شرح سنن أبي داود [569]


الحلقة مفرغة

شرح حديث (إن الله يبغض البليغ من الرجال الذي يتخلل بلسانه تخلل الباقرة بلسانها)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ما جاء في المتشدق في الكلام.

حدثنا محمد بن سنان الباهلي -وكان ينزل العوقة- حدثنا نافع بن عمر عن بشر بن عاصم عن أبيه عن عبد الله -قال أبو داود : هو ابن عمرو رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إن الله عز وجل يبغض البليغ من الرجال الذي يتخلل بلسانه تخلل الباقرة بلسانها) ].

أورد أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [ باب ما جاء في المتشدق في الكلام ] وفي بعض النسخ: [ باب التشدق في الكلام ] والمقصود بذلك الإنسان الذي يتفاصح ويتقعر ويتعمق في الكلام ويتكلفه، ولم يكن ذلك له سليقة، فيتكلف ويأتي بشيء عن طريق التكلف، أما إذا كان من غير تكلف بأن يعطي الله الإنسان فصاحة وبلاغة فتكلم واستخدم فصاحته وبلاغته في بيان الحق، فإن ذلك غير مذموم.

أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (إن الله عز وجل يبغض البليغ من الرجال الذي يتخلل بلسانه تخلل الباقرة بلسانها) ].

وهذا الحديث فيه أن الله يبغض الذي يتكلف البلاغة، ويأتي بشيء عن تقعر وتكلف، ووصفه بأنه يشبه البقرة التي تتخلل بلسانها وتحرك لسانها وتديره وتمده، يعني: أنه يتكلف ويتقعر كما أن البقرة هذا شأنها وهذه طريقتها في كونها تستعمل لسانها في أكلها، وقيل: إن البقرة ليست كالبهائم؛ لأن البهائم تتناول الشيء بأسنانها، وأما هي فتتناول الشيء بلسانها.

فشبه من يتفاصح ويتكلف البلاغة والفصاحة بالبقرة التي تحرك لسانها وتمده وتميله يميناً وشمالاً.

وفي هذا إثبات صفة البغض لله عز وجل حيث قال: [ (إن الله يبغض) ] فهذه من صفات الله عز وجل التي يجب إثباتها لله عز وجل كما يليق به، كما هو الشأن في جميع الصفات.

وفيه: تحريم مثل هذا العمل وذمه، وأن صاحبه ممن هو مبغض عند الله سبحانه وتعالى.

قوله: [ (الباقرة) ] يعني: المقصود بها البقرة، والجمع الباقر، والمفرد الباقرة كما أن المفرد البقرة، والجمع البقر، وهذه من الجموع التي يكون فيها وزن المفرد أكثر من وزن الجمع؛ لأن الجمع مبناه أقل من مبنى المفرد، لأن المفرد مبني من أربعة حروف، والجمع مكون من ثلاثة حروف، بقر وبقرة، فمبناه أكبر من معناه؛ لأنه إذا اتسع اللفظ قل المعنى، فإذا قيل: بقرة فهي واحدة، وإذا قيل بقر ونقص حرف في الآخر صار يقصد به الجمع، فهي من الجموع التي تكون فيها حروف المفرد أكثر من حروف الجمع.

والباقرة لغة في البقرة، وإذا حذفت التاء صار الجمع باقراً، كما أن البقرة إذا حذفت التاء منها صار الجمع بقراً، ومثل بقرة وبقر: شجرة وشجر.

تراجم رجال إسناد حديث (إن الله يبغض البليغ من الرجال الذي يتخلل بلسانه تخلل الباقرة بلسانها)

قوله: [ حدثنا محمد بن سنان الباهلي وكان ينزل العوقة ].

محمد بن سنان الباهلي هو ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي وابن ماجة .

[ حدثنا نافع بن عمر ].

نافع بن عمر وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن بشر بن عاصم ].

بشر بن عاصم وهو ثقة، أخرج له أبو داود والترمذي وابن ماجة .

[ عن أبيه ].

هو عاصم بن سفيان وهو صدوق، أخرج له أصحاب السنن.

[ عن عبد الله ، قال: أبو داود هو ابن عمرو ].

هو عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما الصحابي الجليل، أحد العبادله الأربعة من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

والعبادلة الأربعة هم: عبد الله بن عمرو ، وعبد الله بن عمر ، وعبد الله بن عباس ، وعبد الله بن الزبير رضي الله تعالى عنهم وعن الصحابة أجمعين، فيطلق عليهم لفظ العبادلة من الصحابة، وإن كان في الصحابة عدد كبير ممن يسمى عبد الله مثل: عبد الله بن مسعود وعبد الله بن قيس أبو موسى الأشعري وعبد الله بن أبي بكر وغيرهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا أن لفظ العبادلة غلب على هؤلاء الأربعة الذين هم من صغار الصحابة، والذين عمروا حتى استفاد من أدركهم من علمهم، وأما غيرهم ممن يسمى عبد الله فهم في الغالب من المتقدمين من الصحابة الذين لم يدركهم من التابعين مثل هؤلاء الذين أدركوا هؤلاء الصحابة الذين هم من صغارهم.

