شرح سنن أبي داود [432]


الحلقة مفرغة

شرح حديث (من أكل ثوماً أو بصلاً فليعتزلنا وليقعد في بيته...)

قال المصنف يرحمه الله تعالى: [ باب في أكل الثوم.

حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب حدثني عطاء بن أبي رباح أن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: إن رسول الله صلى عليه وآله وسلم قال: (من أكل ثوماً أو بصلاً فليعتزلنا -أو ليعتزل مسجدنا- وليقعد في بيته، وإنه أتي ببدر فيه خضرات من البقول فوجد لها ريحاً، فسأل، فأخبر بما فيها من البقول، فقال: قربوها إلى بعض أصحابه كان معه، فلما رآه كره أكلها قال: كل فإني أناجي من لا تناجي) قال أحمد بن صالح : ببدر، فسره ابن وهب : طبق ].

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في أكل الثوم ].

أورد أبو داود في أكل الثوم عدة أحاديث ترجع إلى أن أكل الثوم وحضور مجامع الناس وحضور المساجد فيه أذية للناس وللملائكة؛ وذلك لما فيه من الرائحة الكريهة.

وأورد أبو داود حديث جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (من أكل ثوماً أو بصلاً فليعتزلنا أو ليعتزل مسجدنا) ] يعني: هذا شك من الراوي هل قال هذا أو قال هذا، وذكر المساجد والمجامع التي يكون فيها اجتماع الناس؛ لما يحصل فيها من الإيذاء، وقد جاء هذا الحديث في المنع منه، والدلالة على أن ذلك غير سائغ، وفي دخول المساجد بذلك أذية الملائكة كما جاء: (فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه الإنسان) .

والحاصل أن الروائح الكريهة التي تؤذي الناس ينبغي للإنسان أن يبتعد عنها؛ هذا ما كان مباحاً منها، وأما ما كان محرماً كالدخان فإنه لا يجوز له أن يتعاطاه أبداً، وأما الثوم والبصل وغيرهما من الأمور المباحة مما فيه رائحة كريهة، فإن على الإنسان أن يحذر من أن يؤذي الناس بهذه الرائحة، فإذا احتاج الأمر إلى أكلها فإنه يستعمل معها شيئاً يزيل أثرها، أو يأكلها في وقت مبكر، بحيث إذا جاء الوقت الذي يذهب فيه إلى المسجد تكون تلك الرائحة قد ذهبت، فلا يحصل الإيذاء بسبب أكل الثوم والبصل.

يقول الخطابي رحمه الله: إنما أمره باعتزال المسجد عقوبة له، وليس هذا من باب الأعذار التي تبيح للمرء التخلف عن الجماعة كالمطر والريح العاصف ونحوهما.

يعني: أن الإنسان لا يكون معذوراً إذا أكل الثوم وتخلف عن صلاة الجماعة، بل إن أمره بالاعتزال من العقوبات، ووجهها أنه يحال بينه وبين هذا الخير، وذلك أن أكل الثوم والبصل يمكن أن يكون على وجه لا يحصل معه التأخر عن الجماعة إذا احتاج إليه، بأن يكون ذلك في وقت مبكر، بحيث يأتي وقت الجماعة وليس هناك أثر لتلك الرائحة الكريهة.

قوله:[ (وإنه أتي ببدر فيه خضرات) ].

يعني: بطبق فيه أصناف من الخضروات والبقول .

قوله:[ (فوجد لها ريحاً، فسأل، فأخبر بما فيها من البقول فقال: قربوها. إلى بعض أصحابه كان معه، فلما رآه كره أكلها قال: كل فإني أناجي من لا تناجي) ].

يعني: كرهها قدمها لبعض أصحابه، فلما رآه كرهها أمره بأن يأكل وأخبره أن امتناعه بسبب أنه يناجي الملائكة حين تأتيه بالوحي، وأيضاً يناجي الله عز وجل، ولكن الذي يختص به هو الملائكة الذين يأتون بالوحي، وقد جاء أن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه الإنسان.

