خطب ومحاضرات
شرح سنن أبي داود [254]
الحلقة مفرغة
شرح حديث: (خفت أن أصيب من امرأتي شيئاً يتايع بي حتى أصبح، فظاهرت منها حتى ينسلخ شهر رمضان)
حدثنا عثمان بن أبي شيبة ومحمد بن العلاء المعنى قالا: حدثنا ابن إدريس عن محمد بن إسحاق عن محمد بن عمرو بن عطاء -قال ابن العلاء: ابن علقمة بن عياش- عن سليمان بن يسار عن سلمة بن صخر رضي الله عنه -قال ابن العلاء : البياضي - أنه قال: (كنت امرأً أصيب من النساء ما لا يصيب غيري، فلما دخل شهر رمضان خفت أن أصيب من امرأتي شيئاً يتايع بي حتى أصبح، فظاهرت منها حتى ينسلخ شهر رمضان، فبينا هي تخدمني ذات ليلة إذ تكشف لي منها شيء، فلم ألبث أن نزوت عليها، فلما أصبحت خرجت إلى قومي، فأخبرتهم الخبر، وقلت: امشوا معي إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، قالوا: لا والله، فانطلقت إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فأخبرته، فقال: أنت بذاك يا
زاد ابن العلاء : قال ابن إدريس : (بياضة): بطن من بني زريق ].
قوله رحمه الله تعالى: [ باب في الظهار ]، الظهار: هو أن يقول الرجل لزوجته: (أنتِ عليّ كظهر أمي) أي: كما أن أمه حرام عليه فإن زوجته تكون كذلك، وقيل: إن الظهار أخذٌ من الظهر وإضافته إلى الظهر، فقد كانوا يفعلون ذلك في الجاهلية، يظاهرون من نسائهم ويعبرون بالظهر ويقولون: أنت علي كظهر أمي، وكان يعتبر في الجاهلية طلاقاً، فجاء الإسلام فحرم ذلك، ووصفه بأنه منكر من القول وزور، وأن على من فعله كفارة، وأنه لا يعتبر طلاقاً، وهو لا يقيد بلفظ: (أنت علي كظهر أمي)، بل أي لفظ يؤدي هذا المعنى فإنه يكون ظهاراً، ولكنه أطلق عليه (ظهار) إضافة إلى الظهر، فكان ذلك من أجل بعض أحواله، وإلا فإنه لا يكون مقتصراً على تعليق ذلك بالظهر، وأن يقول: (أنتِ علي كظهر أمي).
وأورد أبو داود حديث سلمة بن صخر البياضي رضي الله عنه، وأنه كان شديد الرغبة في النساء، وأنه لما دخل رمضان ظاهر من امرأته مدة شهر رمضان، وهو يريد من ذلك أن يلزم نفسه بعدم قربانها وعدم الاتصال بها في الليل، لئلا يؤدي ذلك إلى أن يتصل بالنهار فيكون فعل ذلك في النهار، وكان منه أن حصل منه الجماع، فكان بذلك قد حصل منه الوقاع قبل أن تمضي المدة التي حددها، وهي مضي شهر رمضان، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بالذي حصل له، فكرر عليه بقوله: [ (أنت بذاك؟!] يعني: أنت الذي وقعت بذاك؟! -مُنكراً عليه- فقال: [ (أنا بذاك يا رسول الله مرتين، وأنا صابر لأمر الله عز وجل..) ] فقال له: [ (اعتق رقبة) ] فقال: إنه لا يجد ولا يملك شيئاً إلا رقبته، وضرب بيده على صفحة عنقه،... إلخ الحديث.
وفي هذا الحديث دليل على أن الظهار تجب فيه الكفارة على هذا الترتيب المذكور في الحديث، وقد جاء ذلك في أول سورة المجادلة.
