خطب ومحاضرات
شرح سنن أبي داود [475]
الحلقة مفرغة
شرح حديث حذيفة بن اليمان في الفتن
باب ذكر الفتن ودلائلها.
حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن الأعمش عن أبي وائل عن حذيفة رضي الله عنه قال: (قام فينا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قائماً, فما ترك شيئاً يكون في مقامه ذلك إلى قيام الساعة إلا حدثه حفظه من حفظه ونسيه من نسيه، قد علمه أصحابه هؤلاء، وإنه ليكون منه الشيء فأذكره كما يذكر الرجل وجه الرجل إذا غاب عنه ثم إذا رآه عرفه) ].
يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [ كتاب الفتن والملاحم ].
هذه الترجمة مشتملة على أمرين: على الفتن وعلى الملاحم، ولكن الأحاديث التي فيها تتعلق بالفتن، وأما الملاحم فقد عقد لها كتاباً يخصها، وجعل كتاب المهدي بين كتابي الفتن والملاحم، فما أدري ما سبب هذا التقسيم أو هذا التوسيع، ولو كانت الملاحم تتبع الفتن فإن الأمر واضح، لكنه وسط بينها كتاباً هو كتاب المهدي.
والمقصود بالفتن هي التي أخبر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنها تحصل طبقاً لما أخبر به عليه الصلاة والسلام، وأصل الفتنة أو الفتن هو الامتحان والاختبار، يقول الله عز وجل: (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ [الأنبياء:35].
وأما الملاحم فهي المعارك التي يلتحم فيها الناس، وكأنها مأخوذة من امتزاج اللحم باللحم، والمراد من ذلك الاقتتال الذي يكون بين المسلمين مع بعضهم البعض، أو مع أصناف الكفار مما أخبر به النبي الكريم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، ثم يقع في المستقبل طبقاً لما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم أورد أبو داود باب ذكر الفتن ودلائلها.
وأورد حديث حذيفة بن اليمان رضي الله تعالى عنه قال: (قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائماً فما ترك شيئاً يكون في مقامه ذلك إلى قيام الساعة إلا حدثه) أي: حدث به أصحابه من الفتن والأمور المستقبلة، والمقصود من ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بها في ذلك الموقف، وأنه يكون كذا ويكون كذا، ويكون كذا .. كل ذلك ذكره صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وهذا من علم الغيب الذي أطلعه الله عز وجل عليه.
تفرد الله بعلم الغيب وإطلاعه لرسله ما شاء منه
وكذلك قصة العقد الذي فقد لـعائشة وقد جلسوا تلك الليلة يبحثون عنه ولم يرتحلوا، والرسول صلى الله عليه وسلم أرسل من يبحث عنه، وبعد أن أصبحوا وليس معهم ماء أنزل الله التيمم فتيمموا، ولما أرادوا الارتحال وأثاروا الإبل إذا بالعقد تحت الجمل الذي تركب عليه عائشة ، فلو كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم الغيب لعرف مكان ذلك العقد، ولم يجلس الناس تلك الليلة يبحثون، ولم يرسل أحداً يبحث عنه، وإنما قال: استخرجوه من تحت البعير الذي تركب عليه عائشة .
وكذلك قد ذكر أنه يذاد أناس عن الحوض يوم القيامة وفيهم من هو من أصحابه، ولكنه ارتد بعد وفاته صلى الله عليه وسلم، ومات على أيدي الجيوش المظفرة التي بعثها أبو بكر رضي الله عنه لقتال المرتدين، قال عليه الصلاة والسلام: (فأقول: أصحابي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك) فلو كان يعلم الغيب لذكر أسماء الذين سيرتدون من أصحابه ويذكر فعلهم، وإنما كان يعرف أنهم مسلمون وأنهم من أصحابه، وقال: (أصحابي أصحابي) لما حصلت الذيادة عن الحوض، فقيل له: (إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك) .
والله تعالى أمر نبيه أن يبين أنه لا يعلم الغيب بقوله: (وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ [هود:31] ، وقال الله عز وجل في سورة الأعراف: قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ [الأعراف:188]، فعلم الغيب على الإطلاق إنما هو من خصائص الله سبحانه وتعالى، والنبي صلى الله عليه وسلم يعلم من الغيوب ما أطلعه الله عليه، وأما الغلو فيه وزعم أنه يطلع على الغيوب، فهذا غير صحيح على الإطلاق، وإنما يعلم ما أطلعه الله عز وجل عليه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
يعني: حفظه من حفظه من أصحابه، ونسيه من نسيه منهم.
