شرح الفروق والتقاسيم للسعدي [1]


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل على محمد وعلى آله محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبعد:

فهذه رسالة الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله التي تبحث في الفروق والتقاسيم الشرعية، واسمها: (الأصول والقواعد الجامعة، والفروق والتقاسيم النافعة) وتشتمل على فنين:

الفن الأول: يتعلق بالأصول والقواعد الجامعة، وهذه سبق لنا الكلام عليها.

والفن الثاني: يتعلق بالفروق والتقاسيم، وعلم الفروق فن مُستقل عُني العلماء رحمهم الله ببحثه والتأليف فيه، فقد ألفت فيه مؤلفات كثيرة كما سنذكر إن شاء الله طرفاً منها، فهذه الرسالة أعني: الفروق والتقاسيم النافعة ضمنها المؤلف رحمه الله أمرين:

الأمر الأول: الفروق بين المسائل المتشابهة في صورها، والمتباينة في أحكامها وعللها وأسبابها.

الأمر الثاني: ما يتعلق بالتقاسيم.

وعلم الفروق يعرفه العلماء رحمهم الله بأنه: الفن الذي يبحث في المسائل المتشابهة في صورها، المتباينة في أحكامها وأسبابها وعللها.

وأما ما يتعلق بالتقاسيم فهي: ما يدخل تحت المسألة الواحدة من أقسام للحكم، أو أقسام لعنوان المسألة، أو أقسام للسبب، أو أقسام للعلة، كما سنتطرق إن شاء الله.

أما الفائدة من دراسة الفروق: فهو إبراز الفروق بين المسائل المتشابهة في صورها المختلفة في أحكامها وأسبابها وعللها؛ لأنه قد توجد مسألتان متشابهتان في الصورة، لكنهما مختلفتان في الحكم أو في السبب أو في العلة.

وأما فائدة دراسة التقاسيم: فإن التقاسيم تُقرب العلم، يعني: كون المسألة مقسمة إلى أقسام فهذا مما يقرب العلم ويُلم به، ويُسهل حفظه لطالب العلم، وهذا ظاهر، والتجربة والواقع يدل على ذلك، فإذا كان عند الإنسان في المسألة الواحدة عدة أقسام فإنه يستطيع أن يربط هذه الأقسام، فهي تُقرب العلم وتسهله، وتكون سبيلاً إلى حفظ هذه المسائل التي بحثتها هذه التقاسيم، ولهذا نجد النبي صلى الله عليه وسلم كثيراً ما يأتي بما يحفظ العلم تقريباً له، والأحاديث كثيرة جداً، فمثلاً: قول النبي عليه الصلاة والسلام: ( سبعة يظلهم الله في ظلة يوم لا ظل إلا ظله ) ثم يعددهم النبي صلى الله عليه وسلم، فحصرهم في سبعة مع أن هناك آخرين غيرهم يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، وإنما قال النبي عليه الصلاة والسلام: سبعة؛ لتقريب العلم وتسهيله وتيسير أسباب حفظه، ومنه أيضاً قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( ثلاثة لا يكلمهم الله، ولا يزكيهم، ولا ينظر إليهم يوم القيامة )، مع أن هناك غيرهم لا يزكيهم الله ولا ينظر إليهم..

وفن الفروق قد ألفت فيه مؤلفات كثيرة، فنجد مثلاً في مذهب الحنفية عدة كتب تتعلق بالفروق وكذلك أيضاً مذهب المالكية والشافعية الحنابلة.

وأول من ألف في الفروق أحمد بن سريج الشافعي المتوفى سنة 306هـ، ومن هذه المؤلفات كتاب الفروق لـمحمد بن صالح الكرابيسي وهو حنفي، توفي رحمه الله سنة 322هـ، وكذلك كتاب الفروق لـأسعد بن محمد الكرابيسي وهو حنفي أيضاً وتوفي سنة 570هـ، والفروق لـأحمد بن عبد الله المحبوبي المتوفى سنة 630هـ، والفروق لـأحمد بن عثمان المارديني وهو أيضاً حنفي، توفي سنة 744هـ، والمالكية أيضاً لهم كتب في الفروق، فممن ألف في ذلك: أحمد بن إدريس الصنهاجي المالكي المتوفى سنة 684هـ، وهو كتاب الفروق المشهور للقرافي رحمه الله، والشافعية لهم كما تقدم أحمد بن سريج رحمه الله أول من ألف في علم الفروق، وعبد الله بن يوسف الجويني أيضاً له كتاب في الفروق في مذهب الشافعية وهو متوفى سنة 438هـ، وكذلك أيضاً الحنابلة، لهم كتب في الفروق منها: كتاب المزدوج لـمحمد بن عبد الله السامري المتوفى سنة 616هـ، وكذلك الزريراني له كتاب في الفروق واسمه عبد الرحيم بن عبد الله الزريراني وهو متوفى سنة 741هـ، وكذلك من كتبهم هذه الرسالة، رسالة الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله، وهذا بالنسبة للمؤلفات التي أفردت على وجه الخصوص.

