شرح سنن أبي داود [532]


الحلقة مفرغة

شرح حديث ( الله أعلم بما كانوا عاملين )

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في ذراري المشركين.

حدثنا مسدد حدثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن أولاد المشركين فقال: (الله أعلم بما كانوا عاملين) ].

قوله رحمه الله تعالى: [ باب في ذراري المشركين ] الذراري: الذرية والنسل، والمقصود: حكمهم في الدنيا وحكمهم في الآخرة، أما حكمهم في الدنيا فهم تبع لآبائهم، ولهذا يحصل التوارث بينهم، ويدفنون في مقابرهم، وأما في الآخرة فقد اختلف فيهم على أقوال عديدة، أظهرها أنهم كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (الله أعلم بما كانوا عاملين).

وقد قيل في معنى الحديث: إنهم يمتحنون يوم القيامة، وعلى ضوء هذا الامتحان يتبين هل هم من أهل السعادة أو من أهل الشقاوة، ولهذا كان الجواب: (الله أعلم بما كانوا عاملين) أي إذا امتحنوا في يوم القيامة، فإن النتيجة أو المصير يكون تبعاً لنتيجة ذلك الامتحان، فيسدد من يسدد، ويخذل من يخذل، كما لو كان الأمر حاصلاً في الدنيا.

وهذا هو أظهر ما قيل في ذراري المشركين بالنسبة للآخرة، وهذا القول رجحه جماعة من أهل العلم، منهم ابن القيم في تهذيب السنن، وابن كثير في تفسيره، وشيخنا محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله في أضواء البيان عند تفسيره قوله عز وجل: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا [الإسراء:15].

وقد قيل: إنهم يكونون في الجنة، وقيل: إنهم يكونون في النار، وقيلت أقوال أخرى، وقد ذكر ابن القيم في تهذيب السنن ثمانية أقوال، وثامنها أنهم يمتحنون يوم القيامة، وأنهم يصيرون إلى ما كان ينتهي إليه ذلك الامتحان، وقال: إنه جاء في ذلك أحاديث يشد بعضها بعضاً.

والذين قالوا بعدم الامتحان قالوا: إن الآخرة دار جزاء وليست دار تكليف.

ولكن هذا لا ينافي كونهم يمتحنون يوم القيامة، ويتبين أهل السعادة وأهل الشقاوة، فإنه يحصل هذا التكليف كما جاء ما يدل عليه، وتكون النتيجة طبقاً لنتيجة هذا الامتحان.

وعلى هذا فالقول الصحيح في معنى قوله: [ (الله أعلم بما كانوا عاملين) ] أي الشيء الذي يعملونه إذا امتحنوا، ويحتمل أن يكون المراد به: الله أعلم بما كانوا عاملين لو عاشوا، ومعلوم أن هذا مما لا يكون، والله تعالى يعلم ما كان وما سيكون، وما لم يكن لو كان كيف يكون، مثلما جاء في قصة الغلام الذي قتله الخضر، قال: (ولو عاش لأرهق أبويه طغياناً وكفراً).

تراجم رجال إسناد حديث ( الله أعلم بما كانوا عاملين )

قوله: [ حدثنا مسدد ].

مسدد بن مسرهد البصري ، ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي .

[ حدثنا أبو عوانة ].

الوضاح بن عبد الله اليشكري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبي بشر ].

هو جعفر بن إياس بن أبي وحشية ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن سعيد بن جبير ].

وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن ابن عباس ].

عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ، ابن عم النبي عليه الصلاة والسلام، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وهم: ابن عباس وابن عمر وابن الزبير وابن عمرو بن العاص ، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهم: أبو هريرة وابن عمر وابن عباس وأبو سعيد وأنس وجابر وأم المؤمنين عائشة رضي الله عنهم وعن الصحابة أجمعين.

