شرح عمدة الأحكام [35]


الحلقة مفرغة

حكم الحج

قال المؤلف رحمنا الله تعالى وإياه:

[كتاب الحج

باب المواقيت

عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام الجحفة، ولأهل نجد قرن المنازل، ولأهل اليمن يلملم، وقال: هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلن ممن أراد الحج أو العمرة، ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ، حتى أهل مكة من مكة) .

وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يهل أهل المدينة من ذي الحليفة، وأهل الشام من الجحفة، وأهل نجد من قرن المنازل) قال عبد الله: وبلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ويهل أهل اليمن من يلملم)].

هذا كتاب الحج، بدأه بالمواقيت، وجعل العلماء الحج آخر أركان الإسلام، فلما ذكروا أركان الإسلام العملية بدءوا بالصلاة، ثم بالزكاة، ثم بالصوم، ثم الحج، فرتبوها على ترتيب الحديث في قوله صلى الله عليه وسلم: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت)، أما الشهادتان فأفردت لهما مؤلفات لأنهما متعلقتان بالعقائد، ولما كانت بقية الأركان من الأعمال جعلت في كتب الأحكام.

والحج ركن من أركان الإسلام كما في هذا الحديث، والحج: هو قصد البيت الحرام لأداء هذا النسك في زمن مخصوص من شخص مخصوص.

أما حكمه فقد ذكرنا أنه ركن من أركان الإسلام، ولكن لا يجب إلا على المستطيع، ولا يجب إلا مرة في العمر، وما زاد على ذلك فهو تطوع، وقد كان معمولاً به في الشرائع قبلنا، كان الأنبياء الذين قبلنا يحجون البيت، وقد ذكر الله تعالى أن إبراهيم هو الذي بنى البيت -يعني: جدد بناءه- لما وضع ابنه إسماعيل عند مكانه، قال: إِنِّي أَسْكَنتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ [إبراهيم:37]، فكيف يكون وضعه عند البيت مع أنه لم يبنَ؟!

نقول: قد كان مبنياً قبل إبراهيم، بل قبل آدم، قال الله تعالى: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ * فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا [آل عمران:96-97]، فأخذوا من هذه الآية أنه أول بيت بني على وجه الأرض، قيل: إنه بني قبل خلق آدم بكذا وكذا سنة، ولما أهبط آدم أمر بأن يطوف عليه كما تطوف الملائكة حول عرش الله تعالى أو حول البيت المعمور تعبداً لله، فكان ذلك منه عبادة من العبادات، وحجه الأنبياء قبل النبي صلى الله عليه وسلم، فقد حجه نوح وهود ولوط وشعيب وصالح ونحوهم من الأنبياء.

ثم بقي البيت معظماً حتى في الجاهلية، فأهل الجاهلية الذين قبل الإسلام بقي فيهم هذا البيت مقدساً محترماً عندهم، يحجونه ويقصدونه من أماكن نائية، ويطوفون به، ويحترمون -أيضاً- البلدة كلها، يحترمون مكة لأنها البلد الذي احتوى على هذا البيت، فهي حرم، فيلقى فيها الرجل قاتل أبيه فلا يهيجه ولا يفزعه احتراماً لهذا البيت، فلذلك أصبح هذا البيت محجوجاً حتى قبل الإسلام، ولما جاء الإسلام فرض الله تعالى هذا الحج على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم، والصحيح أنه فرض في سنة عشر أو سنة تسع، وقد كان قبل ذلك مسنوناً مرغباً فيه غير واجب، أما بعد أن فرض فقد أصبح ركناً من أركان الإسلام.

مواقيت الحج الزمانية

نقتصر هنا على ذكر المواقيت الذي ذكرت في الحديث؛ لأن الكلام على الحج وعلى أحكامه ليس هذا محله، فنقول: هذا الباب في باب المواقيت.

وقد ذكر العلماء أن للحج مواقيت زمانية ومواقيت مكانية.