ثم هو عليه الصلاة والسلام يكره الرائحة الكريهة ولا يحبها، ويحب الرائحة الطيبة، وقد سبقت قصة المغافير وأنه شرب عسلاً، فقالت بعض أمهات المؤمنين: إن فيه مغافير. تعني: أن فيه رائحة مغافير، والمغافير هو النبات الذي ترعاه النحل ثم تظهر رائحته في عسله، فكان يكره الريح الخبيثة صلى الله عليه وسلم، ثم أيضاً مع كونه يكرهها فهو يناجي من لا يناجيه الناس، وهم الملائكة الذين يأتون بالوحي إليه صلى الله عليه وسلم.

قوله: [ قال أحمد بن صالح : ببدر، فسره ابن وهب : طبق ].

يعني: البدر هو الطبق.

تراجم رجال إسناد حديث (من أكل ثوماً أو بصلاً فليعتزلنا وليقعد في بيته)

قوله: [ حدثنا أحمد بن صالح ].

هو أحمد بن صالح المصري ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي في الشمائل.

[ حدثنا ابن وهب ].

هو عبد الله بن وهب المصري ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ أخبرني يونس ].

هو يونس بن يزيد الأيلي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن ابن شهاب ].

هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثني عطاء بن أبي رباح ].

هو عطاء بن أبي رباح المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ أن جابر بن عبد الله ].

هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما، وهو أحد الصحابة السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

شرح حديث (أنه ذكر عند رسول الله الثوم والبصل...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب أخبرني عمرو أن بكر بن سوادة حدثه أن أبا النجيب مولى عبد الله بن سعد حدثه أن أبا سعيد الخدري رضي الله عنه حدثه: (أنه ذكر عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الثوم والبصل، فقيل: يا رسول الله! وأشد ذلك كله الثوم أفتحرمه؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: كلوه، ومن أكله فلا يقرب هذا المسجد حتى يذهب ريحه منه) ].

أورد أبو داود حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر عنده الثوم والبصل، فقيل: [ (يا رسول الله وأشد ذلك كله الثوم أفتحرمه ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: كلوه، ومن أكله فلا يقرب هذا المسجد حتى يذهب ريحه منه) ].

يعني: أنه صلى الله عليه وسلم أذن بأكله ولم يمنع منه، ولكن المنع من كونه يحصل على وجه مؤذٍ للناس، وذلك بأن يأتي آكله إلى المساجد، ومثلها مجامع الناس حيث يتأذى الناس برائحته في اجتماعه بهم وجلوسه معهم؛ لأن إيذاء المسلمين حرام، ولا يسوغ للمسلم أن يؤذي أخاه، ولكنه عندما يحتاج إليه يأكله في وقت مبكر حتى تزول رائحته، أو يستعمل معه شيئاً يزيل رائحته.

تراجم رجال إسناد حديث ( أنه ذكر عند رسول الله الثوم والبصل...)

قوله: [ حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب أخبرني عمرو ].

هو عمرو بن الحارث المصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ أن بكر بن سوادة ].

وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم وأصحاب السنن.

[ أن أبا النجيب مولى عبد الله بن سعد ].

وهو مقبول، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، وأبو داود والنسائي .

[ أن أبا سعيد الخدري ].

هو سعد بن مالك بن سنان رضي الله عنهما صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وهو في المعنى مثل الذي قبله، أي: أن الثوم والبصل مأذون فيه، وهو ليس من الأمور المحرمة، ولكن المحظور منه رائحته الكريهة التي يتأذى بها الناس.

شرح حديث (من تفل تجاه القبلة جاء يوم القيامة تفله بين عينيه ومن أكل من هذه البقلة الخبيثة فلا يقربن مسجدنا)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن الشيباني عن عدي بن ثابت عن زر بن حبيش عن حذيفة رضي الله عنه أظنه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (من تفل تجاه القبلة جاء يوم القيامة تفله بين عينيه، ومن أكل من هذه البقلة الخبيثة فلا يقربن مسجدنا ثلاثاً) ].

أورد أبو داود حديث حذيفة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (من تفل تجاه القبلة جاء يوم القيامة تفله بين عينيه، ومن أكل من هذه البقلة الخبيثة) ] يعني: خبيثة الرائحة، وإلا فهي في الأصل من الطيبات ويستعملها الناس، لكن بإماتتها أو باستعمالها مع إزالة رائحتها.

