خطب ومحاضرات
شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صلاة الجمعة - حديث 486-491
الحلقة مفرغة
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
نحمد الله تعالى ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، ونصلي ونسلم على خاتم رسله وأفضل أنبيائه وخيرته من خلقه، محمد صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً.
عندنا اليوم أيضاً مجموعة من الأحاديث لا بأس بها في باب الجمعة، سنحاول إن شاء الله أن نأتي على ستة أحاديث من غير إخلال في مضمونها وشرحها؛ لأنها في موضوعات متقاربة.
هذه بطبيعة الحال ليلة الإثنين الحادي عشر من شهر صفر من سنة (1426هـ)، ورقم هذا الدرس (177) من شرح بلوغ المرام .
الحديث الأول منها رقمه: (461) وهو حديث السائب بن يزيد رضي الله عنه أن معاوية قال له: ( إذا صليت الجمعة فلا تصلها بصلاة حتى تكلم أو تخرج، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا بذلك، أن لا توصل صلاة بصلاة حتى نتكلم أو نخرج ).
تخريج الحديث
وفي الحديث قصة ذكرها مسلم رحمه الله عن عطاء بن أبي الخوار أن نافع بن جبير أرسله إلى السائب بن أخت نمر وهو السائب بن يزيد المذكور هنا، يسأله عن شيء رآه منه معاوية في الصلاة، فقال: ( نعم، صليت معه الجمعة في المقصورة -يعني: في المدينة المنورة- فلما سلم أو سلم الإمام -على روايتين- قمت في مقامي فصليت، فلما قام معاوية
وقد رواه أيضاً أبو داود في سننه في كتاب الصلاة، باب الصلاة بعد الجمعة، وابن خزيمة في الصحيح في الباب ذاته، والبيهقي وأحمد وغيرهم.
ترجمة راوي الحديث
فعندنا هنا السائب بن يزيد وربما لم يمر معنا؛ لأنه صحابي مقل، يعني: روايته قليلة، وهو السائب بن يزيد أو ابن أخت نمر كما ذكرنا الكندي، والنمر هذا المذكور هو خال أبيه، وقد قيل: إن السائب بن يزيد ولد سنة ثلاث من الهجرة النبوية، وأما وفاته فقد اختلف فيها، فقيل: خمس وثمانين، وقيل: في التسعين، وقيل: بعد التسعين، والبخاري رحمه الله ترجم له فيمن مات ما بين التسعين والمائة، والخطب على كل حال يسير.
وكان السائب عاملاً لـعمر رضي الله عنه على سوق المدينة، وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث قليلة، فهو صحابي صغير قليل الرواية .
معاني ألفاظ الحديث
(المقصورة) المذكورة هنا من القصر، والقصر يستخدم في معانٍ منها البناء، فيقال: هذا قصر فلان، وكأن المقصورة غرفة صغيرة توضع في البيت أو توضع في المسجد، وقد وضعها معاوية رضي الله عنه كأنه خاف أو في أوقات الشدة وأزمنة الخوف وضعت له هذه المقصورة ليصلي فيها وهو في المسجد.
وقول معاوية رضي الله عنه للسائب : (لا تعد لما فعلت): لا تفعله مرة أخرى.
ثم قال معاوية رضي الله عنه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره بذلك أن لا توصل صلاة بصلاة )، (توصل) من الوصل، أي: لا يصلي الإنسان نافلة بعد الفريضة دون أن يفصل بينهما، سواء في ذلك الجمعة أو غيرها من الصلوات كما سوف يأتي.
حكم وصل الفرض بالنفل
فإن في الحديث مسألة واحدة واضحة إن شاء الله، وهي مسألة وصل الفرض بالنفل، يعني: أن يصلي النافلة بعد الفريضة مباشرة دون كلام، ودون انتقال من المكان، وهذه مما اتفق الفقهاء عليها، فإن علماء المذاهب الأربعة الشافعية، والمالكية، والحنابلة، والحنفية، أجمعوا واتفقوا وكذلك السلف على كراهية أن يصل الإنسان الفريضة بالنافلة حتى يتكلم بينهما، طبعاً الكلام سواءً تكلم أو ذكر الله، فالذكر والاستغفار يعتبر كلاماً، أو يخرج من المسجد ويصلي في بيته، أو ينتقل إلى مكان آخر في المسجد فيتنفل فيه، فكل ذلك وارد.