فالمواقيت الزمانية هي أشهر الحج، قال الله تعالى: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ [البقرة:197]، وذكر في الأحاديث أن هذه الأشهر شهر شوال -وهو الشهر العاشر- وشهر ذي القعدة وعشر من ذي الحجة التي هي العشر الأول، أي: شهران وبعض شهر، أطلق الله عليها أنها أشهر تغليباً، وهذه الأشهر هي التي يصح الإحرام بالحج فيها، أما ما قبلها فلا يحرم بالحج فيها.

وقد اختلف فيمن أحرم بالحج في آخر رمضان وأراد أن يبقى على إحرامه إلى يوم عرفه، فأكثرهم على أنه لا يصح إحرامه؛ لأنه أحرم قبل الوقت، فهو كمن كبر لصلاة الظهر قبل الزوال، أو كبر تحريمة الفجر قبل طلوع الفجر، أو كبر لصلاة المغرب قبل غروب الشمس، فلا تنعقد صلاته، فيقولون: كذلك من أحرم بالحج قبل أن تدخل أشهر الحج -أي: في آخر يوم من رمضان- فلا يصح.

أما أشهر الحج فإذا أحرم فيها بالحج فإنه ينعقد حجه، فلو أحرم يوم عيد الفطر وبقي على إحرامه بالحج إلى يوم عرفة ثم تحلل يوم العيد صح حجه، وإن كان الأفضل له -كما سيأتي- أن يتحلل بعمرة.

وعلى كل حال فهذا معنى كونها مواقيت للحج، أي: يصح الإحرام بالحج فيها لا فيما قبلها ولا فيما بعدها؛ لأنه لو أحرم بالحج في اليوم الحادي عشر من ذي الحجة يقال: فات محله وانتهت أيام الحج. فهذه مواقيته الزمانية.

أما المواقيت المكانية فهي مواقيت الإحرام المعروفة، وواحدها ميقات.

فضل مكة وما خصها الله تعالى به

اختصت مكة بأنها بلد المناسك التي تقضى فيها هذه المناسك، وإذا أقبل إليها العباد فإنهم يحرمون، يدخلون في النسك قبل أن يصلوا إليها بمدة وبمسافة، والحكمة في ذلك أن يتهيئوا لهذا العبادة ويلبسوا لباساً يختص بهذه العبادة يميز المحرم عن غير المحرم.

وذكر العلماء أن إبراهيم حين حكى الله عنه بقوله تعالى: وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ [الحج:27] أنه دعا فقال: أيها الناس! إن الله كتب عليكم الحج فحجوا. وأن هذه الدعوة سمعها القريب والبعيد، وأنه بلغها من في الأصلاب ومن يأتي، وأن الآتين إلى هذه البلد -التي هي مكة- إذا أقبلوا إليها تجردوا من لباسهم ورفعوا هذا الشعار الذي هو شعار الإجابة، ولبوا بقولهم: لبيك اللهم لبيك. أي: مجيبين لذلك النداء الذي هو نداء الله الذي أمر إبراهيم أن ينادي به.

فمن فضيلة هذه البلد أن المتنسكين إذا أقبلوا إليها رفعوا أصواتهم بالتلبية، وجردوا أبدانهم من لباسهم المعتاد، وارتدوا أردية خاصة وألبسة خاصة تشبه أكفان الموتى، واستعدوا للأعمال الصالحة، فكان ذلك من ميزتهم وعلامتهم أنهم جاءوا مجيبين لتلك الدعوة وجاءوا لعبادة الله سبحانه وتعالى، فهذه هي الحكمة في جعل هذه المواقيت، ولما كانت مكة في وسط القرى سماها الله تعالى أم القرى، قال تعالى: وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا [الأنعام:92]، وكان الناس يأتونها من كل الجهات الأربع، من جهة الغرب، ومن جهة الشرق، ومن جهة الشمال، ومن جهة الجنوب، يأتونها من هذه الجهات، فكل جهة إذا أقبلوا منها إليها استعدوا، فجعل لهم مكاناً يستعدون فيه.

