شرح سنن أبي داود [093]


الحلقة مفرغة

شرح حديث (يقطع صلاة الرجل الحمار والكلب الأسود والمرأة)

قال المصنف رحمه الله تعالى:

[ باب ما يقطع الصلاة:

حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة ، ح: وحدثنا عبد السلام بن مطهر وابن كثير -المعنى- أن سليمان بن المغيرة أخبرهم عن حميد بن هلال عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر رضي الله عنه، قال حفص : قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يقطع صلاة الرجل)، وقال عن سليمان : قال أبو ذر : (يقطع صلاة الرجل -إذا لم يكن بين يديه قيد آخرة الرحل- الحمار والكلب الأسود والمرأة) فقلت: ما بال الأسود من الأحمر من الأصفر من الأبيض؟! فقال: يا ابن أخي! سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سألتني فقال: (الكلب الأسود شيطان) ].

يقول الإمام أبو داود رحمه الله: [باب ما يقطع الصلاة] أي: ما الذي يقطع الصلاة؟ أو: ما الذي ورد بأنه يقطع الصلاة؟

والذي ورد في الأحاديث الصحيحة المرأة والحمار والكلب، وفي بعض الروايات: الكلب الأسود.

وهذه الثلاثة ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها تقطع الصلاة، فمن أهل العلم من قال: إن قطعها، بمعنى أنه يستأنفها، وأكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم على أنه لا يحصل القطع بمرور شيء، ولكن هذه الأشياء التي ورد أنها تقطع الصلاة يكون فيها تشويش على المصلي ونقصان للخشوع في الصلاة بسبب ما يحصل له مما يمر بين يديه، وهذه الأنواع الثلاثة هي المرأة، والحمار، والكلب.

وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يقطع صلاة الرجل -إذا لم يكن بين يديه قيد آخرة الرحل- الحمار والكلب الأسود والمرأة) ].

وقوله: [ (قيد آخرة الرحل) ] القيد هو القدر يعني: قدر آخرة الرحل. أي: سترة، يعني: فإذا كان له سترة ومر من دونها حصل القطع، وإن كان مر من ورائها فإنه لا يؤثر، وإذا لم يكن له سترة ومر من مكان بعيد فإن ذلك -أيضاً- لا يؤثر.

ثم إن عبد الله بن الصامت سأل أبا ذر رضي الله تعالى عنه عن الكلب الأسود وتمييزه عن غيره من الكلاب فأخبره أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عنه فأجابه بأن الكلب الأسود شيطان، وفسر بأن المقصود من ذلك أن الشياطين تتصور وتتمثل على هيئة الكلاب السود.

والمقصود من ذلك -كما قاله جمهور أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم- أنه يحصل التشويش ويحصل إضعاف الخشوع وانشغال الإنسان في صلاته بسبب ما شاهده وما مر بين يديه من هذه الأصناف الثلاثة.

تراجم رجال إسناد حديث (يقطع صلاة الرجل الحمار والكلب الأسود والمرأة)

قوله: [ حدثنا حفص بن عمر ].

حفص بن عمر ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والنسائي .

[ حدثنا شعبة ].

هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ وحدثنا عبد السلام بن مطهر ].

عبد السلام بن مطهر صدوق، أخرج حديثه البخاري وأبو داود .

[ وابن كثير ].

هو محمد بن كثير العبدي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ أن سليمان بن المغيرة ].

سليمان بن المغيرة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن حميد بن هلال ].

حميد بن هلال ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عبد الله بن الصامت ].

عبد الله بن الصامت ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.

[ عن أبي ذر ].

هو جندب بن جنادة رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

بيان طريقي رواية حديث (يقطع صلاة الرجل الحمار والكلب الأسود والمرأة)

قوله: [ قال حفص: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ].

يعني أن حفصاً الذي هو شيخه الأول في إسناده الأول رفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قوله: [ وقال عن سليمان قال أبو ذر ].

يعني أن الطريق الثاني الذي فيه محمد بن كثير وفيه عبد السلام بن مطهر فيه أن الحديث موقوف على أبي ذر ، وليس مرفوعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فمشايخ أبي داود ثلاثة: حفص وابن كثير وعبد السلام بن مطهر ، فـحفص يروي عن شعبة ، والآخران يرويان عن سليمان بن المغيرة ، ولذلك في النسخة الهندية (وقالا عن سليمان: قال أبو ذر ).

