خطب ومحاضرات
شرح سنن أبي داود [265]
الحلقة مفرغة
شرح حديث ابن عباس: (.. فكان الناس إذا صلوا العتمة حرم عليهم الطعام والشراب والنساء...)
باب مبدأ فرض الصيام.
حدثنا أحمد بن محمد بن شبويه حدثني علي بن حسين بن واقد عن أبيه عن يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ [البقرة:183]، فكان الناس على عهد النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلوا العتمة حرم عليهم الطعام والشراب والنساء وصاموا إلى القابلة، فاختان رجل نفسه، فجامع امرأته وقد صلى العشاء ولم يفطر، فأراد الله عز وجل أن يجعل ذلك يسراً لمن بقي ورخصة ومنفعة، فقال سبحانه: عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ [البقرة:187] الآية، وكان هذا مما نفع الله به الناس ورخّص لهم ويسّر ].
أخّر أبو داود رحمه الله كتاب الصوم عن النكاح وعن الطلاق وعن اللقطة، والمعروف من عمل المصنفين أن العبادات -ومنها الصوم- تكون متتابعة في البداية، ثم بعدها تأتي المعاملات التي منها النكاح والطلاق وغير ذلك، وهذا الترتيب على خلاف ما هو مألوف ومعروف من تقديم العبادات على المعاملات.
والصوم في اللغة: الإمساك، فأيّ إمساك يقال له: صوم.
وفي الشرع: هو إمساك مخصوص عن الأكل والشرب وسائر المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس.
هذا هو الصوم الشرعي، وعلى هذا فإن الصوم الشرعي جزء من جزئيات المعنى اللغوي للصوم؛ لأن المعنى اللغوي واسع يدخل فيه أيّ إمساك، وأما الصوم الشرعي فهو إمساك مخصوص، وكثيراً ما تكون المعاني الشرعية أجزاءً من المعاني اللغوية.
ومثله في هذا الحج، فالحج لغة: القصد، أيّ قصد، وفي الشرع: هو قصد مكة؛ لأداء أعمال مخصوصة.
والعمرة لغة: الزيارة، أيّ زيارة، وفي الشرع: هي زيارة البيت العتيق للطواف والسعي فيه.
وهكذا نجد أن المعاني اللغوية تكون واسعة، والمعاني الشرعية أجزاء من تلك المعاني الواسعة.
قوله: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ [البقرة:183]، وكان الناس على عهد النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلوا العتمة حُرم عليهم الطعام والشراب والنساء، وصاموا إلى القابلة) أي: كان الناس لما نزل قول الله عز وجل الذي فيه فرض الصيام: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:183] يحرم عليهم الطعام والشراب والنساء بعد صلاة العشاء، وهذه الآية لا تعني المماثلة في مقدار الصيام، وإنما تعني أنه فُرِضَ عليكم كما فُرض على من قبلكم، وإن كان هناك فرق بين ما فرض عليكم وما فرض على من قبلكم، فالذين قبلنا كان عندهم صيام ونحن عندنا صيام، لكن ليس معنى ذلك أن صيامنا مثل صيامهم تماماً، وأن المقدار الذي فرض علينا هو نفسه الذي فرض عليهم، وإنما المقصود: المماثلة في الجملة لا في التفاصيل والجزئيات؛ حيث شُرع لهم صيام وشُرع لنا صيام.
وكان المسلمون في أول الأمر إذا صلى أحدهم العتمة -أي: العشاء- ثم نام، فإنه لا يحل له أن يأكل شيئاً، ولا أن يجامع أهله، بل يستمر من ذلك الوقت إلى الليلة الآتية صائماً، فيجمع بين صيام الليل والنهار، وكان فيهم من يشتهي أهله بعدما يقوم من النوم، فأنزل الله عز وجل بعد ذلك الرخصة، وأن الامتناع من الأكل والشرب والجماع إنما هو من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، وأما الليل فيجوز لهم فيه أن يأكلوا ما شاءوا سواء ناموا أم لم يناموا، ويجوز لهم أن يجامعوا سواء حصل منهم النوم أم لم يحصل، فذلك جائز في الليل سواء كان في أوله، أو وسطه، أو آخره، وسواء حصل النوم أو لم يحصل النوم، فالأمر في ذلك واسع، وهو رخصة من الله عز وجل، ونسخ الله ذلك التحريم بقوله: فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ [البقرة:187] الآية.