شرح حديث (من تعلم صرف الكلام ليسبي به قلوب الرجال)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا ابن السرح حدثنا ابن وهب عن عبد الله بن المسيب عن الضحاك بن شرحبيل عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من تعلم صرف الكلام ليسبي به قلوب الرجال أو الناس، لم يقبل الله منه يوم القيامة صرفاً ولا عدلاً) ].

أورد أبو داود حديث أبي هريرة : [ (من تعلم صرف الكلام ليسبي به قلوب الرجال أو الناس) ]

يعني: تصاريفه والتعمق فيه من أجل أن يسبي عقول الرجال ويستميل قلوب الناس إليه، وأنه إنما تعلم من أجل أن يصرف الناس إليه فهذا هو المذموم.

قوله: [ (لم يقبل الله منه يوم القيامة صرفاً ولا عدلا) ] يعني: هذا يدل على أنه مذموم، والصرف النافلة والعدل الفريضة، وقيل غير ذلك، ولكن الحديث في إسناده ضعف من جهة أن فيه من هو مقبول، ومن جهة أن الضحاك قيل: إنه لم يرو عن الصحابة، وإنما روايته عن التابعين وليست عن الصحابة، ففيه احتمال الانقطاع، وفيه أيضاً الرجل الذي هو مقبول وهو عبد الله بن المسيب .

تراجم رجال إسناد حديث (من تعلم صرف الكلام ليسبي به قلوب الرجال)

قوله: [ حدثنا ابن السرح ].

هو أحمد بن عمرو بن السرح ثقة، أخرج حديثه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة.

[ حدثنا ابن وهب ].

هو عبد الله بن وهب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عبد الله بن المسيب ].

عبد الله بن المسيب وهو مقبول، أخرج له أبو داود .

[ عن الضحاك بن شرحبيل ].

الضحاك بن شرحبيل وهو صدوق يهم، أخرج له أبو داود والترمذي وابن ماجة .

[ عن أبي هريرة ].

هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق.

شرح حديث ابن عمر (... إن من البيان لسحراً...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن زيد بن أسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: (قدم رجلان من المشرق فخطبا، فعجب الناس -يعني: لبيانهما- فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن من البيان لسحراً، أو إن بعض البيان لسحر) ].

أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال: [ (قدم رجلان من المشرق فخطبا فعجب الناس يعني لبيانهما) ] فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: [ (إن من البيان لسحراً، أو إن بعض البيان لسحر) ].

وهذا فيه بيان أن من الكلام ما يكون فيه فصاحة وبلاغة، فإن كان عن تكلف فهو الذي سبق أن مر ذمه، وأما إذا كان من غير تكلف فإنه محمود إذا صرف فيما هو خير، ومذموم إن صرف فيما هو شر.

والإمام أبو داود أورده في باب التشدق في الكلام، ومعلوم أن التشدق في الكلام مذموم، لكنه يحمل على ما إذا كان عن تكلف، وأما إذا كان عن طبيعة وجبلة وسليقة وليس فيه تكلف، فإنه يكون محموداً إذا كان الإتيان به فيما هو خير، أما إذا كانت الفصاحة والبلاغة الجبلية الطبيعية صرفت فيما هو شر فهي شر.

ومعلوم أن الباب باب ذم وليس باب مدح، ولكنه كما أشرت يحمل على أن المقصود به ما إذا كان عن تكلف، أو فصاحة طبيعية جبلية ولكنها صرفت في شر، ولكن ورود حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: [ (إن من البيان لسحراً) ] الذي يبدو أنه مدح؛ لأنه كلام أعجبوا به، وليس فيه شيء يدل على الذم، ولكنَّ أبا داود أورده في باب التشدق فيحمل إيراده إياه على ما إذا كان عن طريق التكلف، أو أنه استعمل في شر، لأن من الناس من يكون فصيحاً بليغاً فيستخدم بلاغته في الشر ونشر الباطل وإظهار الباطل وإغواء الناس والعياذ بالله، ومنهم من يكون فصيحاً وفصاحته تستعمل في الخير.

قوله: [ (قدم رجلان من المشرق) ].

الرجلان هما: الزبرقان بن بدر وعمرو بن الأهتم .

تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر (... إن من البيان لسحراً ...)

قوله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة ].

هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .

[ عن مالك ].

هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة المحدث الفقيه، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[ عن زيد بن أسلم ].

زيد بن أسلم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عبد الله بن عمر ].

عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما الصحابي الجليل، وهو أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام.

وهذا الإسناد رباعي وهو من أعلى الأسانيد عند أبي داود .

شرح حديث عمرو بن العاص (... لقد أمرت أن أتجوز في القول فإن الجواز هو خير)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا سليمان بن عبد الحميد البهراني أنه قرأ في أصل إسماعيل بن عياش وحدثه محمد بن إسماعيل ابنه قال: حدثني أبي قال: حدثني ضمضم عن شريح بن عبيد قال: حدثنا أبو ظبية أن عمرو بن العاص رضي الله عنه (قال يوماً وقام رجل فأكثر القول، فقال عمرو : لو قصد في قوله لكان خيراً له: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: لقد رأيت -أو أمرت- أن أتجوز في القول؛ فإن الجواز هو خير) ].

أورد أبو داود حديث عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه: [ (أن رجلاً تكلم فأكثر الكلام، فقال عمرو رضي الله عنه: لو تجوز في الكلام لكان خيراً له، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: رأيت أو أمرت أن أتجوز في القول؛ فإن الجواز هو خير) ].

يعني: اختصار الكلام والإتيان به مختصراً غير مطول هو خير، ومعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم أوتي جوامع الكلم، واختصر له الكلام اختصاراً، فكان يأتي بالكلام القليل المبنى الواسع المعنى؛ لأن كلامه جوامع عليه الصلاة والسلام.

قوله: [ (أمرت أن أتجوز) ] إذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم: [ (أمرت) ] فالآمر له هو الله، وإذا قال الصحابي أمرت بكذا أو أمرنا بكذا فالآمر هو الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد شك الراوي هل قال: أمرت أو رأيت.

تراجم رجال إسناد حديث عمرو بن العاص (.... لقد أمرت أن أتجوز في القول فإن الجواز هو خير)

قوله: [ حدثنا سليمان بن عبد الحميد البهراني ].

سليمان بن عبد الحميد البهراني هو صدوق، أخرج له أبو داود .

[ أنه قرأ في أصل إسماعيل بن عياش ].

يعني: في أصل كتابه.

[ وحدثه محمد بن إسماعيل ابنه قال: حدثني أبي ].

وأيضاً حدثه ابن إسماعيل بن عياش عن أبيه، فصار يروي الحديث من جهتين: من جهة أنه قرأه في أصل كتاب إسماعيل ثم رواه عنه، ومن جهة أنه رواه عن ابنه عن أبيه.

وإسماعيل بن عياش صدوق في روايته عن أهل بلده، أخرج حديثه البخاري في رفع اليدين، وأصحاب السنن.

أما محمد بن إسماعيل بن عياش فقد عابوا عليه أنه حدث عن أبيه من غير سماع، وحديثه أخرجه أبو داود .

[ حدثني ضمضم].

هو ضمضم بن زرعة الحمصي ، وهو من أهل بلد إسماعيل بن عياش ، وهو صدوق يهم، أخرج له أبو داود وابن ماجة في التفسير.

[ عن شريح بن عبيد ].

شريح بن عبيد وهو حمصي ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة .

[ حدثنا أبو ظبية ].

أبو ظبية وهو مقبول، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأبو داود والنسائي وابن ماجة ، وقد رجعت إلى تهذيب التهذيب فما وجدت شيئاً من الكلام فيه، وإنما الكلام الذي فيه حسن، فقد وثقه يحيى بن معين كما نقل عنه ذلك من طريقين، وأثنى عليه أناس غيره، فقول الحافظ فيه: إنه مقبول غير مستقيم.

[ أن عمرو بن العاص ].

عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ما جاء في المتشدق في الكلام.

حدثنا محمد بن سنان الباهلي -وكان ينزل العوقة- حدثنا نافع بن عمر عن بشر بن عاصم عن أبيه عن عبد الله -قال أبو داود : هو ابن عمرو رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إن الله عز وجل يبغض البليغ من الرجال الذي يتخلل بلسانه تخلل الباقرة بلسانها) ].

أورد أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [ باب ما جاء في المتشدق في الكلام ] وفي بعض النسخ: [ باب التشدق في الكلام ] والمقصود بذلك الإنسان الذي يتفاصح ويتقعر ويتعمق في الكلام ويتكلفه، ولم يكن ذلك له سليقة، فيتكلف ويأتي بشيء عن طريق التكلف، أما إذا كان من غير تكلف بأن يعطي الله الإنسان فصاحة وبلاغة فتكلم واستخدم فصاحته وبلاغته في بيان الحق، فإن ذلك غير مذموم.

أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (إن الله عز وجل يبغض البليغ من الرجال الذي يتخلل بلسانه تخلل الباقرة بلسانها) ].

