شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب المساجد - حديث 269-272


الحلقة مفرغة

الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ به الله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

عندنا أربعة أحاديث في أبواب المساجد.

حديث أبي هريرة -أيضاً- رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد فقولوا: لا أربح الله تجارتك).

تخريج الحديث

الحديث يقول المصنف: رواه النسائي والترمذي وحسنه.

الحديث رواه الترمذي في كتاب البيوع، (باب النهي عن البيع في المسجد)، وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، والعمل على هذا عند بعض أهل العلم، كرهوا أن يبيع أو يبتاع في المسجد، وإليه ذهب أحمد وإسحاق وغيرهما، قال: وأرخص فيه بعض أهل العلم، أرخصوا أن يبيع أو يبتاع في المسجد. هذا كلام الترمذي رحمه الله.

وكذلك الحديث رواه النسائي، والمصنف حين قال: رواه النسائي ينصرف الذهن إلى أنه رواه في السنن، وهذه هي القاعدة المطردة والغالبة عند أهل العلم، أنهم إذا قالوا: (رواه النسائي ) فإنهم يقصدون في السنن، والغالب أنهم يقصدون السنن الصغرى أيضاً، فإن كان في غيرها ذكروه وميزوه، والواقع أن هذا الحديث ما رواه النسائي في سننه الصغرى التي هي المجتبى المطبوعة المتداولة في أيدي الناس، إنما رواه في جزء مستقل اسمه عمل اليوم والليلة، وهو مطبوع في مجلد ضخم، جزء مستقل هو عمل اليوم والليلة، وقد يكون هذا الجزء جزءاً من سننه الكبرى أيضاً؛ لأن النسائي له كتاب السنن الكبرى، وهو مخطوط لم يطبع منه إلا شيء يسير.

المهم: عمل اليوم والليلة روى فيه النسائي هذا الحديث كما هو موجود في مطبوعته.

ورواه أيضاً عبد الرزاق في مصنفه، ورواه الدارمي وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما، والحاكم في مستدركه، وقال: صحيح على شرط مسلم، ورواه البيهقي في سننه والطبراني في معجمه الكبير، وقد نسب بعض أهل العلم هذا الحديث إلى مسلم، والواقع أن هذا اللفظ ليس في مسلم، وإنما روى مسلم طرفاً من الحديث، يعني: الحديث روي مقطعاً؛ فإن في الحديث: ( من سمع رجلاً ينشد ضالة في المسجد فليقل: لا ردها الله عليك؛ فإن المساجد لم تبن لهذا، ومن سمع رجلاً يبيع أو يبتاع في المسجد فليقل: لا أربح الله تجارتك )، فـمسلم روى الطرف الأول -كما سبق معنا في الدرس الماضي- حديث: ( من سمع رجلاً ينشد ضالة في المسجد ) هذا رواه مسلم وهو من نفس الطريق، ولذلك نسب بعضهم حديث: (إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد، فقولوا: لا أربح الله تجارتك) نسبوه إلى مسلم، وهذا وهم، أو لا تصح نسبته إلى مسلم، فإنه لم يخرج هذا اللفظ في صحيحه، وهذا سبب الوهم الذي حدث لهم.

وقد اختلف أهل العلم في تصحيح الحديث وتضعيفه، فقد حسنه الترمذي كما سمعتم، قال: حديث حسن غريب، وصححه جماعة من أهل العلم ذكرتهم أيضاً، وهم ابن خزيمة وابن حبان، وكذلك الحاكم قال في مستدركه : صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. وممن صححه أيضاً عبد الحق الإشبيلي.

والراجح أن الحديث صحيح وليس حسناً فقط، الراجح أن الحديث صحيح كما صححه هؤلاء الأئمة الأعلام الذين ذكرتهم.