شرح حديث: (هم من آبائهم)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الوهاب بن نجدة حدثنا بقية ح وحدثنا موسى بن مروان الرقي وكثير بن عبيد المذحجي قالا: حدثنا محمد بن حرب المعنى عن محمد بن زياد عن عبد الله بن أبي قيس عن عائشة قالت: (قلت: يا رسول الله! ذراري المؤمنين؟ قال: هم من آبائهم. فقلت: يا رسول الله! بلا عمل؟ قال: الله أعلم بما كانوا عاملين. قلت: يا رسول الله! فذراري المشركين؟ قال: من آبائهم، قلت: بلا عمل؟ قال: الله أعلم بما كانوا عاملين).

هذا حديث عائشة رضي الله عنها يتعلق بذراري المسلمين وذراري الكفار، وفي كل منهما يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : (الله أعلم بما كانوا عاملين) ومعلوم أن الحكم واحد في الدنيا، فحكم أولاد الكفار تابع للكفار، فيتوارثون ويدفنون في مقابرهم، وأولاد المسلمين يصلى عليهم ويدعى لهم ويدفنون في مقابر المسلمين، ويحصل التوارث بينهم.

وأما بالنسبة للآخرة فقد ذكرنا ما يتعلق بأولاد المشركين، وأما بالنسبة لأولاد المسلمين فالمشهور عند أهل السنة أنهم في الجنة، ولهذا جاء ما يدل على أنهم أفراط يشفعون لمن سبقوه ولآبائهم وأمهاتهم.

وقد جاء في بعض الأحاديث ما يدل على عدم الجزم بذلك، وهو حديث عائشة الذي سيأتي، حيث قال: (إن الله خلق الجنة وخلق لها أهلاً وخلقها لهم وهم في أصلاب آبائهم، وخلق النار وخلق لها أهلاً، وخلقها لهم وهم في أصلاب آبائهم)، وهذا قال فيه جماعة من أهل العلم: المقصود بذلك أنه لا يجزم ولا يقطع لأحد بجنة أو نار، وإنما يقال فيهم ما يقال في حق المؤمنين: إنه لا يقطع لهم بجنة، ولكن يرجى لهم ذلك.

قوله: [ هم من آبائهم ] يعني أنهم تبع لهم، وأما في الدنيا فالأمر واضح، وأما في الآخرة فأولاد الكفار يمتحنون، وأولاد المسلمين تبع لهم كما تقدم.

تراجم رجال إسناد حديث: (هم من آبائهم)

قوله: [ حدثنا عبد الوهاب بن نجدة ].

وهو ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي .

[ حدثنا بقية ].

بقية بن الوليد ، وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.

[ ح وحدثنا موسى بن مروان الرقي ].

وهو مقبول، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة .

[ وكثير بن عبيد المذحجي ].

وهو ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة .

[ قالا: حدثنا محمد بن حرب ].

محمد بن حرب الحمصي الأبرش ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن محمد بن زياد ].

وهو ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.

[ عن عبد الله بن أبي قيس ].

ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.

[ عن عائشة ].

عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديقة ، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

شرح حديث: (إن الله خلق الجنة وخلق لها أهلاً) وتراجم رجال إسناده

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن طلحة بن يحيى عن عائشة بنت طلحة عن عائشة أم المؤمنين قالت: (أتي النبي صلى الله عليه وسلم بصبي من الأنصار يصلي عليه، قالت: قلت: يا رسول الله! طوبى لهذا لم يعمل شراً ولم يدر به، فقال: أوغير ذلك يا عائشة؟ إن الله خلق الجنة وخلق لها أهلاً، وخلقها لهم وهم في أصلاب آبائهم، وخلق النار وخلق لها أهلاً، وخلقها لهم وهم في أصلاب آبائهم).

هذا الحديث هو الذي تقدمت الإشارة إليه، والمقصود من ذلك ألا يقطع بالجنة لأحد بعينه.

قوله: [حدثنا محمد بن كثير ].

محمد بن كثير العبدي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ أخبرنا سفيان ].

سفيان هو الثوري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن طلحة بن يحيى ].

طلحة بن يحيى التيمي ، وهو صدوق يخطئ، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.

