Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 73

Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 73

شرح القواعد النورانية الفقهية [3]


الحلقة مفرغة

قال المؤلف رحمه الله: [واختلف عن أحمد : هل يتوضأ من سائر اللحوم المحرمة؟ على روايتين.. إلخ]

اللحوم المحرمة كأكل لحم ذئب أو أكل أسد قد يضطر الإنسان إلى ذلك، فهل نقول: يتوضأ؛ لأنه قد يكتسب من طبيعة هذا الذئب، أو هذا الأسد، أو هذا النمر ونحو ذلك, أو لا يجب عليه الوضوء, المشهور من مذهب الإمام أحمد أنه لا يجب عليه الوضوء, والرواية الثانية من مذهب الإمام أحمد أنه يجب عليه الوضوء، وإليه يميل ابن القيم رحمه الله تعالى, فالمشهور من المذهب أنه لا يجب الوضوء اقتصاراً على ما ورد في النص؛ لأن النص ما ورد إلا في لحوم الإبل, وأما جمهور العلماء فهم أصلاً لا يرون الوضوء؛ لأنهم لا يرون الوضوء من لحوم الإبل فغيرها من بقية اللحوم من باب أولى.

قال المؤلف رحمه الله: [وسائر المصنفين من أصحاب الشافعي وغيره وافقوا أحمد على هذا الأصل.. إلخ].

الشيخ: أهل الحديث كلهم يوافقون الإمام أحمد رحمه الله على وجوب الوضوء من لحوم الإبل مثل: ابن المنذر ، وابن خزيمة ، والبيهقي .

والجمهور يرون أنه لا يُتوضأ من لحم الإبل, ودليلهم على ذلك حديث جابر رضي الله عنه: (كان آخر الأمرين منه صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار) ويدخل فيما مست النار لحم الإبل, قال الشيخ في الجواب عن ذلك: لو قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا وضوء مما مست النار، لدخل في ذلك لحم الإبل لكن يقول جابر : كان آخر الأمرين من النبي صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار فيستثنى من ذلك ما يتعلق بلحم الإبل, بل إن بعض أهل العلم يرى أن الحديث ليس كذلك وإنما الحديث كما أشار الشيخ رحمه الله أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم أكل من لحم غنم ثم قام يصلي, فقال: كان آخر الأمرين من النبي صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار, فلا يلزم من هذا أن لحم الإبل لا يوجب الوضوء.

قال المؤلف رحمه الله: [أحد الوجهين في مذهب أحمد : أن الوضوء منها مستحب، ليس بواجب، والوجه الآخر لا يستحب].

المذهب أن الوضوء مما مست النار مستحب وليس بواجب, إنما يجب الوضوء من لحم الإبل خاصة.

وقول الشيخ رحمه الله السابق: لكان فيه نسخ للخاص بالعام والذي لم يثبت شموله بذلك الخاص عيناً وهو أصل لا يقول به أكثر المالكية والشافعية, الخاص لا ينسخ العام, وإنما يخصصه.

وهذه قاعدة أشار إليها الشيخ رحمه الله: أن الطهارة تشتمل أمرين: الطهارة الحسية والطهارة المعنوية، فكما جاءت الطهارة من الخبائث الجسمانية كما ذكر الشيخ رحمه الله تعالى, كذلك أيضاً جاءت من الخبائث الروحانية, وأشار الشيخ رحمه الله إلى حديثين: قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إذا استيقظ أحدكم من نومه فليستنشق الماء من منخريه ثلاثاً؛ فإن الشيطان يبيت على خيشومه), والخيشوم هو أعلى الأنف, والحديث الثاني: (إذا استيقظ أحدكم من نومه, فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثاً), والحكمة في ذلك هي خشية ملامسة الشيطان لليد, المشهور من المذهب أن العلة تعبدية, ليست تعقل, وقال الشافعي : إن العلة هي خشية النجاسة؛ لأن الإنسان وهو نائم ربما أن يده تطيش إلى محل النجاسة.

الرأي الثالث من اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: هو عبث الشيطان, فقد يعبث الشيطان بهذه اليد كما أنه يبيت على الخيشوم, فهذه الطهارة من الخبائث الروحانية, ومن الخبائث الشيطانية في الأنف وكذلك اليد.

قال المؤلف رحمه الله: [وكذلك نهي عن الصلاة في أعطان الإبل.. إلخ].