شرح حديث (يقطع الصلاة المرأة الحائض والكلب)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن شعبة حدثنا قتادة قال: سمعت جابر بن زيد يحدث عن ابن عباس رضي الله عنهما -رفعه شعبة - قال: (يقطع الصلاة المرأة الحائض والكلب) .

قال أبو داود : وقفه سعيد وهشام وهمام عن قتادة عن جابر بن زيد على ابن عباس ].

أورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يقطع الصلاة المرأة الحائض والكلب).

وهذا فيه بيان أن المقصود بالمرأة التي تقطع هي الحائض، والمقصود بالحائض البالغة، فمعناه أن الصغيرة لا تكون كذلك، وإنما يكون ذلك في شأن الحائض، وهي البالغة، والمرأة البالغة يقال لها: حائض، وفي الحديث: (لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار).

يعني: صلاة امرأة بالغة. وهنا قال: (يقطع الصلاة المرأة الحائض والحمار)، وإنما خصت الحائض -أي: المرأة البالغة- لأن الفتنة تكون في المرأة التي قد بلغت، أما البنت الصغيرة فلا يكون فيها فتنة، ولعل السبب في ذلك هو ما يحصل من التشويش في فكر الإنسان وهو في صلاته عندما تمر به امرأة بين يديه فينشغل بها أو يفتتن بها، فذكر المرأة الحائض إشارة إلى أن النصوص التي وردت في ذكر المرأة وهي مطلقة يراد بها من كانت حائضاً؛ لأن الفتنة إنما تكون فيمن كانت بالغة، ومن المعلوم أن المقصود بالحائض البالغ.

تراجم رجال إسناد حديث (يقطع الصلاة المرأة الحائض والكلب)

قوله: [ حدثنا مسدد ].

هو مسدد بن مسرهد البصري ، ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي .

[ حدثنا يحيى ].

هو يحيى بن سعيد القطان ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن شعبة حدثنا قتادة ].

شعبة مر ذكره، وقتادة هو ابن دعامة السدوسي البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ قال سمعت: جابر بن زيد ].

هو جابر بن زيد أبو الشعثاء ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ يحدث عن ابن عباس ].

هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم وأحد العبادلة الأربعة من أصحابه الكرام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

[ رفعه شعبة ].

أي: رفعه شعبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وجماعة وقفوه على ابن عباس .

[ قال أبو داود : وقفه سعيد ].

هو سعيد بن أبي عروبة .

[ وهشام ].

هو هشام الدستوائي .

[ وهمام ].

هو همام بن يحيى العوذي .

[ عن قتادة ].

هو قتادة بن دعامة السدودسي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

وقوله: [ عن قتادة عن جابر بن زيد على ابن عباس ].

يعني: وقفوه على ابن عباس ولم يرفعوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

شرح حديث (إذا صلى أحدكم إلى غير سترة...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن إسماعيل مولى بني هاشم البصري حدثنا معاذ حدثنا هشام عن يحيى عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: -أحسبه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال-: (إذا صلى أحدكم إلى غير سترة فإنه يقطع صلاته الكلب والحمار والخنزير واليهودي والمجوسي والمرأة، ويجزئ عنه إذا مروا بين يديه على قذفة بحجر). ].

أورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: (إذا صلى أحدكم إلى غير سترة فإنه يقطع صلاته الكلب والحمار والخنزير واليهودي والمجوسي والمرأة ويجزئ عنه إذا مروا بين يديه على قذفة بحجر).

قوله: (ويجزئ عنه إذا مروا بين يديه على قذفة بحجر) معناه أنهم إذا مروا وبينه وبينهم مسافة فإنهم لا يقطعون صلاته؛ لأن الإنسان الذي ليس له سترة لا يكون كل ما أمامه ولو كان بعيداً قاطعاً لصلاته، وإنما يقطع أحد هؤلاء صلاته إن مر دون مقدار ثلاثة أذرع أمام المصلي.

ومعنى (قذفة حجر) بمسافة قصيرة، فلو قذفت حجراً فإنه يجزئ إذا مروا من وراء موضع سقوطه.

