شرح عمدة الأحكام [1]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

وبعد:

قال المصنف رحمه الله تعالى: [عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إنما الأعمال بالنيات -وفي رواية: بالنية- وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه).

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ)].

الحديث الأول من كتاب الطهارة حديث عمر المشهور، والأحاديث في هذا الكتاب كلها من صحيحي البخاري ومسلم.

فهذا الحديث هو أول ما بدأ به البخاري صحيحه، استفتح به للدلالة على حسن النية وجعله قائماً مقام الخطبة للكتاب.

يقول صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث: (إنما الأعمال بالنيات)، وفي رواية: (إنما الأعمال بالنية)، وفي رواية: (الأعمال بالنيات)، وأراد المؤلف بذلك أن النية من شروط الطهارة كما أنها من شروط بقية الأعمال، فإن الطهارة للصلاة عمل، وكل عمل لا بد له من نية، وإذا صحت النية صح العمل، وإذا فسدت فسد العمل، كما روي عن بعض السلف أنه قال: كم من عمل صالح أفسدته النية، وكم من عمل فاسد أصلحته النية يعني: أن الإنسان إذا كانت نيته صادقة ولكن فاتته معرفة كيفية العمل، فعمل على حسب معرفته ووسعه أثابه الله بقدر نيته. وكذلك لو أنفق نفقة ولم ينو بها شيئاً، ثم نوى بها خيراً فإن الله يثيبه على نيته.

اشتراط النية في الطهارة

ورد في النية كلام كثير معروف في كتب الحديث، ولكن لما كان الباب متعلقاً بالطهارة فإننا لا نتكلم إلا على نية الطهارة التي نحن في سياقها، فنقول: تشترط النية لكل الأحداث، ورفع الحدث يكون بالوضوء ويكون بالغسل ويكون بالتيمم، وهذه لا بد لها من نية، ولا تشترط النية لإزالة الأخباث، فالذي يغسل وجهه بنية التبرد أو إزالة النعاس لا يكفيه ذلك عن رفع الحدث، ولو أن إنساناً محدثاً غسل وجهه لإزالة النعاس وغسل يديه للنشاط ثم تذكر أن عليه حدثاً فأراد أن يكمّل، فلا يكفيه هذا الغسل، بل لا بد أن يغسل كل عضو بنية رفع الحدث؛ لأن الحدث أمر معنوي، والأمور المعنوية لا بد فيها من النية، فلابد أن يغسل الأعضاء بنية رفع الحدث لا بنية التبرد ولا بنية النشاط ولا بنية إزالة النعاس أو ما أشبه ذلك بل بنية الطهارة.

وقد سمعنا أن بعض الناس يتشدد في أمر النية، وهذا التشدد يكون غالباً وسوسةً من الشيطان ليشككه، فيغسل مثلاً وجهه ويديه، ثم يأتيه الشيطان فيقول: إنك نسيت النية، فيعيد غسلهما مرة ثانية، فإذا غسل يديه قال له: إنك سهوت عن نية غسل اليدين، إنما نويت الوجه فبطل غسل اليدين، فأعد غسلهما، فيعيد.. وهكذا ربما يعيد خمس مرات أو أكثر، وربما يعيد بعدما ينتهي مراراً، ولا شك أن هذا من الوسوسة التي ينبغي اطراحها.

يقول العلماء: إن النية ملازمة للإنسان، وأنه يستحيل أن يعمل عملاً بدون نية. فمثلاً: الاغتسال إما أن ينوي به التبرد أو التنظف أو النشاط أو رفع الحدث، فلا بد من نية، فلا يمكن أن يغتسل وهو غافل لا يدري لأي شيء يغتسل، فما دام أن النية ملازمة للعمل فيعتبر فيها بما قاله وما قصده قلبه، ومن الدليل على أن الإنسان ينوي في جميع أعماله: أنك لو سألته وهو ذاهب إلى الحمام: ماذا تريد؟ لقال: أتوضأ أو أرفع الحدث أو أغتسل أو أتطهر، فعرف بذلك أنه قد نوى ولو كان قلبه غافلاً ولو كان فكره شاذاً في حالة مشيه، فلا بد أن تكون هناك نية موجودة.

