شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صفة الصلاة - حديث 298-303


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.

أما بعد:

عندنا في هذه الليلة الأحاديث المتعلقة بالجهر بـ (بسم الله الرحمن الرحيم) في الصلاة.

الحديث الأول: حديث أنس : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر كانوا يفتتحون الصلاة بـ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2] ) قال المصنف: متفق عليه.

تخريج الحديث

فالحديث رواه البخاري في صحيحه، كتاب الأذان، باب ما يقول بعد التكبير.

ورواه أيضاً مسلم في صحيحه، كتاب الصلاة، باب حجة من قال: لا يجهر بالبسملة، وزاد مسلم في صحيحه : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وعثمان -فزاد قوله: وعثمان - كانوا يفتتحون الصلاة بـ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2] ) ورواه أيضاً النسائي وأحمد وابن خزيمة في صحيحه .. وغيرهم.

شواهد الحديث

ولهذا الحديث شواهد في أنهم كانوا يستفتحون الصلاة بـ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2]، فمن شواهده:

حديث عبد الله بن مغفل رضي الله عنه، فقد روى ابن عبد الله بن مغفل : ( أنه صلى فجهر بـ (بسم الله الرحمن الرحيم)، فلما فرغ من صلاته قال له أبوه -وأبوه هو عبد الله بن مغفل

الصحابي الجليل- قال له: يا بني! إياك والحدث في الدين، فإني صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر

وعمر

، فلم يكونوا يجهرون بـ (بسم الله الرحمن الرحيم)، ولم يكن أحد أبغض إليه الحدث في الدين منه
) يعني: من عبد الله بن مغفل رضي الله عنه وأرضاه.

وحديث عبد الله بن مغفل رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه، وقال الترمذي في صحيحه : هذا حديث حسن، والعمل عليه عند أكثر أهل العلم من الصحابة ومن بعدهم، أنهم لا يجهرون بـ (بسم الله الرحمن الرحيم). هكذا قال الترمذي .

وفي حديث عبد الله بن مغفل هذا جهالة، كما ذكره بعض أهل العلم، فإن ابن عبد الله الذي روى عن أبيه مجهول، ابن عبد الله بن مغفل مجهول، وسيأتي كلام آخر عن الحديث في ذكر الأدلة .

كما أن من شواهد حديث الباب حديث أنس : حديث ابن مسعود بنحو حديث الباب، وقد ذكره أبو بكر الرازي المشهور بـالجصاص في تفسيره، وذكر صاحب نصب الراية الزيلعي : أن الحديث سنده ضعيف، وفيه انقطاع .

فهذه بعض شواهد حديث أنس .

روايات أخرى للحديث وتخريجها

قال المصنف: زاد مسلم : ( لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول القراءة ولا في آخرها ) وهذا اللفظ ذكره مسلم في الموضع السابق أيضاً، في كتاب الصلاة، باب حجة من قال: لا يجهر بـ (بسم الله الرحمن الرحيم)، ويبدو للإنسان غير المتأمل أن هذه الرواية عند مسلم قد يبدو له أنها معلقة؛ لأن مسلماً رحمه الله ساق هذه الرواية، قال: وعن قتادة أنه كتب إليه يخبره عن أنس : ( أنهم كانوا لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول القراءة ولا في آخرها ) فقد يظن البعض أن مسلماً رواه معلقاً؛ لأنه قال: (وعن قتادة ).

والصواب كما ذكر أبو علي الغساني والنووي .. وغيرهما: أن الرواية موصولة؛ لأن مسلماً ذكر قبلها رواية أخرى عن الأوزاعي عن قتادة عن عبدة بن أبي لبابة عن عمر: (أنه كان يستفتح بقوله: سبحانك اللهم وبحمدك..) كما سبق ذكرها، وأنها رواية منقطعة، ثم قال مسلم : وعن قتادة . يعني: وذكر الأوزاعي أو روى الأوزاعي بالسند السابق عن قتادة .. إلى آخر الإسناد، فالصواب أنه متصل، وأن هذا من دقة الإمام مسلم رحمه الله، فإنه أدى الحديث كما سمعه، سمع الحديث، ذكر -أولاً- حديث الاستفتاح من طريق الأوزاعي عن قتادة عن عبدة، ثم سمع منه بعد ذلك حديث: ( لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول القراءة ولا في آخرها ) بهذه الطريقة، فرواها كما سمعها، وهذا من دقته وتحريه رحمه الله تعالى في الراوية، فإنه يذكر الراوية كما سمعها دون أي تصرف.

