريقة الثانية: هي أن يوكل من يقوم عنه بإخراج الزكاة أو إخراج الصدقة، سواء كانت هذه وكالة فردية أو وكالة عامة جماعية، مثل أن يوكل الجمعيات.. جمعيات البر والجمعيات الخيرية ومؤسسات النفع العام التي تكون كالوسيط بين المزكي وبين المحتاج، وإذا كان إخراج الإنسان لصدقته أفضل من جهة كونه يباشره بنفسه ويطمئن إليه ويتولى ذلك، وهذا يحدث في نفسه أيضاً أن دفع الزكاة نفسه هو عملية تعبدية، يعني: ذهابه للفقير وإعطاؤه الفقير ومشاهدته لأثر الزكاة على الآخذ، هذه أشياء جيدة تجعل من الأفضل للإنسان أن يخرج الزكاة بنفسه إذا كان يستطيع أن يتعرف على المحتاجين.

لكن الطريقة الثانية وهي إخراج الزكاة عن طريق الوكلاء، المؤسسات والجمعيات والجهات العامة، هذا فيه مزية وفضيلة، أن لديهم القدرة على التعرف على المحتاجين أكثر، ويكون عندهم لجان تقوم بالبحث والتحري وتحديد المحتاج، وأيضاً إعطاء الزكاة بشكل تدريجي بحسب الحاجة، ويمكن أن يكونوا من خلال جمع زكوات كثيرة تولد لديهم خبرة وأن يشتروا بعض الأشياء بسعر الجملة أيضاً ويوزعوه على المحتاجين، فهذه ميزات.

الطريقة الثالثة: هي أن يتم صرفها عن طريق الساعي الذي يوكله الإمام أو الحاكم في جمع الزكاة، وكان الأئمة والخلفاء يبعثون السعاة خصوصاً في زكاة الإبل والبقر والغنم والخارج من الأرض كما سبق معنا في ذلك، ومنه الخرص، بخلاف الأموال الباطنة مثل النقود ونحوها.

واليوم وجد جهات في بعض البلاد مسئولة عن الزكاة تقوم بضبط رأس المال، مثلاً: عندك شركة أو مؤسسة أو متجر يقيمون رأس المال فتقول مثلاً: رأس المال مائة ألف ريال فيطلبون منك زكاة مائة ألف ريال سنوياً، فهذا الذي تدفعه لهم لا شك أنه زكاة، لكن الكثير من الناس لا يحددون رأس المال بدقة، فقد يعطيهم نسبة معينة أقل مما هو واقع، كأن يكون رأس ماله مثلاً مليون ريال ويقول: أربعمائة ألف ريال، فيأخذون منه زكاة أربعمائة ألف ريال، فما أخذوه منه فهو زكاة لأربعمائة ألف ريال، وما بقي في ذمته يجب عليه أن يتولى قسمه وإخراجه بنفسه أيضاً.

في موضوع قسم الصدقات أو إخراج الزكاة إشارة إلى مسألة لم يذكرها المصنف رحمه الله، وهي مهمة: مسألة النية في إخراج الزكاة، والأئمة الأربعة رضي الله عنهم يشترطون أنه لابد من النية في إخراج الزكاة، بمعنى أنه لابد حينما يخرج الزكاة أن ينوي بها أنها زكاة، وهذا مذهب الأئمة الأربعة خلافاً للأوزاعي، فالدليل على وجوب النية في إخراج الزكاة قول النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث عمر رضي الله عنه: ( إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى )، وكذلك اشتراط النية في العبادات كلها، فمثلاً: في الصلاة لابد من النية بل هي شرط بالاتفاق، وهكذا الحج والصوم ( لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل ).