وقد جاء هذا المعنى عن الصحابة رضي الله عنهم كما نقله ابن أبي شيبة في مصنفه وغيره, عن ابن عمر وأبي هريرة وابن الزبير وابن عباس وابن المسيب والحسن وأبي مجلز وأبي قلابة وغيرهم.
والدليل لهذه المسألة حديث الباب وهو صريح فيها، وهو أصح ما ورد، حيث رواه مسلم كما أسلفنا، وقد جاء فيه أحاديث أخرى عن أبي هريرة رضي الله عنه وآثار كما أشرنا إلى ذلك.
زيادة على هذا فإن هذا الحكم معقول المعنى؛ لأن الفصل بين الفريضة والنافلة يراد منه أمور، فضلاً عن أنه يشهد له -كما ورد- كل مكان ذكر الله تعالى فيه وعبد الله فيه: يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا [الزلزلة:4]، فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ [الدخان:29]، إلا أنه من مقاصد الشريعة الفصل بين الفرض والنفل في الصلاة وغيرها؛ لئلا يلتبس الأمر على الناس.
الجمعة مثلاً قد يقوم الإنسان يتنفل ويظن بأنه يكمل الصلاة أربعاً، ويحدث هذا للناس مع طول الزمن، وكذلك ما يتعلق بالفريضة فربما التبس أمرها على الناس، سواء الفجر أو غيرها، وهكذا الصيام النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يصام قبل رمضان كما في الصحيحين، وكذلك صيام يوم الشك، ومثل ذلك صيام يوم العيد، ولهذا أوجب الله الفطر فيه حتى يجعل للفريضة حريماً وحدوداً، يعني سوراً قبلها وبعدها، بحيث إن الفريضة مختلفة بحكمها وآدابها وما يتعلق بها والنافلة مختلفة، فيراد أن لا تدخل النافلة في الفريضة.
فوائد الحديث
منها: كراهية وصل النافلة ولو كانت راتبة بالفريضة، سواءً كان هذا في الجمعة أو غيرها.
ومنها: استحباب الفصل بين الفرض والنفل كما ذكرنا.
ومنها: استحباب الذكر بعد الفريضة، وهذا جاء في الصحيح عن ابن عباس في البخاري: أن رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
ومنها أيضاً: تحول الإنسان من مكانه الذي صلى فيه الفريضة إلى غيره ليتنفل فيه، وهذا وإن لم يثبت فيه أحاديث مرفوعة إلا أن فيه آثاراً عن جماعة من السلف أنهم كانوا يغيرون مكان الفريضة إذا أرادوا النافلة، ونقول: إن غيَّر الإنسان مكانه في الفريضة فحسن إن كان ذلك لا يشق عليه، وإلا فإنه يذكر الله سبحانه وتعالى قبل أن يتنفل، وإن خرج وصلى في البيت فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( صلوا في بيوتكم ولا تتخذوها قبوراً ).
وأيضاً: قد يؤخذ من الحديث فائدة أصولية وهي: قد يستدل بالحديث من يقول: إن الأمر بالشيء نهي عن ضده؛ لأن معاوية رضي الله عنه قال: ( كذلك أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا نصل صلاة بصلاة )، وهذا نهي وليس أمراً.
وإنما أقول: هذا قد يقال فيه: والأقرب أن الحديث مروي بالمعنى، يعني: قد يكون معاوية قال: كذلك علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو أرشدنا، وليس أمرنا بمعنى الأمر؛ لأن الحديث نهي وليس أمراً، قال: ( لا تصلوا صلاة بصلاة حتى تتكلموا أو تنتقلوا )، وقد نص الأئمة على مفهوم هذا الحديث في الانتقال والفصل بين الفرض والنفل في الجمعة وغيرها، وعللوه بنحو ما ذكرنا، هذا الحديث الأول.
المصنف رحمه الله ذكر هذا الحديث وقال: رواه مسلم، وهو في كتاب الجمعة من صحيح مسلم باب الصلاة بعد الجمعة.
وفي الحديث قصة ذكرها مسلم رحمه الله عن عطاء بن أبي الخوار أن نافع بن جبير أرسله إلى السائب بن أخت نمر وهو السائب بن يزيد المذكور هنا، يسأله عن شيء رآه منه معاوية في الصلاة، فقال: ( نعم، صليت معه الجمعة في المقصورة -يعني: في المدينة المنورة- فلما سلم أو سلم الإمام -على روايتين- قمت في مقامي فصليت، فلما قام معاوية
وقد رواه أيضاً أبو داود في سننه في كتاب الصلاة، باب الصلاة بعد الجمعة، وابن خزيمة في الصحيح في الباب ذاته، والبيهقي وأحمد وغيرهم.