أما على وجه العموم فإن العلماء رحمهم الله يُعنون بذكر الفروق بين المسائل في ثنايا بحوثهم، وتجد في ثنايا كثير من الكتب الفقهية أنهم عندما يذكرون المسألة ولها شبيهة في صورتها وتختلف عنها بحكمها فيذكرون الفرق بين المسألتين إما في الحكم، أو في السبب، أو في العلة.. إلخ.

قال رحمه الله: [أصل هذه المسائل: أن تعلم أن الشارع لا يُفرق بين المتشابهات من كل وجه، بل لا بد فيها من فوراق معنوية وأوصاف متفاوتة أوجبت الفرق، فإذا وجد مسألتان قد فرق بينهما وحكم لكل واحدة بحكم مباين للأخرى فإن كان ثَم فارق صحيح ومعنى موجب للفرق وإلا فاعلم أن الفرق صوري، والفروق الصورية ضعيفة جداً، ولهذا الأصل الكبير أمثلة كثيرة نذكر منها ما نستحضره].

الفروق تنقسم إلى قسمين كما قسمها المؤلف رحمه الله:

القسم الأول: فروق حقيقية.

القسم الثاني: فروق صورية.

فالفروق الحقيقية: هي التي لها وجود عند الشارع، يعني: أن الكتاب والسنة دل على وجوب الفرق بين هاتين المسألتين المتشابهتين، وأما الفروق الصورية فهي: التي لها وجود عند العالم، لكن لا وجود لها عند الشارع، فتجد أن بعض العلماء يُفرق بين المسألتين فيقول: الفرق بين هذه المسألة وتلك المسألة كذا وكذا، لكن الشارع لم يفرق بين هاتين المسألتين، فتجد أن هذا العالم فرق بناءً على حديث ضعيف أو قياس، أو نظر.. الخ.

وهذه الصورية حكم عليها المؤلف رحمه الله بأنها ضعيفة، وكلامه هذا صواب، فهي ضعيفة؛ لأن الشارع لا يُفرق.

قال رحمه الله: [منها: ما ذكره العلماء رحمهم الله من الفرق بين فرض الصلاة ونفلها، فإن الأصل اشتراك الفرض والنفل منها في الأحكام، وقد فُرق بينهما بفروق ثابتة شرعية].

هذا الضابط، تستريح معه جداً، وهو: الأصل أن ما ثبت في حق الفرض ثبت في حق النفل، وما ثبت في حق النفل ثبت في حق الفرض، فهذا هو الأصل، ويدل لذلك حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما لما ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوتر على الراحلة، غير أنه لا يُصلي عليها المكتوبة، فهذا دليل على أن الصحابة رضي الله تعالى عنهم مستقر عندهم أن ما ثبت في حق الفرض ثبت في حق النفل؛ لأنه ذكر لك أن الوتر على الراحلة ثم أخرج الفرض؛ لأنه مُستقر عندهم أننا إذا حكمنا أن الوتر يكون على الراحلة فكذلك أيضاً الفرض يكون على الراحلة، فاحتاج ابن عمر رضي الله تعالى عنهما إلى أن يخرجها، فنقول: القاعدة: أن ما ثبت في حق الفرض ثبت في حق النفل، وما ثبت في حق النفل ثبت في حق الفرض إلا لدليل، وسيذكر المؤلف رحمه الله شيئاً من الفرق بين الفرض والنفل؛ وعلى هذا فقراءة الفاتحة كما أنها ركن في الفرض فتكون ركناً في النافلة، وتكبيرة الإحرام كما أنها تكون فرضاً في الفرض فتكون أيضاً فرضاً في النافلة، والتشهد والسجود والركوع.. الخ، هذا هو الأصل، وهو التساوي في الأحكام.

قال رحمه الله: [منها: أن النفل يصح من الجالس القادر على القيام بخلاف الفرض]، شرع المؤلف رحمه الله في بيان الفروق بين الفرض والنفل.

الفرق الأول: أن النفل يصح من الجالس، وأما الفرض فلا يصح من الجالس، ودليل ذلك قول النبي عليه الصلاة والسلام: ( صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم، وصلاة المضطجع على النصف من صلاة القاعد ) وهذا ثبت في صحيح البخاري ، وأيضاً ما ثبت في صلاة النبي عليه الصلاة والسلام في الليل أنه صلى قاعداً، فهذا فرق صحيح، وهو: أن الفرض لا بد فيه من قيام وأما النفل فإنه يجوز للإنسان أن يصلي وهو جالس.