وهذا الحديث فيه أن الله يبغض الذي يتكلف البلاغة، ويأتي بشيء عن تقعر وتكلف، ووصفه بأنه يشبه البقرة التي تتخلل بلسانها وتحرك لسانها وتديره وتمده، يعني: أنه يتكلف ويتقعر كما أن البقرة هذا شأنها وهذه طريقتها في كونها تستعمل لسانها في أكلها، وقيل: إن البقرة ليست كالبهائم؛ لأن البهائم تتناول الشيء بأسنانها، وأما هي فتتناول الشيء بلسانها.

فشبه من يتفاصح ويتكلف البلاغة والفصاحة بالبقرة التي تحرك لسانها وتمده وتميله يميناً وشمالاً.

وفي هذا إثبات صفة البغض لله عز وجل حيث قال: [ (إن الله يبغض) ] فهذه من صفات الله عز وجل التي يجب إثباتها لله عز وجل كما يليق به، كما هو الشأن في جميع الصفات.

وفيه: تحريم مثل هذا العمل وذمه، وأن صاحبه ممن هو مبغض عند الله سبحانه وتعالى.

قوله: [ (الباقرة) ] يعني: المقصود بها البقرة، والجمع الباقر، والمفرد الباقرة كما أن المفرد البقرة، والجمع البقر، وهذه من الجموع التي يكون فيها وزن المفرد أكثر من وزن الجمع؛ لأن الجمع مبناه أقل من مبنى المفرد، لأن المفرد مبني من أربعة حروف، والجمع مكون من ثلاثة حروف، بقر وبقرة، فمبناه أكبر من معناه؛ لأنه إذا اتسع اللفظ قل المعنى، فإذا قيل: بقرة فهي واحدة، وإذا قيل بقر ونقص حرف في الآخر صار يقصد به الجمع، فهي من الجموع التي تكون فيها حروف المفرد أكثر من حروف الجمع.

والباقرة لغة في البقرة، وإذا حذفت التاء صار الجمع باقراً، كما أن البقرة إذا حذفت التاء منها صار الجمع بقراً، ومثل بقرة وبقر: شجرة وشجر.

قوله: [ حدثنا محمد بن سنان الباهلي وكان ينزل العوقة ].

محمد بن سنان الباهلي هو ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي وابن ماجة .

[ حدثنا نافع بن عمر ].

نافع بن عمر وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن بشر بن عاصم ].

بشر بن عاصم وهو ثقة، أخرج له أبو داود والترمذي وابن ماجة .

[ عن أبيه ].

هو عاصم بن سفيان وهو صدوق، أخرج له أصحاب السنن.

[ عن عبد الله ، قال: أبو داود هو ابن عمرو ].

هو عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما الصحابي الجليل، أحد العبادله الأربعة من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

والعبادلة الأربعة هم: عبد الله بن عمرو ، وعبد الله بن عمر ، وعبد الله بن عباس ، وعبد الله بن الزبير رضي الله تعالى عنهم وعن الصحابة أجمعين، فيطلق عليهم لفظ العبادلة من الصحابة، وإن كان في الصحابة عدد كبير ممن يسمى عبد الله مثل: عبد الله بن مسعود وعبد الله بن قيس أبو موسى الأشعري وعبد الله بن أبي بكر وغيرهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا أن لفظ العبادلة غلب على هؤلاء الأربعة الذين هم من صغار الصحابة، والذين عمروا حتى استفاد من أدركهم من علمهم، وأما غيرهم ممن يسمى عبد الله فهم في الغالب من المتقدمين من الصحابة الذين لم يدركهم من التابعين مثل هؤلاء الذين أدركوا هؤلاء الصحابة الذين هم من صغارهم.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا ابن السرح حدثنا ابن وهب عن عبد الله بن المسيب عن الضحاك بن شرحبيل عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من تعلم صرف الكلام ليسبي به قلوب الرجال أو الناس، لم يقبل الله منه يوم القيامة صرفاً ولا عدلاً) ].

أورد أبو داود حديث أبي هريرة : [ (من تعلم صرف الكلام ليسبي به قلوب الرجال أو الناس) ]

يعني: تصاريفه والتعمق فيه من أجل أن يسبي عقول الرجال ويستميل قلوب الناس إليه، وأنه إنما تعلم من أجل أن يصرف الناس إليه فهذا هو المذموم.

قوله: [ (لم يقبل الله منه يوم القيامة صرفاً ولا عدلا) ] يعني: هذا يدل على أنه مذموم، والصرف النافلة والعدل الفريضة، وقيل غير ذلك، ولكن الحديث في إسناده ضعف من جهة أن فيه من هو مقبول، ومن جهة أن الضحاك قيل: إنه لم يرو عن الصحابة، وإنما روايته عن التابعين وليست عن الصحابة، ففيه احتمال الانقطاع، وفيه أيضاً الرجل الذي هو مقبول وهو عبد الله بن المسيب .