شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب سجود السهو وغيره - حديث360-362


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه, ونصلي ونسلم على خاتم رسله، وأفضل أنبيائه، وخير أصفيائه محمد صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، صلاة وسلاماً دائمين إلى يوم الدين.

أما بعد:

فالسلام عليكم ورحمه الله وبركاته.

الأحاديث التي عندنا اليوم ثلاثة أحاديث، هي آخر أحاديث في موضوع سجود السهو, وكلها أحاديث ضعيفة, فقد ختم المصنف رضي الله عنه كل حديث منها بقوله: بسند ضعيف, ولكن إن شاء الله نرجو أن يكون فيها على الأقل مفاتيح لبعض المسائل.

الحديث الأول منها: حديث المغيرة بن شعبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا شك أحدكم فقام في الركعتين، فاستتم قائماً، فليمض، ولا يعود, وليسجد سجدتين, فإن لم يستتم قائماً، فليجلس، ولا سهو عليه ).

تخريج الحديث

والحديث قال المصنف: رواه أبو داود، وابن ماجه، والدارقطني واللفظ له بسند ضعيف, وقد روى أبو داود الحديث في سننه، كتاب الصلاة, باب من نسي أن يتشهد, ولفظ أبي داود مخالف للفظ الذي ساقه المصنف رحمه الله مخالفة ظاهرة, والإمام أبو داود روى الحديث من طريق جابر بن يزيد الجعفي , ثم قال عقب روايته رحمه الله: ليس في كتابي السنن عن جابر الجعفي إلا هذا الحديث, وكأنه يعتذر عن إخراجه لـجابر الجعفي، فإنه ضعيف كما سوف يأتي.

وروى الحديث أيضاً ابن ماجه كما ذكر المصنف, والدارقطني باللفظ المذكور، في باب الرجوع إلى القعود قبل استتمام القيام, ورواه أيضاً أحمد في مسنده، والبيهقي في سننه .. وغيرهم بألفاظ متقاربة.

ومدار إسناد الحديث على جابر بن يزيد الجعفي، كما ذكر أبو داود أنه رواه من طريقه, فمدار الأسانيد كلها على جابر الجعفي , وهو شيعي أو رمي بالتشيع, ونسب إليه أنه يقول بالرجعة, رجعة الإمام علي رضي الله عنه, وفسر قوله تعالى -كما في مقدمة صحيح مسلم وغيره- قوله تعالى: فَلَنْ أَبْرَحَ الأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ [يوسف:80] قال: هذه لم يجئ تأويلها بعد. وفسره بالرجعة, ونسب إليه ابن حبان ذلك.. وغيره, بل قال ابن حبان : إنه من السبئية، يعني: من أتباع وأصحاب عبد الله بن سبأ ابن السوداء اليهودي صاحب صنعاء , وكذبه غير واحد, وضعفه الكثيرون, ووثقه جماعة, قال ابن قتيبة : كان يؤمن بالرجعة, وكان صاحب نيرنجات وشبه, يعني: أكاذيب وأغاليط, والجمهور على تضعيفه, وبناء عليه فالحديث ضعيف , ومع ضعفه فإنه يعارضه حديث آخر لا بأس بإسناده, وهو حديث أنس رضي الله عنه: ( أنه تحرك للقيام في الركعتين من العصر -يعني: بعد الركعتين- ونسي التشهد الأول, فسبحوا به من ورائه فجلس, ثم سجد للسهو ).

وحديث أنس هذا رواه البيهقي في سننه، والدارقطني في كتاب العلل بإسناده, وأشار الدارقطني إلى أنه جاء في بعض الطرق من حديث أنس هذا، أنه قال: (هذه هي السنة), يعني: ما فعله رضي الله عنه.

قال الحافظ ابن حجر في التلخيص : ورجاله ثقات.

حديث أنس هذا يخالف حديث الباب من وجهين أو من وجه واحد، فما وجه مخالفته لحديث الباب؟

حديث أنس ما ذكر السجود قبل السلام ولا بعده, قال: سجد للسهو.

ولو سهواً عليه, وحديث أنس أنه سجد للسهو مع أنه لم يستتم قائماً، ولا شك أن حديث أنس أولى بالصواب لأمور:

أولها: أنه أصح إسناداً؛ لأن ظاهر إسناده أن رجاله ثقات، كما ذكر الحافظ، فهو أولى بالقبول والصواب.