ما يتعلق بصحابي الحديث:
فعندنا هنا السائب بن يزيد وربما لم يمر معنا؛ لأنه صحابي مقل، يعني: روايته قليلة، وهو السائب بن يزيد أو ابن أخت نمر كما ذكرنا الكندي، والنمر هذا المذكور هو خال أبيه، وقد قيل: إن السائب بن يزيد ولد سنة ثلاث من الهجرة النبوية، وأما وفاته فقد اختلف فيها، فقيل: خمس وثمانين، وقيل: في التسعين، وقيل: بعد التسعين، والبخاري رحمه الله ترجم له فيمن مات ما بين التسعين والمائة، والخطب على كل حال يسير.
وكان السائب عاملاً لـعمر رضي الله عنه على سوق المدينة، وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث قليلة، فهو صحابي صغير قليل الرواية .
ما يتعلق بمفردات الحديث:
(المقصورة) المذكورة هنا من القصر، والقصر يستخدم في معانٍ منها البناء، فيقال: هذا قصر فلان، وكأن المقصورة غرفة صغيرة توضع في البيت أو توضع في المسجد، وقد وضعها معاوية رضي الله عنه كأنه خاف أو في أوقات الشدة وأزمنة الخوف وضعت له هذه المقصورة ليصلي فيها وهو في المسجد.
وقول معاوية رضي الله عنه للسائب : (لا تعد لما فعلت): لا تفعله مرة أخرى.
ثم قال معاوية رضي الله عنه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره بذلك أن لا توصل صلاة بصلاة )، (توصل) من الوصل، أي: لا يصلي الإنسان نافلة بعد الفريضة دون أن يفصل بينهما، سواء في ذلك الجمعة أو غيرها من الصلوات كما سوف يأتي.
ما يتعلق بمسائل الحديث:
فإن في الحديث مسألة واحدة واضحة إن شاء الله، وهي مسألة وصل الفرض بالنفل، يعني: أن يصلي النافلة بعد الفريضة مباشرة دون كلام، ودون انتقال من المكان، وهذه مما اتفق الفقهاء عليها، فإن علماء المذاهب الأربعة الشافعية، والمالكية، والحنابلة، والحنفية، أجمعوا واتفقوا وكذلك السلف على كراهية أن يصل الإنسان الفريضة بالنافلة حتى يتكلم بينهما، طبعاً الكلام سواءً تكلم أو ذكر الله، فالذكر والاستغفار يعتبر كلاماً، أو يخرج من المسجد ويصلي في بيته، أو ينتقل إلى مكان آخر في المسجد فيتنفل فيه، فكل ذلك وارد.
وقد جاء هذا المعنى عن الصحابة رضي الله عنهم كما نقله ابن أبي شيبة في مصنفه وغيره, عن ابن عمر وأبي هريرة وابن الزبير وابن عباس وابن المسيب والحسن وأبي مجلز وأبي قلابة وغيرهم.
والدليل لهذه المسألة حديث الباب وهو صريح فيها، وهو أصح ما ورد، حيث رواه مسلم كما أسلفنا، وقد جاء فيه أحاديث أخرى عن أبي هريرة رضي الله عنه وآثار كما أشرنا إلى ذلك.
زيادة على هذا فإن هذا الحكم معقول المعنى؛ لأن الفصل بين الفريضة والنافلة يراد منه أمور، فضلاً عن أنه يشهد له -كما ورد- كل مكان ذكر الله تعالى فيه وعبد الله فيه: يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا [الزلزلة:4]، فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ [الدخان:29]، إلا أنه من مقاصد الشريعة الفصل بين الفرض والنفل في الصلاة وغيرها؛ لئلا يلتبس الأمر على الناس.
الجمعة مثلاً قد يقوم الإنسان يتنفل ويظن بأنه يكمل الصلاة أربعاً، ويحدث هذا للناس مع طول الزمن، وكذلك ما يتعلق بالفريضة فربما التبس أمرها على الناس، سواء الفجر أو غيرها، وهكذا الصيام النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يصام قبل رمضان كما في الصحيحين، وكذلك صيام يوم الشك، ومثل ذلك صيام يوم العيد، ولهذا أوجب الله الفطر فيه حتى يجعل للفريضة حريماً وحدوداً، يعني سوراً قبلها وبعدها، بحيث إن الفريضة مختلفة بحكمها وآدابها وما يتعلق بها والنافلة مختلفة، فيراد أن لا تدخل النافلة في الفريضة.
