شرح عمدة الأحكام [64]


الحلقة مفرغة

قال المؤلف رحمنا الله تعالى وإياه:

[باب اللعان.

عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن فلان ابن فلان قال: (يا رسول الله! أريت أن لو وجد أحدنا امرأته على فاحشة كيف يصنع؟ إن تكلم تكلم بأمر عظيم، وإن سكت سكت على مثل ذلك، قال: فسكت النبي صلى الله عليه وسلم فلم يجبه، فلما كان بعد ذلك أتاه فقال: إن الذي سألتك عنه قد ابتليت به، فأنزل الله تعالى هؤلاء الآيات في سورة النور: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ [النور:6] فتلاهن عليه ووعظه وذكره وأخبره أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، فقال: لا والذي بعثك بالحق ما كذبت عليها.

ثم دعاها ووعظها وذكرها وأخبرها أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، فقالت: لا والذي بعثك بالحق إنه لكاذب، فبدأ بالرجل فشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين، والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، ثم ثنى بالمرأة، فشهدت أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين، والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين، ثم فرق بينهما ثم قال: الله يعلم أن أحدكما كاذب، فهل منكما تائب؟ ثلاثاً -وفي لفظ: لا سبيل لك عليها قال: يا رسول الله! ما لي، قال: لا مال لك، إن كنت صدقت عليها فهو بما استحللت من فرجها، وإن كنت كذبت عليها فهو أبعد لك منها).

وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: (أن رجلاً رمى امرأته وانتفى من ولدها في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلاعنا كما قال الله تعالى، ثم قضى بالولد للمرأة، وفرق بين المتلاعنين)].

سبب نزول آيات اللعان

هذه الأحاديث من الأحاديث التي تشرح وتبين ما ورد في كتاب الله تعالى من آيات اللعان، ذكر العلماء أنه لما نزلت آيات القذف وحد القاذف وهي قول الله تعالى: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [النور:4-5]، استثقلها بعض الصحابة وقالوا: إذا رأى أحدنا رجلاً مع امرأته يفجر بها كيف يذهب ويأتي بأربعة شهداء؟ أي أنه لا يتمكن من المجيئ بأربعة شهداء حتى يقضي الفاجر حاجته ويذهب، فعند ذلك تحرجوا ووقعوا في مشكلة، فبين الله تعالى حكم ما إذا قذف الرجل امرأته في هذه الآيات، وبقيت الآيات التي فيها حد القذف خاصة لمن قذف أجنبياً أو أجنبية، فمن قذف رجلاً بفعل فاحشة لا يقبل منه إلا بأربعة شهداء، أو قذف امرأة محصنة فلا يقبل منه إلا بأربعة شهداء، قال الله تعالى: وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ [النساء:15]، وقال تعالى: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ [النور:4]، وقال تعالى: لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُوْلَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ [النور:13].

أما إذا قذف الرجل امرأته فإنه قد لا يستطيع أن يحضر أربعة شهداء، ففي هذه الحال ماذا يفعل؟ يقول هذا السائل الذي عبر عنه الراوي بقوله: فلان، وقد سمي في بعض الروايات بأنه عويمر العجلاني من بني عجلان من الأنصار، ووقعت مثل هذه القصة لرجل آخر وهو هلال بن أمية أحد الثلاثة الذين تاب الله عليهم في قوله وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا [التوبة:118].

هذان الاثنان وقع أن كلاً منهما قذف امرأته وتلاعن معها عند النبي صلى الله عليه وسلم بعدما نزلت هذه الآيات، ويمكن أن قصة هلال وقصة عويمر وقعتا في وقت قريب في شهر أو في شهرين، فأنزل الله هذه الآيات في بيان حكم مثل هذه القصة.

دعا النبي صلى الله عليه وسلم عويمراً فقرأ عليه هذه الآيات وذكره ووعظه إذا كان كاذباً أن يعترف؛ وذلك لأنه إذا اعترف بأنه كاذب فحده ثمانون جلدة، وإذا أنكر وهو كاذب عليها فعقوبته في الآخرة أشد؛ ولأجل ذلك قال له: إن عذاب الآخرة أشد من عذاب الدنيا، فعذاب الدنيا منقطع، وعذاب الآخرة أشد وأبقى، ولكنه أصر على أن يستمر على قذفه لها، وأنه رآها تزني.

فعند ذلك أمره أن يلتعن ويقول: أشهد بالله على امرأتي هذه أنها زنت، أشهد بالله على زوجتي هذه أنها زنت، أشهد بالله على هذه المرأة أنها زنت، أربع مرات ثم يقول بعد ذلك في المرة الخامسة: لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، فشهد أربع شهادات أنه صادق، وقال: لقد صدقت عليها فيما قلت، ولعن نفسه في المرة الخامسة إن كان قد كذب عليها.