قوله: [ (قد علمه أصحابه هؤلاء)].
يعني: كانوا موجودين في وقت تحديث حذيفة بالحديث.
قوله: [ (وإنه ليكون منه الشيء فأذكره كما يذكر الرجل وجه الرجل إذا غاب عنه، ثم إذا رآه عرفه)] .
أي: ما وقع فإنه يذكره عند وقوعه، كما أن الإنسان يذكر من غاب عنه ثم لقيه، وكذلك تلك الأخبار التي أخبر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم معلومة في أذهان من عرفها ومن علمها، فإذا وقعت طبقاً لذلك الخبر، تذكر ذلك الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصار الذي وقع مطابقاً للخبر، فصار مثل الرجل الذي كان يعرف إنساناً قد غاب عنه مدة، ثم لقيه فتذكره.
تراجم رجال إسناد حديث حذيفة بن اليمان في الفتن
عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي وإلا النسائي فأخرج له في عمل اليوم والليلة.
[ حدثنا جرير ].
هو جرير بن عبد الحميد الضبي الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن الأعمش ].
هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي وائل ].
هو شقيق بن سلمة ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو مخضرم، والمخضرم هو من أدرك الجاهلية والإسلام ولم يلق النبي صلى الله عليه وسلم.
[ عن حذيفة ].
هو حذيفة بن اليمان رضي الله تعالى عنهما وهو صحابي ابن صحابي، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
شرح حديث (يكون في هذه الأمة أربع فتن في آخرها الفناء)
أورد أبو داود حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه: (يكون في هذه الأمة أربع فتن في آخرها الفناء) ، والفناء هو الموت، وهذا الحديث ذكر فيه هذه الفتن وهي مجملة، والإسناد فيه ضعف؛ لأن فيه رجلاً مبهماً لم يذكر؛ لأنه قال: (عن رجل)، والرجل مبهم، وفي علم الإسناد إذا قيل: عن رجل. فهو مبهم، وإذا ذكر اسمه ولم يذكر اسم أبيه، أو: اسمه واسم أبيه ولكنه محتمل لعدة أشخاص فيقال له: مهمل، يعني: غير موضح النسبة، بحيث يحصل الاشتراك في ذلك، إما في الاسم وإما في اسم الأب، وإما في اسم الأب مع الاسم، فيكون من قبيل المهمل، وأما هذا فهو مبهم؛ لأنه غير معروف سواء كان رجلاً أو وامرأة.
تراجم رجال إسناد حديث (يكون في هذه الأمة أربع فتن في آخرها الفناء)
هو هارون بن عبد الله بن مروان البغدادي لقبه الحمال ، وهو ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[ حدثنا أبو داود الحفري ].
أبو داود الحفري هو عمر بن سعد ، وهو ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
والحفري نسبة إلى محلة في الكوفة، يقال: لها الحفر.
[ عن بدر بن عثمان ].
بدر بن عثمان ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة في التفسير.
[ عن عامر ].
عامر هو الشعبي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن رجل عن عبد الله ].
عن رجل مبهم، عن عبد الله وهو ابن مسعود الهذلي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد فقهاء الصحابة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
شرح حديث (... ثم فتنة السراء دخنها من تحت قدمي رجل من أهل بيتي يزعم أنه مني وليس مني...)
أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الفتن فأكثر من ذكرها، قال: حتى ذكر فتنة الأحلاس، فقال قائل: وما فتنة الأحلاس يا رسول الله؟ قال: هي هرب وحرب).
والحرب ذهاب المال والأهل، والهروب والشرود يكون بسبب الفتن، وقيل لها: الأحلاس؛ لمكثها وطولها، وذلك مأخوذ من الحلس وهو الفراش الذي يوضع في الأرض ويجلس عليه فيكون باقياً حتى يزال ويحرك من مكانه، ويقولون عن الرجل إذا كان ملازماً لبيته: حلس بيته، يعني: أنه ملازم لبيته كالحلس والفراش الثابت والمستقر ويجلس عليه صاحبه.
قوله: [ (ثم فتنة السراء دخنها من تحت قدمي رجل من أهل بيتي يزعم أنه مني وليس مني) ].