معاني ألفاظ الحديث

قوله: (يبيع أو يبتاع) ما الفرق بين البيع والابتياع؟ ما الفرق بين قوله: يبيع أو يبتاع؟ (يبتاع) معناها: يشتري، إذاً: معناه: يبيع أو يشتري المسجد، يقول أهل اللغة: البيع من أسماء الأضداد، يطلق على البيع ويطلق على الشراء، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم -كما في حديث حكيم بن حزام وابن عمر -: ( البيعان بالخيار ) من البيعان؟ البائع والمشتري، فإن البيع يطلق على البيع ويطلق على الشراء، وكذلك الشراء قد يكون كذلك، كما قال الله عز وجل: وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ [يوسف:20] يعني: باعوه، هذا على أحد الأوجه في الآية، هو أحد الأوجه في الآية: وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ [يوسف:20] يعني: إخوته باعوه بثمن بخس دراهم معدودة، وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ [يوسف:20] .

على كل حال هذا معنى قوله: (يبيع أو يبتاع في المسجد).

حكم البيع والشراء في المسجد وأقوال العلماء فيه

في الحديث مسألة فقهية، وهي: مسألة البيع والشراء في المسجد، ما حكمهما؟ وما شابههما من العقود كعقد الإجارة -مثلاً- ونحو ذلك، ففي المسألة أقوال:

القول الأول: كراهة البيع والشراء في المسجد وأدلته

الأول: أنه مكروه، فيكره أن يبيع الإنسان أو يشتري أو يؤاجر في المسجد، وهذا القول هو القول الصحيح عند الشافعية كما ذكر ذلك النووي في المجموع، وهو مذهب أحمد وإسحاق والجمهور، وقد أشار الترمذي -فيما ذكرت قبل قليل من كلمته- إلى أنه عليه العمل عند بعض أهل العلم، أنهم كرهوا أن يبيع الرجل أو يبتاع في المسجد، ونسبه إلى أحمد وإسحاق، وكذلك نسبه إليهما ابن قدامة في المغني في آخر كتاب السّلَم فيما أذكر، في آخر كتاب السَّلَم نسبه إلى أحمد وإسحاق .

وعلى كل حال فهو قول الجمهور، أنه يكره أن يبيع الإنسان أو يشتري في المسجد.

واستدل أصحاب هذا القول بأدلة، منها:

حديث الباب، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد فقولوا: لا أربح الله تجارتك)، فإنهم قالوا: ما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالدعاء عليه بالخسران إلا لأنه عمل عملاً لا يليق ولا يسوغ في هذا المكان في المسجد، فهذا دليل ظاهر لهم على كراهية البيع والشراء ونحوهما في المسجد.

ومن أدلتهم أيضاً على النهي عن البيع والشراء ما رواه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن البيع والشراء في المسجد )، وهذا الحديث -حديث عمرو بن شعيب - من الذي خرجه؟ لأنه مر معنا، هو نفس الحديث الذي نهى فيه عن تناشد الأشعار في المساجد، نهى فيه عن البيع والشراء في المساجد أيضاً، فمن الذي خرج حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده؟ رواه الترمذي، ومن؟ والحاكم وصححه أيضاً. وأبو داود والنسائي وابن ماجه وأحمد، فهو مما يصح أن يقال فيه: رواه الخمسة: أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد، على حسب اصطلاح المصنف في البلوغ أنه مما يصح أن يقال فيه: رواه الخمسة، وذكرنا عن الترمذي أنه حسنه أو صححه، وكذلك صححه جماعة من أهل العلم، منهم ابن حجر رحمه الله؛ فإنه بعدما ساق الحديث قال: إسناده صحيح إلى عمرو بن شعيب، فمن يصحح نسخة عمرو بن شعيب فإنه يصححه، ونسخة عمرو بن شعيب درجتها فيما ذكرناه سابقاً حسنة، إذاً: فالحديث حسن، حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن البيع والشراء في المسجد )، وهو أقوى في الدلالة، أقوى من حديث الباب؛ لأن فيه النهي عن البيع والشراء في المسجد، فهذا من أدلتهم التي استدلوا بها على كراهية ذلك.

على كل حال! الحديث رواه الخمسة: أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد، وابن خزيمة، وصححه الحاكم وابن خزيمة، والترمذي حسنه وابن حجر قال: إسناده صحيح إلى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. طيب.