في هذا الحديث فوائد:
منها: كراهية وصل النافلة ولو كانت راتبة بالفريضة، سواءً كان هذا في الجمعة أو غيرها.
ومنها: استحباب الفصل بين الفرض والنفل كما ذكرنا.
ومنها: استحباب الذكر بعد الفريضة، وهذا جاء في الصحيح عن ابن عباس في البخاري: أن رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
ومنها أيضاً: تحول الإنسان من مكانه الذي صلى فيه الفريضة إلى غيره ليتنفل فيه، وهذا وإن لم يثبت فيه أحاديث مرفوعة إلا أن فيه آثاراً عن جماعة من السلف أنهم كانوا يغيرون مكان الفريضة إذا أرادوا النافلة، ونقول: إن غيَّر الإنسان مكانه في الفريضة فحسن إن كان ذلك لا يشق عليه، وإلا فإنه يذكر الله سبحانه وتعالى قبل أن يتنفل، وإن خرج وصلى في البيت فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( صلوا في بيوتكم ولا تتخذوها قبوراً ).
وأيضاً: قد يؤخذ من الحديث فائدة أصولية وهي: قد يستدل بالحديث من يقول: إن الأمر بالشيء نهي عن ضده؛ لأن معاوية رضي الله عنه قال: ( كذلك أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا نصل صلاة بصلاة )، وهذا نهي وليس أمراً.
وإنما أقول: هذا قد يقال فيه: والأقرب أن الحديث مروي بالمعنى، يعني: قد يكون معاوية قال: كذلك علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو أرشدنا، وليس أمرنا بمعنى الأمر؛ لأن الحديث نهي وليس أمراً، قال: ( لا تصلوا صلاة بصلاة حتى تتكلموا أو تنتقلوا )، وقد نص الأئمة على مفهوم هذا الحديث في الانتقال والفصل بين الفرض والنفل في الجمعة وغيرها، وعللوه بنحو ما ذكرنا، هذا الحديث الأول.
الحديث الثاني ورقمه: (462) وهو حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من اغتسل ثم أتى الجمعة فصلى ما قدر له، ثم أنصت حتى يفرغ الإمام من خطبته، ثم صلى معه، غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى وفضل ثلاثة أيام ).
تخريج الحديث
معاني ألفاظ الحديث
قوله: ( من اغتسل ثم أتى الجمعة )، الاغتسال معروف، وهو تعميم البدن بالماء.
ثم قوله صلى الله عليه وسلم: ( فصلى ما قدر له )، يعني: من النوافل، ولو أن يصلي تحية المسجد؛ فإن تحية المسجد تدخل في قوله صلى الله عليه وسلم: ( فصلى ما قدر له ).
( ثم أنصت حتى يفرغ الإمام من خطبته )، الإنصات هو السكوت، وهو ضد الكلام، وقد ورد في قوله تعالى: فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [الأعراف:204].
قوله صلى الله عليه وسلم: ( وفضل ثلاثة أيام )، يعني: وزيادة، فالفضل هو الزيادة، وذلك أن الحسنة بعشر أمثالها، فإذا اعتبرنا أن يوم الجمعة بهذه الصفات إذا اغتسل وأتى الجمعة وصلى قبل دخول الإمام، ثم أنصت ثم صلى مع الإمام؛ فهذه الجمعة تكون بعشرة أيام، فيغفر له سبعة أيام وزيادة ثلاثة أيام بعد الجمعة الأخرى.
حكم غسل الجمعة وأقوال العلماء فيه
القول الأول: أن غسل الجمعة سنة وأدلته
إذاً: هذا القول الأول أن الاغتسال ليوم الجمعة سنة وليس بواجب، وهذا مذهب الجمهور كما ذكرت.
أدلة هذا القول:
أما أدلة السنية فكثيرة جداً، مثل حديث الباب: ( من اغتسل يوم الجمعة ).
وكذلك حديث أبي سعيد الخدري : ( غسل الجمعة واجب على كل محتلم ).
والحديث الآخر ابن عمر : ( من أتى الجمعة فليغتسل )، فهذا دليل على الأمر به.
