شرح القواعد النورانية الفقهية [5]


الحلقة مفرغة

قال المؤلف رحمه الله: [وأما إذا ابتدءوا الصلاة بالمواقيت ففقهاء الحديث قد استعلموا في هذا الباب جميع النصوص الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم في أوقات الجواز وأوقات الاختيار.. إلخ].

قوله: وقت الفجر: من طلوع الفجر الصادق إلى طلوع الشمس, ووقت الظهر: من الزوال إلى مصير ظل كل شيء مثله, دون اشتراك, وهذا ما عليه أكثر العلماء خلافاً للحنفية, فإن الحنفية يرون أن وقت الظهر يستمر إلى أن يصير ظل كل شيء مثليه, والمالكية يرون أن هناك وقتاً مشتركاً قدر أربع ركعات بين الظهر والعصر, يعني إذا صار ظل كل شيء مثله فهناك وقت مشترك بين الظهر والعصر بمقدار أربع ركعات, والصواب في ذلك: أنه لا اشتراك, وأن وقت الظهر يمتد إلى أن يصير ظل كل شيء مثله كما جاء في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنه.

ووقت العشاء: إلى منتصف الليل، وهذا دل عليه حديث عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما خلافاً للمشهور من مذهب الإمام أحمد ، وعند الفقهاء يرون أنه لا يستمر إلى نصف الليل بل يستمر إلى ما بعد نصف الليل, فالإمام أحمد يقول: وقت الاختيار إلى ثلث الليل، ثم بعد ذلك وقت ضرورة إلى طلوع الفجر.

والحنفية يرون أنه إلى نصف الليل وقت اختيار, ثم وقت ضرورة إلى طلوع الفجر, والصواب ما ذهب إليه ابن حزم وذكره الشيخ: أنه إلى نصف الليل، وأنه ليس هناك وقت اختيار.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وهذا بعينه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه عن عبد الله بن عمرو .. إلخ].

هذا حديث عبد الله بن عمرو, وهو أصح أحاديث المواقيت, وهو حديث قولي, وصح معناه من فعل النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة, يعني أن العلماء يرجحون حديث عبد الله بن عمرو على حديث جابر في إمامة جبريل بالنبي صلى الله عليه وسلم في بيان المواقيت.

أولاً: من حيث الصحة حديث عبد الله بن عمرو أصح فهو في صحيح مسلم , بخلاف إمامة جبريل بالنبي صلى الله عليه وسلم فإن الشيخين لم يخرجاه.

وثانياً: أن حديث عبد الله بن عمرو بخلاف إمامة جبريل بالنبي يصلى الله عليه وسلم فإنه في مكة.

وثالثاً: أن حديث عبد الله بن عمرو حديث قولي, بخلاف إمامة جبريل بالنبي صلى الله عليه وسلم في بيان المواقيت, فإنما هو فعلي, فالقول مقدم على الفعل, فيترجح حديث عبد الله بن عمرو على إمامة جبريل بالنبي صلى الله عليه وسلم من هذه الأوجه الثلاثة, وحديث عبد الله بن عمرو ضبط مواقيت الصلاة, فإذا حفظه طالب العلم فإنه يضبط بذلك مواقيت الصلاة.

قال المؤلف رحمه الله: [ووقف المغرب إلى مغيب الشفق، ووقت العشاء إلى منتصف الليل على ظهر مذهب أحمد .. إلخ].

الحنابلة والحنفية يقولون: إن وقت المغرب يستمر إلى مغيب الشفق, لكن الحنفية يقولون: إنه الشفق الأبيض, والحنابلة يقولون: إنه الشفق الأحمر, أما بالنسبة للشافعية والمالكية, فإنهم يضيقون, فالشافعية يقولون: إنه بقدر الوضوء وستر العورة, والأذان والإقامة وخمس ركعات, هذا هو الوقت, والمالكية أيضاً كلامهم قريب من هذا فيضيقون في وقت المغرب، والحنفية كما تقدم يرون أن وقت الظهر لا ينتهي إلا إذا صار ظل كل شيء مثليه خلافاً لجمهور العلماء رحمهم الله, والصواب بالنسبة لمواقيت الصلاة ما دل عليه حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما, وهو الذي ذكره الشيخ رحمه الله تعالى في أول هذا الفصل.

