شرح كتاب التوحيد [4]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولهما في حديث عتبان : ( فإن الله حرم على النار من قال: لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله ).

وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( قال موسى: يا رب، علمني شيئاً أذكرك وأدعوك به. قال: قل يا موسى: لا إله إلا الله. قال: يا رب، كل عبادك يقولون هذا. قال: يا موسى، لو أن السموات السبع وعامرهن غيري والأرضين السبع في كفة ولا إله إلا الله في كفة مالت بهن لا إله إلا الله ). رواه ابن حبان والحاكم وصححه.

و للترمذي -وحسنه- عن أنس رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( قال الله تعالى: يا ابن آدم، لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة )].

تقدم لنا حديث عبادة بن الصامت في فضل التوحيد وما ترجم له المؤلف من فضل التوحيد.

ثم قال: (ولهما). أي: البخاري ومسلم في صحيحيهما, (في حديث عتبان ), يعني: عتبان بن مالك الأنصاري رضي الله تعالى عنه, مات في خلافة معاوية رضي الله تعالى عنه.

(فإن الله حرم). يعني: منع (على النار من قال: لا اله إلا الله). النار: هي الدار التي أعدها الله لأعدائه في الآخرة.

(من قال: لا إله إلا الله) تقدم.

(يبتغي). يعني: يقصد (بذلك وجه الله). يعني: قال هذه الكلمة العظيمة مخلصاً لله عز وجل, لا يقصد رياء ولا سمعة ولا عرضاً من أعراض الدنيا الفانية.

وجه الاستشهاد من هذا الحديث: أن هذا الحديث فيه فضل التوحيد, فإن من قال لا إله إلا الله مخلصاً من قلبه فإن الله عز وجل حرم عليه دخول النار.

أقسام منع دخول النار بالنسبة للموحدين

ودخول النار بالنسبة للموحدين ينقسم إلى قسمين:

القسم الأول: عدم دخولها بالكلية: يعني: من الموحدين من لا يدخل النار بالكلية -أسأل الله عز وجل أن يجعلني وإياكم ممن لا يدخلها-. فالقسم الأول: منع كلي من النار, وذلك بأن يموت على التوحيد ولا يموت على شيء من الكبائر.

القسم الثاني: منع من دخول النار مقيد وليس منعاً كلياً, بأن يدخل النار ثم بعد ذلك يخرج منها, كما لو مات على شيء من كبائر الذنوب والمعاصي أو البدع أو الشرك الأصغر ونحو ذلك, فهذا تحت مشيئة الله وإرادته، إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له, مع أنه سيأتينا أن الشرك الأصغر من العلماء من يرى أنه لا بد أن يعذب بالنار إذا مات عليه قبل أن يتوب.

فأصبح منع دخول النار بالنسبة للموحدين ينقسم إلى قسمين:

منع كلي: وذلك إذا مات ولم يكن على شيء من كبائر الذنوب أو البدع أو الشرك.

ومنع جزئي: إذا كان عنده شيء من الشرك الأصغر أو البدع أو كبائر ذنوب, هذا تحت المشيئة إن شاء الله عز وجل أن يغفر له، وإن شاء أن يعذبه بقدر جنايته.

ذكر بعض فوائد الحديث

وأيضاً في هذا الحديث قوله: ( فإن الله حرم على النار من قال ) أنه لا بد من النطق باللسان, وأنه لا يكفي اعتقاد الجنان, وهذا هو الإيمان عند أهل السنة والجماعة, قول باللسان واعتقاد بالجنان وعمل بالأركان.

وفي هذا أيضاً أن هذه الكلمة العظيمة -لا إله إلا الله- لا تنفع قائلها إلا إذا قالها مخلصاً لله عز وجل, أما إذا قالها غير مخلص فإنها لا تنفعه.

وفي هذا أيضاً إثبات صفة الوجه لله عز وجل.

شرح حديث موسى: (يا رب، علمني شيئاً أذكرك وأدعوك به .. )

قال رحمه الله: (وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( قال موسى عليه السلام: يا رب! علمني شيئا أذكرك وأدعوك به ). أذكرك يعني: أثني عليك وأحمدك به. وأدعوك يعني: أتوسل به إذا دعوتك.

( قال: قل يا موسى: لا إله إلا الله. قال: يا رب، كل عبادك يقولون هذا. قال: يا موسى، لو أن السموات السبع وعامرهن غيري ), يعني: قوله: ( وعامرهن غيري ). يعني: من فيهن من العمار غير الله.