وأما الدليل على أن هذا الأمر ليس للوجوب وإنما هو للاستحباب، أي: الصارف عن الوجوب إلى الاستحباب، فمثل حديث أبي هريرة رضي الله عنه وهو في صحيح مسلم : ( من توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى الجمعة وأنصت وصلى مع الإمام غفر له )، فهذا اللفظ -وهو في الصحيح- ذكر فيه الوضوء، وقال بعض العلماء: إن هذا من أقوى ما استدل به على عدم وجوب الغسل يوم الجمعة؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام ذكر فيه الوضوء، ( من توضأ فأحسن الوضوء ).
الدليل الثاني: حديث ابن عمر رضي الله عنه وهو في الصحيحين أيضاً أن عمر بينما هو على المنبر إذ جاء رجل من المهاجرين الأولين، وهذا الرجل من هو؟ عثمان رضي الله عنه، فقال له عمر رضي الله عنه يعاتبه على التأخر، فقال: [ والله يا أمير المؤمنين ما هو إلا أن كنت في أهلي فسمعت النداء فتوضأت وأتيت، فقال له عمر : والوضوء أيضاً، وقد علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمر بالغسل ].
فقالوا: هذا الدليل يوضح أن الصحابة رضي الله عنهم لم يكونوا يرون وجوب الغسل، فهذا عثمان رضي الله عنه الخليفة الراشد، وهو من السابقين الأولين المهاجرين مع ذلك توضأ ولم يغتسل، كذلك عمر رضي الله عنه قالوا: إنه عاتبه ولكنه لم يأمره بالذهاب للاغتسال، ولو كان واجباً لأمره عمر أن يخرج ليغتسل.
وهكذا الصحابة رضي الله عنهم في المسجد كانوا موجودين ولم ينكر أحد، فدل ذلك على أن من المشهور عندهم أن الغسل يوم الجمعة ليس بواجب، وإنما هو مستحب.
أيضاً: من الأدلة حديث عائشة رضي الله عنها وهو في البخاري ومسلم، قالت: [ إن الناس كانوا ينتابون الجمعة ]، يعني: يأتون لصلاة الجمعة من بيوتهم ومن العوالي ومن أماكن بعيدة، وكانوا يأتون في أثياب مهنتهم، وكان يكون فيهم من الرائحة، فجاء إنسان منهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال لهم أو قيل لهم: ( لو أنكم تطهرتم ليومكم هذا ) وفي رواية: ( لو اغتسلتم ).
فهذا الحديث عن عائشة رضي الله عنها، وقد ورد شاهد له عند أهل السنن عن ابن عباس، يدل على أن الأمر بالاغتسال يوم الجمعة هو مبني على التنظف والتطيب وحسن الرائحة، وأنه كان بسبب وجود رائحة عند الناس في المسجد، وابن عباس قال: إن المسجد كان سقفه نازلاً، وكان المسجد ضيقاً، والناس يأتون في الصوف، ويأتون أحياناً في وقت الحر، فتكون رائحتهم في المسجد، حتى إن النبي صلى الله عليه وسلم قد تصله هذه الرائحة، فهذا تعليل الأمر بالغسل.
ثم أيضاً في حديث عائشة رضي الله عنها قيل لهم: ( لو أنكم تطهرتم، لو اغتسلتم )، وكلمة: (لو اغتسلتم)، هل تدل على الوجوب؟ لا، وإنما تدل على أن هذا أمر محبذ ومستحب من غير إلزام.
الدليل الرابع: حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل )، وهذا الحديث رواه الترمذي والبيهقي وأحمد في مسنده.
وسبق أن تكلمنا في هذا الحديث وبينا حاله، الحديث على كل حال هو من رواية الحسن البصري عن سمرة بن جندب، وروايته عنه فيها اختلاف كثير، وقد ذكر البخاري والترمذي وغيرهم أنه سمع منه حديث العقيقة، فعلى هذا يكون في الحديث شيء من الضعف، مع أن فيه نوعاً من الاضطراب أيضاً، فحديث سمرة بن جندب أيضاً، وإن كان حسنه جمع من أهل العلم إلا أنه أقرب إلى الضعف.
الدليل الخامس: الإجماع كما ذكره ابن عبد البر وغيره، وقد ذكرت أن الإجماع هنا فيه نظر، وقد يقصد بالإجماع أنه قول الأكثرين من العلماء وليس إجماعاً قطعياً.