وفيه دليل أيضاً على أن التأقيت في الظهار وتحديد زمن معين له بأن يقول: أنت علي كظهر أمي إلى نهاية شهر رمضان أو إلى الليل أو إلى بعد يومين أو أكثر؛ أن ذلك يقع، وأنه يكون ظهاراً، وأن عليه أن يمتنع في تلك المدة التي حددها، والظهار قد يكون مطلقاً وليس مقيداً، كأن يقول: أنتِ علي كظهر أمي، ويطلق، كل ذلك يكون ظهاراً؛ ولكنه إذا كان مؤقتاً وصبر إلى نهاية المدة ولم يحصل منه جماع فيها فإن جمهور العلماء على أنه لا يكون عليه شيء؛ لأن التحريم حصل منه في مدة محددة وفي مدة معينة ولم يحصل منه شيء فيها، وأما إن حصل منه الوقاع فيها فإنه تكون عليه الكفارة كهذا الذي حصل لـسلمة بن صخر رضي الله عنه؛ لأنه وقع منه الجماع في تلك المدة التي حددها، والنبي صلى الله عليه وسلم قد أوجب عليه الكفارة.
قوله: [ (يتايع بي حتى أصبح) ] يعني: أنه يحصل منه في الليل ثم يواصل حتى يدخل عليه النهار، فيكون مجامعاً في النهار، وإلا فإن المجامعة في الليل جاء القرآن بجوازها، قال الله: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ [البقرة:187]، وهو يخشى أنه يحصل منه الوصال والاستمرار في تلك المدة التي قد أبيحت له حتى يفعل ذلك بالنهار.
والذي يظهر لي أن هذه القصة بعد أن أحل الله الجماع في ليل رمضان؛ لأن سلمة كان يخشى فقط أن يستمر جماعه من الليل حتى يدخل النهار.
قوله: [ (فظاهرت منها حتى ينسلخ شهر رمضان، فبينا هي تخدمني ذات ليلة إذ تكشف لي منها شيء، فلم ألبث أن نزوت عليها) ].
نزا عليها أي: جامعها.
وقوله: [ (فبينا هي تخدمني ذات ليلة) ].
من المعلوم أن المرأة هي التي تتولى شئون البيت، والرجل لا يقوم بشئون البيت، وإنما عليه السعي لتحصيل الرزق والإنفاق عليها، وهي التي تقوم بالطبخ، وهي التي تقوم بما يلزم للزوج، فالخدمة لازمة لها.
(أنت بذاك؟!) يعني: أنت الذي وقعت بهذا؟! وأنت الذي تلبست بهذا؟! فكرر ذلك عليه، وفي كل ذلك يجيب بأنه وقع بهذا وأنه تلبس به.
قوله: [ (قال: حرر رقبة) ] هذا يدل على الإطلاق في الرقبة، وأن أي رقبة يكون بها الكفارة، سواءً كانت صغيرة أو كبيرة أو على أي صفة كانت، ولو كان فيها عيب، إلا أن يكون زمِناً، أي: لا يستطيع الحراك، أو فيه مرض دائم لا يستطيع معه الحراك؛ فإن هذا لا يحصل به الكفارة؛ لأنه لا يستفيد من وراء تلك الحرية شيئاً، بل هو بحاجة إلى غيره، وبحاجة إلى من يعوله، وهو لا يعول أحداً، وأيضاً فيه إطلاق الكفارة كما جاء أيضاً مطلقاً في القرآن، وأنها ليست موصوفة بالمؤمنة، وقد جاء وصف الرقبة بأنها مؤمنة في كفارة القتل، فيكون المقصود بالرقبة هي المؤمنة التي يكون التكفير بها، ولا تكون مطلقة بحيث يكون الإعتاق لكافر أو لرقبة كافرة وإنما يكون لرقبة مؤمنة.
لعل هذه القصة كانت بعد قصة خولة بنت ثعلبة التي نزلت بشأنها سورة المجادلة، والتي جاءت أحكام الظهار في أول السورة، فتكون هذه القصة بعدها؛ لأن هذه ليس فيها ذكر سبب نزول، وإنما سبب النزول جاء في قصة خولة التي هي المجادِلة، فيكون الحكم موجوداً، والنبي صلى الله عليه وسلم بيّن له ما جاء في القرآن، وليس فيه اجتهاد من النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما فيه إخبار بما جاء في القرآن.