[ عن عائشة بنت طلحة ].

وهي ثقة أخرج لها أصحاب الكتب الستة.

[ عن عائشة أم المؤمنين ].

قد مر ذكرها.

شرح حديث: (كل مولود يولد على الفطرة)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا القعنبي عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه وينصرانه، كما تناتج الإبل من بهيمة جمعاء هل تحس من جدعاء؟ قالوا: يا رسول الله! أفرأيت من يموت وهو صغير؟ قال: الله أعلم بما كانوا عاملين) ].

أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه) ].

قوله: [ (يولد على الفطرة) ] الجمهور من أهل السنة على أن المقصود بالفطرة الإسلام، وأن الكفر طارئ، لأن الكفار هم الذين يسعون في نقل أبنائهم من الفطرة التي فطرهم الله عليها إلى ما يضادها وما يخالفها وهو غير الإسلام، ولهذا قال: [ (فأبواه يهودانه وينصرانه) ] أي: يعلمانه اليهودية والنصرانية، وينقلانه من الفطرة التي هو عليها إلى دين اليهود ودين النصارى.

ومما يدل على أن المقصود بالفطرة الإسلام قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي يرويه عن ربه: (خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين) يعني: صرفتهم، والشياطين مثل اليهود والنصارى الذين يصرفون أولادهم عن الفطرة التي فطرهم الله عليها.

إذاً: المقصود بالفطرة الإسلام، وأن الناس خلقوا لا يعرفون إلا الإسلام، وأنهم لو عاشوا لما صار عندهم إلا هذا، ولكنهم إذا حرفوا وصرفوا عن هذا الذي فطرهم الله عليه يحصل تحولهم من الحق إلى الباطل، ومن الإسلام إلى الكفر.

قوله: [ (كما تناتج الإبل من بهيمة جمعاء) ].

جمعاء: يعني أنها سليمة مجتمعة الخلق، ليس فيها عيوب، ثم الناس بعد ذلك يحصل منهم الإضرار بها، وقطع أذنها، فيكونون قد نقلوها من الحالة التي خلقها الله سبحانه وتعالى عليها وهي السلامة وتمام الخلق، إلى هيئة أخرى وإلى حالة أخرى، وكذلك الذين خلقهم الله حنفاء على الإسلام وفطرهم عليه يخرجون عنه بفعل آبائهم وأمهاتهم والذين يضلونهم ويصرفونهم عن الحق، فهذا فيه توضيح أن الذي على الفطرة على سلامة وعلى استقامة، وأن الحيوان الذي يولد وينشأ يكون على استقامة حتى يكون من أهله أنهم يحدثون فيه ما يحدثون من العيوب.

قوله: [ (قالوا: يا رسول الله! أفرأيت من يموت وهو صغير) ].

يعني: قبل أن يصرف ويحرف لأنه قال: (فأبواه يهودانه وينصرانه)، وإذا كان مثلاً من أولاد المشركين فما هودوه ولا نصروه، ولكن نقلوه عن الفطرة التي هو عليها إلى دين آخر من أديان أهل الكفر.

قوله عليه الصلاة والسلام: [ (الله أعلم بما كانوا عاملين) ] هذا مثل الجواب الذي سئل فيه النبي صلى الله عليه وسلم عن أولاد المشركين فقال: (الله أعلم بما كانوا عاملين) يعني أنهم يمتحنون يوم القيامة، وعلى ضوء نتيجة الامتحان يكون الانقسام.

تراجم رجال إسناد حديث: (كل مولود يولد على الفطرة)

قوله: [ حدثنا القعنبي ].

عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .

[ عن مالك ].

مالك بن أنس إمام دار الهجرة المحدث الفقيه، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبي الزناد ].

هو عبد الله بن ذكوان وكنيته أبو عبد الرحمن المدني ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن الأعرج ]

هو عبد الرحمن بن هرمز المدني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبي هريرة ].

عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه، صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق.