والقطع لا يكون مقصوراً على ما إذا لم يكن له سترة، بل لو كان له سترة ومروا بيته وبينها حصل القطع، وأما إذا مروا من ورائها فليس هناك إشكال، وإذا كان المصلي ليس له سترة ومروا من وراء مسافة بعيدة فإن ذلك لا يؤثر، وإنما يؤثر إذا كان المرور قريباً منه، وكذلك إذا كان له سترة وحصل المرور بينه وبين السترة.

تراجم رجال إسناد حديث (إذا صلى أحدكم إلى غير سترة...)

قوله: [ حدثنا محمد بن إسماعيل مولى بني هاشم البصري ].

هو محمد بن إسماعيل مولى بني هاشم البصري، وهو ابن أبي سمينة ، وهو ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود .

[ حدثنا معاذ ].

هو معاذ بن هشام ، صدوق ربما وهم، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا هشام ].

هو هشام بن أبي عبد الله الدستوائي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن يحيى ].

هو يحيى بن أبي كثير اليمامي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عكرمة ].

هو عكرمة مولى ابن عباس ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن ابن عباس ].

قد مر ذكره.

كلام أبي داود على الحديث وبيان نكارته

[ قال أبو داود : في نفسي من هذا الحديث شيء، كنت أذاكر به إبراهيم وغيره فلم أر أحداً جاء به عن هشام ولا يعرفه، ولم أر أحداً جاء به عن هشام ، وأحسب الوهم من ابن أبي سمينة -يعني محمد بن إسماعيل البصري مولى بني هاشم-، والمنكر فيه ذكر المجوسي، وفيه (على قذفة بحجر) وذكر الخنزير، وفيه نكارة، قال أبو داود : ولم أسمع هذا الحديث إلا من محمد بن إسماعيل بن أبي سمينة ، وأحسبه وهم؛ لأنه كان يحدثنا من حفظه ].

ذكر أبو داود أن في نفسه من الحديث شيئاً، وأن الإشكال فيه من جهة شيخه محمد بن إسماعيل البصري بن أبي سمينة مولى بني هاشم، قال: إنه كان يحدث من حفظه. وفيه -أيضاً- شك في رفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد قال: [أحسبه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم].

وفيه -أيضاً- يحيى بن أبي كثير اليمامي ، وهو مدلس ويرسل، فاجتمع فيه عدة أمور.

و أبو داود رحمه الله جعل الحمل فيه على شيخه محمد بن إسماعيل ، وقال: إنه ما أحد رواه غيره، وإنه كان يحدث من حفظه. فيظن أنه قد وهم في ذلك.

قوله: [ في نفسي من هذا الحديث شيء، كنت أذاكر به إبراهيم وغيره فلم أر أحدًا جاء به عن هشام ولا يعرفه ].

لا أدري من هو إبراهيم هذا الذي كان يذاكره أبو داود ، وهشام هو الدستوائي الذي مر في الإسناد.

ثم إنه ذكر فيه الكلب والحمار والخنزير واليهودي والمجوسي والمرأة، والحمار والكلب جاء ذكرهما في أحاديث أخرى، لكن هذا الحديث فيه ذكر أشياء زائدة على ما جاء، فهو غير صحيح من جهة كون أبي داود يقول: إن الحمل فيه على شيخه محمد بن إسماعيل . ومن جهة الشك في رفعه إلى رسول صلى الله عليه وسلم، ومن كون إسناده فيه يحيى بن أبي كثير وهو مدلس وقد عنعن، وفي المتن نكارة، وهي ذكرا الخنزير والمجوسي.

وكذلك قوله: (على قذفة بحجر) فإذا كانت الرمية بعيدة فهذا واضح أنه في غاية النكارة، لكن إذا كان المقصود بقذفة الحجر بمقدار ثلاثة أذرع فهذا قد جاء ما يدل عليه.

شرح حديث (... اللهم اقطع أثره...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن سليمان الأنباري حدثنا وكيع عن سعيد بن عبد العزيز عن مولى لـيزيد بن نمران عن يزيد بن نمران قال: رأيت رجلا بتبوك مقعدا فقال: (مررت بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم وأنا على حمار وهو يصلي فقال: (اللهم! اقطع أثره) فما مشيت عليها بعد). ].

