اعتناء الحنفاء بمعرفة الأصدقاء من الأعداء [2]


الحلقة مفرغة

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:

إخواني الكرام! قد استعرضنا فيما سبق أقسام الأصدقاء والأعداء، وقد تكلمنا عن الأصدقاء وذكرنا أنهم على قسمين: صديق ظاهري، وصديق باطني، فالظاهري يرى بالعين، والباطني تدركه القلوب وتشعر بأثره، وقلنا: إن لكل قسم من هذين القسمين حقوقاً وواجبات يجب العمل بها، وأما الآن فسنتكلم عن الأعداء، وكما قلت أيضاً: العدو ينقسم إلى قسمين: عدو ظاهري، وعدو باطني، فالعدو الأول وهو العدو الظاهري وهو عكس الولي الظاهري، فأولياؤنا المؤمنون من كانوا وأين كانوا، وأعداؤنا الكافرون من كانوا وأين كانوا، وقد قرر ربنا جل وعلا هذا في محكم كتابه في آيات كثيرة، فانتبهوا لهذا الأمر يا عباد الله! لأننا في هذا الوقت والينا أعداء الله ولا ندري.

ذكر الأدلة على إثبات وتقرير العداوة بين المؤمنين والكافرين

يقرر ربنا جل وعلا أن الكافرين أعداء لنا، فلا يجوز أن نواليهم في حين من الأحايين، يقول الله جل وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [المائدة:51].

هناك ضجة تقوم في البلاد في هذا الوقت في شن الحملات على اليهود، ولا أقول: إننا نعارضها، إنما لم تسكتون عن النصارى الذين قضي على الدولة الإسلامية على أيديهم؟ لم تحاربون اليهود وتوالون النصارى؟ ألم يقل الله: لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [المائدة:51]؟ إذاً ليس هذا من المؤمنين.

وقال جل وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا * إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا [النساء:144-145].

وقال جل وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ [المائدة:57] أي: لا تتخذوهم أولياء، فإن هؤلاء أعداء، ثم قال: وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ * وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ [المائدة:57-58].

التحذير من موالاة الكافرين واتخاذ بطانة منهم

وقد حذرنا ربنا جل وعلا من موالاة الكافرين واتخاذ بطانة منهم فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ [آل عمران:118] أي: من غير أصدقائكم وهم المؤمنون، فلا تتخذوا بطانة من غيرهم.

قال: لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ [آل عمران:118].

وفي صحيح البخاري في كتاب الأحكام باب بهذا الخصوص، فقال: باب بطانة الإمام وأهل مشورته، ثم فسر الإمام البخاري البطانة فقال: البطانة هم الدخلاء، أي: الذين يدخلون على المسئول ويختلطون به سراً، فحالهم كحال البطانة التي تكون للثوب، يقول: لا تتخذوهم مستشارين، ولا تطلعوهم على أمور المسلمين، فقوله: لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا [آل عمران:118]، أي: لا يقصرون في وقوعكم في العنت والمشقة والحرج والضيق، وقوله: لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ [آل عمران:118] أي: يتمنون ويحبون وقوعكم في العنت والكرب والبلاء، ووصفهم عكس وصف نبينا صلى الله عليه وسلم الذي يقول الله فيه: عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ [التوبة:128]، وكل مؤمن يعز عليه أن يقع المؤمنون في العنت، وأما هؤلاء فيودون وقوعنا في العنت، فشتان ما بين الفريقين شتان. قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ [آل عمران:118].

ثم روى البخاري بسنده إلى أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ما من نبي بعثه الله ولا من خليفة استخلفه الله إلا كان له بطانتان: بطانة تحضه على الخير وتأمره به، وبطانة تحضه على الشر وتأمره به، والمعصوم من عصم الله ).