شرح أثر مالك في الرد على القدرية

[ قال أبو داود : قرئ على الحارث بن مسكين وأنا أسمع: أخبرك يوسف بن عمرو أخبرنا ابن وهب قال: سمعت مالكاً قيل له: إن أهل الأهواء يحتجون علينا بهذا الحديث، قال مالك : احتج عليهم بآخره: (قالوا: أرأيت من يموت وهو صغير؟ قال: الله أعلم بما كانوا عاملين) ].

ذكر المصنف عن مالك أن أهل الأهواء -وهم القدرية- يحتجون بهذا الحديث، ويقولون إن الإنسان يولد على الفطرة، وإن أبواه يهودانه وينصرانه، ومعناه أن الشر يوجده آباؤه، وهم الذين ينقلونه من طور إلى طور ومن حال إلى حال، فهم الذين يخلقون هذه الأفعال، فقال: احتج عليهم بآخره: (قالوا: أرأيت من يموت وهو صغير؟ قال: الله أعلم بما كانوا عاملين) أي: الذي قدره الله عز وجل بأنه سيحصل منهم إذا حصل لهم الامتحان.

تراجم رجال إسناد أثر مالك في الرد على القدرية

قوله: [ قرئ على الحارث بن مسكين وأنا أسمع ].

الحارث بن مسكين، ثقة أخرج له أبو داود والنسائي .

[ أخبرك يوسف بن عمرو ].

وهو صدوق، أخرج له أبو داود والنسائي .

[ أخبرنا ابن وهب ].

عبد الله بن وهب المصري ، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ سمعت مالكاً ].

مر ذكره.

معنى صيغة: (قرئ عليه وأنا أسمع)

الحارث بن مسكين يحدث عنه النسائي فيقول أيضاً: قرئ عليه وأنا أسمع، ومعلوم أن (حدثنا) يؤتى بها في الغالب لما سمع من لفظ الشيخ، و(أخبرنا) لما قرئ على الشيخ وهو يسمع، ويعبر عنه أيضاً بهذه العبارة التي هي: (قرئ عليه وأنا أسمع)، وهي واضحة في المقصود، وأنه عرض عليه وأن القارئ غيره، وليس هو، ولو كان هو يقرأ فيقول: (أخبرنا)، وهذا فيه أن غيره يقرأ وهو يسمع، وهذا من طرق التحمل، فـأبو داود أخبر بالذي قد حصل، وأن هذا حصل من الذي يقرأ على الحارث بن مسكين وهو يسمع، فتحمل كما تحمل الحاضرون الذين يسمعون والقارئ وغيرهم.

لكن النسائي استخدم هذه الصيغة مع الحارث بن مسكين لأنه كانت هناك وحشة حصلت بينهما، فمنعه من الحضور في مجلسه، فكان يختبئ ويسمع ويقول: (قرئ عليه وأنا أسمع) وذلك حتى يكون صادقاً، ولا يقول: (أخبرني)؛ لأنه ما أراد إخباره، ولكنه يأتي بعبارة هو صادق فيها، أما أبو داود فلا نعلم أنه جرى بينه وبين الحارث بن مسكين شيء.

أثر حماد بن سلمة في تفسير حديث: (كل مولود يولد على الفطرة)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا الحسن بن علي حدثنا حجاج بن المنهال سمعت حماد بن سلمة يفسر حديث: (كل مولود يولد على الفطرة) قال: هذا عندنا حيث أخذ الله عليهم العهد في أصلاب آبائهم، حيث قال: أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا [الأعراف:172] ].

أورد أبو داود هذا الأثر عن حماد بن سلمة ، وهو أن المقصود بالفطرة الميثاق الذي أخذه الله على العباد، ولا تنافي بين هذا وهذا، أعني أخذ عليهم العهد وخلقهم مفطورين على التوحيد، ثم يحصل صرفهم عن ذلك بفعل الآباء والأمهات الذين يهودونهم وينصرونهم.

تراجم رجال إسناد أثر حماد بن سلمة في تفسير حديث: (كل مولود يولد على الفطرة)

قوله: [ حدثنا الحسن بن علي ].