ودلالة الحديث ظاهرة، وقد ذكر ابن قدامة في المغني وغيره: (أن عمران القصير رأى رجلاً يبيع في المسجد، فقال له: هذا سوق الآخرة، فإن أردت التجارة فاخرج إلى سوق الدنيا)، فنهاه عن أن يبيع أو يشتري في المسجد وقال له: هذا السوق -يعني: المسجد- هو سوق الآخرة، سوق لطلب العلم والتعليم والعبادة والذكر والتسبيح وقراءة القرآن وما شابه ذلك، فإن أردت التجارة فاخرج إلى سوق الدنيا.

وما هو الصارف الذي استدل به هؤلاء الأئمة على صرف النهي عن البيع من التحريم إلى الكراهة؟ من الصوارف عند من يقول بدلالة الاقتران أن النبي صلى الله عليه وسلم قرنه بتناشد الأشعار في المساجد، وتناشد الأشعار في المساجد ثبت بالدليل أنه ليس بحرام، فكذلك البيع والشراء لا نقول: إنه حرام، لكن نقول: إنه مكروه؛ لأنه ليس هناك ما يدل على جوازه أيضاً، كالشعر حيث ثبت في الشعر أنه أنشد بحضرته عليه الصلاة والسلام، بخلاف البيع لم يثبت أنه بيع بحضرته في المسجد، هذا من القرائن.

الصارف الثاني: قوله صلى الله عليه وسلم في حديث الباب: ( فقولوا: لا أربح الله تجارتك )، قالوا: ولم يبين الرسول صلى الله عليه وسلم أن البيع فاسد أو باطل، فدل على أنه ليس بحرام، وإنما غاية أمره الكراهة.

من الأدلة الصارفة: ما نقله جماعة من أهل العلم -كـالعراقي والماوردي والمازري - من اتفاق أهل العلم وإجماعهم على أن البيع الذي عقد في المسجد أنه لا ينقض، يعني: أنه بيع صحيح ليس بفاسد، وقد نقل ثلاثة من أهل العلم الإجماع والاتفاق على ذلك، وهم العراقي والمازري والماوردي، ذكروا الاتفاق على أن البيع الذي عقد في المسجد أنه بيع صحيح ليس بفاسد ولا يجوز نقضه، وإن كان في هذا الإجماع بعض التعكير الذي سوف أذكره بعد قليل، فهذه بعض القرائن التي استدلوا بها على عدم تحريم البيع، على أن النهي هو للكراهة فحسب.

القول الثاني: حرمة البيع والشراء في المسجد وأدلته

القول الثاني في المسألة: أنه يحرم البيع والشراء في المسجد.

ولا شك أنه بالنسبة للقول الأول -أنه يكره- ذكرت لكم أنه مذهب الإمام أحمد كما نقله الترمذي وابن قدامة، لكن القول بالتحريم هو أيضاً رواية عن الإمام أحمد وقواها بعض الحنابلة، هو أيضاً رواية عن الإمام أحمد كما ذكره ابن مفلح في الفروع في كتاب الوقف، وكما ذكره في كتاب الإنصاف في مسائل الخلاف وغيرهم من فقهاء الحنابلة، ذكروه رواية عن الإمام أحمد، حتى قال ابن أبي المجد من الحنابلة: ويحرم البيع والشراء في المسجد للخبر ولا يصحان، فكأنه صرح بعدم صحة البيع والشراء في المسجد، وهذا يعكر -كما ذكرت- على ما قاله العراقي وغيره من إجماعهم على صحة البيع.

وكذلك قال ابن مفلح في الفروع، قال: (إن قواعد المذهب تقتضي عدم الصحة)، قواعد المذهب الحنبلي تقتضي عدم صحة البيع والشراء في المسجد، وكذلك الوزير ابن هبيرة قال: منع أحمد صحة البيع وجوازه.

إذاً: الإمام أحمد له في البيع والشراء روايتان:

إحداهما: القول بالكراهة، وهي التي نقلها الترمذي وابن قدامة وغيرهما.

والثانية: القول بالتحريم، وهي التي نقلها من ذكرت وغيرهم.