ولحديث أنس هذا حديث الباب سبعة ألفاظ كما ذكر الزيلعي، له سبعة ألفاظ تدور كلها حول معنى واحد ويصدق بعضها بعضاً.

قال المصنف: وفي رواية لـأحمد والنسائي وابن خزيمة : ( لا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم ) هذه الرواية رواها الإمام أحمد في صحيحه، ورواها أيضاً النسائي في سننه، كتاب الافتتاح، باب ترك الجهر بـ(بسم الله الرحمن الرحيم)، ورواها ابن خزيمة أيضاً في صحيحه، باب ذكر الدليل على أن أنساً رضي الله عنه أراد بقوله: (لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم) أنه لم يسمع أحداً منهم يقرأ جهراً بها، وأنهم كان يسرون بـ(بسم الله الرحمن الرحيم).

قال المصنف في أخرى لـابن خزيمة : (كانوا يسرون) يعني: بدلاً من قوله: (كانوا لا يجهرون) قال ابن خزيمة : ( كانوا يسرون )، وهذه الرواية ذكرها ابن خزيمة أيضاً في الموضع السابق المشار إليه.

قال المصنف: وعلى هذا يحمل النفي في رواية مسلم خلافاً لمن أعلها، يعني: أن مسلماً في روايته قال: (لا يذكرن بسم الله الرحمن الرحيم في أول القراءة ولا في آخرها) فقوله: (لا يذكرون) ليس المعنى لا يقرءون، بل هم يقرءون بسم الله الرحمن الرحيم، ولكنهم يسرون بها كما صرح به في رواية ابن خزيمة، حيث إنها مفسرة، قالوا: (كانوا يسرون)، فهي مفسرة للفظ المجمل أو المبهم في رواية مسلم، وقد ذكر ابن خزيمة رحمه الله عقب ما ساق هذه الرؤية كلاماً نحواً مما ذكره المصنف هنا، فالمصنف هنا قال: وعلى هذا يحمل النفي في رواية مسلم خلافاً لمن أعلها، ابن خزيمة ذكر كلاماً قريباً من هذا، يعني: أن رواية: (يسرون) تفسر قوله: (لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم).

وقول المصنف هنا: (خلافاً لمن أعلها) أشار رحمه الله في فتح الباري أن بعض أهل العلم أعلوا هذه الرواية رواية، مسلم في قوله: (كانوا لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم) وإنما أعلوها بأن الأوزاعي رحمه الله رواها مكاتبة، والمكاتبة لا يحتج بها عند بعض أهل العلم، فأعلوا هذا الحديث بذلك، وهذا فيه نظر من وجوه:

أولاً: أن الصحيح أن المكاتبة هي أحد طرق التلقي والأخذ، وأنه يحتج بها، وقد احتج بها جماعة كبيرة من أئمة الحديث: منهم: إسحاق بن راهويه .. وغيره، واحتجوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى كسرى وإلى قيصر وإلى النجاشي وإلى المقوقس، وإلى كل جبار يدعوهم إلى الله عز وجل، وكانت هذه حجة عليهم عند الله تعالى، وقامت عليهم الحجة بذلك، فالمكاتبة متى صحت وثبت الكتاب فهي حجة، وهي إحدى طرق التلقي، هذا من وجه.

ومن وجه آخر فإن هذا الحديث له طرق أخرى عن قتادة، لم ينفرد به الأوزاعي، فقد رواه عن قتادة جماعة منهم: شعبة، كما في مسند أبي يعلى ومسند السراج، فإنهما قد رويا هذا الحديث من طريق شعبة عن قتادة بلفظ: ( كانوا لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول القراءة، ولا في آخرها ) فبناء على ذلك، فإن الحديث صحيح، وروايته ليست معلة.