مواقيت الحج المكانية

لأجل ما سبق وقت النبي صلى الله عليه وسلم هذه المواقيت لأهل كل جهة، فأهل المدينة وكذلك من كان في جهة المدينة من أهل البلاد الشمالية، كأهل تبوك، ووادي القرى، وأهل دومة الجندل، وأهل الحدود الشمالية يأتون إلى المدينة ويحرمون من ميقاتها، وميقات أهل المدينة ذو الحليفة، وهو موضع قرب المدينة بينه وبين المسجد النبوي ستة أميال، معروف الآن، ويسميه أهل المدينة (أبيار علي) أو (بئر علي)، وهذه التسمية محدثة، سماها بذلك الرافضة، وفي المدينة كثير من الرافضة سموها به، وإلا فاسمها على الأصل (ذو الحليفة).

وذكر شيخ الإسلام أن الرافضة يزعمون أن فيها بئراً قد قاتل علي فيها الجن، فقالوا: (أبيار علي) أو: (بئر علي) وكذبوا، فلم يقاتل علي أحداً من الجن، وكذلك جميع الصحابة ما ذكر أنهم قاتلوا أحداً من الجن، لا في ذلك المكان ولا في غيره.

فإذاً تسميتها بئر علي أو آبار علي تسمية من الشيعة الذين يغالون في علي ويدعون فيه هذه الكرامة ونحوها، وإلا فأصلها أنها (ذو الحليفة)، كان فيها حلفاء -النبات المعروف- صغيرة، فسميت باسمها.

وبينها وبين مكة في ذلك الوقت عشر مراحل، والمرحلة: مسيرة ثنتي عشرة ساعة للدابة. أي: عشرة أيام، فلما أحرموا أقاموا بين مكة والمدينة عشرة أيام أو نحواً منها وهم محرمون، أما في هذه الأزمنة فلها طريق، وأصبح يزيد على أربعمائة كيلو متر قيلاً، فأصبحت تقطع في ثلاث ساعات ونصف، أو في أربع ساعات بدل أن كانت تقطع في عشرة أيام، كل يوم يسيرون فيه ثنتي عشرة ساعة.

ولا شك أن النصب والتعب يكون أعظم للأجر، فالصحابة الذين أحرموا وبقوا على إحرامهم عشرة أيام أجرهم أكبر من الذين يكون إحرامهم أربع ساعات أو نحوها، وعلى كل حال فتيسير الطرق وتسهيلها وتقاربها وقطعها في هذه المسافة أو المدة القصيرة بواسطة هذه الناقلات والسيارات التي قربت البعيد من نعم الله سبحانه وتعالى التي يجب أن تشكر، والتي خففت المئونة، وأصبح لا عذر لأحد ولا مشقة عليه في أن يأتي إلى المناسك وأن يعمر هذه المشاعر التي هي مشاعر الحج والعمرة.

أما ميقات أهل نجد فهو قرن المنازل، وأصله جبال صغيرة متسلسلة أمام الوادي الذي يقال له: (وادي السيل) أو قريباً منه في جهة الجنوب، ولكن لما كان الطريق لا يسهل إلا مع هذا الطريق جعلوا الميقات هو هذا الوادي أو نحوه، فأصبح محاذياً له من جهة الجنوب، وقرن المنازل -أو قرن الثعالب- محاذٍ للوادي من جهة الجنوب قليلاً، فهو عبارة عن مرتفع فوق طرف الوادي معروف باسم (قرن المنازل).

وكانوا يحرمون منه لكونهم يأتون مع طرق في وسط أو مع وسط الجبال، ولكن السيارات لم يكن لها طرق إلا مع هذا المكان السهل، فأصبح الناس يحرمون من هذا الوادي.

ومثله -أيضاً- الميقات الذي في طرف الجبل أو رأس الجبل الذي هو جبل كرى، هذا الوادي -أيضاً- يسمى وادي محرم، ويسمى -أيضاً- قرن المنازل، وهو محاذٍ لقرن المنازل من جهة الجنوب الغربي، بني فيه -أيضاً- مسجد، ويحرم به من نزل من ذلك الوادي الذي هو طريق كرى، فمن أحرم من كل منهما فقد أحرم من ميقات أهل نجد.