الدليل السادس: هي الآثار، وقد ذكرها أصحاب المصنفات كـابن أبي شيبة وغيره، كما ذكرنا الآن أثراً عن عثمان رضي الله عنه، وأثراً عن ابن عباس، وأثراً عن عائشة، وهناك أثر عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وقال: [ الغسل يوم الجمعة والعيدين ويوم عرفة ] مما يدل على أنه لا يقصد به الوجوب.
وهكذا أيضاً آثار عن بعض التابعين كـعطاء، والشعبي، وإبراهيم النخعي وغيرهم أنهم كانوا يقولون: إن الغسل سنة وليس بواجب.
إذاً: هذا هو القول الأول وهو مذهب الجمهور وهذه أدلته، ومنها حديث عائشة رضي الله عنها في الصحيح، وحديث أبي هريرة أيضاً في الصحيح، وحديث ابن عمر المتفق عليه في قصة عثمان، وحديث سمرة بن جندب وغيرهم.
القول الثاني: أن غسل الجمعة واجب وأدلته
وهذا القول مذهب الظاهرية، وانتصر له ابن حزم في المحلى، وهو رواية عند الحنابلة، ويمكن أن ينسب هذا القول لجماعة من الصحابة، ابن حزم رحمه الله نسبه لجماعة من الصحابة.
وقد بينت لكم أن بعض الأئمة كـابن حزم أحياناً يتسامحون في نسبة الأقوال، فإذا روى صحابي قولاً أو حديثاً ألزموه بمضمونه، فعلى هذا قد يقال: إن هذا القول مثلاً بالوجوب هو مذهب ابن عمر، ومذهب ابن مسعود، ومذهب أبي سعيد الخدري، ومذهب أبي هريرة، ويأخذون هذا من الأحاديث التي رووها.
أدلة هذا القول بوجوب غسل الجمعة:
أولاً: حديث أبي سعيد الخدري المتفق عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( غسل الجمعة واجب على كل محتلم، والسواك، وأن يمس طيباً )، فقالوا: هذا نص على الوجوب، وقد صرح النبي صلى الله عليه وسلم بحكمه فلا ينبغي أن يقع فيه اختلاف.
وهذا من أقوى ما استدلوا به في الواقع كما أشار إليه الإمام ابن دقيق العيد وغيره؛ لأنه صرح بوجوبه.
وقد تأوله الآخرون تأويلات مختلفة، ومن أسوأ وأردى ما تأولوا به هذا الحديث أن بعضهم قالوا: واجب يعني: ساقط، يعني: وجب الشيء، يعني: سقط، فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا [الحج:36]، وعليه يكون الحديث نقيض ما يدل عليه، يقول: إن غسل الجمعة ليس مطلوباً أو ليس مشروعاً؛ لأنه يسقط، وهذا معنىً فاسد لا شك فيه، وتكلف ظاهر.
لكن ثمة تأويلات لا بأس بها للحديث، مثل أن يقولوا: إن معنى واجب: أي أنه مؤكد شديد التأكيد، وليس المقصود الوجوب الذي يأثم تاركه، قالوا: والدليل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم جمعه مع السواك ومع الطيب، يعني: والسواك واجب، وأن يمس من الطيب واجب، وهذا لا قائل بوجوبه، فدل إذاً على أن غسل الجمعة مطلوب ومستحب، وقد ينازع في هذا بأنه هناك من قال: بوجوب الغسل، وهناك من قال: بوجوب الطيب، وهناك من قال: بوجوب السواك، وهذا قول للظاهرية، ونسب لـأبي هريرة رضي الله عنه، لكنه قول ضعيف.
فالصحيح: أن السواك ليس بواجب، وأن الطيب ليس بواجب، وبناءً عليه يكون جمع الغسل والسواك والطيب مما يسميه الفقهاء بدلالة الاقتران، فقرنه معها يضعف من الوجوب، هذا لا يدل طبعاً لا يعطي دلالة شرعية لكنه يضعف من لفظة الوجوب المتعلقة بالغسل خصوصاً مع الأحاديث الأخرى التي سبق وأن ذكرناها.
كذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه الذي يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: ( حق على كل
والجمهور أولوه على أن المقصود أنه حق يعني: من باب الآكدية والسنية، والسنة حق أيضاً، كما أن الواجب حق.