فدل على اشتراط النية في العبادات كلها، والزكاة واحدة منها، فلابد فيها من اشتراط النية في إخراج الزكاة، إلا أنه يستثنى من ذلك مثل ما يستثنى في بقية العبادات، مثلاً مال الصبي كما أسلفنا.. إخراج الزكاة من مال الصبي، وكذلك من مال المجنون، والذي رجحناه أن الزكاة تخرج من مالهم، فهنا نية الولي عليهم؛ ولي اليتيم والصبي والمجنون؛ نية وليهم تكفي عن نيتهم، فلو لم يكن عندهم نية خاصة بإخراج الزكاة فهذا مما يستثنى، وكذلك أيضاً إذا أخذها الإمام قسراً ممن منع الزكاة، كما بينا أيضاً حينما شرحنا حديث: ( فإنا آخذوها وشطر ماله ) يعني: الذي يمتنع من أداء الزكاة، فإذا أخذت من الإنسان بالقوة والقسر بغير اختياره؛ فهنا حتى لو لم تتوفر عنده نية يكفي نية الإمام الذي أخذها عند الجمهور، وبعضهم يقول: إنها لا تبرأ بها ذمته، لكن هذا ليس بظاهر.

أيضاً من المسائل المتعلقة بإخراج الزكاة، ولم يذكرها المصنف هنا مسألة: تأخير الزكاة، ونحن قد بحثنا فيما مضى مسألة تعجيل الزكاة، وذكرنا أقوال العلماء في تعجيلها، وأن النبي صلى الله عليه وسلم تعجل من العباس زكاة سنتين، وقال صلى الله عليه وسلم: ( هي علي ومثلها ) يعني: أن العباس عجل للنبي صلى الله عليه وسلم صدقة سنتين، ومن هنا قلنا بجواز تعجيل الزكاة.

لكن مسألة تأجيل الزكاة أو تأخير الزكاة لم يتم بحثها، والجدير بها هو هذا الباب باب: قسم الصدقات.

فنقول: بالنسبة لما يتعلق بالتأخير، فإن جمهور أهل العلم يرون وجوب إخراج الزكاة فوراً، يعني: يرون الزكاة واجبة على الفور، وهذه قاعدة عامة عندهم وعند الأصوليين يقولون: الأمر على الفور، يعني: إذا جاء أمر في الشريعة فهو للفور ولا يجوز تأخيره، ويطردون هذا في مسألة الحج مثلاً، أنه إذا وجب عليه الحج وجب أن يحج فوراً عند جماعة من أهل العلم، ولا يجوز أن يؤخره إلا لعذر، فمن ذلك الزكاة، قالوا: إن الزكاة واجبة فوراً.

وأيضاً: من أدلتهم على وجوب أداء الزكاة في وقتها: أن الزكاة عبادة مؤقتة لوقت تجب في الحول؛ فلذلك لو أخرها فهو كمن أخر الصوم مثلاً، ومن أخر الصلاة، وربما تراكمت عليه زكوات سنوات عديدة وطويلة، فلا يجوز ذلك إلا لسبب، يجوز تأخيرها لسبب مثل لو حل عليه وقت الزكاة وهو لا مال عنده، يعني: ليس عنده سيولة يستطيع أو حتى عروض يستطيع أن يخرج الزكاة فيها، أو لعارض من العوارض فهذا يجوز، أما الأحناف فإن إخراج الزكاة عندهم على التراخي وليس على الفور، فلو أخر الزكاة جاز عندهم ذلك.

أيضاً مما يتعلق بقسم الصدقات ولم يذكره المصنف: موضوع نقل الزكاة، وقد بحثناه سابقاً في حديث ابن عباس رضي الله عنه: ( أن الله قد فرض عليهم زكاة تؤخذ من أغنيائهم، فترد على فقرائهم )، وبينا أقوال أهل العلم في جواز نقل الزكاة من بلد إلى آخر، وأن الراجح جواز نقلها للحاجة والمصلحة الراجحة.