حكم الجهر بـ(بسم الله الرحمن الرحيم) قبل قراءة الفاتحة وأقوال العلماء فيه

في هذه الأحاديث وما بعدها أيضاً مسألة فقهية: وهي مسألة الجهر بـ(بسم الله الرحمن الرحيم)، يعني: في الصلاة الجهرية، هل يشرع للإمام أن يقول: بسم الله الرحمن الرحيم قبل قراءة الفاتحة، أو لا يشرع له ذلك، بل يشرع له أن يسر بها؟

وينبغي أن يعلم أن هذه المسألة غير مسألة هل: (بسم الله) آية من القرآن أو ليست آية؟ آية من الفاتحة أو ليست آية؟ لا، الكلام الآن في مسألة: هل يشرع لك إذا كنت في صلاة جهرية وأنت إمام مثلاً أن تقول: بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ * الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:1-2]، أو أن تسر بالبسملة ثم تبدأ بقولك: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2]؟

وهذه أيضاً مسألة كبيرة صنف فيها جماعة كبيرة من أهل العلم كتباً، فممن صنف فيها محمد بن نصر المروزي الإمام الجليل المحدث، وممن صنف فيها أيضاً ابن خزيمة، كما ذكر ذلك في صحيحه في غير موضع، وأحال إلى كتاب كبير صنفه في هذه المسألة، كما صنف فيها أيضاً ابن حبان والدارقطني والحاكم والبيهقي وابن عبد البر وغيرهم.

وفي المسألة قولان:

القول الأول: مشروعية الجهر بـ(بسم الله الرحمن الرحيم) قبل قراءة الفاتحة وأدلته

القول الأول: أنه يستحب للإمام أن يجهر بـ(بسم الله الرحمن الرحيم) من الفاتحة، وهذا القول ذكر بعض المصنفين -كمن أسلفت ذكرهم- أنه قول أكثر أهل العلم، ونسبوه لجماعة كثيرة من الصحابة، منهم الخلفاء الأربعة: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم، وذكر الخطيب البغدادي أيضاً: أنه منسوب لـعمار، وأبي بن كعب، وابن عمر، وابن عباس، وأبي قتادة، وأبي سعيد الخدري، وأبي هريرة، وعبد الله بن أبي أوفى، وشداد بن أوس، والحسين بن علي، ومعاوية بن أبي سفيان .. وجماعة من المهاجرين والأنصار، كانوا بـالمدينة، وصلوا خلف معاوية رضي الله عنه، فلم يجهر بـ(بسم الله الرحمن الرحيم)، فلما انصرف من صلاته، قالوا: يا معاوية ! أسرقت الصلاة أم نسيت؟ وأنكروا عليه، فصلى بهم بعد ذلك، فجهر بـ(بسم الله الرحمن الرحيم)، ولهذا نسب هذا القول إلى معاوية رضي الله عنه، وجماعة المهاجرين والأنصار المقيمين بـالمدينة، والذين صلوا وراءه.

كما أنه منسوب لجماعة كثيرة من التابعين ومن بعدهم، كـسعيد بن المسيب، وطاوس، وعطاء، ومجاهد، وأبي وائل، وسعيد بن جبير، وابن سيرين، وعكرمة، وسالم بن عبد الله بن عمر، ومحمد بن المنكدر، وعمر بن عبد العزيز، ومكحول، والزهري .. وغيرهم، وهو مذهب جماعة من الأئمة المتبوعين، كـالليث بن سعد، وإسحاق، وعبد الله بن المبارك، وأبي ثور، والشافعي، وهو أيضاً منسوب إلى القراء السبعة، معروف أن هناك سبعة قراء معروفين، فهؤلاء القراء السبعة منهم من لم ينقل عنه إلا الجهر فقط، ومنهم من نقل عنه الجهر والإسرار، وليس منهم من نقل الإسرار فحسب، هؤلاء القراء السبعة.

فهو مذهب جمهور الصحابة والتابعين والفقهاء والقراء، كما ذكر ذلك الإمام النووي في المجموع، وذكره الخطيب البغدادي .. وغيرهما.

من أدلة هؤلاء على مشروعية الجهر بـ(بسم الله الرحمن الرحيم) أولاً: قوله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح عن أبي هريرة : ( في كل صلاة قراءة، قال أبو هريرة : فما أسمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أسمعناكم، وما أخفى عنا أخفيناه عنكم ) هذا ومن المعروف المشهور أن مذهب أبي هريرة رضي الله عنه هو الجهر بـ(بسم الله الرحمن الرحيم)، قالوا: فكونه جهر بـ(بسم الله الرحمن الرحيم) دليل على أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يجهر بها، فجهر؛ لأنه قال: (فما أسمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أسمعناكم، وما أخفى علينا أخفيناه عنكم).