الحسن بن علي الحلواني ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي .

[ حدثنا حجاج بن المنهال ].

وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ سمعت حماد بن سلمة ].

ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.

شرح حديث: (الوائدة والموءودة في النار)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي حدثنا ابن أبي زائدة حدثني أبي عن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الوائدة والموءودة في النار) قال: يحيى بن زكريا : قال أبي: فحدثني أبو إسحاق أن عامراً حدثه بذلك عن علقمة عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم ].

ذكر أبو داود حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (الوائدة والموءودة في النار) ] فالوائدة الأمر فيها واضح بأنها كافرة قتلت ابنتها، وابنتها تكون تابعة لها في أحكام الدنيا.

وقوله: [ (الموءودة في النار) ] كونه يجزم بأنها في النار وهي صغيرة فيه إشكال، ولكن فسر أو حمل على أنها كانت كبيرة بالغة، وكانت كافرة، فتكون من أهل النار لتكليفها، وأما قبل البلوغ فالأمر كما ذكرنا أنهم يمتحنون يوم القيامة.

وأما من بلغت حد البلوغ وكفرت أو بقيت على كفرها، فإن حكمها حكم الكفار الذين نشئوا على الكفر ومضت حياتهم وهم في الكفر.

وقد قيل: إن الألف واللام ليستا للاستغراق حتى يقال: كل موءودة في النار ولو كانت صغيرة، بل يحمل على ما إذا كانت كبيرة، قالوا: ويدل عليه أنه جاء في بعض الروايات أنه سئل عن امرأة وأدت بنتها فذكر الحديث، فيكون المقصود من ذلك قضية معينة، وتكون تلك الموءودة من أهل النار، ويحمل على أنها بالغة، ولا يحمل على أنها صغيرة لم تصل إلى حد البلوغ؛ لأن القلم مرفوع عمن لم يبلغ.

تراجم رجال إسناد حديث: (الوائدة والموءودة في النار)

قوله: [ حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي ].

ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا ابن أبي زائدة ].

يحيى بن زكريا بن أبي زائدة ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثني أبي ].

وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عامر ].

عامر بن شراحيل الشعبي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ قال: قال رسول الله ].

هذا مرسل، لأن الشعبي تابعي وقال فيه: [ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ] لكنه جاء من طريق أخرى عن ابن أبي زائدة وفيه بيان الواسطة بين الشعبي والرسول صلى الله عليه وسلم وأنه تابعي وصحابي وهما علقمة وابن مسعود .

[ قال يحيى بن زكريا : قال أبي: فحدثني أبو إسحاق ].

أبو إسحاق هو عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ أن عامراً حدثه عن علقمة ].

علقمة هو علقمة بن قيس الكوفي ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن ابن مسعود ].

عبد الله بن مسعود الهذلي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحد فقهاء الصحابة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث: (أبي وأبوك في النار)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن ثابت عن أنس : (أن رجلاً قال: يا رسول الله! أين أبي؟ قال: أبوك في النار، فلما قفى قال: إن أبي وأباك في النار) ].

أورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: [ (أين أبي؟ قال: أبوك في النار، فلما قفى قال له: إن أبي وأباك في النار) ]، وهذا يدل على أن أهل الفترة الذين كانوا قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم من كان منهم على عبادة الأوثان فإنه يكون في النار، ولا يقال: إنهم ما بلغتهم الرسالة؛ لأن دين إبراهيم كان موجوداً، وهناك أناس كانوا على دين إبراهيم، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يتحنث على دين إبراهيم.

وهذا يدل على أن والد الرسول صلى الله عليه وسلم في النار، كما أخبر بذلك رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه في هذا الحديث، وهو حديث صحيح، وقد ورد في صحيح مسلم .