السراء من السرور وهو كثرة التنعم والافتتان بالدنيا ونعمها، وأن الناس يفتنون بالدنيا والأكل من طيباتها والاشتغال بها، فهي مقابل الضراء، كما جاء في الحديث: (عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير؛ إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن).
قوله: [ (دخنها تحت قدمي رجل من أهل بيتي يزعم أنه مني وليس مني) ].
يعني: أن غبارها ودخانها الذي يخرج بسبب ذلك الرجل الذي يزعم أنه منه، وليس هو منه على الحقيقة، وإن كان قد يكون منه من حيث النسب، ولكن كونه ليس على منهاجه وطريقته فليس منه، كما في حق ابن نوح الذي قال الله عنه: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ [هود:46] مع أنه وعده بنجاته هو وأهله، فقيل: لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ يعني: ليس من أهله الناجين وإن كان من أهله من حيث النسب ومن حيث التوالد، ولكنه ليس منه على الحقيقة باعتبار الدين.
قوله: (وإنما أوليائي المتقون) أي: أنه ليس من أوليائه وإنما هو من قرابته، ولكنه ليس على دينه ومنهجه وطريقته صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، والمتقون هم أولياء الرسول صلى الله عليه وسلم الذين هم على طريقته ومنهجه، كما قال عليه الصلاة والسلام: (كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى، قيل: ومن يأبى يا رسول الله؟! قال: من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى) فأولياؤه هم المتقون، ومن كان من أهل بيته وعلى منهاجه وطريقته فقد جمع بين الحسنيين، كونه من قرابته وكونه على منهاجه وطريقته، وأما إن كان من أهل بيته ولكنه ليس على طريقته أو ليس من أهل دينه فإن ذلك لا ينفعه عند الله عز وجل، كما حصل ذلك لـأبي لهب ، فإن نسبه نسب شريف، وهو نسب الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن الكفر هو الذي أقصاه وأبعده، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه)، يعني: من أخره عمله فنسبه ليس هو الذي يقدمه، فالعبرة بالأعمال الصالحة، وهي التي تنفع، وهي التي تفيد في الدنيا والآخرة، وأما الأنساب وشرفها فهي حسنة مع وجود الأصل والأساس من الدين والإسلام والتقى والاستقامة على طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، يقول الشاعر:
لعمرك ما الإنسان إلا بدينه
فلا تترك التقوى اتكالاً على النسب
فقد رفع الإسلام سلمان فارس
وقد وضع الشرك النسيب أبا لهب
هذا أبو لهب نسيب ولكن الشرك هو الذي وضعه، وسلمان الفارسي رفعه الله تعالى بالإسلام.
قال: (وإنما أوليائي المتقون)، كما قال الله عز وجل: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:62-63] هؤلاء هم أولياء الله على الحقيقة، وولاية الله هي الاستقامة على طاعته، وامتثال ما جاء عن الله وعن رسوله عليه الصلاة والسلام، كما جاء في هذه الآية: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [يونس:62] من هم؟ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:63] .
قوله: [ (ثم يصطلح الناس على رجل كورك على ضلع) ]، يعني: أنه ليس له ثبات أو استقامة، وذلك أن الضلع لا يحمل الورك؛ لأن وضع الورك تحت الضلع فيه الإشارة إلى عدم الثبوت وعدم الاستقرار، وأن ذلك لا يتم ولا يحصل كما أن الورك لا يحمله الضلع، وحتى لو كان بالعكس، وأن الضلع يكون فوقه الورك؛ فإنه لا يحمله لضعف الضلع وضخامة الورك بالنسبة له.
قوله: [ (ثم فتنة الدهيماء لا تدع أحداً من هذه الأمة إلا لطمته لطمة) ]، يعني: أصيب بها وحصل له منها نصيب، وصغرت الدهيماء للشدة، وقد يصغر الشيء لا للتهوين والتحقير وإنما للشدة، كما في بيت من الشعر:
وكل أناس سوف تدخل بينهم دويهية تصفر منها الأنامل
قوله: [ (لا تدع أحداً من هذه الأمة إلا لطمته لطمة) ] يعني: حصل له نصيب منها.
قوله: [ (فإذا قيل انقضت تمادت) ] أي: أنها تدوم وتستمر، وكلما قيل: انقضت، تمادت وزادت في الاستمرار وطالت.
قوله: [ (يصبح الرجل فيها مؤمناً ويمسي كافراً) ] .