فلينتبه أولئك الذين يأتيهم الشيطان ويوسوس لهم أنهم قد نسوا النية ويأمرهم بالإعادة، يأتيهم في الوضوء ويأتيهم في الغسل، لدرجة أن أحدهم يبقى في الاغتسال ساعة أو أكثر، وكلما غسل عضواً جاءه الشيطان وقال: أعد فإنك ما نويت، فيتكلف ويشدد على نفسه حتى تفوته صلاة الجماعة، أو تثقل عليه الصلاة. فالشيطان يثقل عليه العبادة، ويصعّب عليه هذا الشرط، فإذا رأى أن في الصلاة صعوبة أدى ذلك إلى تركها والعياذ بالله.

حكم التلفظ بالنية

النية معتبرة في ثلاث طهارات: معتبرة في الوضوء، ومعتبرة في الاغتسال من الحدث الأكبر، ومعتبرة في التيمم، فلابد فيها كلها من نية، والنية محلها القلب، ولا يجوز التلفظ بها لا في الصلاة ولا في الطهارة ، وذهب بعض الشافعية إلى أنه يتكلم بها، وذكروا ذلك في مؤلفاتهم، وقالوا: إن التلفظ بها سنة، وأنه مذهب الشافعي . والصحيح أنه ليس مذهباً للشافعي، ولم ينقل ذلك عنه نقلاً صريحاً، ولم يذكر ذلك في مؤلفاته، ولا في رسائله. والله تعالى هو العالم بما في القلب، وليس للإنسان أن يخبر الله تعالى بما يدور في خلده وبما في قلبه، فالله عالم بما في قلبك، فلا حاجة إلى أن تخبر الله وتقول: نويت كذا وكذا، والله سبحانه وتعالى يقول: وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ [آل عمران:154].

والعمل قد يكون ظاهره حسناً ولكن تفسده النية، وقد أخبرنا النبي عليه الصلاة والسلام عن ذلك بأمثلة، كالذي يقول الله له: (قرأت القرآن ليقال: قارئ) يعني: نيتك أن يقول الناس: قارئ، (تصدقت ليقال: جواد)، (قاتلت ليقال: شجاع)، وكذلك قال له رجل: الرجل يقاتل حمية، ويقاتل شجاعة، ويقاتل ليرى مكانه، ويقاتل للمغنم، أي ذلك في سبيل الله؟ فقال: (من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله) وهذه نيات يعلمها الله، فالله يعلم أن هذا قاتل رياءً، وهذا قاتل سمعة، وهذا قاتل ليرى مكانه، وهذا قاتل للشجاعة، وهذا قاتل حمية، وهذا قاتل للغنيمة، الله عالم بذلك ولو لم يتلفظ العبد ويقول: إنني أقاتل لكذا، فلا حاجة إلى أن يقول: نويت بالقتال إعزاز دين الله، أو إعلاء كلمة الله، وكذلك لا يقول: نويت بهذه الطهارة أو بهذا الغسل أن أرفع الحدث، أو نويت أن أغتسل لأرفع الحدث، لا حاجة إلى ذلك؛ لأن الله عالم بما في قلبه.

ترتب الثواب والعقاب على النية

أما قوله: (وإنما لكل امرئ ما نوى)، فمعناه: أن الثواب يترتب على النية، فإن كان العمل صالحاً ترتب عليه الثواب، وإلا ترتب عليه العقاب، وضرب لهم مثلاً بالهجرة، والهجرة من الأعمال الشريفة، كان أحدهم ينتقل من بلاده التي هي مسقط رأسه وفيها عشيرته وأهله وأمواله ومساكنه، ينتقل منها لأجل أن يتمكن من عبادة الله؛ لأنه في بلاده يلاقي الأذى.

وأخبر النبي عليه الصلاة والسلام أن هناك من يهاجر لأجل الله ورسوله، وهناك من يهاجر لمصالح دنيوية، فالذي تكون هجرته إلى الله ورسوله ابتغاء مرضاة الله، ولاتباع الرسول عليه الصلاة والسلام، والأخذ عنه، فهذا أجره على الله. (فهجرته إلى الله ورسوله).

والذي تكون هجرته لأجل مصالح دنيوية: تجارة، أو وظيفة، أو رئاسة، أو منصب، أو نحو ذلك، أو امرأة يتزوجها، ليس له قصد إلا هذا (فهجرته إلى ما هاجر إليه) يعني: ليس له أجر الهجرة وليس له ثوابها؛ وذلك لأن الله إنما يثيب من الأعمال ما أريد به وجه الله، فهذا مثل ضربه الرسول عليه الصلاة والسلام لصلاح النية ولعدم صلاحها، وكذلك بقية الأعمال.