كذلك ميقات أهل اليمن يعرف بـ(يلملم)، وفي هذا الأزمنة يسمونه السعدية، وهو ميقات مشهور بينه وبين مكة -أيضاً- مرحلتان كما بين ميقات أهل نجد وبين مكة، ومرحلتان في ذلك الوقت معناهما مسيرة يومين، أما في هذه الأزمنة فما بقي بينه وبين مكة إلا نحو ثمانين كيلو متر تقطع في أقل من ساعة، وذلك بعد تسهيل هذه الطرق.

وعلى كل حال: فهذه مواقيت معترف بها، أما ميقات أهل الشام، وأهل مصر، وأهل المغرب الذين يأتون من جهة المغرب وينزلون بالسواحل فميقاتهم الجحفة، وهي قريبة من الساحل، وهذه الجحفة كانت قديماً تسمى (مهيعة)، وكانت عامرة، ثم إنه حصل فيها وباء وأمراض، فخربت البلد، وصار الناس يحرمون من رابغ -البلدة المعروفة بهذا الاسم-.

وفي هذه الأزمنة أعادت الحكومة الميقات إلى الجحفة، وبنت فيها الحكومة -أيدها الله- مسجداً كمساجد المواقيت التي في السعدية وفي وادي محرم وفي السيل، بنت مسجداً كبيراً يحرم منه من يمر من ذلك الميقات، كالذين يأتون -مثلاً- من بلاد السواحل كينبع وضبع والوجه، وما إلى تلك الجهات، حتى أهل رابغ يحرمون منه، وقد يمرون على الميقات ويحرمون منه، وكذلك الذين يأتون من خارج البلد -أي: خارج المملكة- الذين يأتون في السفن إذا حاذوا ميقات الجحفة أحرموا منه، وكذلك أهل البواخر، وهناك -أيضاً- بواخر ترسي في ينبع ميقات أهلها.

والجحفة أبعد من قرن المنازل، بينها وبين مكة ثلاث مراحل، فهذه هي المواقيت.

يقول في الحديث: (هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلن ممن أراد الحج والعمرة) يعني: من أتى إلى مكة قاصداً الحج أو قاصداً العمرة ومر على ميقات من هذه المواقيت فإنه لا يتجاوزه إلا محرماً.

ميقات من كان دون المواقيت

ومن كان دون ذلك فمحله حيث أنشأ، حتى أهل مكة يهلون من مكة، فميقات أهل مكة للحج من مكة، وميقاتهم للعمرة من أدنى الحرم، فإذا أرادوا أن يعتمروا خرجوا إلى أمن الحرم كالتنعيم أو الجعرانة أو نحوها، فإنه صلى الله عليه وسلم لما أراد أن يعمر عائشة أعمرها من التنعيم، ولما اعتمر هو في سنة ثمان اعتمر أو أحرم من الجعرانة، ويجوز أن يحرم من أية جهة، وأن يحرم من أي مكان خارج حدود الحرم، فيخرج -مثلاً- إلى عرفة، أو إلى طريق جدة، إذا تجاوز حدود الحرم ويحرم ثم يدخل مكة بعمرة فيقضي عمرته.

ميقات أهل العراق ومن في جهتهم

تلك هي المواقيت، ولما فتحت العراق في زمن عمر قال أهل العراق: إن طريق أهل نجد جائر عن طريقنا، يشق علينا أن نذهب حتى نحرم من طريق أهل نجد الذي هو قرن المنازل! فقال عمر : انظروا حذوها من طريقكم -يعني: ما يحاذيها- فنظروا فوجدوا الوادي الذي يسمى الآن (الضريبة)، ويسمى قديماً (ذات عرق) محاذياً للسيل، فجعل ميقاتاً لأهل خراسان الذي يعرف الآن بـ(إيران)، ولأهل العراق، ولمن في تلك الجهات يحرمون من الميقات الخامس الذي يسمى الآن الضريبة، ولكنه الآن لا يمر به طريق، فلأجل ذلك لا يحرم منه أحد.