وقال الإمام ابن كثير عليه رحمة ربنا الكبير في تفسيره عند الآية السابقة: وفي هذه الآية دليل على أنه لا يجوز أن نتخذ من اليهود والنصارى كتاباً عملاء عندنا إذا كانت وظيفتهم ستطلعهم على أحوال المسلمين؛ لأنهم غير مؤتمنين، وقرر هذا أئمة التفسير قاطبة.

وقد قال الإمام القرطبي في زمنه وهو القرن السادس الذي اختلت فيه الأحوال فكيف لو رآنا، يقول: وقد شاع في هذا الزمن اتخاذ الكتبة من أهل الكتاب وتسودوا بذلك عند الولاة والأمراء. ومعنى تسودوا بذلك أي: سادوا وصار لهم منزلة. وهذا منكر فظيع وقاصمة لظهور المسلمين.

وثبت في سنن البيهقي بسند صحيح عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه ولى أبا موسى الأشعري على البصرة رضي الله عنهم أجمعين، فلما اتصل به قال عمر لـأبي موسى : قل لكاتبك ليقرأ لنا هذا الكتاب، فقال: إنه نصراني ولا يدخل المسجد، فغضب عمر حتى هم أن يوقع به، ثم قال له: لا تدنوهم بعد إذ أقصاهم الله، ولا تأمنوهم بعد إذ خونهم الله، ولا تكرموهم بعد إذ أهانهم الله. ثم قال له: اتخذت بطانة من دون المؤمنين؟ فقال: ما واليته، إنما اتخذته كاتباً، فقال: أما وجدت في المسلمين كاتباً غيره؟

فكيف بأصحاب المؤسسات والشركات الذين يحضرون عمالاً من هنا وهناك، فليتقوا رب الأرض والسماء، أتظنون أن العمال الكفرة يأتون للبلاد الإسلامية بحجة عمل فقط؟ لا والله ثم لا والله، فإن لهم من وراء ذلك غايات نحن لا ندركها، أما وجدتم عمالاً غيرهم؟ أما وجدتم؟ إذاً لم تواله؟ أما وجدت كاتباً غيره من الرعية الإسلامية؟

قال تعالى: لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا [آل عمران:118].

علاقة استقدام الشغالين والشغالات الكفار بالموالاة والمعاداة في الدين

وقد توسع الناس في هذا الوقت في استقدام الشغالين والشغالات من البوذيين والبوذيات والكافرين والكافرات.

وقد أخبرني بعض المسئولين الصالحين الكبار أن بعض أهل العقول الرديئة في هذه البلاد بدأ يقول: إن هذه الشغالة إذا شرط على أهلها أن يطأها -أي: من استأجرها- وهي عنده فهذا جائز لأنها بمثابة الأمة.

سبحان الله العظيم! إن قدوم النساء بلاء، سيحصل الزنا قطعاً لا شك في ذلك، وإنما البلية أننا بدأنا نبرر للزنا، وصدق نبينا عليه الصلاة والسلام إذ يقول: والحديث في صحيح البخاري : ( ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر ) أي: الفروج. كيف سيستحلونها؟

الجواب: كما قلت: بعض المسئولين الكبار هنا يقول -وهذا شائع الآن بين الناس-: إن هذه الكافرة إذا استقدمها وشرط على أهلها أنه سيطؤها فلا حرج عليه في ذلك.

وقوله: (يستحلون الحر) أي: الزنا، أي: الفروج، كيف سيستحلونها؟ المؤمن لا يمكن أن يستحل الزنا هكذا صراحة، ولو استحله لارتد، إنما بتأويل، وهو أن حكمها كحكم ملك اليمين.

وأنا أقول: كل بيت فيه شغالة فهو مملوء بلعنة الله وسخطه وغضبه ولا يدخله ملك من الملائكة.