قوله: [ (فلا يقربن مسجدنا) ] وقد جاء في بعض الأحاديث: (مساجدنا) فليس الأمر مقصوراً على مسجده صلى الله عليه وسلم، وإنما المقصود من ذلك المساجد التي هي محل اجتماع الناس وحضور الملائكة، وقد جاء في التعليل : (أن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه الإنسان) وهذا يدل على أن الإنسان لا يدخل المسجد وعنده هذه الرائحة ولو لم يكن فيه أحد من الناس؛ لأن التعليل ليس مقصوراً على الآدميين؛ بل الملائكة كذلك.

تراجم رجال إسناد حديث (من تفل تجاه القبلة جاء يوم القيامة تفله بين عينيه ومن أكل من هذه البقلة الخبيثة فلا يقربن مسجدنا)

قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ].

عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .

[ حدثنا جرير ].

هو جرير بن عبد الحميد الضبي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن الشيباني ].

هو سليمان بن فيروز ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عدي بن ثابت ].

عدي بن ثابت وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن زر بن حبيش ].

زر بن حبيش وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن حذيفة ].

حذيفة بن اليمان رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم صحابي ابن صحابي، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

حكم التفل باتجاه القبلة ووجه وصف الثوم بالخبث

قوله: [ (من تفل تجاه القبلة جاء يوم القيامة تفله بين عينيه) ].

هذا يدل على تحريم التفل إلى القبلة أو باتجاه القبلة، وأن على الإنسان أن يتفل إلى غير تلك الجهة، وهو عام في الصلاة وفي غير الصلاة، وفي المسجد أو في غيره.

قوله: [ (من أكل من هذه البقلة الخبيثة) ].

يعني: خبث الرائحة، وهو من جنس قوله (كسب الحجام خبيث) مع أنه مباح، وإنما هو كسب رديء، وليس معناه التحريم، وهذا ليس خاصاً بالبصل والثوم، بل يشمل غيرهما من الأطعمة ذات الرائحة الكريهة مما يؤذي الناس، فإنه يقاس عليه، لكن هناك شيء خبيث الرائحة ومحرم ألا وهو الدخان.

قوله: [ (أظنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) ].

يعني: أنه شك في كونه رفعه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، والألباني صححه ولعله وجد شيئاً يفيد صحته، وأيضاً قوله: [ (جاء يوم القيامة تفله بين عينيه) ] لا يقال بالرأي وإنما هو من أمور الغيب.

شرح حديث (من أكل من هذه الشجرة فلا يقربن المساجد)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا يحيى عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (من أكل من هذه الشجرة فلا يقربن المساجد) ].

أورد أبو داود حديث ابن عمر : [ (من أكل من هذه الشجرة فلا يقربن المساجد) ] وهذا لفظ عام يشمل مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وغيره، وهو يدل على أن ذكر مسجده صلى الله عليه وسلم في بعض الروايات لا يدل على القصر عليه؛ لأن الحكم عام، والتعليل الذي حصل بكونها تؤذي الملائكة وتؤذي الآدميين يكون في مسجده صلى الله عليه وسلم وفي غير مسجده.

تراجم رجال إسناد حديث (من أكل من هذه الشجرة فلا يقربن المساجد)

قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل ].

هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام الفقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا يحيى ].

هو يحيى بن سعيد القطان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عبيد الله ].

هو عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن نافع ].

هو نافع مولى ابن عمر وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن ابن عمر ].

هو عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

شرح حديث المغيرة (من أكل من هذه الشجرة فلا يقربنا حتى يذهب ريحها...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا شيبان بن فروخ حدثنا أبو هلال حدثنا حميد بن هلال عن أبي بردة عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: (أكلت ثوماً فأتيت مصلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقد سبقت بركعة، فلما دخلت المسجد وجد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ريح الثوم، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صلاته قال: من أكل من هذه الشجرة فلا يقربنا حتى يذهب ريحها -أو ريحه- فلما قضيت الصلاة جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقلت: يا رسول الله! والله لتعطيني يدك، قال: فأدخلت يده في كم قميصي إلى صدري فإذا أنا معصوب الصدر، قال: إن لك عذراً) ].