المار على الميقات وحكمه

المواقيت المكانية حكمها أنه لا يمر عليها أحد قاصداً مكة يريد الحج أو يريد العمرة إلا ويحرم منها، ويلزمه أن يحرم من هذه المواقيت، أما إذا قصد مكة لا لقصد الحج ولا لقصد العمرة وإنما لزيارة -مثلاً- أو لقضاء شغل عرض له أو نحو ذلك فإنه لا يلزمه؛ لأن الرسول قال: (ممن أراد الحج والعمرة)، أما إذا مر وهو لا يريد الحج وإنما يريد الزيارة لأقارب له أو نحو ذلك، أو كان عابر سبيل يمر على مكة -مثلاً- ويتجاوزها إلى جدة فإنه لا يحرم ولا يلزمه إحرام.

وفي هذه الأزمنة جاءت المراكب الجوية، وهي هذه الطائرات لا تمر مروراً دقيقاً بهذه المواقيت بحيث تنزل عندها ونحو ذلك، ولكنها تحاذيها في الجو، فيلزم الإنسان الذي يركب الطائرة أن يحرم عند هذا الميقات، وإن احتاط وأحرم قبله فهو أولى وأفضل، ولا يجوز أن يؤخر الإحرام إلى أن ينزل بجدة؛ فإن جدة دون المواقيت، فجدة إنما هي ميقات لأهل جدة، فأما أهل الرياض -مثلاً- وأهل الشرقية وأهل الحدود الشمالية الذين يركبون في الطائرات فلابد أن يحرموا إذا حاذوا الميقات الذي يمرون به، فإن كانوا في جهة الشمال فإذا حاذوا ميقات أهل المدينة أحرموا، وإن كانوا من جهة الشرق فإذا حاذوا ميقات أهل نجد إما قرن المنازل وإما ذات عرق أحرموا، ويجب الانتباه، فإن كثيراً منهم يغفلون، ولا يشعر أحدهم إلا وقد وقعت الطائرة وهو لم يحرم، فيحرمون من جدة ويقعون في مجاوزة الميقات، ومن جاوز الميقات وهو عازم على الإحرام وأحرم بعدما جاوزه فقد ترك نسكاً، فيكون عليه دم.

فنقول للذين لا يحرمون إلا من جدة: عليكم دم عن مجاوزة الميقات.

أما إذا نزل جدة وهو لم يحرم، وركب سيارة ورجع إلى السيل وأحرم منه فإنه يسقط عنه الدم، وذلك لأنه ما أحرم إلا من الميقات.

أما إذا أحرم من جدة فلا ينفعه الرجوع، فلو رجع وهو محرم لا يفيده ولا يسقط عنه الدم.

وعلى كل حال فينتبه لمثل هذا.

وكثير من الراكبين يقولون: إنه اعترتنا غفلة، أو إن قائد الطائرة لم ينبهنا على محاذاة الميقات، أو غفلنا حتى نزلنا في جدة أو حتى تجاوزنا الميقات. فنقول: قد أخطأتم، فعلى الذي يريد الإحرام أن يكون مستعداً، حتى لو أحرم وهو في الرياض، فلو لبس إحرامه ونوى ولبى وهو في الرياض لا يضره، فزيادة ساعة أو نصف ساعة يحرمها لا يضره، ويسقط عنه الدم، ولا تضره الزيادة، فالزيادة خير من النقص، فهي من باب الاحتياط ومن باب أخذ الحذر.

ولا يغتر بمن أفتى أن جدة ميقات للذين يركبون في الطائرات؛ فإن تلك فتوى خاطئة.

ويمكن أن تكون جدة ميقاتاً للذين يأتون من السودان أو مما يحاذي جدة من جهة المغرب، فبلاد السودان أو ما يحاذيها لا يمرون بشيء من المواقيت إذا جاءوا في الطائرة أو جاءوا -مثلاً- في الباخرة، فنقول لهم: ميقاتكم جدة، أما الذين يجيئون من مصر أو من الشام أو نحوهم فإنهم يمرون على مواقيت قبل جدة، فيمرون على الجحفة، أو يمرون على ميقات أهل المدينة ذي الحليفة، فلا يجوز لهم أن يتجاوزوا مواقيتهم إلا بإحرام، فيتفطن لذلك حتى يحتاط الإنسان، وحتى لا يقع في مجاوزة الحد فيلزم بدم، والله أعلم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.