ولما تم لعانه دعا المرأة واستثبتها ووعظها وذكرها وأخبرها بأن عذاب الآخرة أشد من عذاب الأولى؛ رجاء أن تعترف إن كانت قد فجرت، ولكنها أصرت على الإنكار وتشددت وقالت: قد كذب عليّ، فعند ذلك استحلفها فشهدت أربع مرات، وقالت: أشهد بالله على زوجي هذا أنه من الكاذبين فيما قذفني به، أربع مرات ثم قالت في الخامسة: غضب الله عليها إن كان من الصادقين، فلما شهدت على نفسها أربع مرات، وفي الخامسة دعت على نفسها بالغضب؛ عند ذلك ذكرهما بالتوبة فقال: (الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل منكما تائب؟).

النبي صلى الله عليه وسلم بشر لا يعلم الغيب، ولو كان يعلم الغيب لقال: أنتِ كاذبة، وأنت صادق، أو أنتِ صادقة وأنت كاذب، ولكن الله الذي يعلم فلذلك قال: (الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل منكما تائب؟)، فلما استمر كل منهما على ما يبرر موقفه وأنكر ما يقوله الثاني، عند ذلك فرق بينهما فرقة مؤبدة، فأخذ العلماء من ذلك أن الملاعنة تحرم على الملاعن عقوبة لهما حرمة مؤبدة، حتى لو كذب نفسه بعد ذلك لم يرجع إليها، وكذلك لو كذبت نفسها وسقط عنها الحد أو كانت غير محصنة وجلدت وأقيم عليها الحد لم يتمكن من مراجعتها، لا بعقد ولا بمراجعة ولا بغير ذلك، بل الفرقة بينهما فرقة دائمة لا رجوع بعدها؛ ولأجل ذلك قال: لا سبيل لك عليها، أي: ليس لك سلطان ولا قدرة أن تستعيدها.

وفي بعض الروايات أنه طلقها، وقال: كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها، أي: إن كنت رضيتها فأنا كاذب عليها، فطلقها ثلاثاً قبل أن يأمره النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن هذا الطلاق لا يحتاج إليه؛ لأن الفرقة حصلت قبله، بمجرد تمام التلاعن حصلت الفرقة، ولما طلب ماله الذي دفعه كمهر قطع رجاءه من هذا المال وقال: (إن كنت كاذباً عليها فهو أبعد لك منها، وإن كنت صادقاً فهو بما استحللت من فرجها) أي: أنك قد نكحتها مدة، فهذا المال الذي قد دفعته إليها مقابل استمتاعك بها هذه المدة.

الفوائد المستفادة من حديث الملاعنة

أخذ العلماء من هذه الواقعة ومن هذه الآيات أحكاماً ومنها: أن هذه الفاحشة لا يصبر عليها ولا يقرها في أهله إلا الديوث الذي يقر الخنا في أهله، فهذان اثنان من الصحابة هلال وعويمر ، كل منها صبر على فراق زوجته وادعى أنها زانية ولاعنها ولم يقرها أن تبقى معه وهو يعلم أنها قد فجرت، ولو مرة واحدة، وذلك دليل على حماستهم وغيرتهم على نسائهم، لا يرضى أحدهم أن يشاركه في امرأته شخص أجنبي يفسد عليه فراشه، ويدخل عليه من الأولاد ما ليس له، ولا يرضى أن امرأته تخونه فتدخل في بيته من لا يرضاه، وتجلس على فراشه غيره، وتمكن من نفسها غير زوجها، فإن ذلك حرام، وفعلها يعتبر خيانة لزوجها، وإقرار الزوج على ذلك يعتبر دياثة وإقراراً للإثم والحرام، ولم يكن الصحابة يقرون شيئاً من ذلك.

وهكذا أيضاً كل غيور، وكل من عنده حماسة وغيرة على محارمه لا يقر الخنا في أهله، بل متى رأى من امرأته شيئاً من الخيانة أدبها ولو بالإشارة أو نحو ذلك، وإذا لم يستطع أن يقيمها لم يمسكها، بل صبر على فراقها ولو كان معها أولاده، يصبر على فراقها ولو قد خسر عليها مالاً كبيراً، وكذلك يحرص على أن تبرأ ساحته، حتى لا يقال: إنه ظلمها، وإنه كذب عليها؛ فلأجل ذلك يحضر الغيور الذي يغار على محارمه عند القاضي، ويحضر امرأته، ويحضر معه من يشهد عليها ويعرف أنها فلانة امرأة هذا الرجل، فعند ذلك يأمره القاضي بهذا الأمر الذي هو التلاعن.