قوله: (إذا صلوا العتمة حرم عليهم الطعام والشراب والنساء) أي: إذا صلوا العشاء وناموا كما جاء ذلك مبيناً في الروايات الأخرى، وأما بدون نوم فإنه لا يحرم عليهم شيء.
قوله: (فاختان رجل نفسه، فجامع امرأته وقد صلى العشاء ولم يفطر) أي: ظلم نفسه، وأقدم على الشيء الذي مُنع منه.
تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس: (.. فكان الناس إذا صلوا العتمة حرم عليهم الطعام والشراب والنساء...)
هو أحمد بن محمد بن شبويه المروزي ، وهو ثقة، أخرج له أبو داود .
[ حدثني علي بن حسين بن واقد ].
علي بن حسين بن واقد صدوق يهم، أخرج حديثه البخاري في (الأدب المفرد) ومسلم في المقدمة وأصحاب السنن.
[ عن أبيه ].
وهو حسين بن واقد ، وهو ثقة له أوهام، أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن يزيد النحوي ].
هو يزيد بن أبي سعيد النحوي، وهو ثقة، أخرج له البخاري في (الأدب المفرد) ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن عكرمة ].
هو عكرمة مولى ابن عباس، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن عباس ].
هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
شرح حديث ( كان الرجل إذا صام فنام لم يأكل إلى مثلها ... )
أورد أبو داود حديث البراء بن عازب رضي الله عنه قال: (كان الرجل إذا صام ونام لم يأكل إلى مثلها) يعني: أنه إذا نام في الليل بعد أن يفطر عند الغروب فإنه لا يأكل إلى الغد، أي: أنه يصل الليل بالنهار كما سبقت الإشارة إليه في الحديث السابق، وكان صرمة بن قيس يعمل في أرض له، فأتى امرأته وكان صائماً فلم يجد عندها شيئاً، فذهبت تبحث له عن طعام، فرجعت وقد نام، فأنزل الله عز وجل الآية التي رخص الله تعالى لهم فيها بأن يأكلوا ويشربوا وأن يجامعوا إلى طلوع الفجر، وأنه لا حرج عليهم في ذلك، فهي رخصة وتيسير من الله سبحانه وتعالى.
تراجم رجال إسناد حديث ( كان الرجل إذا صام فنام لم يأكل إلى مثلها ... )
هو نصر بن علي بن نصر بن علي الجهضمي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ أخبرنا أبو أحمد ].
هو أبو أحمد محمد بن عبد الله بن الزبير الزبيري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ أخبرنا إسرائيل ].
هو إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي إسحاق ].
هو أبو إسحاق عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
عن البراء بن عازب رضي الله تعالى عنهما صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ كتاب الصوم.
باب مبدأ فرض الصيام.
حدثنا أحمد بن محمد بن شبويه حدثني علي بن حسين بن واقد عن أبيه عن يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ [البقرة:183]، فكان الناس على عهد النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلوا العتمة حرم عليهم الطعام والشراب والنساء وصاموا إلى القابلة، فاختان رجل نفسه، فجامع امرأته وقد صلى العشاء ولم يفطر، فأراد الله عز وجل أن يجعل ذلك يسراً لمن بقي ورخصة ومنفعة، فقال سبحانه: عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ [البقرة:187] الآية، وكان هذا مما نفع الله به الناس ورخّص لهم ويسّر ].
أخّر أبو داود رحمه الله كتاب الصوم عن النكاح وعن الطلاق وعن اللقطة، والمعروف من عمل المصنفين أن العبادات -ومنها الصوم- تكون متتابعة في البداية، ثم بعدها تأتي المعاملات التي منها النكاح والطلاق وغير ذلك، وهذا الترتيب على خلاف ما هو مألوف ومعروف من تقديم العبادات على المعاملات.
والصوم في اللغة: الإمساك، فأيّ إمساك يقال له: صوم.
وفي الشرع: هو إمساك مخصوص عن الأكل والشرب وسائر المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس.
هذا هو الصوم الشرعي، وعلى هذا فإن الصوم الشرعي جزء من جزئيات المعنى اللغوي للصوم؛ لأن المعنى اللغوي واسع يدخل فيه أيّ إمساك، وأما الصوم الشرعي فهو إمساك مخصوص، وكثيراً ما تكون المعاني الشرعية أجزاءً من المعاني اللغوية.