( والأرضين السبع في كفة ولا إله إلا الله في كفة ). يعني: وضعت هذه السماوات السبع وكذلك أيضاً ما فيهن من العمار إلا الله عز وجل, السماوات السبع وعمارهن إلا الله, والأرضين أيضًا السبع وما فيهن من العمار في كفة, ولا إله إلا الله في كفة قال: ( مالت بهن لا إله إلا الله ). رجحت بهن لا إله إلا الله، وهذا يدل على عظم هذه الكلمة العظيمة.

ولا شك أن هذه الكلمة العظيمة هي كلمة التوحيد, وهي أوجب الواجبات, وهي التي من أجلها أرسلت الرسل، وأنزلت الكتب, وقام الصراع بين الحق والباطل.

وهذا الحديث صححه الحاكم وغيره، وفيه ضعف.

وجه الاستشهاد من هذا الحديث لما ترجم به المؤلف من فضل التوحيد: فضل هذه الكلمة العظيمة, وأن الله سبحانه وتعالى أرشد موسى لكي يذكره ويدعوه بهذه الكلمة العظيمة, فهو يثني على الله بهذه الكلمة العظيمة, وأيضاً يتوسل إلى الله عز وجل في دعائه بهذه الكلمة العظيمة.

وفي هذا فضل التوحيد, ففيه دلالة لما ترجم به المؤلف رحمه الله تعالى, وأن هذه الكلمة العظيمة - يعني: التوحيد- ترجح بالسماوات ومن فيهن من العمار إلا الله, وترجح أيضاً بالأرضين وما فيهن أيضاً من العمار, وكذلك أيضاً من فضل التوحيد أن الله سبحانه وتعالى أرشد موسى إليه.

شرح حديث: لو أتيتني بقراب الأرض خطايا

قال رحمه الله: (و للترمذي -وحسنه- عن أنس رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( قال الله تعالى: يا ابن آدم، لو أتيتني بقراب الأرض ). قراب الأرض: ملؤها أو ما يقارب ملأها.

( خطايا ). جمع خطيئة, وهي الذنب.

( ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة ). المغفرة في اللغة: الستر. وأما في الاصطلاح: فهي تجاوز الله عز وجل عن الخطايا والذنوب.

في هذا الحديث فضل التوحيد, وهو مناسب لما ترجم به المؤلف رحمه الله تعالى, فإن الإنسان إذا جاء ولقي الله عز وجل وهو لا يشرك بالله عز وجل شيئاً فإنه يعطيه ما يقارب ملء الأرض مغفرة، مع أنه أتى بما يقارب ملء الأرض من الذنوب, ومع ذلك ما دام أنه لم يشرك بالله عز وجل آتاه الله ما يقارب ملء الأرض من المغفرة, وفي هذا فضل التوحيد, وهو ما ترجم به المؤلف رحمه الله تعالى.

ودخول النار بالنسبة للموحدين ينقسم إلى قسمين:

القسم الأول: عدم دخولها بالكلية: يعني: من الموحدين من لا يدخل النار بالكلية -أسأل الله عز وجل أن يجعلني وإياكم ممن لا يدخلها-. فالقسم الأول: منع كلي من النار, وذلك بأن يموت على التوحيد ولا يموت على شيء من الكبائر.

القسم الثاني: منع من دخول النار مقيد وليس منعاً كلياً, بأن يدخل النار ثم بعد ذلك يخرج منها, كما لو مات على شيء من كبائر الذنوب والمعاصي أو البدع أو الشرك الأصغر ونحو ذلك, فهذا تحت مشيئة الله وإرادته، إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له, مع أنه سيأتينا أن الشرك الأصغر من العلماء من يرى أنه لا بد أن يعذب بالنار إذا مات عليه قبل أن يتوب.

فأصبح منع دخول النار بالنسبة للموحدين ينقسم إلى قسمين:

منع كلي: وذلك إذا مات ولم يكن على شيء من كبائر الذنوب أو البدع أو الشرك.

ومنع جزئي: إذا كان عنده شيء من الشرك الأصغر أو البدع أو كبائر ذنوب, هذا تحت المشيئة إن شاء الله عز وجل أن يغفر له، وإن شاء أن يعذبه بقدر جنايته.