أمور لا تحتاج إلى نية

هناك أشياء لا تحتاج إلى نية، ومنها: إزالة النجاسات، فغسلها لا يحتاج إلى نية، فلو كان ثوبك نجساً وعلقته على وتد أو نحوه فنزل عليه مطر فغسله طهر ولو بدون نية، أو تنجس أسفله بشيء من أنواع النجاسات وخضت به في سيل أو نهر وذهب أثر النجاسة طهر، أو وقعت نجاسة على بقعة من الأرض، فنزل عليها مطر فغمرها وذهبت عين النجاسة طهرت، ولا حاجة إلى أن ينوي أحد إزالتها؛ لأن هذا إزالة، والنجاسة إذا زال أثرها طهر المكان، وأما الحدث فإنه أمر معنوي.

ورد في النية كلام كثير معروف في كتب الحديث، ولكن لما كان الباب متعلقاً بالطهارة فإننا لا نتكلم إلا على نية الطهارة التي نحن في سياقها، فنقول: تشترط النية لكل الأحداث، ورفع الحدث يكون بالوضوء ويكون بالغسل ويكون بالتيمم، وهذه لا بد لها من نية، ولا تشترط النية لإزالة الأخباث، فالذي يغسل وجهه بنية التبرد أو إزالة النعاس لا يكفيه ذلك عن رفع الحدث، ولو أن إنساناً محدثاً غسل وجهه لإزالة النعاس وغسل يديه للنشاط ثم تذكر أن عليه حدثاً فأراد أن يكمّل، فلا يكفيه هذا الغسل، بل لا بد أن يغسل كل عضو بنية رفع الحدث؛ لأن الحدث أمر معنوي، والأمور المعنوية لا بد فيها من النية، فلابد أن يغسل الأعضاء بنية رفع الحدث لا بنية التبرد ولا بنية النشاط ولا بنية إزالة النعاس أو ما أشبه ذلك بل بنية الطهارة.

وقد سمعنا أن بعض الناس يتشدد في أمر النية، وهذا التشدد يكون غالباً وسوسةً من الشيطان ليشككه، فيغسل مثلاً وجهه ويديه، ثم يأتيه الشيطان فيقول: إنك نسيت النية، فيعيد غسلهما مرة ثانية، فإذا غسل يديه قال له: إنك سهوت عن نية غسل اليدين، إنما نويت الوجه فبطل غسل اليدين، فأعد غسلهما، فيعيد.. وهكذا ربما يعيد خمس مرات أو أكثر، وربما يعيد بعدما ينتهي مراراً، ولا شك أن هذا من الوسوسة التي ينبغي اطراحها.

يقول العلماء: إن النية ملازمة للإنسان، وأنه يستحيل أن يعمل عملاً بدون نية. فمثلاً: الاغتسال إما أن ينوي به التبرد أو التنظف أو النشاط أو رفع الحدث، فلا بد من نية، فلا يمكن أن يغتسل وهو غافل لا يدري لأي شيء يغتسل، فما دام أن النية ملازمة للعمل فيعتبر فيها بما قاله وما قصده قلبه، ومن الدليل على أن الإنسان ينوي في جميع أعماله: أنك لو سألته وهو ذاهب إلى الحمام: ماذا تريد؟ لقال: أتوضأ أو أرفع الحدث أو أغتسل أو أتطهر، فعرف بذلك أنه قد نوى ولو كان قلبه غافلاً ولو كان فكره شاذاً في حالة مشيه، فلا بد أن تكون هناك نية موجودة.

فلينتبه أولئك الذين يأتيهم الشيطان ويوسوس لهم أنهم قد نسوا النية ويأمرهم بالإعادة، يأتيهم في الوضوء ويأتيهم في الغسل، لدرجة أن أحدهم يبقى في الاغتسال ساعة أو أكثر، وكلما غسل عضواً جاءه الشيطان وقال: أعد فإنك ما نويت، فيتكلف ويشدد على نفسه حتى تفوته صلاة الجماعة، أو تثقل عليه الصلاة. فالشيطان يثقل عليه العبادة، ويصعّب عليه هذا الشرط، فإذا رأى أن في الصلاة صعوبة أدى ذلك إلى تركها والعياذ بالله.