حديث ابن عمر رضي الله عنه الذي ذكرناه في قصة عثمان قبل قليل أن عمر عاتبه قال: [ والوضوء أيضاً! وقد علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمرنا أن نغتسل ]، استدل به هؤلاء على الوجوب، فقالوا: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يغتسلوا، وعمر أنكر على عثمان، ولا يلزم أن يخرج من المسجد، ولا يلزم أن من لم يغتسل فلا جمعة له، وليس الغسل عندهم واجباً كوجوب الوضوء، أي: شرطاً، وإنما هو واجب للتطيب والتنظف.
وهذا ما استدلوا به إضافة إلى استدلالهم بآثار عن جماعة من الصحابة، مثل سعد بن أبي وقاص قال: [ ما ظننت أن أحداً يترك غسل الجمعة ]، وكذلك عمر مثلما ذكرنا في قصته هنا مع عثمان .
عمار بن ياسر وابن عمر نقل عنهما أن الواحد كان يقول: [ إن كان كذا فأنا كالذي لا يغتسل يوم الجمعة ]، يعني: يضرب به المثل في التقصير.
ابن عباس وأبو هريرة، ابن مسعود، جابر، نقل عنهم في ذلك آثار عن وجوب الاغتسال يوم الجمعة، إذاً هذه خمسة أدلة للقائلين بالوجوب.
القول الثالث: أن غسل الجمعة يجب في حالات خاصة وأدلته
وقد استدل هؤلاء:
أولاً: بحديث عائشة الذي ذكرناه قبل قليل: ( أنهم كانوا يأتون في ثيابهم فقيل لهم: لو تطهرتم، لو اغتسلتم ).
كما استدلوا بحديث عكرمة أن أهل العراق سألوا ابن عباس رضي الله عنه عن الغسل وكيف بدأ فقال لهم: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان الصحابة يأتون إلى الجمعة والمسجد منخفض السقف وضيق والناس كثير، ويأتون بالصوف والعباء، وتكون منهم الرائحة، فوجدها النبي صلى الله عليه وسلم فأمرهم بالاغتسال وليس هو واجباً، يقوله ابن عباس رضي الله عنه.
فهذا دليل على أن أصل مشروعية الغسل هي لهذا السبب، وحديث ابن عباس سنده جيد كما يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله، وقد خرجه أبو داود والحاكم وصححه وأحمد في مسنده.
فهذا يستدل به مثلما استدل بحديث عائشة رضي الله عنها لمذهب ابن تيمية رحمه الله.
وهناك دليل ثالث عقلي وهو: أن أذى المصلين بالرائحة السيئة ممنوع، فإذا كانت هذه الرائحة بحيث إن الإنسان لا يستطيع تجنبها، فربما قيل بسقوط الصلاة عنه لئلا يؤذي الناس، سقوط الجماعة، فإذا كان من الممكن أن يتجنبها ويزيلها بالغسل ونحوه خصوصاً في التجمعات التي يكثر الناس فيها كالجمعة؛ كان ذلك واجباً متعيناً عليه.
والقول الذي اختاره ابن تيمية رحمه الله قول قوي، وفيه توسط، فيحمل مثل حديث أبي سعيد : ( غسل الجمعة واجب )، وحديث ابن عمر، وحديث أبي هريرة (حق) يحمل على أنه واجب وجوباً خاصاً على من يكون عنده رائحة كريهة أو ما أشبه ذلك، وسنة في حق الباقين، هذا ما يتعلق بهذه المسألة.
تعلق غسل الجمعة بالصلاة أم باليوم
متعلق بالصلاة، الأرجح والأقرب عندي أن غسل الجمعة متعلق بصلاة الجمعة، بمعنى: أن عليه أن يغتسل قبل الصلاة، وأنه لو اغتسل مثلاً ليلة الجمعة في الليل قبل الفجر وظلت رائحته طيبة لا يلزمه أن يغتسل غسلاً آخر، وهكذا لو اغتسل بعد الفجر من باب أولى، ولو أحدث بعد هذا الغسل لا يضره؛ لأنه يتوضأ، أما إذا أتى ما يوجب الغسل فهذا شأن آخر؛ يغتسل لا للجمعة لكن للسبب الآخر كالجماع مثلاً، وهذا قول الجمهور أن الغسل للصلاة، وهو واضح من حديث أبي هريرة وحديث ابن عباس وغيرهم.
ابن حزم رحمه الله وبعض الحنفية يرون أن الغسل ليس للصلاة وإنما هو لليوم ليوم الجمعة، وبناءً على هذا القول معناه أن الإنسان لو اغتسل بعد الصلاة يكون أدرك الفضيلة؛ لأن يوم الجمعة يكون إلى غروب الشمس.