قوله: [ (قال: فأطعم وسقاً من تمر بين ستين مسكيناً، قلت: والذي بعثك بالحق لقد بتنا وحشين ما لنا طعام) ].
يعني: جائعين ما لنا طعام، ولم نأكل شيئاً، فليس عندنا شيء ندفعه كفارة لإطعام ستين مسكيناً.
والوسق: ستون صاعاً كما مر في الزكاة: (ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة)والخمسة أوسق: ثلاثمائة صاع، التي هي النصاب في الزكاة، وعلى هذا فيكون لكل مسكين صاع، ولكن كفارة الجماع في نهار رمضان جاء أنها خمسة عشر صاعاً، لكل مسكين مُد؛ لأن الصاع: أربعة أمداد، فيكون لكل مسكين مُد، وبعض أهل العلم قال: يكون لكل مسكين صاع أخذاً بهذا الحديث، وبعضهم قال: يخرج ثلاثين صاعاً، لكل مسكين نصف صاع، وبعضهم قال: يخرج خمسة عشر صاعاً لكل مسكين مُد.
والحديث الذي معنا حسن من جهة بعض الأحاديث الأخرى، وإلا فإن في سنده محمد بن إسحاق ، وهو مدلس، وقد روى بالعنعنة، وفيه أيضاً سليمان بن يسار وهو لم يدرك سلمة بن صخر .
والذي يبدو أن الإطعام لا يكون صاعاً؛ لأن هذا شيء كثير، وإنما يبدو أنه مد؛ لأن هذا هو الذي ثبت في كفارة الظهار في رمضان، وهو الذي جاء من طريق صحيح عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أن فيه خمسة عشر صاعاً، لكن أكثر الكفارات نصف صاع؛ لأنه جاء فيها تنصيص، وهذه أيضاً جاء فيها: خمسة عشر صاعاً في كفارة الظهار في رمضان، أي: لكل مسكين مُد.
قال ابن العلاء : قال ابن إدريس : (بياضة): بطن من بني زريق ].
ومعنى أنه قال: هو البياضي في أول السند، أي: محمد بن العلاء أبو كريب قال في روايته: البياضي زيادة على رواية عثمان بن أبي شيبة ، حيث ذكر فيها: سلمة بن صخر فقط، ومحمد بن العلاء زاد: البياضي ، ثم بعد ذلك بيّن أن (بياضة) بطن من بني زريق، وقد ذهب إليهم سلمة وهم قومه، والرسول صلى الله عليه وسلم أحاله عليهم ليعطوه زكاتهم.
تراجم رجال إسناد حديث: (خفت أن أصيب من امرأتي شيئاً يتايع بي حتى أصبح، فظاهرت منها حتى ينسلخ شهر رمضان)
عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي وإلا النسائي فإنه أخرج له في (عمل اليوم والليلة).
[ ومحمد بن العلاء ].
هو محمد بن العلاء بن كريب أبو كريب البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ المعنى ] يعني: الرواية متفقة بالمعنى مع الاختلاف في الألفاظ.
[ عن ابن إدريس ].
هو عبد الله بن إدريس الأودي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن محمد بن إسحاق ].
هو محمد بن إسحاق المدني ، وهو صدوق يدلس، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن محمد بن عمرو بن عطاء ].
محمد بن عمرو بن عطاء ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ وقال ابن العلاء : ابن علقمة بن عياش ].
يعني: محمد بن العلاء زاد في نسبه وقال: محمد بن عمرو بن عطاء بن علقمة بن عياش ، هكذا قال محمد بن العلاء ، وأما عثمان بن أبي شيبة فإنه قال: محمد بن عمرو بن عطاء فقط.
[ عن سليمان بن يسار ].
سليمان بن يسار ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ عن سلمة بن صخر ].
سلمة بن صخر صحابي، أخرج حديثه أبو داود والترمذي وابن ماجة .
[ قال محمد بن العلاء : البياضي ].
الإضافة: إلى سلمة بن صخر .