النية معتبرة في ثلاث طهارات: معتبرة في الوضوء، ومعتبرة في الاغتسال من الحدث الأكبر، ومعتبرة في التيمم، فلابد فيها كلها من نية، والنية محلها القلب، ولا يجوز التلفظ بها لا في الصلاة ولا في الطهارة ، وذهب بعض الشافعية إلى أنه يتكلم بها، وذكروا ذلك في مؤلفاتهم، وقالوا: إن التلفظ بها سنة، وأنه مذهب الشافعي . والصحيح أنه ليس مذهباً للشافعي، ولم ينقل ذلك عنه نقلاً صريحاً، ولم يذكر ذلك في مؤلفاته، ولا في رسائله. والله تعالى هو العالم بما في القلب، وليس للإنسان أن يخبر الله تعالى بما يدور في خلده وبما في قلبه، فالله عالم بما في قلبك، فلا حاجة إلى أن تخبر الله وتقول: نويت كذا وكذا، والله سبحانه وتعالى يقول: وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ [آل عمران:154].

والعمل قد يكون ظاهره حسناً ولكن تفسده النية، وقد أخبرنا النبي عليه الصلاة والسلام عن ذلك بأمثلة، كالذي يقول الله له: (قرأت القرآن ليقال: قارئ) يعني: نيتك أن يقول الناس: قارئ، (تصدقت ليقال: جواد)، (قاتلت ليقال: شجاع)، وكذلك قال له رجل: الرجل يقاتل حمية، ويقاتل شجاعة، ويقاتل ليرى مكانه، ويقاتل للمغنم، أي ذلك في سبيل الله؟ فقال: (من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله) وهذه نيات يعلمها الله، فالله يعلم أن هذا قاتل رياءً، وهذا قاتل سمعة، وهذا قاتل ليرى مكانه، وهذا قاتل للشجاعة، وهذا قاتل حمية، وهذا قاتل للغنيمة، الله عالم بذلك ولو لم يتلفظ العبد ويقول: إنني أقاتل لكذا، فلا حاجة إلى أن يقول: نويت بالقتال إعزاز دين الله، أو إعلاء كلمة الله، وكذلك لا يقول: نويت بهذه الطهارة أو بهذا الغسل أن أرفع الحدث، أو نويت أن أغتسل لأرفع الحدث، لا حاجة إلى ذلك؛ لأن الله عالم بما في قلبه.

أما قوله: (وإنما لكل امرئ ما نوى)، فمعناه: أن الثواب يترتب على النية، فإن كان العمل صالحاً ترتب عليه الثواب، وإلا ترتب عليه العقاب، وضرب لهم مثلاً بالهجرة، والهجرة من الأعمال الشريفة، كان أحدهم ينتقل من بلاده التي هي مسقط رأسه وفيها عشيرته وأهله وأمواله ومساكنه، ينتقل منها لأجل أن يتمكن من عبادة الله؛ لأنه في بلاده يلاقي الأذى.

وأخبر النبي عليه الصلاة والسلام أن هناك من يهاجر لأجل الله ورسوله، وهناك من يهاجر لمصالح دنيوية، فالذي تكون هجرته إلى الله ورسوله ابتغاء مرضاة الله، ولاتباع الرسول عليه الصلاة والسلام، والأخذ عنه، فهذا أجره على الله. (فهجرته إلى الله ورسوله).

والذي تكون هجرته لأجل مصالح دنيوية: تجارة، أو وظيفة، أو رئاسة، أو منصب، أو نحو ذلك، أو امرأة يتزوجها، ليس له قصد إلا هذا (فهجرته إلى ما هاجر إليه) يعني: ليس له أجر الهجرة وليس له ثوابها؛ وذلك لأن الله إنما يثيب من الأعمال ما أريد به وجه الله، فهذا مثل ضربه الرسول عليه الصلاة والسلام لصلاح النية ولعدم صلاحها، وكذلك بقية الأعمال.

هناك أشياء لا تحتاج إلى نية، ومنها: إزالة النجاسات، فغسلها لا يحتاج إلى نية، فلو كان ثوبك نجساً وعلقته على وتد أو نحوه فنزل عليه مطر فغسله طهر ولو بدون نية، أو تنجس أسفله بشيء من أنواع النجاسات وخضت به في سيل أو نهر وذهب أثر النجاسة طهر، أو وقعت نجاسة على بقعة من الأرض، فنزل عليها مطر فغمرها وذهبت عين النجاسة طهرت، ولا حاجة إلى أن ينوي أحد إزالتها؛ لأن هذا إزالة، والنجاسة إذا زال أثرها طهر المكان، وأما الحدث فإنه أمر معنوي.