أورد أبو داود حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أنه أكل بصلاً وأنه جاء مسبوقاً وفاته بعض الصلاة فقام يقضي ما فاته، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: [ (من أكل من هذه الشجرة فلا يقربنا) ] .

فلما قضى المغيرة بن شعبة صلاته جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وطلب منه أن يوقفه على السبب الذي جعله يأكل من هذه الشجرة، فإذا صدره معصوب، وأنه فعل ذلك على سبيل العلاج.

ومن العلماء من قال: إنه أكله من أجل الجوع. لكن عندما يكون الجوع يعصب البطن وليس الصدر، وإنما يكون عصب الصدر من أجل العلاج.

قوله: [ (قال: إن لك عذراً) يعني: في كونك أكلت، لكن كما هو معلوم إذا كان الإنسان مضطراً إلى العلاج، فإن عليه أن يستعمل ذلك في وقت مبكر حتى تذهب الرائحة.

قوله: [ (فأدخلت يده في كم قميصي إلى صدري) ].

يعني: كانت الأكمام واسعة، وفعل ذلك من أجل أن يوقفه على العصابة التي على صدره، فهو يريد أن يبين عذره وأنه مريض وأنه استعمله للعلاج.

تراجم رجال إسناد حديث المغيرة (... من أكل من هذه الشجرة فلا يقربنا حتى يذهب ريحها...)

قوله: [ حدثنا شيبان بن فروخ ].

شيبان بن فروخ صدوق يهم، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي .

[ حدثنا أبو هلال ].

هو محمد بن سليم صدوق فيه لين، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، وأصحاب السنن.

[ حدثنا حميد بن هلال ].

حميد بن هلال ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبي بردة ].

أبو بردة بن أبي موسى ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن المغيرة بن شعبة ].

المغيرة بن شعبة رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث (أن النبي نهى عن هاتين الشجرتين وقال من أكلهما فلا يقربن مسجدنا...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عباس بن عبد العظيم حدثنا أبو عامر عبد الملك بن عمرو حدثنا خالد بن ميسرة -يعني: العطار - عن معاوية بن قرة عن أبيه رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن هاتين الشجرتين، وقال: من أكلهما فلا يقربن مسجدنا، وقال: إن كنتم لابد آكليهما فأميتوهما طبخاً. قال: يعني البصل والثوم) ].

أورد أبو داود حديث قرة بن إياس رضي الله تعالى عنه: [ (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن هاتين الشجرتين، وقال: من أكلهما فلا يقربن مسجدنا، إن كنتم لابد آكليهما فأميتوهما طبخاً) ] . وهذا يفيد بأن الإنسان يستعملهما مطبوختين حتى لا يكون لهما رائحة، ومعلوم أن الثوم حتى مع الطبخ يكون فيه شيء من الرائحة، لكن ليست كالحالة التي يكون فيها قبل الطبخ.

والنهي عنهما ليس المقصود به تحريمهما، وإنما النهي عن استعمالهما على وجه يؤذي، وإذا كانوا لابد فاعلين فعليهم أن يميتوهما طبخاً، وكذلك لو أكلوهما وهم بحاجة إليهما بدون طبخ، فليكن في وقت مبكر بحيث تذهب الرائحة.

تراجم رجال إسناد حديث (أن النبي نهى عن هاتين الشجرتين وقال من أكلهما فلا يقربن مسجدنا...)

قوله: [ حدثنا عباس بن عبد العظيم ] .

هو عباس بن عبد العظيم العنبري ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن .

[ حدثنا أبو عامر عبد الملك بن عمرو ].

هو أبو عامر العقدي عبد الملك بن عمرو وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا خالد بن ميسرة يعني العطار ].

خالد بن ميسرة العطار صالح الحديث، أخرج له أبو داود والنسائي .

[ عن معاوية بن قرة ].

معاوية بن قرة وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبيه ].