ثانياً: أنه من حيث النظر أليق بالأصول وأنسب, فإن القيام نسياناً من التشهد الأول هو سهو في الصلاة, ولو لم يستتم قائماً، فهو إذاً ينبغي أن يسجد له.

حالات من نسي التشهد الأول ثم قام للركعة الثالثة

وفي حديث المغيرة -على رغم ضعفه كما ذكرت-، لكن فيه مسألة: من نسي التشهد الأول, ثم قام للركعة الثالثة, فما حكمه؟ وظاهر من الحديث أن له حالين:

الحال الأولى: أن يترك التشهد الأول سهواً واستتم قائماً قبل أن يتذكر

الحال الأول: أن يتذكر أنه سها بعدما ينتصب ويستتم قائماً، حتى ولو لم يشرع في قراءة الفاتحة, فحينئذٍ نص الفقهاء على أنه يحرم عليه الرجوع؛ لأنه استتم قائماً, استدل بعضهم بحديث الباب, وأولى بالاستدلال غير حديث الباب, ماذا نستطيع أن نستدل به؟

أولاً: من حيث النظر أنه قام عن واجب وشرع في ركن, فلا ينبغي أن يقطعه ويعود إلى غيره، وهو القيام.

ثانياً: مر معنا حديث نص في المسألة.

قام الرسول عليه الصلاة والسلام وعليه جلوس, حديث عبد الله ابن بحينة، فإن حديث عبد الله ابن بحينة فيه: ( أن الرسول صلى الله عليه وسلم قام عن التشهد الأول ناسياً، ولم يعد إليه, ثم سجد للسهو ) فيحمل هذا على أنه صلى الله عليه وسلم لم ينتبه ويتذكر إلا بعد ما استتم قائماً, فلم يعد، ولكنه استمر في صلاته ثم سجد للسهو بعد ذلك قبل أن يسلم.

فهذه هي الحالة الأولى, وهذا كما قال النووي في المجموع : هذا المذهب وبه قطع الجمهور, يعني: مذهب الشافعية، أو قطع به جمهورهم, وسيأتي أنه مذهب غيرهم أيضاً.

الحالة الثانية: أن يترك التشهد الأول ويتذكر قبل أن يستتم قائماً

الحالة الثانية: أن يتذكر قبل أن يستتم قائماً، يعني: تذكر وهو قائم قبل أن يصل إلى استكمال القيام, وهو في أثناء القيام, فهذا يلزمه الرجوع, يلزمه الرجوع على اعتبار أن التشهد الأول واجب، أما لو قلنا: إنه سنة فهل يجب عليه الرجوع؟ الظاهر أنه ليس بواجب, لكن نقول: يجب عليه الرجوع على اعتبار أن التشهد الأول واجب، كما رجحناه, فيجب عليه حينئذٍ أن يرجع للتشهد الأول, وهذا أيضاً هو مذهب الشافعية, ومذهب جماعة من السلف، كـعمر بن عبد العزيز، والأوزاعي، وأبو حنيفة وأصحابه .. وغيرهم, وفي المسألة أقوال أخرى، وهو أيضاً مذهب الحنابلة، لكن في المسألة أقوال أخرى نذكرها باختصار:

مالك رحمه الله يقول: إن كان إلى القيام أقرب لم يعد, -يعني: إن كان قريباً من القيام، فإنه يكمل القيام ولا يعود-، وإن كان إلى القعود أقرب، فإنه يعود. فألحق الحالة بما هو أقرب إليها, قال: إن كان قام أكثر القيام ولم يبق إلا قليل، أكمل القيام, فإن كان أقرب إلى القعود فإنه يرجع, هذا مذهب مالك .

أما النخعي فإنه يقول: إن ذكر قبل الاستفتاح -يعني: قبل قراءة الفاتحة- عاد ولو كان استتم قائماً, وإن لم يذكر إلا بعد أن شرع في الفاتحة لم يعد, وهذا وجه ضعيف أيضاً عند الشافعية.

ونقل أيضاً عن الحسن البصري رحمه الله أنه قال: إن ذكر قبل الركوع رجع، وإن لم يذكر إلا بعد ما ركع، فإنه يستمر في صلاته. والأقوى هو الأول, أنه إن استتم قائماً لم يعد، وإن لم يستتم قائماً رجع.