شرح حديث: (ظاهر مني زوجي أوس بن الصامت)
قال أبو داود في هذا: إنها كفّرت عنه من غير أن تستأمره.
قال أبو داود : وهذا أخو عبادة بن الصامت رضي الله عنه ].
أورد المصنف حديث خويلة بنت مالك بن ثعلبة وهي التي نزلت في قصتها سورة المجادلة، وآيات الظهار، وبيان الفرض الذي فيها، وهو الكفارة: يُفرض عتق رقبة، ثم إذا لم يجد فيصوم شهرين متتابعين، وإذا لم يستطع يطعم ستين مسكيناً.
فامرأة أوس بن الصامت -وهو أخو عبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنهما- جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبرته أنه ظاهر منها، فنزلت عند ذلك أول سورة المجادلة، فأخبرته أنه لا يستطيع أن يعتق رقبة، وأنه أيضاً لا يستطيع الصوم؛ لأنه شيخ كبير، وأنه كذلك لا يستطيع أن يطعم ستين مسكيناً؛ لأنه لا يملك شيئاً.
فجيء النبي صلى الله عليه وسلم بعرق أو مكتل فأعطاه إياها فقالت: إنها أيضاً تعينه بعرق آخر فقال: أحسنتِ؛ لأنها ستُخرج ذلك عنه، وبعد ذلك تذهب إليه ويعودان على ما كانا عليه، وأنه لا يجوز لهما الالتقاء وأن يحصل منهما التماسُّ إلا بعد أن تحصل الكفارة، وأن تنفذ الكفارة كما جاء في القرآن: فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا [المجادلة:3] يعني: أنه لا يتم الرجوع إلى النكاح وإلى الاستمتاع فيما بينهما إلا بعد أن توجد الكفارة.
قوله: [ عن خويلة بنت مالك بن ثعلبة ].
هي: خولة ، ويقال: خويلة ، ويأتي ذكرها خولة أو خويلة تصغير خولة ، أي: تأتي بالتكبير وبالتصغير.
قوله: [ قالت: (ظاهر مني زوجي
أي: تشكو الذي حصل منه، وأن بينهما العشرة طويلة ومع ذلك حصل منه هذا الشيء، وكان الظهار موجوداً عندهم في الجاهلية، وكانوا يعدونه طلاقاً كما ذكرتُ آنفاً، والإسلام لم يعتبره طلاقاً، وإنما أوجب فيه كفارة، ثم يعودان إلى ما كانا عليه قبل الظهار.
أما في الجاهلية فقد كانوا يطلقون ثم يراجعون، وهكذا يستمرون إلى غير نهاية، فكأنها فهمت أنه مثلما كان في الجاهلية قد حصل الطلاق، ولذلك جاءت تشتكي.
قالت: [ (ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يجادلني فيه ويقول: اتقي الله فإنه ابن عمك، فما برحت حتى نزل القرآن: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا [المجادلة:1] إلى الفرض) ] قولها: (إلى الفرض) أي: الذي فرضه الله عز وجل، وهي الكفارة: عتق رقبة، فإن لم يجد فيصوم شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فيطعم ستين مسكيناً.
قوله: [ (فقال: يُعتق رقبة، قالت: لا يجد، قال: فيصوم شهرين متتابعين، قالت: يا رسول الله! إنه شيخ كبير ما به من صيام، قال: فليطعم ستين مسكيناً، قالت: ما عنده من شيء يتصدق به، قالت: فأُتي ساعتئذٍ بعرق من تمر) ]. العرق هو: المكتل.
قوله: [ (قلت: يا رسول الله! فإني أعينه بعرق آخر) ].
الظاهر أن ذاك العرق ما يكفي الستين مسكيناً؛ لأنها قالت: ستعينه بمثله.
قوله: [ (قال: قد أحسنتِ، اذهبي فأطعمي بها عنه ستين مسكيناً، وارجعي إلى ابن عمك) قال: والعرق ستون صاعاً ].