وكذلك رجحه من المتأخرين الشوكاني، صرح بترجيح هذا القول في نيل الأوطار، والصنعاني صرح أيضاً بترجيحه في سبل السلام أخذاً بظاهر الحديث.

ومما استدلوا به عدم وجود القرينة؛ لأن الشوكاني يقول: إن النهي هو حقيقة في التحريم، يعني نهي الرسول صلى الله عليه وسلم عن أمر يدل على تحريمه، وهذا هو معناه الحقيقي، أما الكراهية فهي معنىً مجازي، ولا ينتقل من الحقيقة إلى المجاز -يقول الشوكاني - إلا بدليل أو قرينة، ولا قرينة هنا، ولهذا ذهب هو ومن سلف إلى القول بتحريم البيع والشراء في المسجد، وإن كانوا لا يقولون ببطلانه أيضاً كلهم، بل أكثرهم يقولون بجوازه وإن كان حراماً، أكثرهم يقولون بأن البيع يصح، يقولون بصحته وإن كان حراماً، يعني: يحرم البيع، لكن لو باع واشترى نقول: البيع صحيح عند أكثر هؤلاء.

القول الثالث: جواز البيع والشراء في المسجد بغير كراهة

القول الثالث: أنه يجوز بلا كراهة، أن البيع والشراء في المسجد يجوز بلا كراهة، وهذا مذهب للشافعي ذكره النووي في المجموع وغيره، وذكروا أنه قول ضعيف عن الإمام الشافعي، وكذلك ذهب إلى هذا القول ابن حزم في المحلى، قال: يجوز البيع والشراء في المسجد، لقول الله تعالى: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ [البقرة:275].

أما حديث عمرو بن شعيب فيقول أبو محمد بن حزم : إنه صحيفته أو من صحيفته، وكأنه يرى أن حديث عمرو بن شعيب لا يحتج به، والواقع أنه حسن عند أكثر أهل العلم، وقد سبق تفصيل ذلك، وكذلك لعل الحديث -حديث الباب- لم يقع لـابن حزم، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: ( إذا سمعتم من يبيع أو يبتاع في المساجد فقولوا له: لا أربح الله تجارتك )، فلهذا ذهب ابن حزم إلى جواز البيع والشراء في المسجد بلا كراهة.

القول الرابع: التفريق بين البيع اليسير واتخاذ المسجد سوقاً

المذهب الرابع في المسألة: ونسب إلى أصحاب أبي حنيفة أنهم يقولون بالتفريق بين الكثير والقليل، يقولون: إذا باع بيعاً يسيراً، يعني: واحد بجوار إنسان آخر جالس فقال -مثلاً-: تبيع علي كذا؟ قال: نعم، قال: بكذا؟ قال: نصيبك، يقولون: هذا لا حرج فيه، لكن كون المسجد سوقاً يباع فيه ويشترى وتعرض فيه السلع والبضائع وما شابه هذا يكون هذا عندهم ممنوعاً محرماً.

على كل حال: جمهور أهل العلم على أن البيع إذا وقع في المسجد فإنه مكروه، وأن البيع صحيح، وكأنهم حملوا النهي أيضاً على كون المسجد يكون سوقاً كما سبق في الشعر، على كون المسجد سوقاً يبيع فيه الناس ويشترون، أما كونه يبيع أو يشتري شيئاً يسيراً فإن هذا مكروه، لكنه لا يصل إلى التحريم، خاصة مع القرائن والصوارف التي استدلوا بها وسبق ذكرها.

الحديث يقول المصنف: رواه النسائي والترمذي وحسنه.

الحديث رواه الترمذي في كتاب البيوع، (باب النهي عن البيع في المسجد)، وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، والعمل على هذا عند بعض أهل العلم، كرهوا أن يبيع أو يبتاع في المسجد، وإليه ذهب أحمد وإسحاق وغيرهما، قال: وأرخص فيه بعض أهل العلم، أرخصوا أن يبيع أو يبتاع في المسجد. هذا كلام الترمذي رحمه الله.

