شرح سنن أبي داود [594]


الحلقة مفرغة

شرح حديث (مر بي رسول الله وأنا أطين حائطاً...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ما جاء في البناء.

حدثنا مسدد بن مسرهد قال حدثنا حفص عن الأعمش عن أبي السفر عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: (مر بي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنا أطين حائطاً لي أنا وأمي، فقال: ما هذا يا عبد الله ؟! فقلت: يا رسول الله! شيء أصلحه، فقال: الأمر أسرع من ذلك) ].

أورد الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى باباً فيما جاء في البناء.

والمقصود من ذلك بنيان البيوت وغيرها، والمقصود من ذكر هذه الترجمة ذكر ما ورد من الأحاديث المتعلقة بالبناء، والحاجة إلى البنيان أمر معلوم، والناس لابد لهم من البنيان واتخاذ الأماكن التي يتخذونها سكناً، والمحذور هو الذي يكون فيه مفاخرة وتكبر أو ما إلى ذلك.

وقد أورد أبو داود عدة أحاديث أولها حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم مر به وهو يطين حائطاً له هو وأمه، والمقصود بالتطيين: أنه يبني شيئاً بالطين، فقال: ما هذا؟ قال: شيئاً نصلحه، يعني: أنه فيه خلل فيصلحه.

قال: (الأمر أسرع من ذلك) يعني: أن الموت قريب. وهذا لا يدل على المنع من ذلك، بل فيه بيان ذهاب وفناء الدنيا، وأن الإنسان لابد أن يغادر هذه الحياة الدنيا، وأن عليه أن يعتني بعمارة الدار الآخرة، وإذا فعل ما يحتاج إليه من البنيان في هذه الحياة الدنيا فلا بأس بذلك، ولهذا كان بعض العلماء قد وعظ البعض وعظاً عظيماً كبيراً، ونصحه بنصيحة قيمة وموعظة بليغة، وكان مما قاله فيها: فاعمر قبرك كما عمرت قصرك. إشارة إلى الاستعداد للدار الآخرة، وأن الإنسان يعمل الأعمال الصالحة التي يجد فيها السلامة والنجاة في القبر وما بعد القبر، أما وقد حصلت العناية في أمور الدنيا فلا بد أن تكون العناية بما هو أهم وأعظم من أمور الآخرة.

والرسول صلى الله عليه وسلم أول ما قدم المدينة نزل ضيفاً على أبي أيوب الأنصاري رضي الله تعالى عنه، وكان بيته مكوناً من دورين، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم في الدور الأسفل، وكان هو في الدور الأعلى، فجاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وطلب منه أن يتحول من الأسفل إلى الأعلى، وقال: لا أحب أن أكون فوقك يا رسول الله، فانتقل عليه الصلاة والسلام إلى الدور الأعلى.

فالبنيان المحتاج إليه لا بأس به، وهذا أمر لا بد منه، وهو من الأمور الضرورية للناس، وهذا الذي قاله الرسول صلى الله عليه وسلم ليس منعاً، وإنما هو تنبيه إلى ما هو الأهم والأعظم، وأن الإنسان يستعد للموت، والاستعداد للحياة لا يحتاج إلى أن يوصى الإنسان به فهو مستعد بدون أن يوصى، ولكن الاستعداد للآخرة هو الذي يحتاج إلى تنبيه ووصية.

تراجم رجال إسناد حديث (مر بي رسول الله وأنا أطين حائطاً...)

قوله: [ قال حدثنا مسدد بن مسرهد ].

مسدد بن مسرهد ثقة أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي .

[ حدثنا حفص ].

حفص بن غياث ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن الأعمش ].

الأعمش هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبي السفر ].

أبو السفر هو سعيد بن يحمد وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عبد الله بن عمرو ].

عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث (... ما أرى الأمر إلا أعجل من ذلك)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة وهناد المعنى قالا: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش بإسناده بهذا قال: (مر علي رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ونحن نعالج خُصاً لنا وهى، فقال: ما هذا؟ فقلنا: خص لنا وهى فنحن نصلحه، فقال رسول الله عليه وعلى آله وسلم: ما أرى الأمر إلا أعجل من ذلك) ].

أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمرو من طريق أخرى، وفيه أنه قال: (خصَّا)، والخص قيل هو: البنيان أو الشيء المتخذ من الخشب والقصب، وهناك قال: (نطين) فإما أن تكون القصة قصتين أو أنها واحدة، ولكنه يعالجه بالبنيان بأن يبني في أسفله حتى يثبت فيه الخشب والقصب، فإذا كانت القصة واحدة فلا تنافي بينهما، فالتطيين لا ينافي إصلاح أو معالجة ما هو متخذ من الخشب والقصب، وذلك لأن الأساس في الأصل إنما يكون بالطين، حيث تبنى جوانبه بالطين حتى يتماسك.

تراجم رجال إسناد حديث (... ما أرى الأمر إلا أعجل من ذلك)

قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ].

عثمان بن أبي شيبة ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي وإلا النسائي فقد أخرج له في عمل اليوم والليلة.

[ وهناد ].

هناد بن السري أبو السري ثقة أخرج له البخاري في خلق أفعال العباد ومسلم وأصحاب السنن.

[ حدثنا أبو معاوية ].

هو محمد بن خازم الضرير الكوفي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن الأعمش ].

الأعمش مر ذكره.

شرح حديث (... أما إن كل بناء وبال على صاحبه إلا ما لا، إلا ما لا... )

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن يونس قال حدثنا زهير حدثنا عثمان بن حكيم قال: أخبرني إبراهيم بن محمد بن حاطب بن القرشي عن أبي طلحة الأسدي عن أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم خرج فرأى قبة مشرفة فقال: ما هذه؟ قال له أصحابه: هذه لفلان. رجل من الأنصار، قال: فسكت وحملها في نفسه حتى إذا جاء صاحبها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يسلم عليه في الناس أعرض عنه. صنع ذلك مراراً حتى عرف الرجل الغضب فيه والإعراض عنه، فشكا ذلك إلى أصحابه، فقال: والله إني لأنكر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، قالوا: خرج فرأى قبتك قال: فرجع الرجل إلى قبته فهدمها حتى سواها بالأرض، فخرج رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذات يوم فلم يرها، قال: ما فعلت القبة؟ قالوا: شكا إلينا صاحبها إعراضك عنه فأخبرناه فهدمها، فقال: أما إن كل بناء وبال على صاحبه إلا ما لا، إلا ما لا. يعني: ما لابد منه) ].

أورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوماً ورأى قبة مشرفة، يعني: أنها عالية، فقال: لمن هذه؟ قالوا: لفلان، فكان ذلك الرجل يأتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم لا يظهر له انبساطاً، فتأثر هذا الرجل، فأخبر بعض الصحابة بالذي رآه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه فهم أن في نفسه شيئاً عليه، فقالوا له: إنه سأل عن القبة وإنه ذكر القبة، فذهب وهدمها، فلقيه بعد ذلك فأخبره أنه هدمها فقال: (إن كل بناء وبال على صاحبه إلا ما لا، إلا ما لا. يعني: إلا ما لا بد منه)، يعني الشيء الذي لا يحتاج إليه الإنسان فإنه يكون ضرراً على صاحبه، ولعله اتخذ القبة وجعلها مشرفة، فكان هذا فيه شيء من الصفات الغير حميدة التي قد يفهم منها شيئاً من التكبر أو الترفع، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم ما قال.

والحديث ضعفه الألباني في ضعيف أبي داود ، ولكنه أشار إلى أن إسناده جيد أظنه في (الضعيفة)، وفيه رجل وصفه الحافظ بأنه مقبول، والذهبي قال في الكاشف: إنه صدوق، وهو ابن حاطب هذا.