يقول صلى الله عليه وسلم في الحديث الثاني: (لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ).

معنى الحدث وشموله لجميع موجبات الوضوء

يقول العلماء: إن الحدث أمر معنوي يقوم بالبدن يمنع من الصلاة ومن الطواف ومن مس المصحف، فالحدث الأصغر أمر معنوي وليس حسياً.

فلو رأيت اثنين أحدهما على وضوء والآخر محدث، فلا تفرق بين هذا وهذا، فالحدث أمر معنوي يقوم بالبدن كله، والمحدث بدنه كله موصوف بأن عليه حدثاً، ومع ذلك أعضاؤه نظيفة ليس فيها شيء يُعرف أنه قذر أو وسخ، وليس في بدنه نجاسة، حتى ولو كان جنباً، فالجنب بدنه طاهر، فلو غمس يده في ماء فلا يقال: إن ذلك الماء تنجس، فتجوز مصافحته ومؤاكلته، فإن النبي عليه الصلاة والسلام لما لقيه أبو هريرة وكان جنباً انخنس وذهب ليغتسل، ولما سأله النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: كرهت أن أجالسك وأنا على غير طهارة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن المؤمن لا ينجس) يعني: ليس بدنك نجساً، إنما عليك حدث يمنعك فقط من الصلاة ونحوها، فأما بدنك فلا مانع من أن تأكل، ولا مانع من أن تصافح الناس، ولا مانع من أن تجالسهم.

وتسمى موجبات الوضوء أو نواقض الوضوء أحداثاً؛ لأنها تتجدد، أحدث أي: انتقض وضوءه، فإذا أكل لحم إبل مثلاً قيل: أحدث، يعني انتقض وضوءه، وإن كان قد خص أكثرهم الحدث بما ينقض الوضوء من الريح أو الخارج من أحد السبيلين، وقد جاء أن أبا هريرة رضي الله عنه لما حدث بهذا الحديث سأله رجل من أهل حضرموت عن الحدث، ففسره بالريح التي تخرج من الدبر، ولكن لا يعتبر هذا هو الحدث فقط، فالبول حدث، وكذا الغائط، وكذا نواقض الوضوء الأخرى كالمباشرة ومس المرأة بشهوة، أو مس الفرج باليد، أو أكل لحم الإبل، أو تغسيل الميت، هذه كلها نسميها أحداثاً؛ لأنها توجب الوضوء، فإذا انتقض وضوء الإنسان بواحد منها فلا يقبل الله صلاته إلا بعد أن يتوضأ؛ بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ).

معنى الوضوء

كلمة الوضوء لفظة شرعية، ولم تكن معروفة عند العرب قبل الإسلام، فهي من الكلمات التي جاءت في الشرع، والوضوء: هو غسل الأعضاء التي أمرنا الله بغسلها، وسمي وضوءاً لآثاره، فإنه ينور هذه الأعضاء تنويراً معنوياً، وينورها في الآخرة تنويراً حسياً، ففي الآخرة يعرف أهل الوضوء بأنهم غر محجلون من آثار الوضوء.

والغرة: بياض الوجه. والتحجيل: بياض اليدين وبياض الرجلين من آثار الوضوء. فهذا ضوء حسي، وأما في الدنيا فإنه ضوء ونور معنوي.

وسمي وضوءاً من الضوء الذي هو النور، فالوضوء منير للأعضاء، وهو من المسميات الشرعية، وهو: غسل أعضاء مخصوصة بنية رفع الحدث ولاستباحة الصلاة، وقد جعله النبي صلى الله عليه وسلم شرطاً للصلاة بقوله: (لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ).

أقسام الحدث

الحدث نوعان: حدث أكبر يوجب الغسل، وحدث أصغر يوجب الوضوء. ولم يذكر في هذا الحديث الحدث الأكبر، لم يذكر إلا الحدث الأصغر، ولكن الحدث الأكبر مراد أيضاً؛ وذلك لأنه أولى بأن يهتم به، والله تعالى قد نبه على الحدث الأكبر في قوله تعالى: وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا [المائدة:6]، وفي قوله: وَلا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا [النساء:43].