والقرائن غالباً تكون في جانب الرجل، فهو أولى أن يكون صادقاً؛ وذلك لأنه في الغالب لا يصبر على فراق امرأته، ولا على فراق أولاده، ولا على ذهاب ماله الذي دفعه إلا وقد رأى شيئاً يسوءه، ورأى ما لا صبر له عليه من هذه الخيانة الشنيعة البشعة، فعند ذلك يقدم على قذفها ورميها؛ حتى تبرأ ساحته، وحتى يظهر عيبها وشناعتها، ويظهر خيانتها، ويعرف الناس أنها متهمة فلا يقبلها من هو ذو غيرة، وذو أنفة على نفسه؛ فإذا افتضحت هذه المرأة بأنها قد لاعنت وطلقت، وأن زوجها ليس بمتهم، وأن التهمة أقرب إليها؛ كان ذلك أقرب إلى ألا تفعل شيئاً يسوءها ولا يسوء زوجها.

وفي هذه الأزمنة كثير من الرجال يأتون إلينا ويشتكون ما يرونه من نسائهم أو يسمعون أو يطلعون على أسرار أو على خفايا أو على قرائن أو نحو ذلك، ولعلكم قد سمعتم أكثر مما سمعنا، فنشير عليه بأن يفارقها سراً إذا تحقق أنها قد اتخذت أخداناً، وأنها قد خانته في نفسها وفي فراشه، فنشير عليه أن يفارقها وألا يكشف سترها وسرها، ولكن يخبرها فيما بينه وبينها حتى يكون ذلك عذراً له عندها، فيخبرها بأنه قد اطلع على كذا وكذا، وكثير من الرجال يطلعون على شيء كثير، وفي الأخص في الزمن الأخير بسبب وجود المكالمات الهاتفية، فيسجل عليها مكالمات بينها وبين بعض أخدانها، ويجد أنها قد خرجت معهم، أو أنها قد أدخلتهم في غيبته، وهذه الأشرطة تشهد بكلامها معهم، وبما قد يحصل من ترقيق الكلام، وما أشبه ذلك مما يدل على بشاعة ما حصل منها أو تهمتها في ذلك، أو قد يجد أنها أدخلت في اليوم الفلاني شخصاً أو خرج من عندها من هو متهم، أو نحو ذلك، ولكن ليس عنده يقين، ما رأى بعيني رأسه فعلها للفاحشة ولكن رأى هذه المقدمات، ولا يستطيع أن يقذفها بمجرد هذه المقدمات، ففي هذه الحال يخبرها سراً، ويفارقها ولا يمسكها وهي على هذه الحالة حتى يسلم عرضه، وحتى يسلم نسبه، ولا يدخل في نسبه ولا في أولاده من ليس من أهله، وبذلك يستر نفسه ويستر امرأته، ولا يعرض نفسه للحلف أو للعن أو للشهادات أو ما أشبه ذلك.

أما إذا رأى بعينه وسمع بأذنه، رأى الفاحشة بأن وجد عليها رجلاً أجنبياً، فنقول له في هذه الحال: يحقق هذا الباب الذي هو اللعان، فيرميها، ويحضر معها عند الحاكم كما فعل هذان الصحابيان هلال وعويمر ، ويأمره القاضي بأن يشهد هذه الشهادات، ثم بعد ذلك يكون ذلك فضيحة لها وتشهيراً لها حتى يتوب أمثالها من النساء اللاتي فيهن ميل إلى المخادنة وخيانة أزواجهن، ويعرفن أن هذه الفضيحة كما أتت عليها قد تأتي على إحداهن أو على جميعهن، فيقل بذلك الشر وينتشر الخير.

هذه الأحاديث من الأحاديث التي تشرح وتبين ما ورد في كتاب الله تعالى من آيات اللعان، ذكر العلماء أنه لما نزلت آيات القذف وحد القاذف وهي قول الله تعالى: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [النور:4-5]، استثقلها بعض الصحابة وقالوا: إذا رأى أحدنا رجلاً مع امرأته يفجر بها كيف يذهب ويأتي بأربعة شهداء؟ أي أنه لا يتمكن من المجيئ بأربعة شهداء حتى يقضي الفاجر حاجته ويذهب، فعند ذلك تحرجوا ووقعوا في مشكلة، فبين الله تعالى حكم ما إذا قذف الرجل امرأته في هذه الآيات، وبقيت الآيات التي فيها حد القذف خاصة لمن قذف أجنبياً أو أجنبية، فمن قذف رجلاً بفعل فاحشة لا يقبل منه إلا بأربعة شهداء، أو قذف امرأة محصنة فلا يقبل منه إلا بأربعة شهداء، قال الله تعالى: وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ [النساء:15]، وقال تعالى: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ [النور:4]، وقال تعالى: لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُوْلَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ [النور:13].