أورد أبو داود حديث رجل مقعد في تبوك روى عنه يزيد بن نمران ، يقول: إن سبب كونه مقعداً أنه مر بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم وهو على حمار وهو يصلي فقال: (اللهم! اقطع أثره) فحصل له أن حيل بينه وبين المشي فصار مقعداً لا يتمكن من المشي، فقطع الله أثره، أي سيره ومشيه على قدميه، حيث قطعه الله فصار مقعداً على هذه الهيئة التي رآها يزيد بن نمران .

هذا الرجل المقعد هو من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، لكن الإشكال في الحديث من جهة أن فيه مجهولاً، وأيضاً من جهة المعنى، فهو غير مستقيم من جهة أن الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو عليه بهذا الدعاء، وأن الله تعالى يقطع أثره ويحصل له ذلك بمجرد مروره، ففي متنه شيء بالإضافة إلى كون إسناده فيه من هو مجهول، وهو غير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

تراجم رجال إسناد حديث (... اللهم اقطع أثره...)

قوله: [ حدثنا محمد بن سليمان الأنباري ].

محمد بن سليمان الأنباري صدوق، أخرج حديثه أبو داود وحده.

[ حدثنا وكيع ].

هو وكيع بن الجراح الرؤاسي البصري الكوفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن سعيد بن عبد العزيز ].

سعيد بن عبد العزيز هو الشامي ، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم وأصحاب السنن.

[ عن مولى لـيزيد بن نمران ].

قيل اسمه سعيد . مجهول أخرج له أبو داود .

[ عن يزيد بن نمران ].

يزيد بن نمران ثقة، أخرج له أبو داود .

طريق ثانية لحديث (... قطع الله أثره...) وتراجم رجال إسنادها

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا كثير بن عبيد -يعني المذحجي - حدثنا أبو حيوة عن سعيد بإسناده ومعناه، زاد: فقال: (قطع صلاتنا قطع الله أثره).

قال أبو داود : ورواه أبو مسهر عن سعيد قال فيه: (قطع صلاتنا) ].

قوله: [ حدثنا كثير بن عبيد -يعني المذحجي - ].

كثير بن عبيد ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة .

[ حدثنا أبو حيوة ].

هو شريح بن يزيد ، وهو ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي .

[ عن سعيد بن عبد العزيز ].

[ قال أبو داود : ورواه أبو مسهر عن سعيد قال فيه: (قطع صلاتنا) ].

أبو مسهر هو عبد الأعلى بن مسهر ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

طريق ثالثة لحديث (... قطع الله أثره...) وتراجم رجال إسنادها

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن سعيد الهمداني . ح: وحدثنا سليمان بن داود قالا: حدثنا ابن وهب أخبرني معاوية عن سعيد بن غزوان عن أبيه أنه نزل بتبوك وهو حاج فإذا هو برجل مقعد فسأله عن أمره فقال له: سأحدثك حديثاً فلا تحدث به ما سمعت أني حي، (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل بتبوك إلى نخلة فقال: هذه قبلتنا، ثم صلى إليها، فأقبلت وأنا غلام أسعى حتى مررت بينه وبينها فقال: قطع صلاتنا قطع الله أثره). فما قمت عليها إلى يومي هذا ].

أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى عن ذلك الرجل المقعد في تبوك، وفيها أنه كان غلاماً يسعى، وليس أنه كان على حمار، وقال: (قطع صلاتنا قطع الله أثره)، قال: فما قمت عليها إلى يومي هذا. يعني أن الله قطع أثره فما كان له أثر وراءها، أي: انتهى مشيه وانقطع وصار مقعداً، وهو مثل الذي قبله، فالمتن فيه نكارة من جهة كون النبي صلى الله عليه وسلم يدعو عليه بهذا الدعاء ويعاقبه بهذه العقوبة لمجرد أنه حصل منه ذلك المرور.

وقوله: [ سأحدثك حديثاً لا تحدث به ما سمعت أني حي ].

هذا مما يزيده غموضاً، فكيف لا يحدث به؟!

قوله: [ حدثنا أحمد بن سعيد الهمداني ].

أحمد بن سعيد الهمداني صدوق، أخرج له أبو داود .

[ وحدثنا سليمان بن داود ].

هو سليمان بن داود المصري ، وهو ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي .

[ حدثنا ابن وهب ].

هو عبد الله بن وهب المصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ أخبرني معاوية ].