وذلك لكثرة الفتن، فيصبح الإنسان وهو مؤمن ثم يأتي في المساء وهو كافر والعياذ بالله، أو يمسي وهو مؤمن ثم يصبح وهو كافر، لما يحصل له من الافتتان، وتغير الأحوال، فيكون الإنسان على الإسلام وبعد فترة وجيزة يتحول منه إلى الكفر والعياذ بالله.
قوله: [ (حتى يصير الناس إلى فسطاطين) ] يعني: جماعتين.
قوله: [ (فسطاط إيمان لا نفاق فيه) ]، يعني: خالص ليس معه نفاق، وإنما هو إيمان ظاهر وباطن، خلاف النفاق فإنه إيمان ظاهر وكفر باطن، وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ [البقرة:14] فالمنافق يظهر الإيمان ويبطن الكفر، وسبب ذلك قوة وعزة الإسلام؛ لأنه لخبثه ولحقده يريد أن يعيش مع الناس ويظهر لهم ما يريدون ويخفي الكفر بالله.
قوله: [ (وفسطاط نفاق لا إيمان فيه) ] يعني: نفاق خالص، يعني: كفر ظاهر.
قوله: [ (فإذا كان ذاكم فانتظروا
يعني: في ذلك الوقت يكون الدجال على وشك الخروج والظهور.
تراجم رجال إسناد حديث (... ثم فتنة السراء دخنها من تحت قدمي رجل من أهل بيتي يزعم أنه مني وليس مني...)
يحيى بن عثمان بن سعيد الحمصي صدوق، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة .
[ حدثنا أبو المغيرة ].
أبو المغيرة هو عبد القدوس بن الحجاج، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثني عبد الله بن سالم ].
عبد الله بن سالم ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والنسائي .
[ حدثني العلاء بن عتبة ].
العلاء بن عتبة صدوق، أخرج له أبو داود .
[ عن عمير بن هانئ العنسي ].
عمير بن هانئ العنسي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ سمعت عبد الله بن عمر ].
هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما، الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
شرح حديث (... والله ما ترك رسول الله من قائد فتنة ...)
ذكر أبو داود حديث حذيفة رضي الله تعالى عنه وفيه بيان أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر عن قادة الفتن ممن كان أتباعه ثلاثمائة فأكثر، ومعنى ذلك: أن من كان دون هذا فإنه لم يذكره، لكن هذا الحديث ضعيف؛ لأن في إسناده الابن المبهم لـقبيصة رضي الله تعالى عنه، فهو غير صحيح.
تراجم رجال إسناد حديث (... والله ما ترك رسول الله من قائد فتنة ...)
هو محمد بن يحيى بن فارس الذهلي، وهو ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[ حدثنا ابن أبي مريم ].
ابن أبي مريم هو سعيد بن الحكم ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ أخبرنا ابن فروخ ].
هو عبد الله بن فروخ، وهو صدوق يغلط، أخرج له أبو داود .
[ أخبرني أسامة بن زيد ].
هو أسامة بن زيد الليثي، وهو صدوق يهم، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[ أخبرني ابن لـقبيصة بن ذؤيب عن أبيه ].
قيل: هو إسحاق ، وصاحب الرواية عن قبيصة مجهول .
وقبيصة بن ذؤيب صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ قال حذيفة ].
وقد مر ذكره.
شرح حديث حذيفة (إن الناس كانوا يسألون رسول الله عن الخير وكنت أسأله عن الشر)
أورد أبو داود حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، وفيه: أن سبيع بن خالد قال: قدمت الكوفة فأتيت مسجدها وإذا فيها صدع من الرجال، وبينهم رجل يظهر أنه من أهل الحجاز، فقلت: من هذا؟ فتجهمه الناس، واستغربوا سؤاله، فقالوا: هذا حذيفة بن اليمان صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي هذا قيام الصحابة رضي الله عنه وأرضاهم بنشر العلم، وبيان السنن، ومعلوم أنهم رضي الله عنهم وأرضاهم خرجوا من المدينة وانتشروا في الآفاق لنشر السنن وبيان الأحكام الشرعية، ولم يبق في المدينة منهم إلا القليل، وخرج أكثرهم وتفرقوا في الآفاق في الشام ومصر والعراق واليمن، وأماكن مختلفة، كل ذلك لبيان سنن الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا يدل على قيامهم بنشر السنن، وحرصهم على تلقيها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم حرصهم على إبلاغها للناس، وإيصالها إليهم ليعملوا بها، وليستقيموا على ما جاء عن الله وعن رسوله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، ثم إن كون أولئك القوم يحتفون بأصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، ويحرصون على الاستفادة منهم، وكونهم يستغربون عمن يسأل عن أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، كل هذا يدلنا على علو منزلة الصحابة في قلوب التابعين، واحتفائهم بهم، وحرصهم على التلقي منهم، والأخذ عنهم رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.