ومثله في هذا الحج، فالحج لغة: القصد، أيّ قصد، وفي الشرع: هو قصد مكة؛ لأداء أعمال مخصوصة.
والعمرة لغة: الزيارة، أيّ زيارة، وفي الشرع: هي زيارة البيت العتيق للطواف والسعي فيه.
وهكذا نجد أن المعاني اللغوية تكون واسعة، والمعاني الشرعية أجزاء من تلك المعاني الواسعة.
قوله: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ [البقرة:183]، وكان الناس على عهد النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلوا العتمة حُرم عليهم الطعام والشراب والنساء، وصاموا إلى القابلة) أي: كان الناس لما نزل قول الله عز وجل الذي فيه فرض الصيام: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:183] يحرم عليهم الطعام والشراب والنساء بعد صلاة العشاء، وهذه الآية لا تعني المماثلة في مقدار الصيام، وإنما تعني أنه فُرِضَ عليكم كما فُرض على من قبلكم، وإن كان هناك فرق بين ما فرض عليكم وما فرض على من قبلكم، فالذين قبلنا كان عندهم صيام ونحن عندنا صيام، لكن ليس معنى ذلك أن صيامنا مثل صيامهم تماماً، وأن المقدار الذي فرض علينا هو نفسه الذي فرض عليهم، وإنما المقصود: المماثلة في الجملة لا في التفاصيل والجزئيات؛ حيث شُرع لهم صيام وشُرع لنا صيام.
وكان المسلمون في أول الأمر إذا صلى أحدهم العتمة -أي: العشاء- ثم نام، فإنه لا يحل له أن يأكل شيئاً، ولا أن يجامع أهله، بل يستمر من ذلك الوقت إلى الليلة الآتية صائماً، فيجمع بين صيام الليل والنهار، وكان فيهم من يشتهي أهله بعدما يقوم من النوم، فأنزل الله عز وجل بعد ذلك الرخصة، وأن الامتناع من الأكل والشرب والجماع إنما هو من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، وأما الليل فيجوز لهم فيه أن يأكلوا ما شاءوا سواء ناموا أم لم يناموا، ويجوز لهم أن يجامعوا سواء حصل منهم النوم أم لم يحصل، فذلك جائز في الليل سواء كان في أوله، أو وسطه، أو آخره، وسواء حصل النوم أو لم يحصل النوم، فالأمر في ذلك واسع، وهو رخصة من الله عز وجل، ونسخ الله ذلك التحريم بقوله: فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ [البقرة:187] الآية.
قوله: (إذا صلوا العتمة حرم عليهم الطعام والشراب والنساء) أي: إذا صلوا العشاء وناموا كما جاء ذلك مبيناً في الروايات الأخرى، وأما بدون نوم فإنه لا يحرم عليهم شيء.
قوله: (فاختان رجل نفسه، فجامع امرأته وقد صلى العشاء ولم يفطر) أي: ظلم نفسه، وأقدم على الشيء الذي مُنع منه.
قوله: [ حدثنا أحمد بن محمد بن شبويه ].
هو أحمد بن محمد بن شبويه المروزي ، وهو ثقة، أخرج له أبو داود .
[ حدثني علي بن حسين بن واقد ].
علي بن حسين بن واقد صدوق يهم، أخرج حديثه البخاري في (الأدب المفرد) ومسلم في المقدمة وأصحاب السنن.
[ عن أبيه ].
وهو حسين بن واقد ، وهو ثقة له أوهام، أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن يزيد النحوي ].
هو يزيد بن أبي سعيد النحوي، وهو ثقة، أخرج له البخاري في (الأدب المفرد) ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن عكرمة ].
هو عكرمة مولى ابن عباس، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن عباس ].
هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
استمع المزيد من الشيخ عبد المحسن العباد - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
شرح سنن أبي داود [139] | 2890 استماع |
شرح سنن أبي داود [462] | 2842 استماع |
شرح سنن أبي داود [106] | 2835 استماع |
شرح سنن أبي داود [032] | 2731 استماع |
شرح سنن أبي داود [482] | 2702 استماع |
شرح سنن أبي داود [529] | 2693 استماع |
شرح سنن أبي داود [555] | 2686 استماع |
شرح سنن أبي داود [177] | 2679 استماع |
شرح سنن أبي داود [097] | 2654 استماع |
شرح سنن أبي داود [273] | 2650 استماع |