قوله: [ والعرق ستون صاعاً ]: هذه جملة تفسيرية خارجة عن الحديث، ولذلك فإن الشيخ الألباني رحمه الله ذكر أن الحديث حسن إلا هذه الجملة.
قوله: [ قال أبو داود في هذا أنها كفّرت عنه من غير أن تستأمره ].
أي: لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أعطاها هذا المقدار وهي أضافت مثله، لكن كونها لم تستأمره لا يُجزم به؛ لأنه يجوز أنها تكون أخبرته وأنها أعلمته، لأنها قالت: تعينه بعرق آخر، فهذا معناه أن الكفارة لازمة له، ويحتمِل -كما قال أبو داود - أنها فعلت هذا من غير أن تستأمره، ويحتمل أيضاً أنها قد أبلغته ولكنها هي التي تولت المهمة وراجعت وحصلت من النبي صلى الله عليه وسلم ما حصلت، وأضافت إليه ما أضافت.
[ قال أبو داود : وهذا أخو عبادة بن الصامت ].
هذا توضيح لهذا الرجل الذي هو أوس بن الصامت ، فهو أخو عبادة بن الصامت الصحابي المشهور صاحب الأحاديث الكثيرة الذي يأتي ذكره كثيراً في الأحاديث.
تراجم رجال إسناد حديث: (ظاهر مني زوجي أوس بن الصامت)
هو الحسن بن علي الحلواني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي .
[ حدثنا يحيى بن آدم ].
هو يحيى بن آدم الكوفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا ابن إدريس عن محمد بن إسحاق عن معمر بن عبد الله بن حنظلة ].
الاثنان عبد الله بن إدريس ومحمد بن إسحاق مرّ ذكرهما، ومعمر بن عبد الله بن حنظلة مقبول، أخرج حديثه أبو داود .
[ عن يوسف بن عبد الله بن سلام ].
يوسف بن عبد الله بن سلام صحابي صغير، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن، وأبوه عبد الله بن سلام هو الصحابي المشهور.
[ عن خويلة بنت مالك بن ثعلبة ].
خويلة بنت مالك بن ثعلبة صحابية، خرَّج حديثها أبو داود .
الفرق بين كفارة الظهار المؤقت وغير المؤقت وحكم من لم يستطع الإتيان بالكفارة
والكفارة تلزم بحصول الظهار ولو لم يحصل جماع في تلك المدة، فالجماع لا يكون إلا بعد الكفارة، وفي قصة سلمة بن صخر حصل منه الجماع قبل مضي المدة التي حددها لنفسه فلزمته الكفارة، والتماسُّ بينهما -الذي هو الجماع والاستمتاع- لا يكون إلا بعد أداء الكفارة؛ ولكن إذا كانت المدة محددة بأن يقول: (أنت علي كظهر أمي) إلى الليل، ثم لم يقربها حتى جاء الليل فهذا لا يلزمه شيء، ولكن لو جامع قبل انتهاء المدة المحددة لزمته الكفارة، مثلما حصل لـسلمة بن صخر ، فإنه لزمه؛ لأنه حصل منه الجماع قبل انتهاء المدة، لكن إذا كان الظهار مطلقاً فإنه لا جماع ولا التقاء بينهما بالاستمتاع إلا بعد التكفير، كما قال الله عز وجل: فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا [المجادلة:3].
وإن جامع المظاهر قبل أن يكفر فلا تلزمه كفارة أخرى؛ لأن سلمة بن صخر الذي مرت قصته جامع قبل انتهاء المدة ولم تلزمه كفارة ثانية فوق كفارة الظهار، وهذه الكفارة مثل كفارة من جامع في نهار رمضان.
ومن لم يجد هذه الثلاث الكفارات فلا تسقط عنه الكفارة، وإنما تبقى ديناً في ذمته كسائر الحقوق التي تلزم الناس، وآخر شيء الإطعام، فيلزمه على الترتيب حيث كان قادراً، وإذا كان وقت اللزوم لا يستطيع هذا ولا هذا ولا هذا فإن الكفارة لازمة في ذمته.