قال رحمه الله: [وأنه يصح على الراحلة في السفر الطويل والقصير].

هذا الفرق الثاني: أن النفل يصح على الراحلة كما ثبت في حديث أنس ، وحديث ابن عمر ، وحديث عامر بن ربيعة .. إلخ، فبالإمكان أن يصلي النفل على الراحلة، أو على سيارته إن كان مسافراً ويومئ بالركوع والسجود ويسقط عنه الاستقبال.. الخ، وأما الفرض فإنه لا يصح على الراحلة إلا للضرورة، فإذا كان هناك إنسان يعرف أنه لن يتمكن من النزول إلا بعد خروج الوقت فإنه في هذه الحالة يصلي على راحلته ويفعل ما يستطيعه من القيام والاستقبال والركوع والسجود وإلا فإنه يومئ.. الخ.

قال رحمه الله: [ويجوز فيه الشُرب اليسير، والفرض بخلاف ذلك، وذلك يعود إلى سهولة النفل والترغيب في الإكثار منه].

يقول المؤلف رحمه الله: في النفل يجوز أن يشرب الإنسان الماء، وأما في الفرض فإنه لا يجوز له ذلك.

واستدلوا على ذلك بأنه ورد عن ابن الزبير الشرب في نصف الصلاة، وهذا الأثر ضعيف لا يثبت؛ وعلى هذا فالصحيح في هذه المسألة أنه لا فرق بين الفرض والنفل، وأن كلاً من الفرض والنفل لا يجوز الشرب فيهما؛ لأن ما اعتمدوا عليه من الأثر عن ابن الزبير لا يثبت، فهو أثر ضعيف.

والدليل الثاني الذي استدلوا به على جواز الشرب في النافلة: الترغيب في النفل، لكن نقول عندنا القاعدة: الأصل أن ما ثبت في الفرض ثبت في النفل إلا لدليل، والنبي عليه الصلاة والسلام كان يُكثر القيام بالليل ومع ذلك لم يثبت عنه أنه شرب في قيام الليل، وأما أثر ابن الزبير رضي الله تعالى عنه فهو ضعيف لا يثبت عنه.

قال رحمه الله: [ومنها: اشتراط ستر أحد المنكبين في الفرض دون النفل للرجل البالغ، وهذا الفرق ضعيف لعدم ثبوت الفرق بينهما في هذا الموضع شرعاً، فإن الأمر بستر أحد المنكبين يعُم الفرض والنفل في حق الرجال مع أن الصواب أن ستر المنكب من باب التكميل لا من باب الوجوب].

هذا الفرق الرابع الذي ذكره المؤلف رحمه الله، وهو على المشهور من مذهب الحنابلة رحمهم الله قالوا: الفرض لا بد أن تستر فيه أحد المنكبين، وأما في النفل فلا بأس أن تصلي وأنت محسور المنكبين، لكن قال المؤلف رحمه الله: هذا الفرق ضعيف؛ لأنه لم يثبت الفرق، والصحيح أنه لا فرق بين النفل والفرض في هذه المسألة، وأن ستر أحد المنكبين ليس واجباً لا في الفرض ولا في النفل، ويدل لذلك حديث جابر رضي الله تعالى عنه، وفيه قول النبي عليه الصلاة والسلام في الإزار: ( إن كان واسعاً فالتحف به وإن كان ضيقاً فاتزر به )، وإذا اتزر الإنسان بإزاره فإنه سيترك منكبيه مكشوفين، فالصواب في هذه المسألة أنه لا فرق بينهما وأن ستر أحد المنكبين كما ذكر المؤلف من باب التكميل لا من باب الواجب.

قال رحمه الله: [ومنها: تجويز النفل داخل الكعبة دون الفرض، ولكن فيه نظر فإن ما ثبت في النفل ثبت في الفرض، والفرق الذي ذكره الفقهاء وهو أنه في الفرض لا بد أن يستدبر شيئاً منها موجود في النفل].

هذا الفرق الخامس وهو أيضاً على المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله، وهو فرق ضعيف.