هو معاوية بن صالح بن حدير ، صدوق له أوهام، أخرج له البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن.

[ عن سعيد بن غزوان ].

سعيد بن غزوان مستور، أخرج له أبو داود .

[ عن أبيه ].

هو غزوان الشامي ، وهو مجهول، أخرج له أبو داود .

قال المصنف رحمه الله تعالى:

[ باب ما يقطع الصلاة:

حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة ، ح: وحدثنا عبد السلام بن مطهر وابن كثير -المعنى- أن سليمان بن المغيرة أخبرهم عن حميد بن هلال عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر رضي الله عنه، قال حفص : قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يقطع صلاة الرجل)، وقال عن سليمان : قال أبو ذر : (يقطع صلاة الرجل -إذا لم يكن بين يديه قيد آخرة الرحل- الحمار والكلب الأسود والمرأة) فقلت: ما بال الأسود من الأحمر من الأصفر من الأبيض؟! فقال: يا ابن أخي! سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سألتني فقال: (الكلب الأسود شيطان) ].

يقول الإمام أبو داود رحمه الله: [باب ما يقطع الصلاة] أي: ما الذي يقطع الصلاة؟ أو: ما الذي ورد بأنه يقطع الصلاة؟

والذي ورد في الأحاديث الصحيحة المرأة والحمار والكلب، وفي بعض الروايات: الكلب الأسود.

وهذه الثلاثة ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها تقطع الصلاة، فمن أهل العلم من قال: إن قطعها، بمعنى أنه يستأنفها، وأكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم على أنه لا يحصل القطع بمرور شيء، ولكن هذه الأشياء التي ورد أنها تقطع الصلاة يكون فيها تشويش على المصلي ونقصان للخشوع في الصلاة بسبب ما يحصل له مما يمر بين يديه، وهذه الأنواع الثلاثة هي المرأة، والحمار، والكلب.

وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يقطع صلاة الرجل -إذا لم يكن بين يديه قيد آخرة الرحل- الحمار والكلب الأسود والمرأة) ].

وقوله: [ (قيد آخرة الرحل) ] القيد هو القدر يعني: قدر آخرة الرحل. أي: سترة، يعني: فإذا كان له سترة ومر من دونها حصل القطع، وإن كان مر من ورائها فإنه لا يؤثر، وإذا لم يكن له سترة ومر من مكان بعيد فإن ذلك -أيضاً- لا يؤثر.

ثم إن عبد الله بن الصامت سأل أبا ذر رضي الله تعالى عنه عن الكلب الأسود وتمييزه عن غيره من الكلاب فأخبره أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عنه فأجابه بأن الكلب الأسود شيطان، وفسر بأن المقصود من ذلك أن الشياطين تتصور وتتمثل على هيئة الكلاب السود.

والمقصود من ذلك -كما قاله جمهور أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم- أنه يحصل التشويش ويحصل إضعاف الخشوع وانشغال الإنسان في صلاته بسبب ما شاهده وما مر بين يديه من هذه الأصناف الثلاثة.

قوله: [ حدثنا حفص بن عمر ].

حفص بن عمر ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والنسائي .

[ حدثنا شعبة ].

هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ وحدثنا عبد السلام بن مطهر ].

عبد السلام بن مطهر صدوق، أخرج حديثه البخاري وأبو داود .

[ وابن كثير ].

هو محمد بن كثير العبدي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ أن سليمان بن المغيرة ].

سليمان بن المغيرة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن حميد بن هلال ].

حميد بن هلال ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عبد الله بن الصامت ].

عبد الله بن الصامت ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.

[ عن أبي ذر ].

هو جندب بن جنادة رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

قوله: [ قال حفص: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ].

يعني أن حفصاً الذي هو شيخه الأول في إسناده الأول رفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قوله: [ وقال عن سليمان قال أبو ذر ].

يعني أن الطريق الثاني الذي فيه محمد بن كثير وفيه عبد السلام بن مطهر فيه أن الحديث موقوف على أبي ذر ، وليس مرفوعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فمشايخ أبي داود ثلاثة: حفص وابن كثير وعبد السلام بن مطهر ، فـحفص يروي عن شعبة ، والآخران يرويان عن سليمان بن المغيرة ، ولذلك في النسخة الهندية (وقالا عن سليمان: قال أبو ذر ).