إذاً نقول: لا يقبل الله صلاة من عليه حدث أكبر حتى يغتسل، والاغتسال هو غسل البدن كله بنية رفع الحدث، وعلى هذا فالحدث يرتفع بالوضوء إن كان أصغر ويرتفع بالاغتسال إن كان أكبر.

هل يرتفع الحدث بالتيمم؟

التيمم: هو استعمال التراب عند فقد الماء، وهو مسح الوجه واليدين بالتراب، هذا تحل به الصلاة، إذا فقد الماء، فالله تعالى يقول: فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا [النساء:43] يعني: اقصدوا صعيداً طيباً فامسحوا.. ولكن هل يرتفع الحدث به أم لا يرتفع؟ الصحيح أنه يرتفع ارتفاعاً مؤقتاً، بمعنى أنه تباح به العبادات التي لا تباح إلا بالوضوء حتى يجد الماء، فإذا وجد الماء لزم استعماله، وقد ثبت في الحديث عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الصعيد الطيب طهور أحدكم وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء فليتق الله وليمسه بشرته)، أي: أنك متى وجدت الماء وعليك حدث، فإن عليك أن تستعمله لرفع ذلك الحدث، فارتفاعه بالتيمم إنما هو لأجل التيسير، قال الله تعالى: مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ [المائدة:6].

يستفاد من هذين الحديثين: أن الطهارة شرط لكل صلاة، وأن الصلاة لا تقبل إلا بهذه الطهارة التي هي الوضوء أو الاغتسال إن كان الحدث أكبر، أو التيمم إن لم يوجد الماء، فإذا صلى بغيرها والماء موجود وهو محدث فهو متلاعب بصلاته، لا يقبل الله صلاته إلا بعد أن يفعل ما أمر الله تعالى به في قوله تعالى: إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا.. [المائدة:6] الآية.

متى تجب الطهارة

الصحيح أن الطهارة إنما تجب بعد الحدث، وذهب بعض أهل العلم إلى أنها تجب لكل صلاة، واستدل بالآية: إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا [المائدة:6]، والصحيح أن تفسير الآية: إذا قمتم وأنتم محدثون فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ [المائدة:6] ويقدرها بعضهم: إذا قمتم من النوم فاغسلوا، ولكن الأصل أن الوضوء إنما يجب على من هو محدث لهذا الحديث: (لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ).

ويستفاد أيضاً: أن النية من شروط الوضوء، وأن الوضوء من شروط الصلاة، وأن الصلاة من أعظم وأهم العبادات، وسيأتينا إن شاء الله أحاديث تؤكد أهميتها، وكذلك يأتينا بقية أحاديث الطهارة.

فعلى المسلم أن يتنبه إلى أهمية الطهارة، وأهمية العبادة، ومن جملتها شروط الصلاة التي تتقدمها كالطهارة والنية وما أشبهها، فإذا علم ذلك فعليه أن يطبق ما علمه، ليكون منتفعاً بعلمه إن شاء الله.

يقول العلماء: إن الحدث أمر معنوي يقوم بالبدن يمنع من الصلاة ومن الطواف ومن مس المصحف، فالحدث الأصغر أمر معنوي وليس حسياً.

فلو رأيت اثنين أحدهما على وضوء والآخر محدث، فلا تفرق بين هذا وهذا، فالحدث أمر معنوي يقوم بالبدن كله، والمحدث بدنه كله موصوف بأن عليه حدثاً، ومع ذلك أعضاؤه نظيفة ليس فيها شيء يُعرف أنه قذر أو وسخ، وليس في بدنه نجاسة، حتى ولو كان جنباً، فالجنب بدنه طاهر، فلو غمس يده في ماء فلا يقال: إن ذلك الماء تنجس، فتجوز مصافحته ومؤاكلته، فإن النبي عليه الصلاة والسلام لما لقيه أبو هريرة وكان جنباً انخنس وذهب ليغتسل، ولما سأله النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: كرهت أن أجالسك وأنا على غير طهارة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن المؤمن لا ينجس) يعني: ليس بدنك نجساً، إنما عليك حدث يمنعك فقط من الصلاة ونحوها، فأما بدنك فلا مانع من أن تأكل، ولا مانع من أن تصافح الناس، ولا مانع من أن تجالسهم.