يقول: الفرض لا يصح داخل الكعبة، والنفل يصح داخل الكعبة، والصواب أنه لا فرق بين النفل والفرض، وأن الفرض يصح داخل الكعبة كما أن النفل يصح داخل الكعبة، والنبي عليه الصلاة والسلام صلى داخل الكعبة، كما في حديث ابن عمر ، وحديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: ( صلى النبي عليه الصلاة والسلام داخل الكعبة )، وأيضاً حديث عائشة رضي الله تعالى عنها؛ وعلى هذا لو أن إنساناً صلى الفرض في الحِجر الذي من البيت فنقول: صلاته صحيحة، والأصل أن ما ثبت في الفرض ثبت في النفل.

قال رحمه الله: [ومن الفروق الضعيفة: المنع من ائتمام المتنفل بالمفترض مع ثبوته ثبوتاً لا ريب فيه، وقصة معاذ وغيرها شاهدة بذلك. وتعليلهم باختلاف النية موجود في ائتمام المتنفل بالمفترض والاختلاف المنهي عنه الاختلاف في الأفعال].

يعني: فرق بين الفرض والنفل، ففي النفل يجوز أن يصلي المتنفل خلف المفترض لكن لا يجوز أن يصلي المفترض خلف المتنفل، وهذا هو المشهور من المذهب، فلو أن شخصاً أدى الصلاة ثم جاء وأم قوماً وهم مفترضون فإنه لا يصح ذلك، بخلاف العكس فلو أن شخصاً يصلي فريضة وشخص يصلي نافلة فإنه يصح أن يصلوا جماعة، والصواب في ذلك أنه لا فرق بين الفرض والنفل في هذه المسألة، وأنه يصح أن يأتم المفترض بالمتنفل، وأن يأتم المتنفل بالمفترض.

قال رحمه الله: [ومن الفروق الصحيحة: تجويز قطع النفل لحضور الفرض].

من الفروق أن النفل يجوز قطعه مع حضور الفرض، أما الفرض فلا يجوز قطعه إلا مع الضرورة، وهل يقطع النفل مطلقاً أو لا يقطع النفل مطلقاً؟ هذا موضع خلاف بين أهل العلم، والصواب في هذه المسألة أن النفل إذا صلى الإنسان منه ركعة فإنه لا يقطعه حتى ولو أُقيمت الصلاة وحضرت الفريضة، وإن صلى دون ركعة فإنه يقطعه، وإنما لا يقطعه إذا صلى ركعة لحديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة ) فإذا صلى ركعة فقد أدرك هذه الصلاة فلا يقطع النافلة؛ لأنه أدركها حتى ولو أقيمت الفريضة، أما إن صلى أقل من ركعة كأن كبّر وقرأ الفاتحة وركع ورفع لكنه لم يستكمل الركعة كاملة فإنه يقطع؛ لحديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة ) فيُجمع بين هذين الحديثين بأنه: إن صلى ركعة فلا يقطع، بل يُتم صلاته، وإن صلى أقل من ركعة فإنه يقطع لهذا الحديث.

قال رحمه الله: [وأنه لا يصح ابتداء نافلة بعد إقامة الفريضة].

هذا هو الصواب، فلا يصح أن تُبتدأ نافلة بعد إقامة الفريضة كما تقدم لنا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة )، ولا فرق على كلام المؤلف رحمه الله بين أن تكون هذه النافلة هي سنة الفجر أو غيرها من السنن النوافل فلا يصح ابتداؤها، وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد وهو قول جمهور أهل العلم خلافاً للحنفية حيث قالوا: إذا كانت سنة الفجر الراتبة فيصح لك أن تبتدئها ولو بعد إقامة الفريضة إذا كنت ستدرك التشهد مع الإمام. وهذا ما ذهب إليه أبو حنيفة رحمه الله، وهذا القول فيه نظر، والصواب أنه إذا أُقيمت الصلاة فلا صلاة إلا الفريضة، سواء كانت النافلة التي يريد أن يبتدئها الإنسان سنة الفجر أو غيرها فيتعين وقت الفريضة، وأيضاً لو قلنا: إن الإنسان يصلي والإمام أقام صلاة الفريضة لكان في ذلك مخالفة للإمام، والنبي عليه الصلاة والسلام نهى عن مخالفة الإمام، فهو يخالف الإمام في وجهين:

الوجه الأول: أنه في نافلة والإمام في فريضة.

والوجه الثاني: من الأفعال، فإنه ينفرد على الإمام بهذه الأفعال.

قال رحمه الله: [وأنه لا يجوز أن يُشتغل بالنافلة مع ضيق الوقت عن الفريضة] وهذا صواب، فإذا تضايق الوقت ولم يبق من الوقت إلا مقدار ما تُفعل به الفريضة فإنه يجب على الإنسان أن يصلي الفريضة؛ لأن الوقت تعين لها، فمثلاً: لو بقي على دخول وقت العصر عشر دقائق وهو لم يصل الظهر فإنه لا يجوز له أن يشرع في النافلة، بل نقول: الوقت تضايق للفريضة فتعين هذا الوقت لها، ويُصبح الوقت وقت نهي بالنسبة للنافلة، وكذلك أيضاً لو أن إنساناً مستيقظاً أخر الفجر حتى لم يبق على طلوع الشمس إلا مقدار عشر دقائق، فنقول: الآن الوقت تعين للفريضة، ولا يجوز له أن يشرع في نافلة كما ذكر المؤلف رحمه الله.

قال: [وأنه لا تٌقضى النوافل إذا كثرت الفوائت الفرائض وما أشبه ذلك فإن القصد من ذلك واحد وهو الاهتمام بالفرائض].

هذا فرق أيضاً بين الفرائض والنوافل، فالفرائض تقضى مطلقاً سواء قلت أو كثرت، يعني: إذا ترك الإنسان الفريضة لعذر كنوم، أو نسيانٍ ونحو ذلك، فإنه يقضيها حتى ولو كثرت؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام في حديث أنس : ( من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها )، أما النوافل فيقول المؤلف رحمه الله: لا تُقضى إذا كثرت، ويُفهم من كلام المؤلف رحمه الله أن السنن الرواتب إذا لم تكثر فإنها تُقضى، وقد استثنى طائفة من أهل العلم الوتر وسنة الفجر فإن هذه تُقضى مطلقاً، سواء كثرت أو قلت.

قال رحمه الله: [ومن الفروق الصحيحة ما ذكروه في الفرق بين صلاة الجمعة وصلاة العيدين وهي عدة فروق قد فصلتها في كتاب الإرشاد].

الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله له كتاب الإرشاد إلى معرفة الأحكام، وقد جعل هذا الكتاب على طريقة السؤال والجواب، وهو كتاب مطبوع وجيد ومفيد وقد أحال عليه في هذه المسألة.

قال رحمه الله: [ومن الفروق الصحيحة بين صيام الفرض والنفل أن الفرض لا بد له من نية موجودة في ليل الصيام، والنفل يصح بنية من النهار، بشرط أن لا يفعل شيئاً من المفطرات].

هذا من الفروق أيضاً بين نفل الصوم وفرض الصوم؛ ففرض الصوم لا بد أن تكون نيته من الليل؛ لحديث حفصة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من لم يجمع الصيام من الليل فلا صيام له )، وأما النفل فإنه يصح من النهار، ويدل لذلك حديث عائشة رضي الله تعالى عنها: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها فقال: هل عندكم شيء؟ قالت: لا، قال: إذن أصوم )، فقول النبي عليه الصلاة والسلام: ( إذن أصوم ) دليل على أنه يصح أن تكون نية النفل بالنسبة للصيام من النهار، فلو أن الإنسان لم يتناول شيئاً من المفطرات لا أكلاً ولا شُرباً ولا جماعاً.. إلخ، ثم بعد ذلك بدا له أن يصوم بعد الظهر حتى ولو كان بعد الزوال، أو بدا له أن يصوم بعد العصر، فنقول: له ذلك، وبعض العلماء رحمهم الله فرق بين النفل المعين والنفل المطلق، فقال: النفل المعين لابد أن تكون النية فيه من الليل؛ لكي يُدرك الأجر المرتب على هذا النفل المعين، مثل: صيام الإثنين والخميس، وصيام يوم عاشوراء، وصيام ستة أيام من شوال، أما إن نويته من النهار فيصح الصيام لا على أنه نفل معين، ولكن على أنه نفل مطلق، يعني: لا تدرك الأجر المرتب على هذا النفل المعين، وهذا قريب وقوي، فنقول: النفل المعين لا بد أن تكون نيته من الليل لكي تدرك الأجر المرتب عليه، أما إن نويته من النهار فأنت تدرك أجر النفل المطلق لا أجر النفل المعين، أما بالنسبة للنفل المطلق الذي ليس معيناً فهذا يصح من النهار ومن الليل.

قال رحمه الله: [ومنها أنه لا يصح صوم النفل ممن عليه فرض الصيام].

ذكر المؤلف رحمه الله أنه لا يصح صوم النفل ممن عليه فرض الصيام، والصواب في هذه المسألة: أنه لا بأس للإنسان أن يتنفل ولو كان عليه فرض صيام، فلو أراد الإنسان إذا كان عليه قضاء مثلاً وأراد أن يصوم يوم عاشوراء قبل أن يقضي فإن هذا لا بأس به، وهذا القول هو الصحيح وهو الصواب، ويدل لذلك حديث عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: ( كان يكون عليّ الصوم فما أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان لمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم )، فـعائشة رضي الله تعالى عنها تؤخر قضاء رمضان إلى أن يأتي شعبان، ولا يُظن بـعائشة رضي الله تعالى عنها أنها تترك صيام النفل.

فالصواب في هذه المسألة: أنه يجوز للإنسان أن يتنفل في الصيام ولو كان عليه شيء من قضاء رمضان؛ ولأن وقت الصيام وقت موسع وسعه الشارع وجعله إلى اختيار الإنسان، فإذا كان هذا منوطاً باختيار الإنسان فله أن يتنفل، ولم يرد دليل يمنع من ذلك، إلا أن الإنسان إذا أراد أن يصوم الستة الأيام من شوال لابد أن يصوم رمضان قضاءً وأداءً؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: ( من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال فكأنما صام الدهر )، ولا يُعتبر الإنسان صام رمضان إلا إذا صامه قضاءً وأداءً.

قال رحمه الله: [ومنها: أنه يصح صيام أيام التشريق للمتمتع والقارن الذي تعذر عليه الهدي دون قضاء رمضان وغيره؛ لأن الله عين الثلاثة أن تكون في الحج فوقتها محصور].

صيام أيام التشريق منهي عنها فلا يجوز للإنسان أن يصوم أيام التشريق؛ لحديث نبيشة الهذلي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( أيام التشريق أيام أكل وشرب ) أخرجه مسلم في صحيحه، ويُستثنى من ذلك المتمتع إذا كان عادماً للهدي فإنه يجوز له أن يصومها، لكن في قضاء رمضان لا يجوز، يعني: لا يجوز للإنسان أن يقضي رمضان في أيام التشريق لكن يجوز إذا كان متمتعاً أو قارناً وعدم الهدي فإن المتمتع والقارن إذا عدم الهدي يجب عليه الصيام، لقول الله عز وجل: فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ [البقرة:196]، فيجب عليه أن يصوم ثلاثة أيام في الحج، ويبدأ وقت صيامها من حين الإحرام بالعمرة إلى غروب الشمس من آخر أيام التشريق، وآخر أيام التشريق اليوم الثالث عشر من شهر ذي الحجة، لو أن إنساناً ما صامها قبل الثلاثة لكن أخرها إلى بعد يوم العيد، يوم النحر وصام الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر فإن هذا لا بأس به، وقد رُخص له في ذلك، لحديث ابن عمر وعائشة قالا: ( لم يُرخص في أيام التشريق أن يُصمن إلا للمتمتع العادم للهدي )، وهذا أخرجه البخاري معلقاً، ( لم يُرخص في أيام التشريق أن يُصمن إلى للمتمتع العادم للهدي )، فالفرق أن أيام التشريق يحرم صومها إلا للمتمتع أو القارن إذا كان عادماً للهدي فإنه يجوز له أن يصوم الثلاثة الأيام التي بالحج في أيام التشريق، أما قضاء رمضان فلا، فلو أراد أن يقضي رمضان في أيام التشريق فإن هذا لا يجوز.

قال رحمه الله: [ومن الفروق بين النوافل: أن الصلاة والصيام وغيرها يجوز قطع نفلها إلا الحج والعمرة، فمتى أحرم بالحج أو العمرة وجب عليه الإتمام].

هذا أيضاً من الفروق، أن النفل يجوز لك أن تقطعه إذا كان صلاة أو صياماً لكن قال العلماء رحمهم الله: يُكره للإنسان أن يقطع نفل الصيام أو نفل الصلاة إلا لحاجة ومصلحة؛ لأن الله عز وجل نهى عن ذلك وقال: وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ [محمد:33]، ويستثنى من ذلك الحج والعمرة فلو أراد الإنسان أن يقطع نفل الحج فلا يجوز، يعني: لو أنه أحرم بنفل الحج ثم بدا له أن يذهب إلى أهله أو أحرم بنفل العمرة ثم بدا له أن يذهب إلى أهله فإنه لا يجوز له أن يقطع ذلك؛ لأن الله عز وجل قال: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ [البقرة:196]، وهذا أمر بالإتمام، فإذا بدء الإنسان أمر بالإتمام، ولأن الله عز وجل قال: ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ [الحج:29]، فالإنسان إذا أحرم بنسك الحج أو العمرة أصبح كالناذر، والناذر يجب عليه أن يوفي، فالحج والعمرة ما يخرج منها الإنسان إلى بواحد من ثلاثة:

الأمر الأول: الردة -نسأل الله السلامة - فإذا ارتد الإنسان عن دين الإسلام وهو معتمر أو ارتد وهو حاج فإنه يبطل نسكه.

الثاني: إتمام النُسك، فإذا أتم الإنسان نُسكه يخرج منه.

الثالث: الإحصار، فإذا أُحصر عن الحج أو أُحصر عن العمرة، فإنه في هذه الحالة يخرج من النُسك كما قال النبي عليه الصلاة والسلام لما أُحصر بالحديبية، ما عدا ذلك فإنه لا يخرج، ولو أن الإنسان وطء وهو في العمرة فيجب عليه أن يعمل ويُكمل هذه العمرة الفاسدة ثم يقضيها، ولو أنه وطء في الحج قبل الإحلال الأول فيجب عليه أن يمضي في هذا الحج الفاسد ويقضيه بعد ذلك؛ لورود ذلك عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم، وهذا فرق بين قطع نفل الحج وقطع نفل الصيام أو الصلاة.. إلخ.

قال رحمه الله: [ومن الفروق الضعيفة: تفريقهم بين الجاهل والناسي والمتعمد في إتلاف الشعر والأظفار، وفي اللبس للمخيط وتغطية الشعر والطيب، وأن الأخيرات يُعذر فيها بالجهل والنسيان، وإزالة الشعر وتقليم الأظفار يجب عليه فيهما الفدية مطلقاً، وعللوه بأنه إتلاف].

ذكر المؤلف رحمه الله هذا الفرق في محظورات الإحرام، والمشهور عند الحنابلة رحمهم الله التفريق في المحظورات بين ما كان من قبيل الإتلاف، وما لم يكن من قبيل الإتلاف، فقالوا: ما كان من قبيل الإتلاف لا يُعذر فيه بالجهل والنسيان، فمثلاً: لو أن المُحرم قلم أظافره ناسياً فلا تسقط عليه الفدية ولا يُعذر في ذلك، بل تجب عليه الفدية، ولو أنه حلق شعر رأسه ناسياً أو جاهلاً فلا تسقط عنه الفدية بالنسيان أو الجهل، ولا يُعذر بذلك فتجب عليه الفدية؛ لأن هذه الأشياء من قبيل الإتلاف، وكذلك في قتل الصيد ما يُعذر بالجهل والنسيان؛ لأنه من قبيل الإتلاف، وكذا الوطء والجماع أيضاً لا يُعذر فيه؛ لأنه من قبيل الإتلاف، أما ما كان ليس من قبيل الإتلاف مثل: الطيب فيُعذر فيه الجاهل والناسي، وتغطية الرأس للذكر يُعذر فيه بالجهل والنسيان، ولبس المخيط للذكر يُعذر فيه بالجهل والنسيان، المهم أن الأشياء ليست من قبيل الإتلاف فيُعذر فيها بالجهل والنسيان، وذكر المؤلف رحمه الله أن هذا التفريق ضعيف، وأن الصواب أنه يُعذر فيه بالجهل والنسيان مُطلقا، وأن كل المحظورات يُعذر فيها بالجهل والنسيان والإكراه مطلقاً سواء كان ذلك في باب الحج أو في غيره من الأبواب، حتى في باب الصلاة وفي باب الصيام.. الخ، فلو أن الإنسان فعل مبطلاً من مبطلات الصلاة وهو ناس أو جاهل أو مُكره فلا تبطل صلاته، ولو أتى مبطلاً من مبطلات الصيام وهو ناس أو جاهل أو مُكره فلا يبطل صيامه، وهكذا.

والأدلة على ذلك كثيرة، من ذلك حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من نسي فأكل أو شرب وهو صائم فليُتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه )، فعذره الله عز وجل بنسيانه، ومن ذلك أيضاً حديث عدي بن حاتم الطائي رضي الله تعالى عنه فإنه أكل بعد طلوع الفجر وهو جاهل فعذره النبي صلى الله عليه وسلم، وأيضاً قول الله عز وجل: رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة:286] ، وقول النبي عليه الصلاة والسلام: ( إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه )، وفرق بين باب الأوامر وباب النواهي، فباب النواهي يُعذر فيه بالجهل والنسيان والإكراه، أما باب الأوامر فلا يُعذر فيه، فالصواب كما ذكر المؤلف رحمه الله أن هذه المحظورات سواء كان ذلك في باب الحج أو في غيره فإنه يُعذر فيها بالجهل والنسيان. ‏

التفريق بين حق الله وحق العبد في الجهل والنسيان

قال رحمه الله: [والذين لم يفرقوا قالوا: المقصود من الجميع واحد، وهو حصول الترفه بالمذكورات وهي كلها مستويات في ذلك، والشعور والأظفار لا قيمة لها، وأيضاً إنما الإتلاف الذي يستوي فيه الأهل وغيره في حقوق الآدميين كإتلاف النفوس والأموال، وهذه الحق فيها لله متمحض، فإذا كان معذوراً بالإجماع غير آثم فكذلك الفدية].

أشار المؤلف رحمه الله إلى فرق آخر وهو: التفريق بين حقوق الآدميين وحقوق الله عز وجل، فحقوق الآدميين فيما يتعلق بالحكم الوضعي لا يُعذر فيها بالجهل والنسيان، فلو أن الإنسان أتلف سيارة شخص وهو مخطئ أو ناس فلا يُعذر، أو أتلف ثوبه أو أتلف كتابه وهو مخطئ أو ناس فلا يُعذر في ذلك، لكن بالنسبة لحقوق الله عز وجل فإنه يُعذر كما لو أن الإنسان أكل ناسياً وهو صائم أو فعل المحظور وهو محرم ناسياً أو جاهلاً، فنقول: يُعذر في ذلك.

ومن الأدلة أيضاً على أنه لا فرق في المحظورات فكلها يُعذر فيها بالجهل والنسيان والإكراه: أن الله عز وجل قيد جزاء الصيد بكونه متعمداً، فيُفهم من ذلك أنه إذا كان جاهلاً أو ناسياً فإنه يُعذر في ذلك، وهذا نص في محل النزاع مع الغير، والإتلاف بالصيد أعظم الإتلافات وقد بينه الله عز وجل بقوله: مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ [المائدة:95] ، فيُفهم من ذلك أنه إذا كان ناسياً أو جاهلاً أو مكرهاً فإنه لا شيء عليه.

والمهم أن حقوق الآدميين لا يُعذر فيها فلو نسي الإنسان وأتلف مال غيره، أو أتلف سيارته أو أتلف متاعه أو أخطأ في ذلك وأتلف، فنقول: لا يُعذر.

الفرق بين جماع المعذور بجهل أو نسيان وغيره

قال رحمه الله: [وبهذا أيضاً تعرف ضعف الفرق بين جماع المعذور بجهل أو نسيان، وغير المعذور كما هو المشهور من المذهب، والتفريق بين المعذور وغيره هو الأولى كما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره في مسألة فطر الصائم وإفساد الحج والعمرة وغيرها].

يقول: والتفريق بين المعذور وغيره هو الأولى كما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وغيره في مسألة فطر الصائم، وإفساد الحج والعمرة وغيره، يعني: لو أن الإنسان جامع وهو جاهل أو ناس فنسي أن اليوم من رمضان فجامع أهله، فهل يُعذر في ذلك أو لا يُعذر؟ يقول: الصواب في ذلك أنه يُعذر؛ لأنه جامع وهو ناس؛ لأن هذا من باب المحظورات، وكذلك أيضاً لو أنه جهل أن الفجر قد طلع ثم جامع، فنقول: يُعذر كما ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، هذا فيما يتعلق بالإفطار في رمضان، وكذلك أيضاً في الحج فلو أنه جامع وهو ناس أنه مُحرم أو جاهل بتحريم الجماع فالصحيح أنه يُعذر، فيُفرق بين المعذور وغير المعذور، والذي لا يُعذر هو المتعمد.

الفرق بين المتعمد وغيره في قتل الصيد

قال رحمه الله: [وبه أيضاً يعرف ضعف عدم التفريق بين المتعمد وغير المتعمد في قتل الصيد وأن في الجميع الجزاء كما هو مذهب الجمهور مع أن الآية الكريمة نصت على المتعمد نصاً صريحاً في قوله: وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ [المائدة:95] ].

الصيد وهو أعظم الإتلافات قال الله عز وجل فيه: وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ [المائدة:95] ، فالله عز وجل نص على المتعمد، فدل ذلك على أن الإنسان إذا كان معذوراً بنسيان أو جهل وقتل الصيد -وهو أعظم الإتلافات- فإنه لا شيء عليه ولا يأثم ولا تلزمه الفدية، فإذا كان هذا في الصيد الذي هو أعظم الإتلافات فغيره من باب أولى.

وهذا في باب النواهي، يُعذر فيه بالجهل والنسيان والإكراه، أما باب الأوامر فلا يُعذر فيه إذا كان الإنسان يمكنه أنه يتدارك، كقصة ذلك الأعرابي الجاهل الذي أمره النبي عليه الصلاة والسلام فقال له: ( صل فإنك لم تصل ).

وقال لـأبي بردة لما ذبح قبل صلاة العيد قبل دخول وقت الذبح، فقال: ( شاتك شاة لحم )، فهذا يؤخذ منه أن باب الأوامر ما دام الإنسان يمكنه أن يتدارك الأمر فإنه يجب عليه.