وعلى هذا نقول: إن الصلاة الأصل عندنا فيها قاعدة وهي: أن الصلاة تصح في كل مكان, وفي كل بقعة, لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً), لكن يستثنى من ذلك ما دل عليه النص.

والنص دل على أن ما كان مأوى للشيطان فإن الصلاة لا تصح فيه, مثل: الحش والحمام وأعطان الإبل, فهذه مأوى للشيطان, لا تصح الصلاة فيه, ويضاف إلى ذلك الموضع النجس, فهذه المواضع الأربعة, لا تصح الصلاة فيها, وما عدا ذلك: إن الصلاة فيه صحيحة.

المواضع التي عرض فيها الشيطان ليست مأوى للشيطان، فما عرض فيه الشيطان تصح الصلاة فيه مع الكراهة, ويدل للثاني حديث أبي قتادة ، وحديث عمران في قصة نومهم عن صلاة الفجر, فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( هذا مكان حضر فيه الشيطان, فخرج النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك الوادي)، فالخلاصة هي القاعدة في ذلك: أن الصلاة تصح في كل بقعة إلا أربعة مواضع؛ ثلاثة مواضع هي مأوى الشيطان: الحش والحمام وأعطان الإبل, والموضع النجس هذا أمره ظاهر, وبقي في الموضع الذي عرض فيه الشيطان, فهذا تصح الصلاة فيه لكن مع الكراهة كالمكان الذي نام الإنسان فيه عن الصلاة.

قال المؤلف رحمه الله: [والفقهاء الذين لم ينهوا عن ذلك: إما لأنهم لم يسمعوا هذه النصوص سماعا تثبت به عندهم، أو سمعوها ولم يعرفوا العلة فاستبعدوا ذلك عن القياس فتأولوه].

يعني لم يسمعوا النهي عن الصلاة في معاطن الإبل، أو ترك الصلاة في المكان الذي نام فيه الإنسان.

قال المؤلف رحمه الله: [وأما من نقل عن الخلفاء الراشدين أو جمهور الصحابة خلاف هذه المسائل، وأنهم لم يكونوا يتوضئون من لحوم الإبل فقد غلط عليهم.. إلخ].

بعض الفقهاء ينقل أن عدم وجوب الوضوء من لحم الإبل هو مذهب الخلفاء الراشدين: أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي , ودليلهم على ذلك: أنهم لم يكونوا يتوضئون مما مست النار, والجواب عنه كما تقدم, فنقول: إن هذا مخصص منه ما يتعلق بلحم الإبل وكما ذكر الشيخ رحمه الله في الجواب، بأن كونهم لم يكونوا يتوضئون مما مست النار لا يلزم من ذلك أنهم لا يتوضئون من لحم الإبل.

قال المؤلف رحمه الله: [ومن تمام هذا: أنه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم وغيره من حديث أبي ذر وأبي هريرة رضي الله عنهما، وجاء من حديث غيرهما: أنه (يقطع الصلاة الكلب الأسود والمرأة والحمار )، وفرق النبي صلى الله عليه وسلم بين الكلب الأسود والأحمر والأبيض.. إلخ].

كما ذكرنا في مقدمة الحديث عن كتب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن شيخ الإسلام ابن تيمية يستطرد وأنه يذكر النظائر, فهو يذكر هذه المسألة ثم يذكر نظيرها من المسائل الأخرى التي تشابهها في الاستدلال أو في إيراد الدليل ومناقشته, فهو الآن استطرد فيما يتعلق بما يقطع الصلاة, وذكر حديث أبي هريرة وحديث أبي ذر أنه يقطع الصلاة المرأة, والكلب الأسود والحمار، والمشهور من مذهب الإمام رحمه الله أن الذي يقطع الصلاة هو الكلب الأسود فقط, أما الحمار فلا يقطع الصلاة, وكذلك أيضاً المرأة لا تقطع الصلاة, لماذا لم يأخذوا بهذا مع أن الحديث صحيح: ( يقطع صلاة المرء والمرأة والكلب الأسود والحمار)؟ الجواب: استدلوا بأن عائشة كانت تصلي في قبلة النبي صلى الله عليه وسلم, واستدلوا بأن ابن عباس مر على حمار بين يدي الصف إلخ, والجواب عن هذا سهل: فـعائشة رضي الله تعالى عنها لم تقطع صلاة النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنها ليست مارة وإنما هي لابثة وفرق بين اللابث والمار, وأما ما يتعلق بـابن عباس رضي الله عنهما فهو مار بين يدي الصف والمأموم سترة إمامه سترة له, فهذه المسألة نظير المسألة السابقة فيما يتعلق بالوضوء من لحم الإبل إلخ, والجواب هنا كالجواب هناك.