قالوا: ومما يزيد هذا الأمر وضوحاً حديث نعيم المجمر وهو حديث الباب، عن نعيم المجمر قال: [ صليت وراء أبي هريرة رضي الله عنه فقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم ] قالوا: دليل على أن نعيم المجمر قد سمعها من أبي هريرة رضي الله عنه.

قال: [ فقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم، قال: ثم قرأ بأم القرآن وساوى بينهما ] دل على أنه جهر بالبسملة.. إلى آخر الحديث، والحديث ذكر المصنف أنه رواه النسائي وابن خزيمة .

وأقول أيضاً تعليقاً على هذا الحديث: أنه رواه أيضاً ابن حبان، ورواه الدارقطني في سننه، وقال: هذا حديث صحيح، رواته كلهم ثقات، ورواه أيضاً الحاكم في مستدركه، وقال: هذا حديث صحيح على شرط البخاري ومسلم، ورواه البيهقي وقال: رواته كلهم ثقات، مجمع على عدالتهم، محتج بهم في الصحيح، وقال في سننه : إسناده صحيح.

فهذا التخريج ينقل عند حديث نعيم المجمر، حتى لا نحتاج إلى الرجوع إليه مرة أخرى في نهاية هذا الدرس، ينقل هذا التخريج أيضاً إلى حديث نعيم المجمر، فهو أحد أدلتهم على مشروعية الجهر بـ(بسم الله الرحمن الرحيم)، ولذلك ساقه المصنف رحمه الله؛ لأنه ساق أدلة من لا يرون الجهر، وهو حديث أنس، ثم ساق أدلة من يرون الجهر وأولها حديث نعيم المجمر قال: [ صليت وراء أبي هريرة رضي الله عنه، فقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم، ثم قرأ بأم القرآن ] ووجه الدلالة من الحديث ظاهر كما سلف.

والحديث كما هو ظاهر من أقوال أهل العلم أن سنده صحيح، وليس له علة.

هذا الدليل الأول: أن أبا هريرة جهر بـ(بسم الله الرحمن الرحيم)، وقد قال كما في الصحيح: ( في كل صلاة قراءة، فما أسمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أسمعناكم، وما أخفى عنا أخفيناه عنكم ).

الدليل الثاني: حديث أم سلمة : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقطع قراءته يقول: بسم الله الرحمن الرحيم، ثم يسكت الحمد لله رب العالمين... ) .. إلى آخر الحديث. وحديث أم سلمة بهذا اللفظ بذكر بسم الله الرحمن الرحيم، رواه الحاكم في مستدركه، وقال: صحيح على شرط البخاري ومسلم، ورواه أيضاً ابن خزيمة في صحيحه، والدارقطني في سننه، وقال: رجاله كلهم ثقات، وإسناده صحيح.

هذا حديث أم سلمة : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقطع قراءته، بسم الله الرحمن الرحيم، ثم يسكت: الحمد لله رب العالمين .. ) إلى آخر القراءة.

الدليل الثالث: حديث ابن عباس رضي الله عنه قال: ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يجهر بـ(بسم الله الرحمن الرحيم) ) وهذا الحديث حديث ابن عباس رواه الحاكم في مستدركه، وقال: إسناده صحيح، وليست له علة، ورواه الدارقطني أيضاً في سننه، ونقل بعضهم عن الدارقطني أنه قال: إسناده صحيح، وليس في رواته مجروح، ولعل هذا في الكتاب الخاص الذي صنفه الدارقطني في هذه المسألة، والله تعالى أعلم.

وقد نقل بعضهم عن الدارقطني أنه قال: لا يصح في الجهر بـ(بسم الله الرحمن الرحيم) حديث. نقل أكثر من واحد، وذكرها صاحب المغني وغيره، وهذه الكلمة عن الدارقطني مشكلة، فإنه قد صح عن الدارقطني رحمه الله تصحيح أكثر من حديث، في الجهر بـ(بسم الله الرحمن الرحيم) منها ما ذكرناه الآن.