وننبه على مسألة وهي: أن سائر الصلوات ليس لها وقت ضرورة إلا صلاة واحدة فقط, وهي العصر أما بقية الصلوات فإنه ليس لها وقت ضرورة, فصلاة العصر هي التي لها وقتان: وقت اختيار إلى اصفرار الشمس, ووقت ضرورة إلى مغيب الشمس, أما بقية الصلوات فإنه ليس لها إلا وقت واحد: وقت اختيار.

قال المؤلف رحمه الله: [وكذلك نقول بما جاءت به السنة والآثار من الجمع بين الصلاتين في السفر والمطر والمرض، كما في حديث المستحاضة وغير ذلك من الأعذار].

الجمع بين الصلاتين لا يخلو من أمرين: إما أن يكون في السفر وهذا ثابت بالإجماع, وإما أن يكون في الحضر فهذا يكون عند الحاجة من مرض ومطر كما ورد عن ابن عباس ، وعن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنهما كانا يجمعان للمطر، وفي حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع في المدينة من غير خوف ولا مطر.

وفي رواية من غير خوف ولا سفر, فقوله: من غير خوف ولا مطر يدخل في ذلك المرض.

قال المؤلف رحمه الله: [ونقول بما دل عليه الكتاب والسنة والآثار من أن الوقت وقتان: وقت اختيار وهو خمس مواقيت، ووقت اضطرار وهو ثلاث مواقيت. ولهذا أمر الصحابة كـعبد الرحمن بن عوف ، وابن عباس وغيرهما الحائض إذا طهرت قبل الغروب أن تصلي الظهر والعصر، وإذا طهرت قبل الفجر أن تصلي المغرب والعشاء.. إلخ].

ما أشار إليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في هذه المسألة بالنسبة للآثار عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم من أن الحائض إذا طهرت قبل الغروب أنها تصلي الظهر والعصر, وإذا طهرت قبل الفجر أنها تصلي العشاء والمغرب, فهذه الآثار كلها ضعيفة, لم يثبت منها شيء عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم, ولم يثبت في ذلك عن النبي عليه الصلاة والسلام شيء, فالصواب في هذه المسألة أن المرأة يجب عليها أن تقضي الصلاة التي طهرت في وقتها, وأما ماعدا ذلك فإنه لا يجب عليها, فإذا طهرت في وقت العشاء, فيجب عليها أن تقضي العشاء فقط, أما المغرب فقد مضت وهي حائض, وإذا طهرت في وقت العصر, فيجب عليها أن تقضي العصر, أما الظهر فإنه لا يجب عليها، والآثار الواردة في ذلك ضعيفة, وهذا مذهب أبي حنيفة رحمه الله.

وقوله: وقت اختيار وهو خمسة مواقيت, ووقت اضطرار وهو ثلاث مواقيت, الصواب في هذه المسألة كما ذكرنا أنه ليس هناك وقت اضطرار إلا للعصر, الفقهاء يقولون: العصر لها وقت اضطرار, والعشاء لها وقت اضطرار, والمالكية أيضاً يقولون: الفجر لها وقت اضطرار.

يقولون: وقت اختيار إلى الإسفار، ثم وقت اضطرار إلى طلوع الشمس, وهذا كله فيه نظر, والذي ثبت الدليل أن له وقت اضطرار هو: العصر, فالعصر هي التي لها وقتان, أما بقية الصلوات, فليس لها إلا وقت واحد فقط.

قال المؤلف رحمه الله: [فـأبو حنيفة يستحب التأخير إلا في المغرب، والشافعي يستحب التقديم مطلقاً حتى في العشاء على أحد القولين، وحتى في الحر إذا كانوا مجتمعين، وحديث أبي ذر الصحيح فيه أمر النبي صلى الله عليه وسلم لهم بالإبراد وكانوا مجتمعين].

أيضاً هذه المسألة فيها أصلان؛ فأصل الحنفية استحباب التأخير للصلاة, فالأصل عندهم التأخير, إلا في المغرب، وكذلك أيضاً إلا الظهر في الشتاء والربيع, فالأصل عندهم التأخير, فالفجر والعشاء يؤخرونهما, هذا هو الأصل عند الحنفية.

