من أخذ دينا يريد أن يؤديه أعانه الله
مدة
قراءة المادة :
11 دقائق
.
من أخذ دينًا يريد أن يؤديه أعانه اللهالحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فمن نعم الله عز وجل على العبد أن يكون له رزق يكفيه ما يحتاجه من ضروريات الحياة، وحاجاتها، وبالتالي فلا يحتاج إلى الدين، فالدين له آفات، والإنسان في سلامة وعافية وراحة، ما دام لم يجمل نفسه الديون، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله منه، فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو في صلاته: (اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم)، فقال قائل: ما أكثر ما تستعيذ يا رسول الله من المأثم والمغرم، قال: (إن الرجل إذا غرم حدَّث فكذَب، ووعَد فأخلَف)؛ [متفق عليه]، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: يحتمل أن يراد بالاستعاذة من الدين الاستعاذة من الاحتياج إليه، حتى لا يقع في هذه الغوائل، أو من عدم القدرة على وفائه حتى لا تبقى تبعتُه.
ولكن قد تمرُّ بالإنسان ظروف تجعله يستدين ويقترض، فمن اضطُرَّ إلى ذلك، فليحرص على أداء دينه، فالدين جزاؤه: الوفاء، وشكر صاحبه، والدعاء له بالبركة، فعن عبدالله بن أبي ربيعة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم استلف منه حين غزا حُنينًا ثلاثين أو أربعين ألفًا، فلما قدم قضاها إياه، ثم قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (بارك الله لك في أهلك ومالك، إنما جزاء السلف الحمد والوفاء)؛ [أخرجه النسائي، وابن ماجه، وصححه العلامة الألباني برقم (2353) في صحيح الجامع].
وليبذل الإنسان ما في قدرته ووسعه لإيصال الدين لصاحبه، حتى تبرأ ذمته، وإن استطاع الإنسان مع قضاء الدين أن يرده بأحسن منه، فذلك من فعل الرسول علية الصلاة والسلام، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنُ رجلًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم يتقاضاه، فأغلظ له، فهمَّ به أصحابه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (دعوه فإن لصاحب الحق مقالًا)، ثم قال: (أعطوه سنًا مثل سنة)، قالوا: يا رسول الله، إلا أمثل من سنِّه، فقال: (أعطوه فإن من خيركم أحسنكم قضاءً)؛ [متفق عليه].
وعن جابر رضي الله عنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد، وكان لي عليه دين فقضاني وزادني؛ [متفق عليه].
وليحذر الإنسان من تلاعب الشيطان به، فيُسوِّف في أداء الدين، أو لا يؤديه لصاحبه وهو قادر عليه، فلذلك خطورته، وقد وردت النصوص بالوعيد على ذلك، فعن ابن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (القتل في سبيل الله يُكفر كل خطيئة إلا الدَّين)؛ [أخرجه مسلم].
وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يُغفر للشهيد كل ذنبٍ إلا الدين)؛ [أخرجه مسلم]، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (نفس المؤمن مُعلقة بدينه حتى يقضى عنه)؛ [أخرجه الترمذي، وصححه الألباني في صحيح الجامع].
وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من مات وعليه دينار أو درهم، قُضي من حسناته ليس ثمَّ دينار ولا درهم)؛ [أخرجه ابن ماجه، وصححه الألباني برقم (6546) في صحيح الجامع].
وعن محمد بن جحش رضي الله عنه قال: كنا جلوسًا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرفع رأسه إلى السماء، ثم وضع راحته على جبهته، ثم قال: (سبحان الله ماذا نُزل من التشديد)، فسكتنا وفزِعنا، فلما كان من الغد سألته: يا رسول الله، ما هذا التشديد الذي نُزِّل؟ قال: (والذي نفسي بيده، لو أن رجلًا قُتل في سبيل الله، ثم أُحيي، ثم قُتل، ثم أُحيي، ثم قُتل وعليه دين، ما دخل الجنة حتى يُقضى عليه دينه)؛ [أخرجه النسائي، وحسنه الألباني برقم (3600) في صحيح الجامع].
ومن استدان فسوف يُعينه الله عز وجل على أداء دينه إذا حرِص على أمور؛ منها:
أن يأخذ الدين وفي نيته أنه سوف يؤديه لصاحبه:
عن أم المؤمنين ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أخذ دينًا وهو يريد أن يؤدِّيَه، أعانه الله عز وجل)؛ [أخرجه النسائي، وصححه الألباني برقم (1029) في الصحيحة]، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدَّى الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله)؛ [أخرجه البخاري]، وعن عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من كان عليه دين ينوي أداءَه كان معه من الله عون، وسبَّب الله له رزقًا)؛ [أخرجه الطبراني في الأوسط، وصححه الألباني برقم ( 2822) في الصحيحة].