والحديث على حسب ما جاء عن الذهبي أن فيه رجلاً صدوقاً، معناه أن الإسناد جيد، وأما الحافظ فقد قد قال عنه في (التقريب) مقبول، ولا أدري ما وجه قوله عنه: مقبول. (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى قبة مشرفة فقال: ما هذه؟ قال له أصحابه: هذه لفلان. رجل من الأنصار، قال: فسكت وحملها في نفسه حتى إذا جاء صاحبها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يسلم عليه في الناس أعرض عنه، صنع ذلك مراراً حتى عرف الرجل الغضب فيه والإعراض عنه، فشكا ذلك إلى أصحابه، فقال: والله إني لأنكر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قالوا: خرج فرأى قبتك، قال: فرجع الرجل إلى).

يعني: يراه متغيراً متأثر، وأنه كان يعرض عنه فلم يكن كما كان من قبل، فظن أن في الأمر شيئاً، فسأل بعض الصحابة فأخبروه عن قصة القبة. (فرجع الرجل إلى قبته فهدمها حتى سواها بالأرض، فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذات يوم فلم يرها، قال: ما فعلت القبة؟ قالوا: شكا إلينا صاحبها إعراضك عنه فأخبرناه فهدمها، فقال: أما إن كل بناء وبال على صاحبه إلا ما لا، إلا ما لا. يعني: ما لابد منه)

أي ما لابد منه، وهذا فيه حذف اسم لا وخبرها، ويحذف أحياناً الاسم والخبر، وأحياناً يحذف الاسم دون الخبر، مثلما جاء في قول الله عز وجل: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ [الزلزلة:7] إن خيراً فخير وإن شراً فشر. يعني: حذف كان واسمها وبقي الخبر، وكذلك أيضاً هنا حذف اسم لا النافية للجنس وخبرها، وكذلك قول الله عز وجل في سورة الطلاق: فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللاَّئِي لَمْ يَحِضْنَ [الطلاق:4] حذف المبتدأ والخبر.

وقوله: وَاللاَّئِي لَمْ يَحِضْنَ أي: فعدتهن ثلاثة أشهر مثل الذي قبله.

تراجم رجال إسناد حديث (... أما إن كل بناء وبال على صاحبه إلا ما لا، إلا ما لا...)

قوله: [ حدثنا أحمد بن يونس ].

أحمد بن يونس ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا زهير ].

زهير بن معاوية ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا عثمان بن حكيم ].

عثمان بن حكيم ثقة أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.

[ أخبرني إبراهيم بن محمد بن حاطب القرشي ].

إبراهيم بن محمد بن حاطب قال عنه في التقريب: صدوق أخرج له أبو داود .

[ عن أبي طلحة الأسدي ].

أبو طلحة الأسدي مقبول أخرج له أبو داود، وفي الكاشف قال عنه الذهبي صدوق.

[ عن أنس ].

أنس رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخادمه، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ما جاء في البناء.

حدثنا مسدد بن مسرهد قال حدثنا حفص عن الأعمش عن أبي السفر عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: (مر بي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنا أطين حائطاً لي أنا وأمي، فقال: ما هذا يا عبد الله ؟! فقلت: يا رسول الله! شيء أصلحه، فقال: الأمر أسرع من ذلك) ].

أورد الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى باباً فيما جاء في البناء.

والمقصود من ذلك بنيان البيوت وغيرها، والمقصود من ذكر هذه الترجمة ذكر ما ورد من الأحاديث المتعلقة بالبناء، والحاجة إلى البنيان أمر معلوم، والناس لابد لهم من البنيان واتخاذ الأماكن التي يتخذونها سكناً، والمحذور هو الذي يكون فيه مفاخرة وتكبر أو ما إلى ذلك.

وقد أورد أبو داود عدة أحاديث أولها حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم مر به وهو يطين حائطاً له هو وأمه، والمقصود بالتطيين: أنه يبني شيئاً بالطين، فقال: ما هذا؟ قال: شيئاً نصلحه، يعني: أنه فيه خلل فيصلحه.