أما إذا قذف الرجل امرأته فإنه قد لا يستطيع أن يحضر أربعة شهداء، ففي هذه الحال ماذا يفعل؟ يقول هذا السائل الذي عبر عنه الراوي بقوله: فلان، وقد سمي في بعض الروايات بأنه عويمر العجلاني من بني عجلان من الأنصار، ووقعت مثل هذه القصة لرجل آخر وهو هلال بن أمية أحد الثلاثة الذين تاب الله عليهم في قوله وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا [التوبة:118].

هذان الاثنان وقع أن كلاً منهما قذف امرأته وتلاعن معها عند النبي صلى الله عليه وسلم بعدما نزلت هذه الآيات، ويمكن أن قصة هلال وقصة عويمر وقعتا في وقت قريب في شهر أو في شهرين، فأنزل الله هذه الآيات في بيان حكم مثل هذه القصة.

دعا النبي صلى الله عليه وسلم عويمراً فقرأ عليه هذه الآيات وذكره ووعظه إذا كان كاذباً أن يعترف؛ وذلك لأنه إذا اعترف بأنه كاذب فحده ثمانون جلدة، وإذا أنكر وهو كاذب عليها فعقوبته في الآخرة أشد؛ ولأجل ذلك قال له: إن عذاب الآخرة أشد من عذاب الدنيا، فعذاب الدنيا منقطع، وعذاب الآخرة أشد وأبقى، ولكنه أصر على أن يستمر على قذفه لها، وأنه رآها تزني.

فعند ذلك أمره أن يلتعن ويقول: أشهد بالله على امرأتي هذه أنها زنت، أشهد بالله على زوجتي هذه أنها زنت، أشهد بالله على هذه المرأة أنها زنت، أربع مرات ثم يقول بعد ذلك في المرة الخامسة: لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، فشهد أربع شهادات أنه صادق، وقال: لقد صدقت عليها فيما قلت، ولعن نفسه في المرة الخامسة إن كان قد كذب عليها.

ولما تم لعانه دعا المرأة واستثبتها ووعظها وذكرها وأخبرها بأن عذاب الآخرة أشد من عذاب الأولى؛ رجاء أن تعترف إن كانت قد فجرت، ولكنها أصرت على الإنكار وتشددت وقالت: قد كذب عليّ، فعند ذلك استحلفها فشهدت أربع مرات، وقالت: أشهد بالله على زوجي هذا أنه من الكاذبين فيما قذفني به، أربع مرات ثم قالت في الخامسة: غضب الله عليها إن كان من الصادقين، فلما شهدت على نفسها أربع مرات، وفي الخامسة دعت على نفسها بالغضب؛ عند ذلك ذكرهما بالتوبة فقال: (الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل منكما تائب؟).

النبي صلى الله عليه وسلم بشر لا يعلم الغيب، ولو كان يعلم الغيب لقال: أنتِ كاذبة، وأنت صادق، أو أنتِ صادقة وأنت كاذب، ولكن الله الذي يعلم فلذلك قال: (الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل منكما تائب؟)، فلما استمر كل منهما على ما يبرر موقفه وأنكر ما يقوله الثاني، عند ذلك فرق بينهما فرقة مؤبدة، فأخذ العلماء من ذلك أن الملاعنة تحرم على الملاعن عقوبة لهما حرمة مؤبدة، حتى لو كذب نفسه بعد ذلك لم يرجع إليها، وكذلك لو كذبت نفسها وسقط عنها الحد أو كانت غير محصنة وجلدت وأقيم عليها الحد لم يتمكن من مراجعتها، لا بعقد ولا بمراجعة ولا بغير ذلك، بل الفرقة بينهما فرقة دائمة لا رجوع بعدها؛ ولأجل ذلك قال: لا سبيل لك عليها، أي: ليس لك سلطان ولا قدرة أن تستعيدها.