هو قرة بن إياس رضي الله عنه، وحديثه أخرجه البخاري في الأدب المفرد، وأصحاب السنن.

شرح حديث (نهي عن أكل الثوم إلا مطبوخاً)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا الجراح أبو وكيع عن أبي إسحاق عن شريك عن علي رضي الله عنه قال: (نهي عن أكل الثوم إلا مطبوخاً) ].

أورد أبو داود حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: [ (نهي عن أكل الثوم إلا مطبوخاً) ] وهذا كما مر في الذي قبله: (إن كنتم لابد آكليهما فأميتوهما طبخاً) وكما عرفنا أن الأكل منهما غير مطبوخين سائغ، ولكن ينبغي أن يكون على وجه لا يحصل فيه إيذاء للناس.

تراجم رجال إسناد حديث (نهي عن أكل الثوم إلا مطبوخاً)

قوله: [ حدثنا مسدد ].

هو مسدد بن مسرهد ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي .

[ حدثنا الجراح أبو وكيع ].

هو الجراح بن مليح وهو صدوق يهم، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة .

[ عن أبي إسحاق ].

هو أبو إسحاق السبيعي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن شريك ].

هو شريك بن حنبل وهو ثقة، أخرج له أبو داود والترمذي .

[ عن علي ].

هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أمير المؤمنين، ورابع الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة، والفضائل الكثيرة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث عائشة (إن آخر طعام أكله رسول الله طعام فيه بصل)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا إبراهيم بن موسى أخبرنا ح وحدثنا حيوة بن شريح حدثنا بقية عن بحير عن خالد عن أبي زياد خيار بن سلمة (أنه سأل عائشة رضي الله عنها عن البصل فقالت: إن آخر طعام أَكَلَهُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم طعام فيه بصل) ].

أورد أبو داود حديث عائشة أنها سئلت عن البصل فقالت: كان آخر طعام أكله رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه بصل، لكن الحديث في إسناده ضعف، وهو غير ثابت.

تراجم رجال إسناد حديث عائشة (إن آخر طعام أكله رسول الله طعام فيه بصل)

قوله: [ حدثنا إبراهيم بن موسى ].

هو إبراهيم بن موسى الرازي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ قال أخبرنا ح وحدثنا ].

التحويل جاء من أجل التفريق بين صيغة أخبرنا وحدثنا؛ لأن الشيخ الأول فقال: أخبرنا بقية ، والشيخ الثاني قال: حدثنا بقية ، فمن أجل ذلك جاء بالتحويل، وإلا كان بإمكانه أن يقول: أخبرنا فلان وفلان عن فلان، ولكنه أتى بهذا التحويل من أجل الإشارة إلى التفاوت في صيغة التحمل.

[ ح وحدثنا حيوة بن شريح ].

هو حيوة بن شريح الحمصي ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي وابن ماجة .

حيوة بن شريح الحمصي متأخر، وحيوة بن شريح المصري متقدم قليلاً عن هذا، والمصري خرج له أصحاب الكتب الستة، وهذا خرج له بعضهم.

[ حدثنا بقية ].

هو أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب حدثني عطاء بن أبي رباح أن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: إن رسول الله صلى عليه وآله وسلم قال: (من أكل ثوماً أو بصلاً فليعتزلنا -أو ليعتزل مسجدنا- وليقعد في بيته، وإنه أتي ببدر فيه خضرات من البقول فوجد لها ريحاً، فسأل، فأخبر بما فيها من البقول، فقال: قربوها إلى بعض أصحابه كان معه، فلما رآه كره أكلها قال: كل فإني أناجي من لا تناجي) قال أحمد بن صالح : ببدر، فسره ابن وهب : طبق ].

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في أكل الثوم ].

أورد أبو داود في أكل الثوم عدة أحاديث ترجع إلى أن أكل الثوم وحضور مجامع الناس وحضور المساجد فيه أذية للناس وللملائكة؛ وذلك لما فيه من الرائحة الكريهة.