قال: (الأمر أسرع من ذلك) يعني: أن الموت قريب. وهذا لا يدل على المنع من ذلك، بل فيه بيان ذهاب وفناء الدنيا، وأن الإنسان لابد أن يغادر هذه الحياة الدنيا، وأن عليه أن يعتني بعمارة الدار الآخرة، وإذا فعل ما يحتاج إليه من البنيان في هذه الحياة الدنيا فلا بأس بذلك، ولهذا كان بعض العلماء قد وعظ البعض وعظاً عظيماً كبيراً، ونصحه بنصيحة قيمة وموعظة بليغة، وكان مما قاله فيها: فاعمر قبرك كما عمرت قصرك. إشارة إلى الاستعداد للدار الآخرة، وأن الإنسان يعمل الأعمال الصالحة التي يجد فيها السلامة والنجاة في القبر وما بعد القبر، أما وقد حصلت العناية في أمور الدنيا فلا بد أن تكون العناية بما هو أهم وأعظم من أمور الآخرة.

والرسول صلى الله عليه وسلم أول ما قدم المدينة نزل ضيفاً على أبي أيوب الأنصاري رضي الله تعالى عنه، وكان بيته مكوناً من دورين، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم في الدور الأسفل، وكان هو في الدور الأعلى، فجاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وطلب منه أن يتحول من الأسفل إلى الأعلى، وقال: لا أحب أن أكون فوقك يا رسول الله، فانتقل عليه الصلاة والسلام إلى الدور الأعلى.

فالبنيان المحتاج إليه لا بأس به، وهذا أمر لا بد منه، وهو من الأمور الضرورية للناس، وهذا الذي قاله الرسول صلى الله عليه وسلم ليس منعاً، وإنما هو تنبيه إلى ما هو الأهم والأعظم، وأن الإنسان يستعد للموت، والاستعداد للحياة لا يحتاج إلى أن يوصى الإنسان به فهو مستعد بدون أن يوصى، ولكن الاستعداد للآخرة هو الذي يحتاج إلى تنبيه ووصية.

قوله: [ قال حدثنا مسدد بن مسرهد ].

مسدد بن مسرهد ثقة أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي .

[ حدثنا حفص ].

حفص بن غياث ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن الأعمش ].

الأعمش هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبي السفر ].

أبو السفر هو سعيد بن يحمد وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عبد الله بن عمرو ].

عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة وهناد المعنى قالا: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش بإسناده بهذا قال: (مر علي رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ونحن نعالج خُصاً لنا وهى، فقال: ما هذا؟ فقلنا: خص لنا وهى فنحن نصلحه، فقال رسول الله عليه وعلى آله وسلم: ما أرى الأمر إلا أعجل من ذلك) ].

أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمرو من طريق أخرى، وفيه أنه قال: (خصَّا)، والخص قيل هو: البنيان أو الشيء المتخذ من الخشب والقصب، وهناك قال: (نطين) فإما أن تكون القصة قصتين أو أنها واحدة، ولكنه يعالجه بالبنيان بأن يبني في أسفله حتى يثبت فيه الخشب والقصب، فإذا كانت القصة واحدة فلا تنافي بينهما، فالتطيين لا ينافي إصلاح أو معالجة ما هو متخذ من الخشب والقصب، وذلك لأن الأساس في الأصل إنما يكون بالطين، حيث تبنى جوانبه بالطين حتى يتماسك.

قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ].

عثمان بن أبي شيبة ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي وإلا النسائي فقد أخرج له في عمل اليوم والليلة.

[ وهناد ].

هناد بن السري أبو السري ثقة أخرج له البخاري في خلق أفعال العباد ومسلم وأصحاب السنن.

[ حدثنا أبو معاوية ].

هو محمد بن خازم الضرير الكوفي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن الأعمش ].