يقابل ذلك الشافعية, فالأصل عندهم التقديم, والقاعدة في ذلك التي دل عليها الدليل: أن الأصل في فعل الصلوات التقديم إلا صلاتين, فيستحب تقديم جميع الصلوات في أول وقتها إلا صلاتين: الصلاة الأولى: صلاة الظهر إذا اشتد الحر, فإنه يستحب أن يبرد بها إلى قرب العصر, والصلاة الثانية: صلاة العشاء، فإنه يستحب أن تؤخر إلى نصف الليل, ما لم تكن هناك مشقة, فإن كان هناك مشقة فإنه يراعى أحوال الناس, ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا اجتمعوا قدم وإذا تأخروا أخر.

قال المؤلف رحمه الله: [وأما الأذان الذي هو شعار الإسلام، فقد استعمل فقهاء الحديث كـأحمد فيه جميع سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستحسن أذان بلال وإقامته، وأذان أبي محذورة وإقامته.. إلخ].

هذه قاعدة فيما يتعلق بالأذان والإقامة, الأئمة رحمهم الله اختلفوا في تقديم أذان بلال أو تقديم أذان أبي محذورة ، فقد ورد أذان بلال وإقامته, وأذان أبي محذورة وإقامته.

فالإمام أحمد رحمه الله تعالى يختار أذان بلال رضي الله عنه وهو خمس عشرة جملة بلا ترجيع, ويختار أيضاً إقامة بلال , وإقامة بلال إفراد الإقامة مع تثنية التكبير في أوله وزيادة: قد قامت الصلاة, فالإمام أحمد يختار أذان بلال وإقامته.

وأبو حنيفة رحمه الله يختار أذان بلال وإقامة أبي محذورة, وإقامة أبي محذورة كأذان بلال مع زيادة قد قامت الصلاة, فتكون الجمل سبع عشرة.

ومذهب الشافعي رحمه الله يختار أذان أبي محذورة مع إقامة بلال, أذان أبي محذورة كأذان بلال إلا أن فيه ترجيع الشهادتين فتكون الجمل تسع عشرة جملة مع الترديد: ترديد الشهادتين سراً، ثم بعد ذلك الرجوع ورفع الصوت بهما.

والإمام مالك قوله في هذه المسألة هو أضعف الأقوال, فالإمام مالك رحمه الله يختار أذان أبي محذورة مع تثنية التكبير, أذان أبي محذورة فيه ترجيع وتثنية التكبير, الله أكبر في أول الأذان مرتين, فتكون الجمل عنده سبع عشرة, وأيضاً يختار إقامة بلال مع تثنية الإقامة, فتكون الجمل عشراً, يختار إقامة بلال مع تثنية (قد قامت الصلاة) يعني مرة واحدة فقط, فتكون عنده عشراً.

والصواب في هذه المسألة والقاعدة فيها التي ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: أن العبادات الواردة على وجوه متنوعة يستحب أن يؤتى بهذا تارة وبهذا تارة, فتارة يؤذن بأذان بلال وإقامته، وتارة يؤذن بأذان أبي محذورة وإقامة أبي محذورة عملاً بالسنة كلها, هذا هو الصواب في هذه المسألة, وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله, وفي هذا عمل بالسنة كلها وحفظ للعلم مثل ما أشار الشيخ قال: كتشهد أبي مسعود وأبي موسى وابن عباس ، يعني تارة يتشهد المسلم بتشهد أبي موسى ، وتارة يتشهد بتشهد ابن عباس : (التحيات المباركات الصلوات الطيبات) وتارة يتشهد بتشهد ابن مسعود : (التحيات لله والصلوات والطيبات) وهكذا تشهد عمر أو تشهد ابن عمر أو تشهد عائشة .. إلخ.

قال المؤلف رحمه الله: [وكذلك أنواع الاستفتاح والاستعاذة المأثورة، وإن اختار بعضها].

الإمام أحمد رحمه الله يختار استفتاح أبي سعيد : ( سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، تبارك اسمك), والشافعي رحمه الله يختار استفتاح أبي هريرة: ( اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب) إلخ.

