أرشيف المقالات

صناعة النصيحة

مدة قراءة المادة : 3 دقائق .
صناعة النصيحة


هناك مواقفُ تستدعي أن نتوقف عندها كثيرًا؛ لأن ما يذكِّرنا بها روابطُ صنعها تطبيقُنا الفعلي لما استفدناه منها، وذلك بعد أن كان لها الأثر البالغ في أرواحنا العطشى للأمل الموجود في هذه الأمة.
 
هذه المواقف قد تكون معدودةً لدى البعض لدرجة أن يبقى أثر الموقف مع المرء أيامًا وسنين، وربما عمرَه كله؛ على حسب إخلاص وصدق الناصح، أو يقظة قلب مستقبِلِ النصيحة.
 
تلك المواقف التي تجد فيها إنسانًا يحمل همَّ أمته وصلاحها؛ بحيث تمتزج نصيحته بحكمة مِن قلب محبٍّ للناس وللتغيير الإيجابي، غالبًا ما تحمل أصداءً تبلغ لقوتها وفعاليتها الآفاقَ بشكل ربما يذهل صاحبَها في يوم ما، فكم سئمنا ممن يتقنون فن الترهيب والتنفير بالفظاظة والموعظة المفضوحة، وتمنى المرء لو لم يلتقِ بهؤلاء في حياته كلِّها؛ حتى لا تتشوه لديه تلك الصورة المضيئة لتعاليم الإسلام التي تعلَّمها في المدرسة منذ أن كان طفلًا؛ فأحيانًا كثيرة لا ينقص الإنسانَ العلمُ بالشيء، وخاصة بعد انتشار وسائل المعرفة، ولكن ما ينقصه هو القدوةُ الحسنة المعاصرة التي تعي الواقع ومتطلباتِه، وتُوازن بين الأصل والفرع، فلا يصبح كل ما تتكلم به في إطار الحلال والحرام، وكأنها قوالبُ جامدة لا توجد فيها درجات ولا سَعَة.
 
فقد يكون موقفٌ واحد وفِّق العبد فيه لنصيحة صالحة سببًا في دخوله الجنة؛ لأنه أثر في صاحبه، ثم تعدى النفعُ إلى الدائرة المحيطة بالإنسان المنصوح، ثم الدائرة البعيدة، وهلم جرًّا؛ ليجدها المرء يوم القيامة أمامه جبالًا من الحسنات، وهو لا يعرف مِن أين أتته، وقد كانت بسبب شيء بسيط قدَّمه لأحدهم في يوم ما ولم يُلقِ له بالًا؛ قد يكون هديةً أو كتابًا أو موقفًا تربويًّا، فلا تزال تلك الصور تتراءى للمنصوح كلما واجه نفسه في لحظات الصدق معها.
 
ففضل النصيحة عظيم إذا كانت خالصةً لله تعالى، واختير لها الطريقة والوقت الصحيحان؛ فللنصيحة فنٌّ في التقديم، وكأنها هدية للإنسان تحتاج إلى دراية بنفسيته وطريقة تفكيره، وتقديمها له على انفراد، ومن غير الممكن أن تكون عشوائية وكأنها دَين في رقبة الناصح ويريد التخلص منه بأي طريقة كانت، فهناك فرق شاسع بين مَن يقدمها بمحبة وعلم وبين من يقدمها بفظاظة وجهل، فالخطر الناجم عن فضيحة إنسان ما أشدُّ وأكبر من تركِه يخطئ، فما نراه من تشهير وحب لنشر فضائح الناس وزلَّاتهم، وصَل إلى درجة كبيرة من الفظاعة والشماتة، بل والكذب في أحيان كثيرة.
 
وهناك الكثير من الصفحات بل والأشخاص المتخصصين في التلفيق ونشر الإشاعات، ويتم التسويق لها بشكل ساذج من قِبَل الكثير من الناس، بدافع التوعية بنشر السلبيات، وسرعان ما تصبح سمعة أيِّ إنسان في يد الكبير والصغير للعبث بها والتشويه، وتكثر في المجتمع آفةُ إشاعة المنكر؛ حتى يصبح الأمر مستساغًا، ولا يُلقي له المجتمعُ بالًا، وكأنه أمر طبيعي، والسبب كان من البداية تطبيقًا خاطئًا للأمر بالمعروف، أو صناعة النصيحة.

شارك الخبر

روائع الشيخ عبدالكريم خضير