الأعمش مر ذكره.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن يونس قال حدثنا زهير حدثنا عثمان بن حكيم قال: أخبرني إبراهيم بن محمد بن حاطب بن القرشي عن أبي طلحة الأسدي عن أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم خرج فرأى قبة مشرفة فقال: ما هذه؟ قال له أصحابه: هذه لفلان. رجل من الأنصار، قال: فسكت وحملها في نفسه حتى إذا جاء صاحبها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يسلم عليه في الناس أعرض عنه. صنع ذلك مراراً حتى عرف الرجل الغضب فيه والإعراض عنه، فشكا ذلك إلى أصحابه، فقال: والله إني لأنكر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، قالوا: خرج فرأى قبتك قال: فرجع الرجل إلى قبته فهدمها حتى سواها بالأرض، فخرج رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذات يوم فلم يرها، قال: ما فعلت القبة؟ قالوا: شكا إلينا صاحبها إعراضك عنه فأخبرناه فهدمها، فقال: أما إن كل بناء وبال على صاحبه إلا ما لا، إلا ما لا. يعني: ما لابد منه) ].

أورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوماً ورأى قبة مشرفة، يعني: أنها عالية، فقال: لمن هذه؟ قالوا: لفلان، فكان ذلك الرجل يأتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم لا يظهر له انبساطاً، فتأثر هذا الرجل، فأخبر بعض الصحابة بالذي رآه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه فهم أن في نفسه شيئاً عليه، فقالوا له: إنه سأل عن القبة وإنه ذكر القبة، فذهب وهدمها، فلقيه بعد ذلك فأخبره أنه هدمها فقال: (إن كل بناء وبال على صاحبه إلا ما لا، إلا ما لا. يعني: إلا ما لا بد منه)، يعني الشيء الذي لا يحتاج إليه الإنسان فإنه يكون ضرراً على صاحبه، ولعله اتخذ القبة وجعلها مشرفة، فكان هذا فيه شيء من الصفات الغير حميدة التي قد يفهم منها شيئاً من التكبر أو الترفع، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم ما قال.

والحديث ضعفه الألباني في ضعيف أبي داود ، ولكنه أشار إلى أن إسناده جيد أظنه في (الضعيفة)، وفيه رجل وصفه الحافظ بأنه مقبول، والذهبي قال في الكاشف: إنه صدوق، وهو ابن حاطب هذا.

والحديث على حسب ما جاء عن الذهبي أن فيه رجلاً صدوقاً، معناه أن الإسناد جيد، وأما الحافظ فقد قد قال عنه في (التقريب) مقبول، ولا أدري ما وجه قوله عنه: مقبول. (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى قبة مشرفة فقال: ما هذه؟ قال له أصحابه: هذه لفلان. رجل من الأنصار، قال: فسكت وحملها في نفسه حتى إذا جاء صاحبها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يسلم عليه في الناس أعرض عنه، صنع ذلك مراراً حتى عرف الرجل الغضب فيه والإعراض عنه، فشكا ذلك إلى أصحابه، فقال: والله إني لأنكر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قالوا: خرج فرأى قبتك، قال: فرجع الرجل إلى).

يعني: يراه متغيراً متأثر، وأنه كان يعرض عنه فلم يكن كما كان من قبل، فظن أن في الأمر شيئاً، فسأل بعض الصحابة فأخبروه عن قصة القبة. (فرجع الرجل إلى قبته فهدمها حتى سواها بالأرض، فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذات يوم فلم يرها، قال: ما فعلت القبة؟ قالوا: شكا إلينا صاحبها إعراضك عنه فأخبرناه فهدمها، فقال: أما إن كل بناء وبال على صاحبه إلا ما لا، إلا ما لا. يعني: ما لابد منه)

أي ما لابد منه، وهذا فيه حذف اسم لا وخبرها، ويحذف أحياناً الاسم والخبر، وأحياناً يحذف الاسم دون الخبر، مثلما جاء في قول الله عز وجل: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ [الزلزلة:7] إن خيراً فخير وإن شراً فشر. يعني: حذف كان واسمها وبقي الخبر، وكذلك أيضاً هنا حذف اسم لا النافية للجنس وخبرها، وكذلك قول الله عز وجل في سورة الطلاق: فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللاَّئِي لَمْ يَحِضْنَ [الطلاق:4] حذف المبتدأ والخبر.

وقوله: وَاللاَّئِي لَمْ يَحِضْنَ أي: فعدتهن ثلاثة أشهر مثل الذي قبله.