ورجحنا، مذهب ابن تيمية رحمه الله أنه لا يجب، يعني نحن نقول: إن الراجح أن غسل الجمعة سنة كما هو مذهب الجمهور، لكن يتجه أن يقال بوجوبه على أعيان معينة أو أحوال معينة.
فوائد الحديث
فيه: فضيلة الغسل يوم الجمعة واستحبابه على كل بالغ، والمحتلم المقصود به البالغ، حديث أبي سعيد : ( على كل محتلم )، أي: بالغ، وليس المقصود أنه احتلم في ذلك اليوم؛ لأنه لو احتلم وجب الغسل عليه باتفاق سواءً يوم الجمعة أو غير الجمعة.
وفيه دليل على استحباب التبكير إلى الجمعة؛ لأنه يتقدم ويصلي ما كتب له.
وفيه فضيلة إسباغ الوضوء لحديث: ( توضأ فأسبغ أو فأحسن الوضوء )، ومن الإسباغ أن يغسل كل عضو ثلاثاً إلا الرأس فإنه يكتفي بمسحه واحدة، وأن يبلغ كل عضو كما ورد.
وفيه أيضاً دليل على استحباب النفل المطلق قبل دخول الإمام، وقد سبق أن رجحنا في الأسبوع الماضي أنه لا يوجد راتبة قبل الجمعة، لكن يتنفل بما كتب الله له من النوافل، وأقل ذلك أن يصلي تحية المسجد.
وفيه: أن الكلام بعد نهاية الخطبة لا بأس به، وهذا نأخذه من قوله: ( حتى يفرغ الإمام )، فدل على أن الأمر بالإنصات مرتبط بخطبة الإمام، فإن تكلم قبل البدء بالخطبة أو بعد الفراغ منها، فإنه لا حرج عليه وقد ذكرنا تفصيل هذه المسألة وخلاف العلماء فيها.
بالنسبة للتكفير قوله: (غفر له)، فيه دليل على أن الجمعة وغيرها من الأعمال الصالحة تكفر الأعمال الفاسدة والذنوب، كذلك تكفر الكبائر أو الصغائر، كثير من أهل العلم يقولون: تكفر الصغائر اللمم والذنوب الصغيرة، وأما الكبائر فلا تكفر إلا بالتوبة.
ولبعض أهل العلم تفصيل في ذلك يوجد في كتب ابن رجب الحنبلي وابن تيمية رحمهم الله جميعاً وغيرهم؛ أنهم قد يفصلون ويقولون: إن هذا يختلف بحسب الذنب وبحسب الطاعة، فهناك بعض الأعمال الصالحة قد تكفر بعض الكبائر، مثلما إذا كان نادماً على الكبيرة ولكنه لم يقلع عنها، وكذلك قام بعمل صالح قوي وعظيم، وكمل هذا العمل أحسن تكميل؛ فهذا قد يقوى على مقاومة الذنب الكبير، لكن إذا كان الذنب الكبير متأصلاً في الإنسان ومستقراً عنده ومألوفاً، والطاعة كانت ضعيفة ولم يؤدها حق أدائها؛ فهذه لا تقوى على محوه وإزالته.
والمشهور هو القول الأول أنها لا تكفر الكبائر، بدليل حديث مسلم : ( ما لم تؤت كبيرة، وذلك الدهر كله ).
استمع المزيد من الشيخ سلمان العودة - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
شرح بلوغ المرام - كتاب الطهارة - باب الوضوء - حديث 38-40 | 4761 استماع |
شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صلاة الجماعة والإمامة - حديث 442 | 4393 استماع |
شرح بلوغ المرام - كتاب الطهارة - باب الوضوء - حديث 57-62 | 4212 استماع |
شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صفة الصلاة - حديث 282-285 | 4094 استماع |
شرح بلوغ المرام - كتاب الحج - باب فضله وبيان من فرض عليه - حديث 727-728 | 4045 استماع |
شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صلاة التطوع - حديث 405-408 | 4019 استماع |
شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صفة الصلاة - حديث 313-316 | 3972 استماع |
شرح بلوغ المرام - كتاب الطهارة - باب الوضوء - حديث 36 | 3916 استماع |
شرح بلوغ المرام - كتاب الطهارة - باب المياه - حديث 2-4 | 3898 استماع |
شرح بلوغ المرام - كتاب الحج - باب فضله وبيان من فرض عليه - حديث 734-739 | 3877 استماع |