من المسائل المتعلقة بقسم الصدقات ولم يذكرها المصنف أيضاً مسألة الدعاء، وقد جاء في الحديث دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لمن يخرج الصدقة، حديث عبد الله بن أبي أوفى أنه إذا أتاه قوم بصدقتهم، قال: ( اللهم صل على آل أبي أوفى ) فدعا لهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

وكذلك دعاء الآخذ، يعني: الفقير والمسكين والمحتاج الذي يأخذ الصدقة، فإنه يستحب له أن يدعو لباذلها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( من صنع إليكم معروفاً فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له، حتى تروا أنكم قد كافأتموه ) هذا جاء فيه أحاديث وآثار.

من المسائل أيضاً في قسم الصدقات مسألة دقيقة: هل للإنسان أن يسقط الدين عن المدين ويحسبه من الزكاة؟

لك دين عند فلان مثلاً مائة ألف ريال، وأنت تريد أن تخرج زكاة -مليون ريال زكاتك-، هل يمكن أنك تسقط الدين الذي على إبراهيم أو صالح مائة ألف، وتقول: هذا أحسبه من الزكاة التي عندي، فأسقط عنه الدين؛ لأنه مدين وغارم ومحتاج إلى الزكاة؟

الجمهور يرون أنه لا تسقط بذلك، لا يحل ذلك، ولا يجوز أن يسقط الدين ويحتسبه من زكاة نفسه؛ لأنه بذلك يكون جلب لنفسه مصلحة وخيراً.

وجماعة من السلف رأوا أن ذلك جائز، وأنه من الغارمين، فلو أنه أسقط الدين عن فلان جاز له أن يحسبه من الزكاة، ولا يلزم تمليك الغارم المال.

وتوسط في ذلك الإمام ابن تيمية رحمه الله، فرأى أنه إن كانت الزكاة بالنسبة له زكاة دين -يزكي ديوناً-، فيجوز أن يسقط ديناً؛ لأن الزكاة تكون من جنس المال، أما إن كانت الزكاة زكاة مال ونقد وعروض فيجب أن يدفعها مالاً ونقداً وعروضاً.

الأحاديث الواردة في الباب أولاً:

الحديث رقم (643) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا تحل الصدقة لغني -لاحظ هنا لغني- إلا لخمسة: لعامل عليها، أو رجل اشتراها بماله، أو غارم، أو غاز في سبيل الله، أو مسكين تصدق عليه منها أو تُصدِّق عليه منها، فأهدى منها لغني )، رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه، وصححه الحاكم وأعل بالإرسال.

تخريج الحديث

هذا الحديث حديث أبي سعيد رضي الله عنه فيه أولاً: ما يتعلق بتخريجه والحكم عليه.

فقد رواه أبو داود كما أشار المصنف، ورواه ابن ماجه في سننه، والحاكم في مستدركه، وابن خزيمة في صحيحه، وأبو عوانة في مستخرجه، وعبد الرزاق في مصنفه، والبيهقي في سننه، كلهم رووه في كتاب الزكاة، ورواه أحمد في المسند كما ذكرنا.

والمصنف رحمه الله قال: (وأعل بالإرسال) وهذا إشارة إلى أن المؤلف كأنه يميل هنا إلى تضعيفه وإلى ترجيح المرسل، فإن الراجح عند جمهور أهل العلم بالعلل والحديث أن هذا الحديث مرسل؛ لأنه لم يذكر فيه اسم الصحابي، فذكر أبي سعيد الخدري فيه هنا يكون وهماً من الراوي، والراجح أن الحديث عن عطاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس عن أبي سعيد، فهذا يسمى مرسلاً، وترجيح المرسل معناه أن الحديث فيه ضعف، وهكذا رواه مالك رحمه الله عن زيد بن أسلم عن عطاء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

والأكثرون رأوا أن هذه هي الجادة، يعني: أن الحديث مرسل فهو ضعيف، وهو الذي رواه أيضاً سفيان بن عيينة وإسماعيل بن أمية وغيرهم.

طبعاً الحديث له شواهد كثيرة.