والذي يوالي ذلك البيت هو الشيطان، والمرأة المسلمة إن كانت تخاف الرحمن فعليها أن تقول لزوجها إن أحضر الشغالة: أنت بين ثلاثة أمور ليس لهن رابع: إما أن تتزوجها إذا كان ذلك يحل ونصير أنا وهي على شريعة الإسلام، وإما أن تصرفها إلى أهلها، وإما أن أتركك وشيطانتك في البيت. اختر واحدة من هذه الثلاثة ليس لهن رابع، قال تعالى: وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ [التوبة:62].

فقد بدأ الناس يتهافتون على هذا، وإذا قلت لكم: إن مكاتب الاستقدام في الأسبوع يسألون عدة مرات من قبل الصالحين -بل ومن قبل الدعاة- يريد أحدهم أن يستقدم شغالة؛ لأن زوجته مدرسة أو موظفة أو مديرة أو.. أو.. سبحان الله العظيم!

قال تعالى: لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا [آل عمران:118]، وأما استقدامها وهي مسلمة فالأمر أطم وأطم، وأنا لا أتكلم الآن عن كافرة فقط، بل أقول: بأي شرع خرجت من غير محرم؟ ومن محرمها؟

والذين في بيوتهم شغالات إن كانوا أتقياء فإنهم يعاملونهن معاملة المحارم، وإن كانوا فجرة فيعاملونهن معاملة الأزواج، لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ [آل عمران:118].

سبب العداوة بين الكافرين والمؤمنين

وقد أخبرنا ربنا جل وعلا أن من كان متصفاً بخلاف عقيدتنا وفكرنا ومشاعرنا فالعداء بيننا وبينه قائم ولو كان أقرب الناس إلينا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [التوبة:23].

وقد بين ربنا لنا السبب في ذلك فقال جل وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ [الممتحنة:1]، يقول: هؤلاء يعادونني ويعادونكم، فلا تجوز ولايتهم ولا صداقتهم.

وقد أخبرنا ربنا جل وعلا أنه غضب على كل كافر فكيف نتولاه، فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ [الممتحنة:13].

وأنت أيها المؤمن غايتك الآخرة، قال الله: وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا [الإسراء:19]، والدنيا دار من لا دار له، ولها يجمع من لا عقل له، فكيف اتفقت مع هذا الذي لا يؤمل بالآخرة ولا يرجوها ولا يرغب فيها؟ قال الله: قَدْ يَئِسُوا مِنَ الآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ [الممتحنة:13].

وأخبرنا ربنا جل وعلا أن من والى الكافرين فهو منافق في الدرك الأسفل من الجحيم قال الله: بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا * الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا * وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا [النساء:138-140]، فمن والى الكافرين فهو منافق، ومصيره مصيرهم، وعلى هذا فالكافرون أعداء لنا وهكذا المنافقون، كما نص ربنا جل وعلا على هذا في سورة المنافقين: إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ * اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ * وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ [المنافقون:1-4] أي: ليس هؤلاء أصدقاء، هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ [المنافقون:4]، والكلام على هذا طويل، سأقف عند هذا المقدار.

يقرر ربنا جل وعلا أن الكافرين أعداء لنا، فلا يجوز أن نواليهم في حين من الأحايين، يقول الله جل وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [المائدة:51].

هناك ضجة تقوم في البلاد في هذا الوقت في شن الحملات على اليهود، ولا أقول: إننا نعارضها، إنما لم تسكتون عن النصارى الذين قضي على الدولة الإسلامية على أيديهم؟ لم تحاربون اليهود وتوالون النصارى؟ ألم يقل الله: لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [المائدة:51]؟ إذاً ليس هذا من المؤمنين.

وقال جل وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا * إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا [النساء:144-145].

وقال جل وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ [المائدة:57] أي: لا تتخذوهم أولياء، فإن هؤلاء أعداء، ثم قال: وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ * وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ [المائدة:57-58].

وقد حذرنا ربنا جل وعلا من موالاة الكافرين واتخاذ بطانة منهم فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ [آل عمران:118] أي: من غير أصدقائكم وهم المؤمنون، فلا تتخذوا بطانة من غيرهم.