وأما ما قيل: إن الله أحيا أبوي الرسول وأنهما أسلما؛ فهذا لم يثبت، وجمهور أهل العلم على خلاف ذلك، وما قال به إلا بعضهم، وليس هناك دليل صحيح ثابت يدل على ذلك، وإنما الذي ثبت هو هذا الحديث الصحيح عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

ذكر كلام صاحب عون المعبود في مصير والد النبي

قال في عون المعبود: قال النووي رحمه الله تعالى: فيه أن من مات في الفترة على ما كانت عليه العرب من عبادة الأوثان فهو من أهل النار، وليس هذا مؤاخذة قبل بلوغ الدعوة، فإن هؤلاء قد بلغتهم دعوة إبراهيم وغيره من الأنبياء صلوات الله تعالى وسلامه عليهم أجمعين. وكل ما ورد بإحياء والديه صلى الله عليه وآله وسلم وإيمانهما ونجاتهما أكثره موضوع مكذوب مفترى، وبعضه ضعيف جداً لا يصح بحال؛ لاتفاق أئمة الحديث على وضعه وضعفه كـالدارقطني والجوزقاني وابن شاهين والخطيب وابن عساكر وابن ناصر وابن الجوزي والسهيلي والقرطبي والمحب الطبري وفتح الدين بن سيد الناس ومسدد حدثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن أولاد المشركين فقال: (الله أعلم بما كانوا عاملين) ].

قوله رحمه الله تعالى: [ باب في ذراري المشركين ] الذراري: الذرية والنسل، والمقصود: حكمهم في الدنيا وحكمهم في الآخرة، أما حكمهم في الدنيا فهم تبع لآبائهم، ولهذا يحصل التوارث بينهم، ويدفنون في مقابرهم، وأما في الآخرة فقد اختلف فيهم على أقوال عديدة، أظهرها أنهم كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (الله أعلم بما كانوا عاملين).

وقد قيل في معنى الحديث: إنهم يمتحنون يوم القيامة، وعلى ضوء هذا الامتحان يتبين هل هم من أهل السعادة أو من أهل الشقاوة، ولهذا كان الجواب: (الله أعلم بما كانوا عاملين) أي إذا امتحنوا في يوم القيامة، فإن النتيجة أو المصير يكون تبعاً لنتيجة ذلك الامتحان، فيسدد من يسدد، ويخذل من يخذل، كما لو كان الأمر حاصلاً في الدنيا.

وهذا هو أظهر ما قيل في ذراري المشركين بالنسبة للآخرة، وهذا القول رجحه جماعة من أهل العلم، منهم ابن القيم في تهذيب السنن، وابن كثير في تفسيره، وشيخنا محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله في أضواء البيان عند تفسيره قوله عز وجل: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا [الإسراء:15].

وقد قيل: إنهم يكونون في الجنة، وقيل: إنهم يكونون في النار، وقيلت أقوال أخرى، وقد ذكر ابن القيم في تهذيب السنن ثمانية أقوال، وثامنها أنهم يمتحنون يوم القيامة، وأنهم يصيرون إلى ما كان ينتهي إليه ذلك الامتحان، وقال: إنه جاء في ذلك أحاديث يشد بعضها بعضاً.

والذين قالوا بعدم الامتحان قالوا: إن الآخرة دار جزاء وليست دار تكليف.

ولكن هذا لا ينافي كونهم يمتحنون يوم القيامة، ويتبين أهل السعادة وأهل الشقاوة، فإنه يحصل هذا التكليف كما جاء ما يدل عليه، وتكون النتيجة طبقاً لنتيجة هذا الامتحان.

وعلى هذا فالقول الصحيح في معنى قوله: [ (الله أعلم بما كانوا عاملين) ] أي الشيء الذي يعملونه إذا امتحنوا، ويحتمل أن يكون المراد به: الله أعلم بما كانوا عاملين لو عاشوا، ومعلوم أن هذا مما لا يكون، والله تعالى يعلم ما كان وما سيكون، وما لم يكن لو كان كيف يكون، مثلما جاء في قصة الغلام الذي قتله الخضر، قال: (ولو عاش لأرهق أبويه طغياناً وكفراً).