كما تقدم القاعدة عند شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن العبادات على وجوه متنوعة، يأتي بهذا تارة، وبهذا تارة, شيخ الإسلام له رسالة مستقلة فيما يتعلق بالاستفتاحات, فهناك استفتاح علي ، واستفتاح أبي العباس عبد الله بن عباس، واستفتاح ابن عمر .. إلخ, الاستفتاحات كثيرة.

قال المؤلف رحمه الله: [وصفات التحميد المشروع بعد التسميع، ومنها صفات الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وإن اختار بعضها].

التحميد ورد له أربع صفات:

اللهم ربنا ولك الحمد, ربنا لك الحمد, اللهم ربنا لك الحمد, ربنا ولك الحمد.

كذلك أيضاً بالنسبة لصفات الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ورد في ذلك حديث كعب بن عجرة ، وحديث أبي مسعود رضي الله تعالى عنه، وكذلك أيضاً حديث أبي هريرة, هذه كلها صيغ واردة عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة عليه.

قال المؤلف رحمه الله: [ومنها أنواع صلاة الخوف، يجوز كل ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم من غير كراهة].

الإمام أحمد رحمه الله في صلاة الخوف يختار حديث سهل وأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الصحابة رضي الله عنهم طائفتين: طائفة صلت معه, وطائفة وقفت تجاه العدو, فصلى بالذين معه ركعة، ثم ثبت قائماً فأتموا لأنفسهم ركعة, فذهبت هذه الطائفة بعد ما تمت لنفسها ركعة وجاءت الطائفة التي وجاه العدو, فصل بها النبي صلى الله عليه وسلم ركعة وثبت جالساً وأتمت لنفسها ركعة وسلم بها, هذا حديث سهل في الصحيحين.

قال المؤلف رحمه الله: [ومنها أنواع تكبيرات العيدين، يجوز كل مأثور، وإن استحب بعضه].

المأثور في ذلك حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كبر في العيدين في الأولى سبع تكبيرات وفي الثانية خمس تكبيرات).

الذي ورد في حديث عمرو بن شعيب, وحديث عبد الله بن عمرو , وحديث عائشة أنه ثنتا عشرة تكبيرة, لكن هل تحسب تكبيرة الإحرام أو لا تحسب؟ فالإمام أحمد رحمه الله يقول: سبع مع تكبيرة الإحرام, والشافعي رحمه الله يقول: سبع بلا تكبيرة الإحرام, وأما الركعة الثانية فخمس دون تكبيرة الانتقال, أما أبو حنيفة رحمه الله فيرى أنه يكبر في العيدين في الأولى ثلاث تكبيرات, وفي الثانية ثلاث تكبيرات.

قال المؤلف رحمه الله: [ومنها التكبير على الجنائز، يجوز -على المشهور- التربيع والتخميس والتسبيع، وإن اختار التربيع].

التربيع هذا ثبت في الصحيحين في حديث أبي هريرة , والتخميس والتسبيع ثابت عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم, فالتخميس ثبت في صحيح مسلم , في حديث زيد بن أرقم , والتسبيع هذا ثابت عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم.

قال المؤلف رحمه الله: [مع أن الجميع حسن قد أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمر بلالاً بإفراد الإقامة، وأمر أبا محذورة بشفعها، وإنما الضلالة حق الضلالة أن ينهي أحد عما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم].

فالسنة أن يؤذن تارة بأذان بلال ، وتارة بأذان أبي محذورة وإقامة أبي محذورة كما تقدم فيما يتعلق بصيغ التشهدات وصيغ الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك أيضاً ما يتعلق ببقية سنن العبادات مثل: مواضع رفع الأيدي, فهذا يرفع إلى فروع أذنيه, وهذا يرفع إلى حذو منكبيه, السنة أن تفعل كل هذه العبادات, فتفعل هذه تارة، وهذه تارة, كما ذكرنا القاعدة في ذلك: أن العبادات الواردة بوجوه متنوعة, السنة أن تأتي بهذه تارة وبهذه تارة, وفائدة ذلك أولاً: حفظ العلم, وثانياً: تطبيق جميع السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم, وثالثاً: أن هذا فيه خشوع القلب, وهو أدعى لحضوره.