وفي بعض الروايات أنه طلقها، وقال: كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها، أي: إن كنت رضيتها فأنا كاذب عليها، فطلقها ثلاثاً قبل أن يأمره النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن هذا الطلاق لا يحتاج إليه؛ لأن الفرقة حصلت قبله، بمجرد تمام التلاعن حصلت الفرقة، ولما طلب ماله الذي دفعه كمهر قطع رجاءه من هذا المال وقال: (إن كنت كاذباً عليها فهو أبعد لك منها، وإن كنت صادقاً فهو بما استحللت من فرجها) أي: أنك قد نكحتها مدة، فهذا المال الذي قد دفعته إليها مقابل استمتاعك بها هذه المدة.

أخذ العلماء من هذه الواقعة ومن هذه الآيات أحكاماً ومنها: أن هذه الفاحشة لا يصبر عليها ولا يقرها في أهله إلا الديوث الذي يقر الخنا في أهله، فهذان اثنان من الصحابة هلال وعويمر ، كل منها صبر على فراق زوجته وادعى أنها زانية ولاعنها ولم يقرها أن تبقى معه وهو يعلم أنها قد فجرت، ولو مرة واحدة، وذلك دليل على حماستهم وغيرتهم على نسائهم، لا يرضى أحدهم أن يشاركه في امرأته شخص أجنبي يفسد عليه فراشه، ويدخل عليه من الأولاد ما ليس له، ولا يرضى أن امرأته تخونه فتدخل في بيته من لا يرضاه، وتجلس على فراشه غيره، وتمكن من نفسها غير زوجها، فإن ذلك حرام، وفعلها يعتبر خيانة لزوجها، وإقرار الزوج على ذلك يعتبر دياثة وإقراراً للإثم والحرام، ولم يكن الصحابة يقرون شيئاً من ذلك.

وهكذا أيضاً كل غيور، وكل من عنده حماسة وغيرة على محارمه لا يقر الخنا في أهله، بل متى رأى من امرأته شيئاً من الخيانة أدبها ولو بالإشارة أو نحو ذلك، وإذا لم يستطع أن يقيمها لم يمسكها، بل صبر على فراقها ولو كان معها أولاده، يصبر على فراقها ولو قد خسر عليها مالاً كبيراً، وكذلك يحرص على أن تبرأ ساحته، حتى لا يقال: إنه ظلمها، وإنه كذب عليها؛ فلأجل ذلك يحضر الغيور الذي يغار على محارمه عند القاضي، ويحضر امرأته، ويحضر معه من يشهد عليها ويعرف أنها فلانة امرأة هذا الرجل، فعند ذلك يأمره القاضي بهذا الأمر الذي هو التلاعن.

والقرائن غالباً تكون في جانب الرجل، فهو أولى أن يكون صادقاً؛ وذلك لأنه في الغالب لا يصبر على فراق امرأته، ولا على فراق أولاده، ولا على ذهاب ماله الذي دفعه إلا وقد رأى شيئاً يسوءه، ورأى ما لا صبر له عليه من هذه الخيانة الشنيعة البشعة، فعند ذلك يقدم على قذفها ورميها؛ حتى تبرأ ساحته، وحتى يظهر عيبها وشناعتها، ويظهر خيانتها، ويعرف الناس أنها متهمة فلا يقبلها من هو ذو غيرة، وذو أنفة على نفسه؛ فإذا افتضحت هذه المرأة بأنها قد لاعنت وطلقت، وأن زوجها ليس بمتهم، وأن التهمة أقرب إليها؛ كان ذلك أقرب إلى ألا تفعل شيئاً يسوءها ولا يسوء زوجها.

وفي هذه الأزمنة كثير من الرجال يأتون إلينا ويشتكون ما يرونه من نسائهم أو يسمعون أو يطلعون على أسرار أو على خفايا أو على قرائن أو نحو ذلك، ولعلكم قد سمعتم أكثر مما سمعنا، فنشير عليه بأن يفارقها سراً إذا تحقق أنها قد اتخذت أخداناً، وأنها قد خانته في نفسها وفي فراشه، فنشير عليه أن يفارقها وألا يكشف سترها وسرها، ولكن يخبرها فيما بينه وبينها حتى يكون ذلك عذراً له عندها، فيخبرها بأنه قد اطلع على كذا وكذا، وكثير من الرجال يطلعون على شيء كثير، وفي الأخص في الزمن الأخير بسبب وجود المكالمات الهاتفية، فيسجل عليها مكالمات بينها وبين بعض أخدانها، ويجد أنها قد خرجت معهم، أو أنها قد أدخلتهم في غيبته، وهذه الأشرطة تشهد بكلامها معهم، وبما قد يحصل من ترقيق الكلام، وما أشبه ذلك مما يدل على بشاعة ما حصل منها أو تهمتها في ذلك، أو قد يجد أنها أدخلت في اليوم الفلاني شخصاً أو خرج من عندها من هو متهم، أو نحو ذلك، ولكن ليس عنده يقين، ما رأى بعيني رأسه فعلها للفاحشة ولكن رأى هذه المقدمات، ولا يستطيع أن يقذفها بمجرد هذه المقدمات، ففي هذه الحال يخبرها سراً، ويفارقها ولا يمسكها وهي على هذه الحالة حتى يسلم عرضه، وحتى يسلم نسبه، ولا يدخل في نسبه ولا في أولاده من ليس من أهله، وبذلك يستر نفسه ويستر امرأته، ولا يعرض نفسه للحلف أو للعن أو للشهادات أو ما أشبه ذلك.