الدليل الرابع لهم على الجهر بـ(بسم الله الرحمن الرحيم): ما رواه الشافعي عن أنس قال: [ صلى معاوية يوماً بـالمدينة فلم يجهر بـ(بسم الله الرحمن الرحيم) في الفاتحة، وجهر بها في السورة التي بعدها، فلما صلى قال له من وراءه: يا معاوية ! أنسيت أم سرقت؟ فلما صلى بعد ذلك جهر بـ(بسم الله الرحمن الرحيم) في الفاتحة وجهر بـ(بسم الله الرحمن الرحيم) في السورة التي بعدها ] وهذا الحديث رواه الدارقطني وقال: رجاله ثقات. ورواه الحاكم أيضاً وقال: إسناده صحيح على شرط مسلم .

وفي رواية للدارقطني : [ أن معاوية لم يجهر بـ(بسم الله الرحمن الرحيم) في الفاتحة، ثم جهر بها بعد ذلك ].

الدليل الخامس: ما رواه الدارقطني أيضاً بإسناد قال عنه: إنه صالح، ورواه الحاكم بإسناد رواته ثقات، كما يقول الحاكم عن أنس رضي الله عنه: ( أن النبي صلى الله علية وسلم كان يجهر بـ(بسم الله الرحمن الرحيم) ) .

الدليل السادس: ما ذكره المصنف هاهنا عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إذا قرأتم الفاتحة فاقرءوا: بسم الله الرحمن الرحيم؛ فإنها إحدى آياتها ) قال المصنف: رواه الدارقطني وصوب وقفه، يعني: ذكر أن الصواب أن الحديث موقوف على أبي هريرة، وليس من قول النبي صلى الله عليه وسلم.

والحديث كما ذكر المصنف رواه الدارقطني في سننه، باب وجوب قراءة الفاتحة في الصلاة، والجهر بـ(بسم الله الرحمن الرحيم) والخلاف في ذلك، وبعدما ساق الدارقطني وهذه الرواية ذكر عن أبي بكر الحنفي أحد رواة الحديث، قال: فلقيت نوحاً -أحد رواة الحديث أيضاً وهو شيخه، يعني ابن أبي بلال -، فحدثني عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة بمثله ولم يرفعه. يعني: أن نوحاً رواه عن سعيد المقبري عن أبي هريرة من قوله، وليس مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

هذه أهم أدلة القائلين بأنه يستحب الجهر بـ(بسم الله الرحمن الرحيم).

القول الثاني: عدم استحباب الجهر بـ(بسم الله الرحمن الرحيم) قبل قراءة الفاتحة وأدلته

القول الثاني: أنه لا يستحب الجهر بها، بل يستحب أن يسر الإنسان بها، وهذا ذكره جماعة من أهل العلم عن الجمهور، كما ذكر الترمذي فيما ذكرته قبل قليل أنه قال: وعليه العمل عند أكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، وقد عزاه ابن المنذر وابن عبد البر وغيرهما لجماعة كثيرة من الصحابة.. وغيرهم، فهذا القول نسبه بعضهم للأربعة: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وابن مسعود، وعمار، وابن الزبير .. وغيرهم، فيكون في نسبة القول للخلفاء الأربعة خلاف؛ لأن منهم من نسب إليهم الإسرار، ومنهم من نسب إليهم الجهر، كما أنه مذهب الأوزاعي، وابن المبارك، و

استمع المزيد من الشيخ سلمان العودة - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح بلوغ المرام - كتاب الطهارة - باب الوضوء - حديث 38-40 4784 استماع
شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صلاة الجماعة والإمامة - حديث 442 4394 استماع
شرح بلوغ المرام - كتاب الطهارة - باب الوضوء - حديث 57-62 4213 استماع
شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صفة الصلاة - حديث 282-285 4095 استماع
شرح بلوغ المرام - كتاب الحج - باب فضله وبيان من فرض عليه - حديث 727-728 4047 استماع
شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صلاة التطوع - حديث 405-408 4021 استماع
شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صفة الصلاة - حديث 313-316 3974 استماع
شرح بلوغ المرام - كتاب الطهارة - باب الوضوء - حديث 36 3917 استماع
شرح بلوغ المرام - كتاب الطهارة - باب المياه - حديث 2-4 3900 استماع
شرح بلوغ المرام - كتاب الحج - باب فضله وبيان من فرض عليه - حديث 734-739 3879 استماع