أرشيف المقالات

هل تريد رؤية رجل من أهل الجنة؟‍ - عبد اللطيف بن هاجس الغامدي

مدة قراءة المادة : 6 دقائق .
أحسبك ستقول لي: أرني من هو! فأنا في لهفة لرؤيته، ومعرفة حاله، والوقوف على أخباره وأسراره!
وإني مقدِّرٌ لك لهفتك، ومثمِّنٌ لك حرصك، وهي دليل حدبك على الخير، ورغبتك في تحصيله وفعله. 
ولكني لن أخبره بشخصه، ولن أستطيع أن أريك صورته، ويعجزني أن أشير إليه أو أخصَّه بعينه، لكني سأذكر لك صفته، وأخبرك بعلامته، وأشير معك إلى رمزه وسمته، وعليك بالبحث عنه... 
وقبل ذلك دعني أذكر لك أنه لا يجوز لنا الشهادة لأحد بعينه بالجنة أو بالنار إلا ما ورد فيه نصٌّ صحيح صريح من كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم تذكره بهذا الفضل، وتُخبر بنواله لهذه المنزلة، لكننا نرجو للمحسن الجنة ونعيمها، ونخشى على المسيء من النار وجحيمها، والمآل -برحمة الله تعالى- للموحدين المصلين إلى جنة النعيم أصابهم قبل ذلك ما أصابهم! 
ولكن ثمَّةَ علامة وسِمة نرجو بها، ونطمع من خلالها أن نعرف أهل الجنة، أخبر بها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وهي الذكر الحسن من أهل الحُسن، والشهادة من أهل الخير للمشهود له بالخير، والله تعالى سِتِّير يحب الستر، فإنه إذا سترَ غفرَ، وفضل الله واسع، ومِنَّة الله سابغة، وعطاء الله لا ينتهي. 
فعن أبي زهير الثقفي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يوشك أن تعرفوا أهل الجنة من أهل النار» قالوا: بم ذاك يا رسول الله؟! قال: «بالثناء الحسن والثناء السيئ.
أنتم شهداء الله، بعضكم على بعض»
  (صحيح سنن ابن ماجة [2/412] [3400])
والناس يشهدون بما يشاهدون! 


عليك بفعل الخير لو لم يكن له *** من الفضل إلا حسنه في المسامع 
(أبو العلاء المعري)
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما مِن عبدٍ إلاَّ ولهُ صيتٌ في السماءِ، فإذا كان صيتُهُ في السماء حسناً وُضعَ في الأرض حَسَنًا، وإذا كانَ صيتُهُ في السماءِ سيِّئًا وُضعَ في الأرض سيِّئًا» (أخرجه البزار، انظر: السلسلة الصحيحة [5/345] [2275]).
إذا المرء لم يمدحه حسن فعاله *** فليس له، والحمد لله مادح
(أبو العتاهية) 
والشهادة من المؤمنين بالخير عاجل البشرى، ومقدمة الفلاح، ومبتدأ السعادة ، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أهل الجنة من ملأ الله أذنيه من ثناء الناس خيرًا، وهو يسمع، وأهل النار من ملأ أذنيه من ثناء الناس شرًا، وهو يسمع» (صحيح سنن ابن ماجة [2/413] [3403])
والمرء بالأخلاق يسمو ذكره *** وبها يفضل في الورى ويوقر
(محمود الأيوبي)
فكن من أهل المعروف في الدنيا لِتُعرف به في الدنيا والآخرة... 
فعن قبيصة بن برمة الأسلمي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أهلَ المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة، وإن أهل المنكر في الدنيا هم أهل المنكر في الآخرة» (صحيح الأدب المفرد [1/100] [163]).

وإذا أردت المقياس بين الناس، فانظر لقولهم في بعضهم، وكن ذكرًا يروق للناس جميلاً، وخبرًا يُذكر على الخير دليلاً..
فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف لي أن أعلم إذا أحسنت وإذا أسأت؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا سمعتَ جيرانك يقولون: أن قد أحسنت، فقد أحسنت.
وإذا سمعتهم يقولون: قد أسأت، فقد أسأت»
 (صحيح سنن ابن ماجة ـ تحقيق الألباني [2/412] [3402]).
ومن ظهر خيره، ستر الله سُوءه! 

فعن أنس بن مالك رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «ما مِن مسلمٍ يموتُ فيشهَدُ له أربعةُ أهلِ أبياتٍ مِن جيرانه الأدنَينَ أنَّهم لا يعلمونَ إلا خيرًا، إلاَّ قالَ الله: قد قبِلتُ عِلمَكُم فيه، وغَفرتُ له ما لا تعلَمون» (رواه أبو يعلى وابن حبان في صحيحه، انظر: صحيح الترغيب والترهيب [3/377] [3515]).

فأطل عمرك، وليكن لك أكثر من عمر..


عمر الفتى ذكره لا طول مدته *** وموته خزيه لا يومه الداني 
فأحي ذكرك بالإحسان تفعله *** تجمع به لك في الدنيا حياتان
(ابن الرومي).

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٢