أما إذا رأى بعينه وسمع بأذنه، رأى الفاحشة بأن وجد عليها رجلاً أجنبياً، فنقول له في هذه الحال: يحقق هذا الباب الذي هو اللعان، فيرميها، ويحضر معها عند الحاكم كما فعل هذان الصحابيان هلال وعويمر ، ويأمره القاضي بأن يشهد هذه الشهادات، ثم بعد ذلك يكون ذلك فضيحة لها وتشهيراً لها حتى يتوب أمثالها من النساء اللاتي فيهن ميل إلى المخادنة وخيانة أزواجهن، ويعرفن أن هذه الفضيحة كما أتت عليها قد تأتي على إحداهن أو على جميعهن، فيقل بذلك الشر وينتشر الخير.

قال المؤلف رحمنا الله تعالى وإياه:

[عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (جاء رجل من بني فزارة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن امرأتي ولدت غلاماً أسود، فقال النبي صلى الله عليه وسلم، هل لك إبل؟ قال: نعم. قال: فما ألوانها؟ قال: حمر. قال: فهل يكون فيها من أورق؟ قال: إن فيها لورقاً، قال: فأنى أتاها ذلك؟ قال: عسى أن يكون نزعه عرق، قال: وهذا عسى أن يكون نزعه عرق).

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (اختصم سعد بن أبي وقاص وعبد بن زمعة في غلام فقال سعد : يا رسول الله هذا ابن أخي عتبة بن أبي وقاص ، عهد إليّ أنه ابنه، انظر إلى شبهه! وقال عبد بن زمعة : هذا أخي يا رسول الله! ولد على فراش أبي من وليدته، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شبهه، فرأى شبهاً بيناً بـعتبة ، فقال: هو لك يا عبد بن زمعة ، الولد للفراش، وللعاهر الحجر، واحتجبي منه يا سودة ، فلم تره سودة قط).

وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليّ مسروراً تبرق أسارير وجهه، فقال: ألم تري أن مجززاً نظر آنفاً إلى زيد بن حارثة وأسامة بن زيد فقال: إن بعض هذه الأقدام لمن بعض)، وفي لفظ: (كان مجزز قائفاً)].

الحديث الأول فيه بعض القذف، وهل يكون هذا قذفاً أم لا؟

هذا رجل ولد له غلام، ورأى لونه وبشرته مخالفة لبشرة أبويه وأجداده وإخوته، فشك في نسبته وفي صحة أنه منه، فأراد أن يعرّض بامرأته أنها زنت، وأن هذا الولد ليس مني، كيف يكون مني وهو أسود الجلد مع أن أبويه ليسا كذلك؟!

فبيّن له النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا السواد ليس دليلاً على أنه من غيرك، وضرب له المثل بالإبل: إذا كان لك إبل، فالإبل عادة يكون أولادها مثلها، فإن كان الأبوان حمراً كان الأولاد كذلك، وإن كانوا سوداً أو بيضاً أو صفراً أو نحو ذلك كان الأولاد كذلك، إلا إذا اجتذبه عرق ولو بعيد، فأخبره بأن له إبلاً وأن ألوانها حمر، وكانوا يغالون في حمر النعم، أي: الحمر من الإبل، فسأله: (هل فيها أورق؟ يعني: أسود- فقال: إن فيها لورقاً) يعني: لمجموعة ورق، أي: سود، قال: من أين جاءت هذه الورق؟ قال: لعله نزعه عرق، فقال: وهذا الولد الأسود يمكن أنه قد نزعه عرق، فلعل أحد أجداده ولو كان بعيداً أو جداته فيه شيء من السواد أو السمرة أو نحوها، فلا تستغرب أن يكون ولدك بهذه الصفة.