قال المؤلف رحمه الله: [فأما صفة الصلاة فمن شعائرها مسألة البسملة].

الدارقطني رحمه الله له مصنف مستقل -كما أشار الشيخ رحمه الله- في البسملة.

الخلاف في كون البسملة من القرآن

قال المؤلف رحمه الله: [فإن الناس اضطربوا فيها نفيا وإثباتاً في كونها آية من القرآن، وفي قراءتها، وصنفت من الطرفين مصنفات، يظهر في بعض كلامها نوع من جهل وظلم، مع أن الخطب فيها يسير.. إلخ].

المالكية لا يرون البسملة فهم أشد الناس فيها، يقابلهم الشافعية, فيرون أن البسملة آية من الفاتحة وآية من كل سورة, فالمالكية يرون أن البسملة مكروهة, بينما الشافعية يرون أنها آية من الفاتحة, وهم أشد الناس في قراءة الفاتحة, يرون أنها ركن في كل صلاة, فريضة أو نافلة, على كل مصل, سواء كان إماماً أو مأموماً أو منفرداً, وسواء كانت الصلاة سرية أو جهرية, وعلى هذا فمن ترك البسملة عند الشافعية فصلاته لا تصح, وأما المالكية فيقولون بأنها تكره في الفرض وتجوز في النافلة, فهذان طرفان يتقابلان, والصواب في ذلك أن الفاتحة -كما هو مذهب الإمام أحمد رحمه الله- جزء من آية في سورة النمل, وهذا بالإجماع, وأنها آية مستقلة يؤتى بها في ابتداء السور, وليست آية من مبتدأ كل سورة, فليست آية من الفاتحة, ولا من غيرها, وإنما هي آية مستقلة في جميع القرآن يؤتى بها لابتداء السور, هذا مذهب الإمام رحمه الله, وهو أحسن المذاهب فيما يتعلق بالبسملة, خلافاً للشافعية الذين يشددون كما تقدم ويرون أنها آية من الفاتحة وأنها آية من أول كل سورة, وخلافاً للمالكية الذين يكرهون قراءة البسملة.

قال المؤلف رحمه الله: [وقالت طائفة منهم: الشافعي : ما كتبوها في المصحف بقلم المصحف -مع تجريدهم للمصحف عما ليس من القرآن- إلا وهي من السورة، مع أدلة أخرى].

أما أدلة أخرى فمنها: حديث أبي هريرة عند الدارقطني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا قرأتم الحمد لله رب العالمين فاقرءوا بسم الله الرحمن الرحيم, فإنها آية منها).

قال المؤلف حمه الله تعالى: [وتوسط أكثر فقهاء الحديث كـأحمد ، ومحققي أصحاب أبي حنيفة .. إلخ].

مذهب الإمام أحمد كما تقدم أنها جزء من آية من سورة النمل, وآية مستقلة يؤتى بها عند بداية كل سورة، إلا فيما يتعلق بسورة براءة فإن الصحابة رضي الله عنهم اختلفوا: هل الأنفال مع سورة براءة، أو أنها سورة مستقلة؟ فجعل البسملة فاصلة, وجعلوا سورة دون البسملة.

الخلاف في الجهر والإسرار بالبسملة

قال المؤلف رحمه الله: [وكذلك الأمر في تلاوتها في الصلاة: طائفة لا تقرؤها لا سراً ولا جهراً، كـمالك ، والأوزاعي .. إلخ].

كما تقدم المالكية يكرهون البسملة وعلى هذا فهم لا يقرءونها لا سراً ولا جهراً في الفريضة, وإنما يجوزونها في النافلة فقط, بخلاف الشافعية فإنهم يرونها آية من الفاتحة ومن كل سورة, فهم يجهرون بها, والصواب في ذلك أنه يسر بها غالب الأحيان, واختيار شيخ الإسلام رحمه الله أنه يجهر بها في بعض الأحيان, وخصوصاً إذا كان هناك مصلحة كالتأليف, كما لو كان من يصلي خلفه ممن يرى البسملة, فالصواب في ذلك أنه في غالب الأحيان يسر بها, وهذا هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم, لو كان النبي صلى الله عليه وسلم يجهر بها دائماً لنقله الصحابة, بل الذي نقل أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر كانوا يفتتحون الصلاة بالحمد لله رب العالمين, فدل ذلك على أنهم لا يجهرون, فالغالب أنه لا يجهر بها, لكن يجهر بها في بعض الأحيان وخصوصاً إذا كان يترتب على ذلك مصلحة كالتأليف.