معاني ألفاظ الحديث

النقطة الثانية ما يتعلق بألفاظ الحديث: قوله صلى الله عليه وسلم: ( لا تحل الصدقة ) يعني: الزكاة المفروضة.

( لغني إلا لخمسة ) يعني: إلا لخمسة أصناف منها، وليس المقصود خمسة أفراد، فإن هؤلاء الخمسة يجوز لهم أخذ الزكاة المفروضة في حال غناهم، هذا هو الظاهر.

وقوله صلى الله عليه وسلم: ( لعامل عليها ) يعني: أن قسم العاملين عليها وهم السعاة ومن يكون معهم، سواء كان هذا العامل يباشر السعاية، أو كان يقوم بالخرص، أو يقوم بالسفر، أو يقوم بالكتابة، أو بالحساب، أو بالحراسة، كل الأعمال المتعلقة بجمع الزكاة وجبايتها وحفظها وتوزيعها، هذه العملية كلها تسمى عملاً، فالعاملون عليها من يقومون بمثل هذه الأعمال وهم عبارة عن أجراء أو موظفين، فيحل لهم حينئذٍ أن يعطوا من الزكاة، ولا يأخذون هم باختيارهم وتشهيهم، ولكن يعطيهم المسئول أو القائم على أمر السعاية من الزكاة بقدر عملهم مثل الراتب؛ لأنهم عبارة عن أجراء.

وقوله عليه الصلاة والسلام: ( أو رجل اشتراها بماله ) يعني: غني وجد أن رجلاً يبيع الزكاة مثل زكاة الفطر يبيعها، أو أعطي مثلاً حلياً، أو أعطي ثياباً من الزكاة فباعها فاشتراها بماله، فهذا يجوز له أن يشتريها، ويجوز بيع الزكاة أيضاً، الفقير يجوز له أن يبيعها؛ لأنه تملكها، فيأكلها أو يبيعها بحسب ما هو الأنسب له، إلا أن صاحب الزكاة الأقرب أنه لا يجوز له أن يشتريها، وقد ثبت في الصحيحين نهي النبي صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب عن أن يشتري الزكاة؛ لما كان عند عمر فرس فتصدق عمر به، فأضاعه الذي هو عنده -يعني: أهمله-، فوجده عمر يباع، فهم أن يشتريه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا تشتره وإن أعطاكه بدرهم، ولا تعد في صدقتك ).

فهذا دليل على أن صاحب الزكاة لا يجوز له أن يشتريها؛ لأنه ربما كان شراؤه لها يقع في نوع من المحاباة، يعني: الغني إذا أراد أن يشتريها منه فإن الفقير قد يبيعها على الغني برخص، كما في حديث عمر بن الخطاب ؛ ولهذا منع صاحب الزكاة نفسه فقط من شرائها، لكن غيره له أن يشتريها، ومن هنا قال: ( رجل اشتراها بماله ).

( أو غارم ) والغارم من الغرم وهو الدين، والمغرم هو الدين كما هو معروف، والغارمين يعني: أصحاب الديون، وهم أحد الأصناف الثمانية التي جعل الله تعالى فيها الزكاة.

ومسألة الغارم هنا المقصود بها والله أعلم لأنه كيف يكون غنياً وغارماً؟

والمقصود هنا بالغارم كما دلت نصوص أخرى كثيرة: هو الرجل الذي تحمل حمالة عن غيره، يعني: سعى في إصلاح بين أسرتين، أو بين قبيلتين، أو بين بلدين، أو بين دولتين، وترتب على هذا العمل الذي قام به أنه تحمل أشياء، لأنه كان بينهم مشاكل ودماء وخلافات وأموال، فأعطى هؤلاء وأعطى هؤلاء، وتحمل أشياء في ذمته من أجل أن يحل هذه المشكلة، أو يقضي على هذا الخلاف وهو غني، لكن هنا ليس مطلوباً منه أن يدفع هذا من ماله؛ لأن غرمه هنا ليس لنفسه وإنما لغيره.