ومعلوم أن الأب ينسب إليه أولاده، وثبت أنه صلى الله عليه وسلم كان ينسب الأولاد إلى من ولدوا له كما سيأتي، ففي هذا الحديث أن الولد ينسب إلى أبيه، وأنه لا يجوز له أن يتبرأ من ولده الذي ولد من زوجته التي هي فراشه يستمتع بها، ويطؤها حلالاً، وحملت ووضعت وهي تحته فراشاً له، فلا يجوز أن ينفيه، سيما إذا عرفها بالعفة وبالنزاهة وبالبعد عن أن تمكن من نفسها غيره، أو البعد عن أن تتهم بفاحشة؛ لأن ذلك الرجل زكى زوجته، وشهد لها أنها بعيدة عن الشبهات، وبعيدة عن أن تتهم بتهمة سيئة.

ولما كان هو زوجها وكانت هي امرأته وليست متهمة، فإنه ينسب إليه أولادها مهما كانت ألوانهم، ولو كان هو أبيض وهم سود أو هو أحمر وهم بيض أو غير ذلك؛ فأولادها تبع لزوجها، ينسبون إلى زوجها، هذا هو القول الصحيح، ولا عبرة في مغايرة اللون، فالله تعالى هو الذي خلق الإنسان وغيّر ألوان الناس كما في قول الله تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ [الروم:22] فجعل اختلاف الألسن واختلاف الألوان من آيات الله؛ ليكون ذلك عبرة، فهؤلاء كلهم بنو آدم، وجعل الله منهم الأسود والأحمر والأبيض، وجعل الله منهم القصير والطويل، وجعل الله منهم كامل الخلق وناقص الخلق، والمشلول والمعيب ونحوهم، وكلهم خلق الله تعالى، ومع ذلك فاوت بينهم إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ [الروم:22].

قصة عبد بن زمعة هي: أن زمعة الذي هو أبو سودة أم المؤمنين وهو من أكابر قريش، كانت له أمة مملوكة، وتسمى وليدة؛ لأنه استولدها فكان يطؤها فولدت له أولاداً فسميت وليدته، يعني: أم أولاده، مع كونها مملوكة له.

وكان الإماء في الجاهلية لا يتورعن من الزنا، ثم إن عتبة بن أبي وقاص وهو أخو سعد زنى بها، ولما زنى بها كان يمكن أنها حملت من ذلك الزنا، ويمكن أنها حملت من سيدها الذي هو زمعة ، ولكن عتبة اعتقد أن الحمل الذي علقت به منه، فولدت غلاماً فكان شبيهاً بـعتبة شبهاً ظاهراً، فلما حضره الموت قال لأخيه سعد : إذا فتحتم مكة فاقبض إليك ابن وليدة زمعة فإنه مني، إنه ولد لي؛ لأني جامعت تلك الأمة في الجاهلية وحملت به، فهو ولدي، وهو مني ومخلوق من مائي، فخذه فإنه ابن أخيك. ولما فتحت مكة، ذهب سعد إلى أولاد زمعة ، وطلب منهم أن يسلموا إليه ذلك الغلام، وقال: إنه ابن أخي فقالوا: بل هو أخونا وابن أمة أبينا، فلا نسلمه لك، فهو من أولاد زمعة ، فاختصموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

فاحتج سعد بحجتين:

الحجة الأولى: أن أخاه قد عهد إليها أنه وطئ وزنى بتلك الوليدة، وأنها حملت منه.

الحجة الثانية: أن الولد شبيه بـعتبة في الخلقة الظاهرة وفي الصورة وفي الهيئة، فحينئذٍ يكون أولى به.

وأما عبد فاحتج بالحجة الشرعية، وهو أن أمة زمعة كانت حلالاً له، وكانت أم أولاده، وكانت فراشاً له يطؤها وطأً حلالاً، وليس أحد يستنكر أنها أمته التي أبيح له وطؤها لكونها مملوكته، وأن الولد ولد منها وهي فراش له، بمعنى أنها كالفراش يفترشها لكونها حلالاً له، فهذا الولد ولد على فراش زمعة ، هذه حجته.

فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يلتفت إلى الشبه الظاهر في ذلك الغلام، بل حكم بالظاهر، وقال: الولد لك يا عبد ، هو أخوك وينسب إلى أبيك؛ لأنه ولد على فراشه، وحكم بهذا الحكم وقرر هذه القاعدة: الولد للفراش وللعاهر الحجر.