أما سجود السهو فالأقرب أن عليه السجود في الحالين، إلا إذا كان لم يبدأ في القيام، يعني: مثلاً نهض من السجود على نية القيام، ثم تذكر أن عليه جلوساً، يعني: للتشهد، قبل أن يبدأ في القيام, يعني: قبل أن تنفصل العضلات عن بعضها بما يدل على أنه بدأ في النهوض.

والحديث قال المصنف: رواه أبو داود، وابن ماجه، والدارقطني واللفظ له بسند ضعيف, وقد روى أبو داود الحديث في سننه، كتاب الصلاة, باب من نسي أن يتشهد, ولفظ أبي داود مخالف للفظ الذي ساقه المصنف رحمه الله مخالفة ظاهرة, والإمام أبو داود روى الحديث من طريق جابر بن يزيد الجعفي , ثم قال عقب روايته رحمه الله: ليس في كتابي السنن عن جابر الجعفي إلا هذا الحديث, وكأنه يعتذر عن إخراجه لـجابر الجعفي، فإنه ضعيف كما سوف يأتي.

وروى الحديث أيضاً ابن ماجه كما ذكر المصنف, والدارقطني باللفظ المذكور، في باب الرجوع إلى القعود قبل استتمام القيام, ورواه أيضاً أحمد في مسنده، والبيهقي في سننه .. وغيرهم بألفاظ متقاربة.

ومدار إسناد الحديث على جابر بن يزيد الجعفي، كما ذكر أبو داود أنه رواه من طريقه, فمدار الأسانيد كلها على جابر الجعفي , وهو شيعي أو رمي بالتشيع, ونسب إليه أنه يقول بالرجعة, رجعة الإمام علي رضي الله عنه, وفسر قوله تعالى -كما في مقدمة صحيح مسلم وغيره- قوله تعالى: فَلَنْ أَبْرَحَ الأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ [يوسف:80] قال: هذه لم يجئ تأويلها بعد. وفسره بالرجعة, ونسب إليه ابن حبان ذلك.. وغيره, بل قال ابن حبان : إنه من السبئية، يعني: من أتباع وأصحاب عبد الله بن سبأ ابن السوداء اليهودي صاحب صنعاء , وكذبه غير واحد, وضعفه الكثيرون, ووثقه جماعة, قال ابن قتيبة : كان يؤمن بالرجعة, وكان صاحب نيرنجات وشبه, يعني: أكاذيب وأغاليط, والجمهور على تضعيفه, وبناء عليه فالحديث ضعيف , ومع ضعفه فإنه يعارضه حديث آخر لا بأس بإسناده, وهو حديث أنس رضي الله عنه: ( أنه تحرك للقيام في الركعتين من العصر -يعني: بعد الركعتين- ونسي التشهد الأول, فسبحوا به من ورائه فجلس, ثم سجد للسهو ).

وحديث أنس هذا رواه البيهقي في سننه، والدارقطني في كتاب العلل بإسناده, وأشار الدارقطني إلى أنه جاء في بعض الطرق من حديث أنس هذا، أنه قال: (هذه هي السنة), يعني: ما فعله رضي الله عنه.

قال الحافظ ابن حجر في التلخيص : ورجاله ثقات.

حديث أنس هذا يخالف حديث الباب من وجهين أو من وجه واحد، فما وجه مخالفته لحديث الباب؟

حديث أنس ما ذكر السجود قبل السلام ولا بعده, قال: سجد للسهو.

ولو سهواً عليه, وحديث أنس أنه سجد للسهو مع أنه لم يستتم قائماً، ولا شك أن حديث أنس أولى بالصواب لأمور:

أولها: أنه أصح إسناداً؛ لأن ظاهر إسناده أن رجاله ثقات، كما ذكر الحافظ، فهو أولى بالقبول والصواب.

ثانياً: أنه من حيث النظر أليق بالأصول وأنسب, فإن القيام نسياناً من التشهد الأول هو سهو في الصلاة, ولو لم يستتم قائماً، فهو إذاً ينبغي أن يسجد له.

وفي حديث المغيرة -على رغم ضعفه كما ذكرت-، لكن فيه مسألة: من نسي التشهد الأول, ثم قام للركعة الثالثة, فما حكمه؟ وظاهر من الحديث أن له حالين: