من صور إيذاء المسلمين


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

عباد الله! يشيع الإسلام المحبة بين المسلمين، وتوثق شرائعه روابط الود بين المؤمنين، وتنهى تعاليمه عن كل ما يخل بتآلفهم، وصفاء نفوسهم، ولكن الشيطان قاعد للإنسان بطرقه كلها، ينزغ ويوسوس ويؤنب، وينصب رايته في الإفساد، ولئن كان كيد الشيطان ضعيفاً فما أكثر الناس ولو حرصت بالمؤمنين، وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ [سبأ:13].

إن أذية المسلم بأي شكل كانت وبأي وسيلة تمت هي من نزغات الشيطان، وهي استجابة يضعف فيها الإنسان، وينسى فيها أو يتناسى رقابة الرحمن، وهي بلاء يبلى بها بعض الناس، ويبتلي الله بها آخرين، وإذا كانت أذية غير المسلم منهياً عنها في الشريعة فما الظن بأذية المسلم لأخيه في الإسلام، (ومن قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة)، أما أذية المؤمن فقد عظم الله أمرها ورتب العقوبة عليها، قال الله عز وجل: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا [الأحزاب:58].

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه)، وصعد عليه الصلاة والسلام المنبر فنادى بصوت رفيع: (يا معشر من أسلم بلسانه، ولم يفض الإيمان إلى قلبه، لا تؤذوا المسلمين ولا تعيروهم، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته فضحه ولو في جوف رحله).

ونظر ابن عمر رضي الله عنهما يوماً إلى البيت، فقال: ما أعظمك وأعظم حرمتك، والمؤمن أعظم حرمةً عند الله منك، رواه الترمذي بإسناد صحيح.

ما أحوجنا إلى هذا الفهم لقيمة المسلمين وحرماتهم، ومن لم يخش عقوبة الآخرة فلينتظر عقوبةً معجلةً في الدنيا.

قال الأحنف بن قيس رحمه الله: من أسرع إلى الناس فيما يكرهون، قالوا فيه ما لا يعلمون.

وقال الشاعر:

من دعا الناس إلى ذمه ذموه بالحق وبالباطل

عباد الله! وهناك صور كثيرة يظهر فيها أذية بعض المسلمين للآخرين، فمن ذلك:

سوء الخلق مع المسلم

سوء الخلق مع المسلم! فأخلاق السوء -نعوذ بالله منها- تجر أصحابها إلى الإساءة للآخرين بحق أو بباطل، وتسري آثارها في المجتمع إفساداً، قال الشاعر:

من نم في الناس لم تؤمن عقاربه على الصديق ولم تؤمن أفاعيه

كالسيل بالليل لا يدري به أحد من أين جاء ولا من أين يأتيه

فالويل للعهد منه كيف ينقضه والويل للود منه كيف يفنيه

السخرية بالآخرين وأذيتهم في بيوتهم

ومن مساوئ الأخلاق: السخرية بالآخرين، والتجسس عليهم وسوء الظن بهم، قال الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ [الحجرات:11-12].

ومن مظاهر أذية المسلمين: أذيتهم في بيوتهم، كالمعاكسات الهاتفية من بعض قليلي الإيمان، وهذا محرم ولا يجوز، قال الشيخ بكر أبو زيد حفظه الله في رسالته أدب الهاتف: فهذه الاتصالات والمعاكسات وايم الله حرام حرام، وإثم وجناح، وفاعله حري بالعقوبة، فيخشى أن تنزل به عقوبة تلوث وجه كرامته.

وعفوا تعف نساءكم.

أذية المسلمين في معاملاتهم وحقوقهم وطرقاتهم

ومن صور أذية المسلمين: تأخير أعمالهم في الدوائر الحكومية من قبل بعض الموظفين من غير مبرر شرعي، وقد يطلب الموظفون بطريق صريح أو غير صريح شيئاً من الهدايا، وهذه رشوة ملعون فاعلها، ففي السنن ومسند أحمد: (أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن الراشي والمرتشي).

ومن صور أذية المسلمين: حركات التفحيط في السيارات، ورفع أصوات إطاراتها، وترويع المسلمين، فهذا كله محرم، قال الله عز وجل: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا [الأحزاب:58].

ومن ذلك: رفع أصوات الغناء عند الإشارات المرورية دون حياء أو تقدير لمشاعر الآخرين.

ومن ذلك: الجلوس في الطرقات، أو عند أبواب مدارس البنات للنظر للنساء والفتيات، ومن قدر له الجلوس في الطرقات لغرض صحيح فلا بد أن يعطي الطريق حقه.

ومن أذية المسلمين: مماطلتهم في حقوقهم، وعدم القيام بعقودهم، قال الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ [المائدة:1].

وقال عليه الصلاة والسلام: (مطل الغني ظلم يحل عرضه وعقوبته).

وقد يتحول الأذى إلى المسلمين في مساجدهم، كمن جاء للمسجد وفي فمه رائحة كريهة من ثوم أو بصل أو كراث أو دخان ونحو ذلك، أو جعل في هاتفه النقال نغمات موسيقية تؤذي المصلين وملائكة الرحمن، فليتق أولئك الذين يجعلون في هواتفهم النقالة ما يؤذي المسلمين، وليتقوا دعاء المسلمين في بيوت الله وهم يؤدون صلاة الله.

أذية الزوج لزوجته والعكس

ومن ذلك أيضاً: أذية كثير من الأزواج لزوجاتهم بترك المعاشرة بالمعروف، وعدم القيام بحقوق النفقة والكساء، فتجد التطاول على الزوجات بالسب والشتم والعيب والقدح وعدم اللطافة، وهجر البيت لمدة طويلة، فلا يأتي بعض الأزواج البيت إلا في منتصف الليل أو بعده، جاعلاً حسن عشرته لرفقائه وخلانه، ومن الأزواج من يقصر في حقوق زوجته المادية إذا كانت موظفة، أو يظلمها في مرتبها ويتحيل على أخذه بطريق مباشر أو غير مباشر، وهناك صنف من الأزواج يتنكر للصحبة السابقة، فإذا تزوج أخرى ظلم الأولى أو الثانية بالتقصير في حقها.

إن مما يحفظ العلاقة الزوجية المعاشرة بالمعروف، وإن الكمال في البيت وأهل البيت أمر متعذر، والأمل في استكمال كل الصفات فيهم بعيد المنال في الطبع البشري.

ومن رجاحة العقل ولب التفكير توطين النفس على قبول بعض المضايقات، والغض عن بعض المنغصات، والرجل وهو رب الأسرة مطالب بتصبير نفسه أكثر من المرأة، كيف وقد علم أنها ضعيفة في خلقها وخلقها، إذا حوسبت على كل شيء عجزت عن كل شيء، والمبالغة في تقويمها يقود إلى كسرها، وكسرها طلاقها.

ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين، واجعلنا للمتقين إماماً.

أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

أذية المسلم لجيرانه وخدمه وعماله

الحمد لله رب العالمين، فرق بين الناس في أخلاقهم وتعاملهم، كما فرق بينهم في أشكالهم وأرزاقهم، وجعل منهم مفاتيح للخير مغاليق للشر، وجعل آخرين بضدهم وهو العليم الخبير.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، كما أمر بالإحسان إلى خلقه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، الذي قال: (ألا إن المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه)، اللهم صل وسلم عليه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين.

عباد الله! وأذية الجار لجاره نوع من الأذى المنهي عنه، فللجار المسلم حق الجوار إضافةً إلى حق إخوة الإسلام، وسواء كان ذلك بإسماعه ما يكره، أو بتتبع عوراته وإفشاء أسراره، أو تخوينه فيما هو مؤتمن عليه، وقال عليه الصلاة والسلام: (لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه) رواه مسلم عن أبي هريرة.

وفي الصحيحين: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره).

ألا واحذروا الأذية للخدم والسائقين، بتكليفهم ما لا يطاق، أو بمطلهم حقوقهم، أو بتتبع عوراتهم، والنظر إليهم، فاتقوا الله فيهم.

كذلك أيضاً اتقوا الله في عمالكم، من كان تحت يده شيء من إخوانه فليطعمه مما يطعم، ويلبسه مما يلبس، ولا يكلفه ما لا يطيق، واتقوا الله عز وجل فيهم بتعليمهم أمور دينهم، فهم أمانات في أيديكم، علموهم العقيدة الصحيحة، وأركان الإسلام، (ولأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم)، (ومن سن في الإسلام سنةً حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة).

سوء الخلق مع المسلم! فأخلاق السوء -نعوذ بالله منها- تجر أصحابها إلى الإساءة للآخرين بحق أو بباطل، وتسري آثارها في المجتمع إفساداً، قال الشاعر:

من نم في الناس لم تؤمن عقاربه على الصديق ولم تؤمن أفاعيه

كالسيل بالليل لا يدري به أحد من أين جاء ولا من أين يأتيه

فالويل للعهد منه كيف ينقضه والويل للود منه كيف يفنيه

ومن مساوئ الأخلاق: السخرية بالآخرين، والتجسس عليهم وسوء الظن بهم، قال الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ [الحجرات:11-12].

ومن مظاهر أذية المسلمين: أذيتهم في بيوتهم، كالمعاكسات الهاتفية من بعض قليلي الإيمان، وهذا محرم ولا يجوز، قال الشيخ بكر أبو زيد حفظه الله في رسالته أدب الهاتف: فهذه الاتصالات والمعاكسات وايم الله حرام حرام، وإثم وجناح، وفاعله حري بالعقوبة، فيخشى أن تنزل به عقوبة تلوث وجه كرامته.

وعفوا تعف نساءكم.

ومن صور أذية المسلمين: تأخير أعمالهم في الدوائر الحكومية من قبل بعض الموظفين من غير مبرر شرعي، وقد يطلب الموظفون بطريق صريح أو غير صريح شيئاً من الهدايا، وهذه رشوة ملعون فاعلها، ففي السنن ومسند أحمد: (أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن الراشي والمرتشي).

ومن صور أذية المسلمين: حركات التفحيط في السيارات، ورفع أصوات إطاراتها، وترويع المسلمين، فهذا كله محرم، قال الله عز وجل: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا [الأحزاب:58].

ومن ذلك: رفع أصوات الغناء عند الإشارات المرورية دون حياء أو تقدير لمشاعر الآخرين.

ومن ذلك: الجلوس في الطرقات، أو عند أبواب مدارس البنات للنظر للنساء والفتيات، ومن قدر له الجلوس في الطرقات لغرض صحيح فلا بد أن يعطي الطريق حقه.

ومن أذية المسلمين: مماطلتهم في حقوقهم، وعدم القيام بعقودهم، قال الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ [المائدة:1].

وقال عليه الصلاة والسلام: (مطل الغني ظلم يحل عرضه وعقوبته).

وقد يتحول الأذى إلى المسلمين في مساجدهم، كمن جاء للمسجد وفي فمه رائحة كريهة من ثوم أو بصل أو كراث أو دخان ونحو ذلك، أو جعل في هاتفه النقال نغمات موسيقية تؤذي المصلين وملائكة الرحمن، فليتق أولئك الذين يجعلون في هواتفهم النقالة ما يؤذي المسلمين، وليتقوا دعاء المسلمين في بيوت الله وهم يؤدون صلاة الله.




استمع المزيد من الشيخ الدكتور خالد بن علي المشيقح - عنوان الحلقة اسٌتمع
أحكام الصيام 2890 استماع
حقيقة الإيمان - تحريم التنجيم 2512 استماع
مداخل الشيطان على الإنسان 2490 استماع
الأمن مطلب الجميع [2] 2435 استماع
غزوة الأحزاب 2372 استماع
نصائح وتوجيهات لطلاب العلم 2364 استماع
دروس من قصة موسى مع فرعون 2351 استماع
دروس من الهجرة النبوية 2348 استماع
شهر الله المحرم وصوم عاشوراء 2208 استماع
حقوق الصحبة والرفقة 2177 استماع