وكذلك الحديث رواه النسائي، والمصنف حين قال: رواه النسائي ينصرف الذهن إلى أنه رواه في السنن، وهذه هي القاعدة المطردة والغالبة عند أهل العلم، أنهم إذا قالوا: (رواه النسائي ) فإنهم يقصدون في السنن، والغالب أنهم يقصدون السنن الصغرى أيضاً، فإن كان في غيرها ذكروه وميزوه، والواقع أن هذا الحديث ما رواه النسائي في سننه الصغرى التي هي المجتبى المطبوعة المتداولة في أيدي الناس، إنما رواه في جزء مستقل اسمه عمل اليوم والليلة، وهو مطبوع في مجلد ضخم، جزء مستقل هو عمل اليوم والليلة، وقد يكون هذا الجزء جزءاً من سننه الكبرى أيضاً؛ لأن النسائي له كتاب السنن الكبرى، وهو مخطوط لم يطبع منه إلا شيء يسير.

المهم: عمل اليوم والليلة روى فيه النسائي هذا الحديث كما هو موجود في مطبوعته.

ورواه أيضاً عبد الرزاق في مصنفه، ورواه الدارمي وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما، والحاكم في مستدركه، وقال: صحيح على شرط مسلم، ورواه البيهقي في سننه والطبراني في معجمه الكبير، وقد نسب بعض أهل العلم هذا الحديث إلى مسلم، والواقع أن هذا اللفظ ليس في مسلم، وإنما روى مسلم طرفاً من الحديث، يعني: الحديث روي مقطعاً؛ فإن في الحديث: ( من سمع رجلاً ينشد ضالة في المسجد فليقل: لا ردها الله عليك؛ فإن المساجد لم تبن لهذا، ومن سمع رجلاً يبيع أو يبتاع في المسجد فليقل: لا أربح الله تجارتك )، فـمسلم روى الطرف الأول -كما سبق معنا في الدرس الماضي- حديث: ( من سمع رجلاً ينشد ضالة في المسجد ) هذا رواه مسلم وهو من نفس الطريق، ولذلك نسب بعضهم حديث: (إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد، فقولوا: لا أربح الله تجارتك) نسبوه إلى مسلم، وهذا وهم، أو لا تصح نسبته إلى مسلم، فإنه لم يخرج هذا اللفظ في صحيحه، وهذا سبب الوهم الذي حدث لهم.

وقد اختلف أهل العلم في تصحيح الحديث وتضعيفه، فقد حسنه الترمذي كما سمعتم، قال: حديث حسن غريب، وصححه جماعة من أهل العلم ذكرتهم أيضاً، وهم ابن خزيمة وابن حبان، وكذلك الحاكم قال في مستدركه : صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. وممن صححه أيضاً عبد الحق الإشبيلي.

والراجح أن الحديث صحيح وليس حسناً فقط، الراجح أن الحديث صحيح كما صححه هؤلاء الأئمة الأعلام الذين ذكرتهم.

قوله: (يبيع أو يبتاع) ما الفرق بين البيع والابتياع؟ ما الفرق بين قوله: يبيع أو يبتاع؟ (يبتاع) معناها: يشتري، إذاً: معناه: يبيع أو يشتري المسجد، يقول أهل اللغة: البيع من أسماء الأضداد، يطلق على البيع ويطلق على الشراء، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم -كما في حديث حكيم بن حزام وابن عمر -: ( البيعان بالخيار ) من البيعان؟ البائع والمشتري، فإن البيع يطلق على البيع ويطلق على الشراء، وكذلك الشراء قد يكون كذلك، كما قال الله عز وجل: وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ [يوسف:20] يعني: باعوه، هذا على أحد الأوجه في الآية، هو أحد الأوجه في الآية: وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ [يوسف:20] يعني: إخوته باعوه بثمن بخس دراهم معدودة، وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ [يوسف:20] .

على كل حال هذا معنى قوله: (يبيع أو يبتاع في المسجد).

في الحديث مسألة فقهية، وهي: مسألة البيع والشراء في المسجد، ما حكمهما؟ وما شابههما من العقود كعقد الإجارة -مثلاً- ونحو ذلك، ففي المسألة أقوال: