شرح عمدة الأحكام [48]


الحلقة مفرغة

قال المصنف رحمنا الله تعالى وإياه: [باب الشروط في البيع:

عن عائشة رضي الله عنها قالت: (جاءتني بريرة فقالت: كاتبت أهلي على تسع أواقٍ في كل عام أوقية، فأعينيني، فقلت: إن أحب أهلك أن أعدها لهم ويكون ولاؤك لي فعلت، فذهبت بريرة إلى أهلها فقالت لهم، فأبوا عليها، فجاءت من عندهم ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس، فقالت: إني عرضت ذلك عليهم فأبوا إلا أن يكون لهم الولاء، فأخبرت عائشة النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: خذيها واشترطي لهم الولاء، فإنما الولاء لمن أعتق، ففعلت عائشة ، ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد:

فما بال رجال يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله؟! ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل، وإن كان مائة شرط، قضاء الله أحق، وشرط الله أوثق، وإنما الولاء لمن أعتق)].

هذه قصة واقعية، وهذه الأَمَة كانت مملوكة لبعض الأنصار، وكانت تحب أن تتحرر، فاشترت نفسها بثمن مؤجل، وجاءت إلى عائشة تطلب منها أن تعينها في هذا الثمن حتى تعتق، ولكن عائشة عرضت عليها أن تشتريها بالثمن الذي طلبه أهلها، وتدفعه لهم لتكون مملوكة لها، ثم بعد ذلك تعتقها.

ومن المعلوم: أنها إذا أعتقتها أصبحت مولاة لها، ولكن لما أخبرت أهلها الذين كاتبوها قالوا: نريد أن تكوني مولاة لنا، ولا يكون الولاء لغيرنا، فسمع بذلك النبي صلى الله عليه وسلم فتعجب! كيف يكون لهم الولاء وهم قد أخذوا الثمن؛ وقد باعوها؟! لا يمكن أن يكون الولاء إلا لمن منّ بالعتق، فعند ذلك خطب هذه الخطبة، وأخبر بأن الولاء لمن أعتق، ولا يجوز اشتراط الولاء لغير المعتق.

الشروط في البيوع لازمة إلا شرطاً محرماً

المؤلف جعل هذا الحديث في باب الشروط في البيع، والشروط: هي ما يلتزمه أحد المتعاقدين للآخر مما له فيه مصلحة، كأن يشترط أنه ينتفع بالعين مدة قبل تسليمها للمشتري، أو يشترط عليه المشتري أن الثمن غائب، أو يشترط البائع أن الثمن الغائب فيه رهن، أو فيه كفيل، أو يشترط المشتري أن يكون الثمن أقساطاً، أو يكون الثمن من النقود كذا وكذا، جنيهاً مثلاً، أو ديناراً، فإذا كان هذا الشرط لا خلاف فيه، وليس فيه محذور؛ لزم العمل به، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (المسلمون على شروطهم، إلا شرطاً أحل حراماً أو حرم حلالاً) فإذا أحل حراماً أو حرم حلالاً فلا يجوز العمل به، فمثلاً: اشتراط أن الولاء لغير المعتق يحرم حلالاً، ويغير شرعاً.

ومثله: إذا أعتق الأمة واشترط أن يطأها وهي عتيقة، فهذا أحل حراماً.

وهكذا لو اشترط عليه إذا اشترى الأمة ألا حق له في الاستمتاع، مع كونه قد دفع ثمنها، فهذا شرط حرم حلالاً.

وكذا لو اشترط عليه ألا ينتفع بالعين، كأن يقول له: بعتك الثوب ولا تلبسه، أو بعتك البيت ولا تسكنه، أو بعتك الأرض ولا تحرثها؛ فهذا شرط يحرم حلالاً.

إذاً: الشروط التي تُلتزم هي ما لا محذور فيها، ولا تخالف شيئاً من قواعد الشرع المشهورة المقعدة.

فهؤلاء باعوا هذه الأمة، بمعنى: أنهم باعوها نفسها، وهذا يُسمى: الكتابة، قال الله تعالى: وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ [النور:33] بمعنى: أنك إذا ملكت عبداً وطلب ذلك العبد أن يشتري نفسه بثمن مؤجل، كأن يقول: ثمني - مثلاً- خمسة آلاف، ولكن أنا أشتري نفسي بعشرة آلاف، أشتغل عند الناس، أو أجعل لي حرفة أو صنعة، ثم أعطيك كل سنة ألفاً أو ألفين، فتمكنه، فيشتغل، ويكتسب، ويتجر، ويغزو ليغنم، ويسافر للتجارة، ويجمع من حرفته ومن كسبه، ويعطيك كل سنة القسط، فإذا أعطاك القسط الأخير فأعتقه، مع أنك مأمور بأن تحط عنه بعض الأقساط، لقوله تعالى: وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ [النور:33] .

فهذه الأمة- بريرة - اشترت نفسها على أن تسلم لأهلها كل شهر أو كل سنة كذا وكذا، وكأنها شعرت بأنها عاجزة، فاستعانت بـعائشة ، فـعائشة قالت: أنا أشتريك وأدفع الثمن دفعة واحدة، ويكون الولاء لي، أي: تكونين مولاة لي، فذهبت تلك الجارية إلى أهلها وأخبرتهم، فطمعوا وقالوا: نحن نريد الولاء، ولكن لما أخبرت عائشة النبي صلى الله عليه وسلم بكلامهم أنكر ذلك الكلام؛ لأنه شرط يخالف شرع الله، فصعد المنبر وقال: (ما بال رجال يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله؟ كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل، وإن كان مائة شرط؛ قضاء الله أحق، وشرط الله أوثق، وإنما الولاء لمن أعتق).

فولاء العتاقة يكون للسيد الذي منّ على عبده بتحريره، فيكون مولاه، وتكون منه النصرة، ويكون منه الإرث، فيرث المعتق ذلك العبد إذا مات، وكذلك يواليه وينصره، وينضم إليه، ويكون كأحد أفراد الأسرة؛ فلذلك طمع هؤلاء في الولاء، ولكن عائشة لما طمعت في ولاء تلك الجارية رأتها أهلاً لأن تشتريها، ولم يكن لها رغبة فيها إلا أن يكون الولاء لها.

فالحاصل: أن الشروط التي تخالف الشرع لاغية، والشروط التي توافق الشرع ثابتة، وقد تقدم قوله صلى الله عليه وسلم: (من اشترى نخلاً قد أُبر فثمرته للبائع إلا أن يشترط المبتاع) فإذا كان لك نخل قد طلع ثمره فبعته، فالثمرة تكون لك؛ لأنك سقيته سنة أو نحوها، وهذه الثمرة تعلق نظرك بها، لكن لو قال المشتري: أنا أشتريه بكذا بشرط أن هذه الثمرة لي صح الشرط والبيع؛ وهذا شرط لا يخالف الشرع؛ لأنه شيء معلوم، فأما الشرط الذي يخالف الشرع ويخالف القواعد الشرعية فإنه لا يحوز.

المؤلف جعل هذا الحديث في باب الشروط في البيع، والشروط: هي ما يلتزمه أحد المتعاقدين للآخر مما له فيه مصلحة، كأن يشترط أنه ينتفع بالعين مدة قبل تسليمها للمشتري، أو يشترط عليه المشتري أن الثمن غائب، أو يشترط البائع أن الثمن الغائب فيه رهن، أو فيه كفيل، أو يشترط المشتري أن يكون الثمن أقساطاً، أو يكون الثمن من النقود كذا وكذا، جنيهاً مثلاً، أو ديناراً، فإذا كان هذا الشرط لا خلاف فيه، وليس فيه محذور؛ لزم العمل به، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (المسلمون على شروطهم، إلا شرطاً أحل حراماً أو حرم حلالاً) فإذا أحل حراماً أو حرم حلالاً فلا يجوز العمل به، فمثلاً: اشتراط أن الولاء لغير المعتق يحرم حلالاً، ويغير شرعاً.

ومثله: إذا أعتق الأمة واشترط أن يطأها وهي عتيقة، فهذا أحل حراماً.

وهكذا لو اشترط عليه إذا اشترى الأمة ألا حق له في الاستمتاع، مع كونه قد دفع ثمنها، فهذا شرط حرم حلالاً.

وكذا لو اشترط عليه ألا ينتفع بالعين، كأن يقول له: بعتك الثوب ولا تلبسه، أو بعتك البيت ولا تسكنه، أو بعتك الأرض ولا تحرثها؛ فهذا شرط يحرم حلالاً.

إذاً: الشروط التي تُلتزم هي ما لا محذور فيها، ولا تخالف شيئاً من قواعد الشرع المشهورة المقعدة.

فهؤلاء باعوا هذه الأمة، بمعنى: أنهم باعوها نفسها، وهذا يُسمى: الكتابة، قال الله تعالى: وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ [النور:33] بمعنى: أنك إذا ملكت عبداً وطلب ذلك العبد أن يشتري نفسه بثمن مؤجل، كأن يقول: ثمني - مثلاً- خمسة آلاف، ولكن أنا أشتري نفسي بعشرة آلاف، أشتغل عند الناس، أو أجعل لي حرفة أو صنعة، ثم أعطيك كل سنة ألفاً أو ألفين، فتمكنه، فيشتغل، ويكتسب، ويتجر، ويغزو ليغنم، ويسافر للتجارة، ويجمع من حرفته ومن كسبه، ويعطيك كل سنة القسط، فإذا أعطاك القسط الأخير فأعتقه، مع أنك مأمور بأن تحط عنه بعض الأقساط، لقوله تعالى: وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ [النور:33] .

فهذه الأمة- بريرة - اشترت نفسها على أن تسلم لأهلها كل شهر أو كل سنة كذا وكذا، وكأنها شعرت بأنها عاجزة، فاستعانت بـعائشة ، فـعائشة قالت: أنا أشتريك وأدفع الثمن دفعة واحدة، ويكون الولاء لي، أي: تكونين مولاة لي، فذهبت تلك الجارية إلى أهلها وأخبرتهم، فطمعوا وقالوا: نحن نريد الولاء، ولكن لما أخبرت عائشة النبي صلى الله عليه وسلم بكلامهم أنكر ذلك الكلام؛ لأنه شرط يخالف شرع الله، فصعد المنبر وقال: (ما بال رجال يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله؟ كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل، وإن كان مائة شرط؛ قضاء الله أحق، وشرط الله أوثق، وإنما الولاء لمن أعتق).

فولاء العتاقة يكون للسيد الذي منّ على عبده بتحريره، فيكون مولاه، وتكون منه النصرة، ويكون منه الإرث، فيرث المعتق ذلك العبد إذا مات، وكذلك يواليه وينصره، وينضم إليه، ويكون كأحد أفراد الأسرة؛ فلذلك طمع هؤلاء في الولاء، ولكن عائشة لما طمعت في ولاء تلك الجارية رأتها أهلاً لأن تشتريها، ولم يكن لها رغبة فيها إلا أن يكون الولاء لها.

فالحاصل: أن الشروط التي تخالف الشرع لاغية، والشروط التي توافق الشرع ثابتة، وقد تقدم قوله صلى الله عليه وسلم: (من اشترى نخلاً قد أُبر فثمرته للبائع إلا أن يشترط المبتاع) فإذا كان لك نخل قد طلع ثمره فبعته، فالثمرة تكون لك؛ لأنك سقيته سنة أو نحوها، وهذه الثمرة تعلق نظرك بها، لكن لو قال المشتري: أنا أشتريه بكذا بشرط أن هذه الثمرة لي صح الشرط والبيع؛ وهذا شرط لا يخالف الشرع؛ لأنه شيء معلوم، فأما الشرط الذي يخالف الشرع ويخالف القواعد الشرعية فإنه لا يحوز.

قال المصنف رحمنا الله تعالى وإياه: [عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه: (أنه كان يسير على جمل فأعيا، فأراد أن يسيبه، قال: فلحقني النبي صلى الله عليه وسلم فدعا لي وضربه، فسار سيراً لم يسر مثله قط، ثم قال: بعنيه بأوقية، قلت: لا. ثم قال: بعنيه، فبعته بأوقية، واستثنيت حملانه إلى أهلي، فلما بلغت أتيته بالجمل، فنقدني ثمنه، ثم رجعت فأرسل في إثري، فقال: أتراني ما كستك لآخذ جملك؟ خذ جملك ودراهمك فهو لك) .

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيع حاضر لباد، ولا تناجشوا، ولا يبع الرجل على بيع أخيه، ولا يخطب على خطبة أخيه، ولا تسأل المرأة طلاق أختها لتكفأ ما في صحفتها)] .

حديث جابر ذكر أنه كان في غزوة من الغزوات، وكان على جمل، وذلك الجمل أعيا كسائر الجمال التي قد تعيا من طول السفر، وهزل وضعف حتى كاد أن يهمله ويسيبه؛ لكونه أصبح بطيء السير، لا يستطيع أن يحمل شيئاً، ولا أن يسير مع الإبل، فلما هم بأن يسيبه (لحقه النبي صلى الله عليه وسلم فدعا له، ونخسه) فعند ذلك سار سيراً عجيباً سريعاً حتى كاد يسبق الإبل، وحتى كان جابر يمسكه لئلا يتقدم عليها؛ وذلك لبركة دعوة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما سار هذا السير طلب أن يشتريه، فقال: (بعنيه) وكان جابر يقول: (ليس عندنا ما ننضح عليه غيره) يعني: أنه كان هو الذي يسقون عليه النخل، ولكن لم يكن بد من أن يتنزل على رغبة النبي صلى الله عليه وسلم، فباعه بوقية؛ والوقية: أربعون درهماً من الفضة، فلما باعه عرف أنه بحاجته إلى أن يصل إلى المدينة، فاستثنى حملانه؛ أي: اشترط ظهره بأن يبقى معه، يحمل عليه متاعه حتى يصل إلى المدينة، فوافقه النبي صلى الله عليه وسلم على هذا الشرط، فلما وصل إلى المدينة وأنزل رحله أتاه بالجمل، فأناخه عند المسجد، وجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فنقده ثمنه أربعين درهماً، فلما نقده ثمنه ورجع، رأى أن يرده عليه، فدعاه ورد عليه جمله، وسمح له بالدراهم.

استدلوا بهذا الحديث على جواز الشرط في البيع؛ وذلك لأن جابراً اشترط بقاءه عنده إلى المدينة ليحمل عليه متاعه.

وفيه دليل على جواز المماكسة، فإنه لما امتنع من بيعه كرر عليه وقال: (بعنيه) مرة بعد مرة، فتجوز المماكسة، يعني: المراجعة في البيع.

وفيه دليل على أنه صلى الله عليه وسلم قد رفق بـجابر ؛ حيث رد عليه جمله لما رأى حاجته إليه، فأفاد ذلك أنه يجوز البيع والشراء، وأنه يجوز الاستثناء في البيع والشرط، واستثناء المنفعة فيه.