قوله: [ أتيت الكوفة في زمن فتحت تستر ].
تستر مدينة من مدن الجهة الشرقية، وفتحت سنة عشرين للهجرة في أيام عمر .
قوله: [ أجلب منها بغالاً، فدخلت المسجد فإذا صدع من الرجال ].
أي: جماعة من الرجال.
قوله: [ وإذا رجل جالس تعرف إذا رأيته أنه من رجال أهل الحجاز، قال: فقلت: من هذا؟ فتجهمني القوم، وقالوا: أما تعرف هذا؟ هذا حذيفة بن اليمان صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ].
المقصود هنا: المكانة والحفاوة، وقولهم: صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعني: هذا ظفر كبير كون التابعين يحصلون واحداً من الصحابة، وقد سبق أن مر بنا في سنن أبي داود حديث هلال بن يسار ، الذي فيه: دخلت الرقة، فقال لي بعض أصحابي: ألك في رجل من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم؟ فقلت: غنيمة، يعني: كونه يلتقي بأحد من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم هذا يعتبر غنيمة.
قوله: [ (فقال
قال الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [ كتاب الفتن والملاحم.
باب ذكر الفتن ودلائلها.
حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن الأعمش عن أبي وائل عن حذيفة رضي الله عنه قال: (قام فينا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قائماً, فما ترك شيئاً يكون في مقامه ذلك إلى قيام الساعة إلا حدثه حفظه من حفظه ونسيه من نسيه، قد علمه أصحابه هؤلاء، وإنه ليكون منه الشيء فأذكره كما يذكر الرجل وجه الرجل إذا غاب عنه ثم إذا رآه عرفه) ].
يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [ كتاب الفتن والملاحم ].
هذه الترجمة مشتملة على أمرين: على الفتن وعلى الملاحم، ولكن الأحاديث التي فيها تتعلق بالفتن، وأما الملاحم فقد عقد لها كتاباً يخصها، وجعل كتاب المهدي بين كتابي الفتن والملاحم، فما أدري ما سبب هذا التقسيم أو هذا التوسيع، ولو كانت الملاحم تتبع الفتن فإن الأمر واضح، لكنه وسط بينها كتاباً هو كتاب المهدي.
والمقصود بالفتن هي التي أخبر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنها تحصل طبقاً لما أخبر به عليه الصلاة والسلام، وأصل الفتنة أو الفتن هو الامتحان والاختبار، يقول الله عز وجل: (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ [الأنبياء:35].
وأما الملاحم فهي المعارك التي يلتحم فيها الناس، وكأنها مأخوذة من امتزاج اللحم باللحم، والمراد من ذلك الاقتتال الذي يكون بين المسلمين مع بعضهم البعض، أو مع أصناف الكفار مما أخبر به النبي الكريم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، ثم يقع في المستقبل طبقاً لما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم أورد أبو داود باب ذكر الفتن ودلائلها.
وأورد حديث حذيفة بن اليمان رضي الله تعالى عنه قال: (قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائماً فما ترك شيئاً يكون في مقامه ذلك إلى قيام الساعة إلا حدثه) أي: حدث به أصحابه من الفتن والأمور المستقبلة، والمقصود من ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بها في ذلك الموقف، وأنه يكون كذا ويكون كذا، ويكون كذا .. كل ذلك ذكره صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وهذا من علم الغيب الذي أطلعه الله عز وجل عليه.
استمع المزيد من الشيخ عبد المحسن العباد - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
شرح سنن أبي داود [139] | 2891 استماع |
شرح سنن أبي داود [462] | 2845 استماع |
شرح سنن أبي داود [106] | 2837 استماع |
شرح سنن أبي داود [032] | 2732 استماع |
شرح سنن أبي داود [482] | 2704 استماع |
شرح سنن أبي داود [529] | 2695 استماع |
شرح سنن أبي داود [555] | 2689 استماع |
شرح سنن أبي داود [177] | 2681 استماع |
شرح سنن أبي داود [097] | 2656 استماع |
شرح سنن أبي داود [273] | 2652 استماع |