وتسمى موجبات الوضوء أو نواقض الوضوء أحداثاً؛ لأنها تتجدد، أحدث أي: انتقض وضوءه، فإذا أكل لحم إبل مثلاً قيل: أحدث، يعني انتقض وضوءه، وإن كان قد خص أكثرهم الحدث بما ينقض الوضوء من الريح أو الخارج من أحد السبيلين، وقد جاء أن أبا هريرة رضي الله عنه لما حدث بهذا الحديث سأله رجل من أهل حضرموت عن الحدث، ففسره بالريح التي تخرج من الدبر، ولكن لا يعتبر هذا هو الحدث فقط، فالبول حدث، وكذا الغائط، وكذا نواقض الوضوء الأخرى كالمباشرة ومس المرأة بشهوة، أو مس الفرج باليد، أو أكل لحم الإبل، أو تغسيل الميت، هذه كلها نسميها أحداثاً؛ لأنها توجب الوضوء، فإذا انتقض وضوء الإنسان بواحد منها فلا يقبل الله صلاته إلا بعد أن يتوضأ؛ بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ).

كلمة الوضوء لفظة شرعية، ولم تكن معروفة عند العرب قبل الإسلام، فهي من الكلمات التي جاءت في الشرع، والوضوء: هو غسل الأعضاء التي أمرنا الله بغسلها، وسمي وضوءاً لآثاره، فإنه ينور هذه الأعضاء تنويراً معنوياً، وينورها في الآخرة تنويراً حسياً، ففي الآخرة يعرف أهل الوضوء بأنهم غر محجلون من آثار الوضوء.

والغرة: بياض الوجه. والتحجيل: بياض اليدين وبياض الرجلين من آثار الوضوء. فهذا ضوء حسي، وأما في الدنيا فإنه ضوء ونور معنوي.

وسمي وضوءاً من الضوء الذي هو النور، فالوضوء منير للأعضاء، وهو من المسميات الشرعية، وهو: غسل أعضاء مخصوصة بنية رفع الحدث ولاستباحة الصلاة، وقد جعله النبي صلى الله عليه وسلم شرطاً للصلاة بقوله: (لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ).

الحدث نوعان: حدث أكبر يوجب الغسل، وحدث أصغر يوجب الوضوء. ولم يذكر في هذا الحديث الحدث الأكبر، لم يذكر إلا الحدث الأصغر، ولكن الحدث الأكبر مراد أيضاً؛ وذلك لأنه أولى بأن يهتم به، والله تعالى قد نبه على الحدث الأكبر في قوله تعالى: وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا [المائدة:6]، وفي قوله: وَلا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا [النساء:43].

إذاً نقول: لا يقبل الله صلاة من عليه حدث أكبر حتى يغتسل، والاغتسال هو غسل البدن كله بنية رفع الحدث، وعلى هذا فالحدث يرتفع بالوضوء إن كان أصغر ويرتفع بالاغتسال إن كان أكبر.

التيمم: هو استعمال التراب عند فقد الماء، وهو مسح الوجه واليدين بالتراب، هذا تحل به الصلاة، إذا فقد الماء، فالله تعالى يقول: فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا [النساء:43] يعني: اقصدوا صعيداً طيباً فامسحوا.. ولكن هل يرتفع الحدث به أم لا يرتفع؟ الصحيح أنه يرتفع ارتفاعاً مؤقتاً، بمعنى أنه تباح به العبادات التي لا تباح إلا بالوضوء حتى يجد الماء، فإذا وجد الماء لزم استعماله، وقد ثبت في الحديث عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الصعيد الطيب طهور أحدكم وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء فليتق الله وليمسه بشرته)، أي: أنك متى وجدت الماء وعليك حدث، فإن عليك أن تستعمله لرفع ذلك الحدث، فارتفاعه بالتيمم إنما هو لأجل التيسير، قال الله تعالى: مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ [المائدة:6].

يستفاد من هذين الحديثين: أن الطهارة شرط لكل صلاة، وأن الصلاة لا تقبل إلا بهذه الطهارة التي هي الوضوء أو الاغتسال إن كان الحدث أكبر، أو التيمم إن لم يوجد الماء، فإذا صلى بغيرها والماء موجود وهو محدث فهو متلاعب بصلاته، لا يقبل الله صلاته إلا بعد أن يفعل ما أمر الله تعالى به في قوله تعالى: إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا.. [المائدة:6] الآية.