فالخلاصة مما تقدم أن الإمام مالكاً رحمه الله تعالى لا يرى قراءتها فضلاً عن الجهر بها, ويرى كراهتها.

الشافعية يرون الجهر بها, ويرون أنها آية من الفاتحة, ويستحبون الجهر بها في أول الفاتحة وفي أول كل سورة بخلاف المالكية.

والوسط في هذا هدي النبي صلى الله عليه وسلم, والغالب أنه لا يجهر بها, لكن يجُهر بها في بعض الأحيان تطبيقاً للسنة, خصوصاً إن كان هناك مصلحة.

كما نقل الشيخ رحمه الله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يجهر في بعض الصلاة السرية التي يخافت بها لعارض، فقد كان يُسمع الآية في صلاة الظهر, وفي صلاة العصر.. إلخ.

قال المؤلف رحمه الله: [فإن الناس اضطربوا فيها نفيا وإثباتاً في كونها آية من القرآن، وفي قراءتها، وصنفت من الطرفين مصنفات، يظهر في بعض كلامها نوع من جهل وظلم، مع أن الخطب فيها يسير.. إلخ].

المالكية لا يرون البسملة فهم أشد الناس فيها، يقابلهم الشافعية, فيرون أن البسملة آية من الفاتحة وآية من كل سورة, فالمالكية يرون أن البسملة مكروهة, بينما الشافعية يرون أنها آية من الفاتحة, وهم أشد الناس في قراءة الفاتحة, يرون أنها ركن في كل صلاة, فريضة أو نافلة, على كل مصل, سواء كان إماماً أو مأموماً أو منفرداً, وسواء كانت الصلاة سرية أو جهرية, وعلى هذا فمن ترك البسملة عند الشافعية فصلاته لا تصح, وأما المالكية فيقولون بأنها تكره في الفرض وتجوز في النافلة, فهذان طرفان يتقابلان, والصواب في ذلك أن الفاتحة -كما هو مذهب الإمام أحمد رحمه الله- جزء من آية في سورة النمل, وهذا بالإجماع, وأنها آية مستقلة يؤتى بها في ابتداء السور, وليست آية من مبتدأ كل سورة, فليست آية من الفاتحة, ولا من غيرها, وإنما هي آية مستقلة في جميع القرآن يؤتى بها لابتداء السور, هذا مذهب الإمام رحمه الله, وهو أحسن المذاهب فيما يتعلق بالبسملة, خلافاً للشافعية الذين يشددون كما تقدم ويرون أنها آية من الفاتحة وأنها آية من أول كل سورة, وخلافاً للمالكية الذين يكرهون قراءة البسملة.

قال المؤلف رحمه الله: [وقالت طائفة منهم: الشافعي : ما كتبوها في المصحف بقلم المصحف -مع تجريدهم للمصحف عما ليس من القرآن- إلا وهي من السورة، مع أدلة أخرى].

أما أدلة أخرى فمنها: حديث أبي هريرة عند الدارقطني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا قرأتم الحمد لله رب العالمين فاقرءوا بسم الله الرحمن الرحيم, فإنها آية منها).

قال المؤلف حمه الله تعالى: [وتوسط أكثر فقهاء الحديث كـأحمد ، ومحققي أصحاب أبي حنيفة .. إلخ].

مذهب الإمام أحمد كما تقدم أنها جزء من آية من سورة النمل, وآية مستقلة يؤتى بها عند بداية كل سورة، إلا فيما يتعلق بسورة براءة فإن الصحابة رضي الله عنهم اختلفوا: هل الأنفال مع سورة براءة، أو أنها سورة مستقلة؟ فجعل البسملة فاصلة, وجعلوا سورة دون البسملة.