قال: لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ [آل عمران:118].

وفي صحيح البخاري في كتاب الأحكام باب بهذا الخصوص، فقال: باب بطانة الإمام وأهل مشورته، ثم فسر الإمام البخاري البطانة فقال: البطانة هم الدخلاء، أي: الذين يدخلون على المسئول ويختلطون به سراً، فحالهم كحال البطانة التي تكون للثوب، يقول: لا تتخذوهم مستشارين، ولا تطلعوهم على أمور المسلمين، فقوله: لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا [آل عمران:118]، أي: لا يقصرون في وقوعكم في العنت والمشقة والحرج والضيق، وقوله: لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ [آل عمران:118] أي: يتمنون ويحبون وقوعكم في العنت والكرب والبلاء، ووصفهم عكس وصف نبينا صلى الله عليه وسلم الذي يقول الله فيه: عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ [التوبة:128]، وكل مؤمن يعز عليه أن يقع المؤمنون في العنت، وأما هؤلاء فيودون وقوعنا في العنت، فشتان ما بين الفريقين شتان. قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ [آل عمران:118].

ثم روى البخاري بسنده إلى أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ما من نبي بعثه الله ولا من خليفة استخلفه الله إلا كان له بطانتان: بطانة تحضه على الخير وتأمره به، وبطانة تحضه على الشر وتأمره به، والمعصوم من عصم الله ).

وقال الإمام ابن كثير عليه رحمة ربنا الكبير في تفسيره عند الآية السابقة: وفي هذه الآية دليل على أنه لا يجوز أن نتخذ من اليهود والنصارى كتاباً عملاء عندنا إذا كانت وظيفتهم ستطلعهم على أحوال المسلمين؛ لأنهم غير مؤتمنين، وقرر هذا أئمة التفسير قاطبة.

وقد قال الإمام القرطبي في زمنه وهو القرن السادس الذي اختلت فيه الأحوال فكيف لو رآنا، يقول: وقد شاع في هذا الزمن اتخاذ الكتبة من أهل الكتاب وتسودوا بذلك عند الولاة والأمراء. ومعنى تسودوا بذلك أي: سادوا وصار لهم منزلة. وهذا منكر فظيع وقاصمة لظهور المسلمين.

وثبت في سنن البيهقي بسند صحيح عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه ولى أبا موسى الأشعري على البصرة رضي الله عنهم أجمعين، فلما اتصل به قال عمر لـأبي موسى : قل لكاتبك ليقرأ لنا هذا الكتاب، فقال: إنه نصراني ولا يدخل المسجد، فغضب عمر حتى هم أن يوقع به، ثم قال له: لا تدنوهم بعد إذ أقصاهم الله، ولا تأمنوهم بعد إذ خونهم الله، ولا تكرموهم بعد إذ أهانهم الله. ثم قال له: اتخذت بطانة من دون المؤمنين؟ فقال: ما واليته، إنما اتخذته كاتباً، فقال: أما وجدت في المسلمين كاتباً غيره؟

فكيف بأصحاب المؤسسات والشركات الذين يحضرون عمالاً من هنا وهناك، فليتقوا رب الأرض والسماء، أتظنون أن العمال الكفرة يأتون للبلاد الإسلامية بحجة عمل فقط؟ لا والله ثم لا والله، فإن لهم من وراء ذلك غايات نحن لا ندركها، أما وجدتم عمالاً غيرهم؟ أما وجدتم؟ إذاً لم تواله؟ أما وجدت كاتباً غيره من الرعية الإسلامية؟

قال تعالى: لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا [آل عمران:118].


استمع المزيد من الشيخ عبد الرحيم الطحان - عنوان الحلقة اسٌتمع
اعتناء الحنفاء بمعرفة الأصدقاء من الأعداء [3] 1403 استماع
اعتناء الحنفاء بمعرفة الأصدقاء من الأعداء [1] 1252 استماع