قال المؤلف رحمه الله: [واختلف المتقدمون من أصحاب أحمد في الشيطان الجني إذا علم بمروره: هل يقطع الصلاة؟ والأوجه أنه يقطعها بتعليل رسول الله صلى الله عليه وسلم وبظاهر قوله: ( يقطع صلاتي )].

المذهب أنه لا يقطع الصلاة إلا الكلب الأسود واختلف المتقدمون من أصحاب أحمد في الشيطان الجني, فلو فرض أن شيطاناً جنياً مر بين يدي المصلي أو بينه وبين سترته, فهل تبطل صلاته أو لا تبطل صلاته؟ المشهور من مذهب الإمام أحمد أن مروره لا يبطل الصلاة، والأوجه أنه يقطعها لتعليل النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (الكلب الأسود شيطان), فنص على أنه شيطان, وأيضاً الشيطان الجني، فمادام أن النبي صلى الله عليه وسلم نص على أن الكلب الأسود شيطان, يعني فيه من صفات الشيطان التعدي والإيذاء ونحو ذلك, وليس المعنى أنه من الجن, فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم نص على أنه شيطان وأن فيه من صفات الشيطان، فمن باب أولى أن الشيطان يقطعها نصاً وقياساً, من باب أولى أن يقاس عليه الشيطان الجني الحقيقي, وكذلك أيضاً نص النبي صلى الله عليه وسلم على أنه شيطان, فذهب الشيخ رحمه الله في هذه المسألة إلى أن مرور هذا الشيطان الجني يقطع الصلاة, والمذهب كما تقدم أنه مروره لا يقطع الصلاة.

قال المؤلف رحمه الله: [ولقد كان أحمد رحمه الله يعجب ممن يدع حديث الوضوء من لحوم الإبل مع صحته التي لا شك فيها، وعدم المعارض له، ويتوضأ من مس الذكر، مع تعارض الأحاديث فيه].

الإمام أحمد كما تقدم يقول عن الوضوء من لحم الإبل: فيه حديثان صحيحان: حديث البراء بن عازب , وحديث جابر بن سمرة, حديث جابر في صحيح مسلم , وحديث البراء في السنن, والشيخ رحمه الله يقول: إن الإمام أحمد رحمه الله يعجب ممن يترك الوضوء من لحم الإبل, ويرى الوضوء من مس الذكر, مع أن الوضوء من مس الذكر إنما جاء في حديث بسرة , وحديث بسرة هذا يعارضه حديث طلق بن علي عن أبيه: ( إنما هو بضعة منك), يقول الشيخ رحمه الله: والشيخان: البخاري ومسلم أعرضا عن هذين الحديثين فلم يخرجا حديث بسرة ولم يخرجا حديث طلق بن علي لما فيهما من الكلام, فحديث بسرة متكلم فيه, وحديث طلق بن علي متكلم فيه.

قال المؤلف رحمه الله: [وقد ذكرت ما يبين أنه أظهر في القياس منه؛ فإن تأثير المخالطة أعظم من تأثير الملامسة].

الملامسة في مس الذكر, والمخالطة في أكل في لحم الإبل, فلحم الإبل فيه المخالطة, والمخالطة أعظم تأثيراً, فإذا قلنا: إن الملامسة توجب الوضوء, فالمخالطة توجيه من باب أولى.

قال المؤلف رحمه الله: [ولهذا كان كل نجس محرم الأكل، وليس كل محرم الأكل نجساً].

السم محرم الأكل ومع ذلك ليس نجساً وإنما هو طاهر.

قال المؤلف رحمه الله: [وكان أحمد يعجب أيضاً ممن لا يتوضأ من لحوم الإبل ويتوضأ من الضحك في الصلاة مع أنه أبعد عن القياس والأثر، والأثر فيه مرسل قد ضعفه أكثر الناس، وقد صح عن الصحابة ما يخالفه].

هذا مذهب الحنفية, يرون أن الضحك في الصلاة يوجب الوضوء, خلافاً للجمهور.