وأورد أبو داود حديث جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (من أكل ثوماً أو بصلاً فليعتزلنا أو ليعتزل مسجدنا) ] يعني: هذا شك من الراوي هل قال هذا أو قال هذا، وذكر المساجد والمجامع التي يكون فيها اجتماع الناس؛ لما يحصل فيها من الإيذاء، وقد جاء هذا الحديث في المنع منه، والدلالة على أن ذلك غير سائغ، وفي دخول المساجد بذلك أذية الملائكة كما جاء: (فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه الإنسان) .

والحاصل أن الروائح الكريهة التي تؤذي الناس ينبغي للإنسان أن يبتعد عنها؛ هذا ما كان مباحاً منها، وأما ما كان محرماً كالدخان فإنه لا يجوز له أن يتعاطاه أبداً، وأما الثوم والبصل وغيرهما من الأمور المباحة مما فيه رائحة كريهة، فإن على الإنسان أن يحذر من أن يؤذي الناس بهذه الرائحة، فإذا احتاج الأمر إلى أكلها فإنه يستعمل معها شيئاً يزيل أثرها، أو يأكلها في وقت مبكر، بحيث إذا جاء الوقت الذي يذهب فيه إلى المسجد تكون تلك الرائحة قد ذهبت، فلا يحصل الإيذاء بسبب أكل الثوم والبصل.

يقول الخطابي رحمه الله: إنما أمره باعتزال المسجد عقوبة له، وليس هذا من باب الأعذار التي تبيح للمرء التخلف عن الجماعة كالمطر والريح العاصف ونحوهما.

يعني: أن الإنسان لا يكون معذوراً إذا أكل الثوم وتخلف عن صلاة الجماعة، بل إن أمره بالاعتزال من العقوبات، ووجهها أنه يحال بينه وبين هذا الخير، وذلك أن أكل الثوم والبصل يمكن أن يكون على وجه لا يحصل معه التأخر عن الجماعة إذا احتاج إليه، بأن يكون ذلك في وقت مبكر، بحيث يأتي وقت الجماعة وليس هناك أثر لتلك الرائحة الكريهة.

قوله:[ (وإنه أتي ببدر فيه خضرات) ].

يعني: بطبق فيه أصناف من الخضروات والبقول .

قوله:[ (فوجد لها ريحاً، فسأل، فأخبر بما فيها من البقول فقال: قربوها. إلى بعض أصحابه كان معه، فلما رآه كره أكلها قال: كل فإني أناجي من لا تناجي) ].

يعني: كرهها قدمها لبعض أصحابه، فلما رآه كرهها أمره بأن يأكل وأخبره أن امتناعه بسبب أنه يناجي الملائكة حين تأتيه بالوحي، وأيضاً يناجي الله عز وجل، ولكن الذي يختص به هو الملائكة الذين يأتون بالوحي، وقد جاء أن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه الإنسان.

ثم هو عليه الصلاة والسلام يكره الرائحة الكريهة ولا يحبها، ويحب الرائحة الطيبة، وقد سبقت قصة المغافير وأنه شرب عسلاً، فقالت بعض أمهات المؤمنين: إن فيه مغافير. تعني: أن فيه رائحة مغافير، والمغافير هو النبات الذي ترعاه النحل ثم تظهر رائحته في عسله، فكان يكره الريح الخبيثة صلى الله عليه وسلم، ثم أيضاً مع كونه يكرهها فهو يناجي من لا يناجيه الناس، وهم الملائكة الذين يأتون بالوحي إليه صلى الله عليه وسلم.

قوله: [ قال أحمد بن صالح : ببدر، فسره ابن وهب : طبق ].

يعني: البدر هو الطبق.

قوله: [ حدثنا أحمد بن صالح ].

هو أحمد بن صالح المصري ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي في الشمائل.

[ حدثنا ابن وهب ].

هو عبد الله بن وهب المصري ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ أخبرني يونس ].

هو يونس بن يزيد الأيلي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن ابن شهاب ].

هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثني عطاء بن أبي رباح ].

هو عطاء بن أبي رباح المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ أن جابر بن عبد الله ].

هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما، وهو أحد الصحابة السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب أخبرني عمرو أن بكر بن سوادة حدثه أن أبا النجيب مولى عبد الله بن سعد حدثه أن أبا سعيد الخدري رضي الله عنه حدثه: (أنه ذكر عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الثوم والبصل، فقيل: يا رسول الله! وأشد ذلك كله الثوم أفتحرمه؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: كلوه، ومن أكله فلا يقرب هذا المسجد حتى يذهب ريحه منه) ].

أورد أبو داود حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر عنده الثوم والبصل، فقيل: [ (يا رسول الله وأشد ذلك كله الثوم أفتحرمه ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: كلوه، ومن أكله فلا يقرب هذا المسجد حتى يذهب ريحه منه) ].

يعني: أنه صلى الله عليه وسلم أذن بأكله ولم يمنع منه، ولكن المنع من كونه يحصل على وجه مؤذٍ للناس، وذلك بأن يأتي آكله إلى المساجد، ومثلها مجامع الناس حيث يتأذى الناس برائحته في اجتماعه بهم وجلوسه معهم؛ لأن إيذاء المسلمين حرام، ولا يسوغ للمسلم أن يؤذي أخاه، ولكنه عندما يحتاج إليه يأكله في وقت مبكر حتى تزول رائحته، أو يستعمل معه شيئاً يزيل رائحته.

قوله: [ حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب أخبرني عمرو ].

هو عمرو بن الحارث المصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ أن بكر بن سوادة ].

وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم وأصحاب السنن.

[ أن أبا النجيب مولى عبد الله بن سعد ].

وهو مقبول، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، وأبو داود والنسائي .

[ أن أبا سعيد الخدري ].

هو سعد بن مالك بن سنان رضي الله عنهما صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وهو في المعنى مثل الذي قبله، أي: أن الثوم والبصل مأذون فيه، وهو ليس من الأمور المحرمة، ولكن المحظور منه رائحته الكريهة التي يتأذى بها الناس.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن الشيباني عن عدي بن ثابت عن زر بن حبيش عن حذيفة رضي الله عنه أظنه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (من تفل تجاه القبلة جاء يوم القيامة تفله بين عينيه، ومن أكل من هذه البقلة الخبيثة فلا يقربن مسجدنا ثلاثاً) ].

أورد أبو داود حديث حذيفة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (من تفل تجاه القبلة جاء يوم القيامة تفله بين عينيه، ومن أكل من هذه البقلة الخبيثة) ] يعني: خبيثة الرائحة، وإلا فهي في الأصل من الطيبات ويستعملها الناس، لكن بإماتتها أو باستعمالها مع إزالة رائحتها.

قوله: [ (فلا يقربن مسجدنا) ] وقد جاء في بعض الأحاديث: (مساجدنا) فليس الأمر مقصوراً على مسجده صلى الله عليه وسلم، وإنما المقصود من ذلك المساجد التي هي محل اجتماع الناس وحضور الملائكة، وقد جاء في التعليل : (أن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه الإنسان) وهذا يدل على أن الإنسان لا يدخل المسجد وعنده هذه الرائحة ولو لم يكن فيه أحد من الناس؛ لأن التعليل ليس مقصوراً على الآدميين؛ بل الملائكة كذلك.

قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ].

عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .

[ حدثنا جرير ].

هو جرير بن عبد الحميد الضبي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن الشيباني ].

هو سليمان بن فيروز ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عدي بن ثابت ].

عدي بن ثابت وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن زر بن حبيش ].

زر بن حبيش وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن حذيفة ].

حذيفة بن اليمان رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم صحابي ابن صحابي، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.


استمع المزيد من الشيخ عبد المحسن العباد - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح سنن أبي داود [139] 2890 استماع
شرح سنن أبي داود [462] 2842 استماع
شرح سنن أبي داود [106] 2835 استماع
شرح سنن أبي داود [032] 2731 استماع
شرح سنن أبي داود [482] 2702 استماع
شرح سنن أبي داود [529] 2693 استماع
شرح سنن أبي داود [555] 2686 استماع
شرح سنن أبي داود [177] 2679 استماع
شرح سنن أبي داود [097] 2654 استماع
شرح سنن أبي داود [273] 2650 استماع