الولد سواء كان ذكراً أو أنثى ينسب إلى صاحب الفراش الذي هو الزوج أو السيد الذي يستمتع بأمته، فالولد ينسب إليه، وأخذوا من هذا أن الزاني لا ينسب إليه الولد مهما كان، ولو اعترف بأن الولد منه، ولو اعترفت الزانية بأنه فجر بها وبأنها حملت منه، وبأنه ليس له شريك في هذا الولد، فنقول: لا ينسب إليه الولد، ولا يستحقه؛ وذلك لأن نكاحه نكاح حرام، فلا ينسب إليه مهما كانت الحالة، ولو كان شبيهاً به، ولو اعترف الأبوان بأنه منه، فلا ينسب إليه بل ينسب إلى أمه، فإذا ولد بينهما ولد من زنا يقال: ابن فلانة، هذا هو النسب الصحيح، ولا يجوز له والحال هذه أن يتزوجها وهي حامل حتى ولو كان الحمل منه.

حكم زواج الزاني بمن زنى بها وهي حامل منه

مشهور الآن أن بعض الناس يخدع فتاة، ثم يواقعها مرة أو مراراً، فإذا حملت وتبين أنها حامل وخشي فضيحتها ذهب وخطبها ووافقت عليه، وبعد ذلك يعقد عليها وهي حامل من الزنا، ويدخل بها ويقول: أريد أن أسترها، فإذا وضعت حملها فلا حاجة لي فيها فسوف أطلقها، فنقول: هذا لا يجوز؛ وذلك لأن لا يجمع بين ماء حلال وماء حرام، ولو كان الماءان له، فلا يجوز له ولا يجوز لها هذا النكاح، بل متى حملت منه أو من غيره من زنا فإنه لا يقربها أحد حتى تضع حملها.

والمرأة المزوجة لو غاب زوجها مثلاً فوطئت بشبهة أو زنت وحملت من الزنا أو من وطء الشبهة حرمت على زوجها، ولم يجز له أن يجامعها حتى تضع ذلك الحمل، وإذا لم تحمل فعليه أن يتجنبها حتى يعلم براءة رحمها، وأنها لم تعلق من ذلك الزنا أو ذلك الوطء بشبهة، فلا يجامعها حتى تحيض حيضة يعلم به براءة رحمها من الحمل.

فإذا زنى إنسان بامرأة فلا يجوز له أن ينكحها ولو كان قصده أن يسترها، بل لا حرمة لها ولا حرمة له، وإذا ثبت زناها واعترفت أقيم عليها الحد الذي هو العقوبة الشرعية، فإن كانت ثيباً أقيم عليها الرجم إلا إذا ادعت أنها مكرهة، وإن كانت بكراً أقيم عليها الجلد والتغريب، وهو الحد الشرعي الذي ثبت بالسنة، وأما هو فإذا اعترف بأن هذا الحمل منه، وأنه وطئها؛ فإن كان اغتصبها فلا عقوبة عليها لكونها مغصوبة مكرهة، وإن كان باختيارها فإن العقوبة عليهما معاً، وعقوبته هو كعقوبتها: إن كان قد تزوج زواجاً صحيحاً، ودخل بزوجته -وهو المحصن- فحده أن يرجم بالحجارة حتى يموت، وإن كان بكراً لم يسبق أن تزوج، فحده أن يجلد ويغرب كما يأتينا إن شاء الله في الحدود.

فأما أن يقول: سوف أتزوجها حتى أسترها أو حتى لا تفتضح؛ فلا يجوز، بل تترك حتى تفتضح وحتى يفتضح هو أيضاً، وإقامة الحدود والعقوبات الشرعية سبب لقلة المنكرات، وسبب لقلة الفواحش، وترك ذلك سبب لفشوها، فإذا رخص لهم في هذا كثر الزنا، وكثر الفحش، وصار كل من زنى وواقع امرأة حرص على أن يتزوجها ثم يطلقها، وطلاقه لها قد يكون الحامل له عدم ثقته بها، يقول: إذا زنت وهي غير متزوجة فيمكن أن تزني وهي متزوجة، فلا آمنها فراشاً لي.

وبكل حال فهذه القصة التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: (الولد للفراش وللعاهر الحجر) تبين أن المرأة إذا ولدت مولوداً نسب إلى زوجها الذي هو زوجها وتحل له، ولا ينسب إلى الزاني، ولا حق للزاني فيه ولا كرامة.


استمع المزيد من الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح عمدة الأحكام [4] 2582 استماع
شرح عمدة الأحكام [29] 2581 استماع
شرح عمدة الأحكام [47] 2518 استماع
شرح عمدة الأحكام [36] 2501 استماع
شرح عمدة الأحكام 6 2440 استماع
شرح عمدة الأحكام 9 2369 استماع
شرح عمدة الأحكام 53 2355 استماع
شرح عمدة الأحكام [31] 2340 استماع
شرح عمدة الأحكام 56 2330 استماع
شرح عمدة الأحكام 7 2329 استماع