فنقول: المقصود بالغارم من كان غرمه لغيره لإصلاح ذات البين، الغارم لإصلاح ذات البين بين فردين، أو أسرتين، أو جماعتين، أو قبيلتين، أو بلدين.. أو ما أشبه ذلك، فالغارم لإصلاح ذات البين يكفي أن يكون بذل نفسه وبذل جاهه، وبذل وقته وقدرته في الإصلاح بينهم، ولا يطالب بأن يغرم من ماله في ذلك أيضاً.

وكذلك قوله عليه الصلاة والسلام: ( فأهدى منها لغني ) يعني: المسكين الذي تصدق عليه بصدقة فأهدى منها لغني، فإن الغني يجوز له أن يأكل من هذه الهدية، والدليل على ذلك قصة بريرة لما جاءت بالصدقة في حديث عائشة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( هي لها صدقة، وهي لنا هدية ).

فالغني هنا لم يأخذها على أنها صدقة، وإنما أخذها على أنها هدية، فليس عليه في ذلك شيء.

فوائد الحديث

في هذا الحديث فوائد:

منها: أن الصدقة لا تحل لغني، وقد اختلف الفقهاء في مقدار الغنى، وجاء في ذلك نصوص لا تثبت ؛ ولهذا رجح جماعة أن الغني هو من يملك مائتي درهم، يعني: من تجب عليه الزكاة.

ومن فوائد الحديث: أن العاملين على الزكاة والسعاة يأخذون من الزكاة ولو كانوا أغنياء.

ومنها: جواز بيع الزكاة إلا على باذلها -إلا على صاحبها-.

ومنها: إعطاء الغارم لإصلاح ذات البين.

ومنها أيضاً: فضيلة إصلاح ذات البين.

ومن ذلك: الغازي في سبيل الله، وأن له حقاً في الزكاة ولو كان غنياً على ظاهر هذا الحديث، قوله: ( أو غاز في سبيل الله )، وفي المسألة خلاف بين أهل العلم: فمنهم من قال: يدفع من ماله، ومنهم من قال: إنه يكفي أن يكون غزا بنفسه، وليس عليه من تكلفته شيء، وهذا وجيه.

ومنها: أنه يجوز للمسكين والفقير أن يهدي من الزكاة وأن يتصدق، وأن يعطي منها أيضاً، وأنه يجوز للغني أن يأخذ منها على سبيل الهدية.

هذه بعض فوائد الحديث.

هذا الحديث حديث أبي سعيد رضي الله عنه فيه أولاً: ما يتعلق بتخريجه والحكم عليه.

فقد رواه أبو داود كما أشار المصنف، ورواه ابن ماجه في سننه، والحاكم في مستدركه، وابن خزيمة في صحيحه، وأبو عوانة في مستخرجه، وعبد الرزاق في مصنفه، والبيهقي في سننه، كلهم رووه في كتاب الزكاة، ورواه أحمد في المسند كما ذكرنا.

والمصنف رحمه الله قال: (وأعل بالإرسال) وهذا إشارة إلى أن المؤلف كأنه يميل هنا إلى تضعيفه وإلى ترجيح المرسل، فإن الراجح عند جمهور أهل العلم بالعلل والحديث أن هذا الحديث مرسل؛ لأنه لم يذكر فيه اسم الصحابي، فذكر أبي سعيد الخدري فيه هنا يكون وهماً من الراوي، والراجح أن الحديث عن عطاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس عن أبي سعيد، فهذا يسمى مرسلاً، وترجيح المرسل معناه أن الحديث فيه ضعف، وهكذا رواه مالك رحمه الله عن زيد بن أسلم عن عطاء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

والأكثرون رأوا أن هذه هي الجادة، يعني: أن الحديث مرسل فهو ضعيف، وهو الذي رواه أيضاً سفيان بن عيينة وإسماعيل بن أمية وغيرهم.

طبعاً الحديث له شواهد كثيرة.