قال المؤلف رحمه الله: [والذين خالفوا أحاديث القطع للصلاة لم يعارضوها إلا بتضعيف بعضهم.. إلخ].

حديث القطع ثابت في صحيح مسلم : (الكلب الأسود والمرأة والحمار), وهو من حديث أبي ذر , وقوله: (لا يقطع الصلاة شيء) هذا حديث ضعيف لكنه وارد عن الصحابة, رضي الله عنهم: فقد ورد عن عثمان ، وعلي ، وحذيفة ، وابن عمر ، وابن عباس رضي الله تعالى عن الجميع.

أصول الكوفيين

قال المؤلف رحمه الله: [وأصل آخر: وهو أن الكوفيين قد عرف تخفيفهم في العفو عن النجاسة فيعفون من المغلظة عن قدر الدرهم البغلي].

هنا شرع المؤلف رحمه الله تعالى في أصل آخر وهو ما يتعلق بالنجاسات والتخفيف منها، وأحسن المذاهب في ذلك هو مذهب الحنفية, وأشد المذاهب في ذلك هو مذهب الشافعية, فالشافعية يضيقون التخفيف في النجاسات بخلاف الحنفية, فإنهم يتوسعون في التخفيف في النجاسات, والقاعدة في ذلك التي اختارها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أنه يعفى عن يسير سائر النجاسات، ولا يتقيد ذلك لا ببول ولا غائط ولا دم, ودليل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله على هذه المسألة هو سائر أدلة الاستجمار, ولاشك أن الإنسان إذا استجمر, فإنه سيبقى شيء وأثر في المحل, فإذا تمسح بالخرق أو الحجارة أو نحو ذلك, فإنه سيبقى شيء من أثر النجاسة, وهذا الأثر عفا عنه الشارع, فدل ذلك على أنه يعفى عن سائر يسير النجاسات من غير تقييد, خلافاً لما يذكره الفقهاء رحمهم الله من تفصيلات, فالضابط أو القاعدة في ذلك: أنه يعفى عن سائر يسير النجاسات، ولا يتقيد ذلك لا ببول ولا غائط ولا دم إلخ, كقطرة من الدم, أو البول أو الغائط أو نحو ذلك.

والكوفيون قد عرف عنهم تخفيفهم في العفو عن النجاسة فيعفون من المغلظة عن قدر الدرهم البغلي, الدرهم الكبير هو المثقال, وفي المساحة قدر عرض الكف وقدر الدرهم يعني قدر البغلي: الدائرة السوداء الكائنة في ذراع البغل.

والحنفية يقسمون النجاسات إلى قسمين:

نجاسات مغلظة: وهي التي ثبتت بدليل مقطوع به, مثل: البول، والغائط، والدم المسفوح.

ونجاسات غير مغلظة: وهي التي ثبتت بدليل غير مقطوع به, مثل: الدم، والقيح إلخ, فالنجاسة وإن كانت مغلظة يعفون منها عن قدر الدرهم البغلي, فهذا يدل على أنهم يتوسعون في التخفيف في النجاسات.

قال المؤلف رحمه الله: [ومن المخففة: عن ربع المحل المتنجس].

يخفف الحنفية في ربع المحل أو الثوب وهذا يدل على أنهم يتوسعون جداً في التخفيف من النجاسة.

أصل الشافعي

قال المؤلف رحمه الله: [و الشافعي بإزائهم في ذلك فلا يعفو عن النجاسات إلا عن أثر الاستنجاء وونيم الذباب. ونحوه.. إلخ].

الشافعي رحمه الله يشدد في النجاسات ويرى أنه لا يعفى عن النجاسة مطلقاً حتى عن اليسير إلا ما ذكر الشيخ رحمه الله, فهو يعفو عن يسير الدم والقيح, وكذلك أيضاً ما يعسر الاحتراز عنه, مثل: دم البراغيث، ودم القروح والدمامل، وما لا يدركه الطرف، وكذلك ما يخرج مما لا نفس له سائلة كالذباب ونحو ذلك, فهذه المسائل التي يعفو عنها, وما عدا ذلك فلا يرى العفو عنه.

أصل أحمد

قال المؤلف رحمه الله: [و أحمد كذلك فإنه متوسط في النجاسات].

المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله: أنه يعفى عن يسير الدم في غير المطعوم, والمشهور من مذهب الإمام أحمد أن أثر الاستجمار مادام أنه بمحله لم ينتقل يعفى عنه.