فالرجل من بني إسرائيل الذي سأل بعض بني إسرائيل بأن يسلفه ألف دينار، فدفعها إليه، وكان بينهما البحر، فلما أراد أن يردَّ الدين له، خرج في البحر، فلم يجد مركبًا، فأخذ خشبة فنقَرها فأدخل فيها ألف دينار، فرمى بها في البحر، فخرج الرجل الذي كان أسلفه، فإذا الخشبة فأخذها لأهله خطبًا، فلما نشرها وجد المال.
قال الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن صالح الدهش: حفظ الله تعالى خشبة ذلك الرجل حتى وصلت إلى الرجل في الجانب الثاني...
فسهل الله تعالى لهذا لما كان صادقًا في نيته، وهذا هو الذي ينبغي للإنسان أن يكون صادقًا في نيته، عازمًا على الوفاء بما التزم به، وسييسر الله تعالى هذا...
والعبد إذا صدق مع الله عز وجل، فإن الله تعالى يهيئ له أسبابًا غير اعتيادية على خلاف العادة، فاصدُق الله يَصْدُقْك.
ألا يأخذ الدين في أمر يكره الله عز وجل:
عن عبدالله بن جعفر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله تعالى مع الدائن حتى يقضي دينه، ما لم يكن دينه فيما يكره الله)؛ [أخرجه ابن ماجه، وصححه الألباني برقم (1825) في صحيح الجامع]، فليحرص الإنسان أن يكون دينه في شيء لا يكره الله عز وجل، كنفقة الأهل والعيال، ونحوها.
ألا يكون الدين بربا، فالربا حرب على الله عز وجل ورسوله:
قال الله عز وجل: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 278، 279]، فالربا ليس بالأمر الهين، فهو محاربة لله عز وجل ولرسوله علية الصلاة والسلام، فالحذر ثم الحذر من الاستدانة بالربا، فلن يبارك الله فيه، وشيء لم يبارك الله فيه، كيف ينتظر العبد من الله عز وجل أن يعينه على أدائه؟!
أن يحرص على الدعاء بالأدعية النبوية في ذلك:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ من الجبن والبخل، وأعوذ من غلبة الدين وقهر الرجال)؛ [متفق عليه].
عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا أعلِّمك كلمات، لو كان عليك مثل جبل صبيرٍ دينًا أداءه الله عنك؟ قل: اللهم اكفني بحلالك عن حرامك، وأغنني بفضلك عمن سواك)؛ [أخرجه الترمذي، وحسنه الألباني برقم (2626) في صحيح الجامع].
ومن أدعية النوم حديث سهيل رضي الله عنه كان رسول الله يأمرنا إذا أراد أحدنا أن ينام أن يضطجع على شقه الأيمن، ثم يقول: (اللهم رب السماوات ورب الأرض ورب العرش العظيم....)، وفي آخره: (اقضٍ عنا الدين وأغننا من الفقر)؛ [أخرجه مسلم].
وفي الختام كلمة للدائنين أن يرفقوا بمن اضطرتهم الكروب والبلايا أن يقترضوا منهم، وذلك بالعفو عنهم عن كامل الدين، أو بعضه، أو إنظارهم، ففي ذلك الأجر العظيم، والثواب الكبير من الله الكريم، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كان رجل يُداينُ الناس، فكان يقول لفتاه: إذا أتيت مُعسرًا فتجاوز عنه، لعلَّ الله أن يتجاوز عنَّا، فلقي الله، فتجاوز عنه)؛ [متفق عليه]، وعن أبي اليسر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أنظر معسرًا، أو وضع عنه، أظلَّه الله في ظله)؛ [أخرجه الإمام مسلم]، قال سماحة العلامة ابن باز رحمه الله: فإنظار المعسرين والتيسير عليهم مما يحبه الله عز وجل، ويجب الإنظار إذا أعسر؛ لقوله جل وعلا: ﴿ وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ ﴾ [البقرة:280]، فالإنظار متعين والصدقة مستحبة إذا وضع عنه بعض الشيء أو سامحه الدين كله، هذا صدقة مأجور صاحبها.
عن بريدة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من أنظر معسرًا فله بكل يوم مثله صدقه قبل أن يحلَّ الدين، فإذا حلَّ الدَّين فأنظره، فله بكل يوم مثلاه صدقه)؛ [أخرجه ابن ماجه، وصححه الألباني].