وما ذكره الشيخ رحمه الله من هذه الروايات على خلاف المذهب.

فما يعفى عنه من النجاسات الحنفية رحمهم الله أصلهم في ذلك هو أوسع المذاهب, حتى أن النجاسة المغلظة يعفون عنها بمثل قدر الدرهم البغلي وهي: الدائرة السوداء في ذراع البغل, وإذا كانت نجاسة مخففة فيعفون عن ربع المحل، ولا شك أن هذا توسع.

يقابل هذا الأصل أصل الشافعية, فالشافعية يشددون في النجاسة ولا يعفون عن يسير النجاسات مطلقاً إلا كما تقدم: ما لا يدركه الطرف, وما تعذر التحرز منه, كيسير الدم ويسير القيح, وونيم الذباب, يعني ما يحمله الذباب إلخ.

والمشهور أيضاً من مذهب الإمام أحمد قريب من الشافعية وأنهم يشددون في العفو عن النجاسات, لكن كما ذكر الشيخ عن الإمام رحمه الله في بعض الروايات أنه يعفى عن يسير روث الحمار أو البغل مع أن هذه الأرواث محرمة.

والمالكية كما ذكر الشيخ رحمه الله تعالى يتوسطون ويعفون عن يسير الدم وغيره.

والخلاصة في ذلك: أن أشد المذاهب هو مذهب الشافعية، وقريب منه مذهب الحنابلة, وأوسع المذاهب في هذه المسألة هو مذهب الحنفية, والقاعدة في ذلك: أنه يعفى عن يسير سائر النجاسات كما دل له سائر أدلة الاستجمار.

قال المؤلف رحمه الله: [وأصل آخر: وهو أن الكوفيين قد عرف تخفيفهم في العفو عن النجاسة فيعفون من المغلظة عن قدر الدرهم البغلي].

هنا شرع المؤلف رحمه الله تعالى في أصل آخر وهو ما يتعلق بالنجاسات والتخفيف منها، وأحسن المذاهب في ذلك هو مذهب الحنفية, وأشد المذاهب في ذلك هو مذهب الشافعية, فالشافعية يضيقون التخفيف في النجاسات بخلاف الحنفية, فإنهم يتوسعون في التخفيف في النجاسات, والقاعدة في ذلك التي اختارها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أنه يعفى عن يسير سائر النجاسات، ولا يتقيد ذلك لا ببول ولا غائط ولا دم, ودليل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله على هذه المسألة هو سائر أدلة الاستجمار, ولاشك أن الإنسان إذا استجمر, فإنه سيبقى شيء وأثر في المحل, فإذا تمسح بالخرق أو الحجارة أو نحو ذلك, فإنه سيبقى شيء من أثر النجاسة, وهذا الأثر عفا عنه الشارع, فدل ذلك على أنه يعفى عن سائر يسير النجاسات من غير تقييد, خلافاً لما يذكره الفقهاء رحمهم الله من تفصيلات, فالضابط أو القاعدة في ذلك: أنه يعفى عن سائر يسير النجاسات، ولا يتقيد ذلك لا ببول ولا غائط ولا دم إلخ, كقطرة من الدم, أو البول أو الغائط أو نحو ذلك.

والكوفيون قد عرف عنهم تخفيفهم في العفو عن النجاسة فيعفون من المغلظة عن قدر الدرهم البغلي, الدرهم الكبير هو المثقال, وفي المساحة قدر عرض الكف وقدر الدرهم يعني قدر البغلي: الدائرة السوداء الكائنة في ذراع البغل.

والحنفية يقسمون النجاسات إلى قسمين:

نجاسات مغلظة: وهي التي ثبتت بدليل مقطوع به, مثل: البول، والغائط، والدم المسفوح.

ونجاسات غير مغلظة: وهي التي ثبتت بدليل غير مقطوع به, مثل: الدم، والقيح إلخ, فالنجاسة وإن كانت مغلظة يعفون منها عن قدر الدرهم البغلي, فهذا يدل على أنهم يتوسعون في التخفيف في النجاسات.

قال المؤلف رحمه الله: [ومن المخففة: عن ربع المحل المتنجس].

يخفف الحنفية في ربع المحل أو الثوب وهذا يدل على أنهم يتوسعون جداً في التخفيف من النجاسة.