إسناد آخر لحديث خويلة: (ظاهر مني زوجي أوس بن الصامت) وتراجم رجاله
قال أبو داود : وهذا أصح من حديث يحيى بن آدم ].
أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، وفيه تفسير العَرَق بأنه مكتل يسع ثلاثين صاعاً، أي: بخلاف الحديث الذي قبله، فإن فيه ستين صاعاً، ويظهر أن أبا داود يرجح هذه الرواية على التي قبلها.
قوله: [ حدثنا الحسن بن علي حدثنا عبد العزيز بن يحيى أبو الأصبغ الحراني ].
عبد العزيز بن يحيى أبو الأصبغ الحراني صدوق ربما وهم، أخرج له أبو داود والنسائي .
[ حدثنا محمد بن سلمة ].
وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن ابن إسحاق بهذا الإسناد ].
ابن إسحاق مر ذكره وذكر من فوقه.
شرح أثر أبي سلمة بن عبد الرحمن: (العرق زنبيل يأخذ خمسة عشر صاعاً) وتراجم رجاله
أورد المصنف هذا الأثر عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، وهو أن العرق زنبيل يسع خمسة عشر صاعاً، وهذا موقوف أو مقطوع ينتهي إلى أبي سلمة بن عبد الرحمن ، وإسناده صحيح.
قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ].
موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا أبان ].
أبان هو: ابن يزيد العطار ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .
[ حدثنا يحيى ].
هو يحيى بن أبي كثير اليمامي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ].
هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف المدني ، ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
شرح حديث: (كله أنت وأهلك)
أورد أبو داود الحديث، وفيه: أنه أعطاه فرقاً يسع قريباً من خمسة عشر صاعاً، وقال: (تصدق به، قال: يا رسول الله! على أفقر مني ومن أهلي؟ قال: كله أنت وأهلك)، وهذا لا يدل على سقوط الكفارة، وإنما يدل على أنه فقير محتاج وأنه أعطي هذا المقدار لا لأنه أخذه كفارة يتصدق به على نفسه؛ لأن كفارة الإنسان لا تكون عليه وإنما تكون لغيره، وهو أعطاه لفقره، ومعلوم أن الكفارة بقيت في ذمته إلى أن يحصل له اليسار والجدَة، فهذا الذي أعطاه إياه لا يعتبر كفارة، وإنما لما أخبر بأنه محتاج فبدلاً من أن يعطيه لغيره وهو أحوج ما يكون إليه أعطاه إياه ليستفيد منه لا لأنه كفارة؛ لأن الكفارة تكون منه لغيره، والكفارة باقية في ذمته.
تراجم رجال إسناد حديث: (كله أنت وأهلك)
هو أحمد بن عمرو بن السرح ، ثقة، أخرج حديثه مسلم وأبو داود والنسائي و
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الظهار. حدثنا عثمان بن أبي شيبة ومحمد بن العلاء المعنى قالا: حدثنا ابن إدريس عن محمد بن إسحاق عن محمد بن عمرو بن عطاء -قال ابن العلاء: ابن علقمة بن عياش- عن سليمان بن يسار عن سلمة بن صخر رضي الله عنه -قال ابن العلاء : البياضي - أنه قال: (كنت امرأً أصيب من النساء ما لا يصيب غيري، فلما دخل شهر رمضان خفت أن أصيب من امرأتي شيئاً يتايع بي حتى أصبح، فظاهرت منها حتى ينسلخ شهر رمضان، فبينا هي تخدمني ذات ليلة إذ تكشف لي منها شيء، فلم ألبث أن نزوت عليها، فلما أصبحت خرجت إلى قومي، فأخبرتهم الخبر، وقلت: امشوا معي إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، قالوا: لا والله، فانطلقت إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فأخبرته، فقال: أنت بذاك يا زاد ابن العلاء : قال ابن إدريس : (بياضة): بطن من بني زريق ]. قوله رحمه الله تعالى: [ باب في الظهار ]، الظهار: هو أن يقول الرجل لزوجته: (أنتِ عليّ كظهر أمي) أي: كما أن أمه حرام عليه فإن زوجته تكون كذلك، وقيل: إن الظهار أخذٌ من الظهر وإضافته إلى الظهر، فقد كانوا يفعلون ذلك في الجاهلية، يظاهرون من نسائهم ويعبرون بالظهر ويقولون: أنت علي كظهر أمي، وكان يعتبر في الجاهلية طلاقاً، فجاء الإسلام فحرم ذلك، ووصفه بأنه منكر من القول وزور، وأن على من فعله كفارة، وأنه لا يعتبر طلاقاً، وهو لا يقيد بلفظ: (أنت علي كظهر أمي)، بل أي لفظ يؤدي هذا المعنى فإنه يكون ظهاراً، ولكنه أطلق عليه (ظهار) إضافة إلى الظهر، فكان ذلك من أجل بعض أحواله، وإلا فإنه لا يكون مقتصراً على تعليق ذلك بالظهر، وأن يقول: (أنتِ علي كظهر أمي). وأورد أبو داود حديث سلمة بن صخر البياضي رضي الله عنه، وأنه كان شديد الرغبة في النساء، وأنه لما دخل رمضان ظاهر من امرأته مدة شهر رمضان، وهو يريد من ذلك أن يلزم نفسه بعدم قربانها وعدم الاتصال بها في الليل، لئلا يؤدي ذلك إلى أن يتصل بالنهار فيكون فعل ذلك في النهار، وكان منه أن حصل منه الجماع، فكان بذلك قد حصل منه الوقاع قبل أن تمضي المدة التي حددها، وهي مضي شهر رمضان، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بالذي حصل له، فكرر عليه بقوله: [ (أنت بذاك؟!] يعني: أنت الذي وقعت بذاك؟! -مُنكراً عليه- فقال: [ (أنا بذاك يا رسول الله مرتين، وأنا صابر لأمر الله عز وجل..) ] فقال له: [ (اعتق رقبة) ] فقال: إنه لا يجد ولا يملك شيئاً إلا رقبته، وضرب بيده على صفحة عنقه،... إلخ الحديث. وفي هذا الحديث دليل على أن الظهار تجب فيه الكفارة على هذا الترتيب المذكور في الحديث، وقد جاء ذلك في أول سورة المجادلة. وفيه دليل أيضاً على أن التأقيت في الظهار وتحديد زمن معين له بأن يقول: أنت علي كظهر أمي إلى نهاية شهر رمضان أو إلى الليل أو إلى بعد يومين أو أكثر؛ أن ذلك يقع، وأنه يكون ظهاراً، وأن عليه أن يمتنع في تلك المدة التي حددها، والظهار قد يكون مطلقاً وليس مقيداً، كأن يقول: أنتِ علي كظهر أمي، ويطلق، كل ذلك يكون ظهاراً؛ ولكنه إذا كان مؤقتاً وصبر إلى نهاية المدة ولم يحصل منه جماع فيها فإن جمهور العلماء على أنه لا يكون عليه شيء؛ لأن التحريم حصل منه في مدة محددة وفي مدة معينة ولم يحصل منه شيء فيها، وأما إن حصل منه الوقاع فيها فإنه تكون عليه الكفارة كهذا الذي حصل لـسلمة بن صخر رضي الله عنه؛ لأنه وقع منه الجماع في تلك المدة التي حددها، والنبي صلى الله عليه وسلم قد أوجب عليه الكفارة. قوله: [ (يتايع بي حتى أصبح) ] يعني: أنه يحصل منه في الليل ثم يواصل حتى يدخل عليه النهار، فيكون مجامعاً في النهار، وإلا فإن المجامعة في الليل جاء القرآن بجوازها، قال الله: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ [البقرة:187]، وهو يخشى أنه يحصل منه الوصال والاستمرار في تلك المدة التي قد أبيحت له حتى يفعل ذلك بالنهار. والذي يظهر لي أن هذه القصة بعد أن أحل الله الجماع في ليل رمضان؛ لأن سلمة كان يخشى فقط أن يستمر جماعه من الليل حتى يدخل النهار. قوله: [ (فظاهرت منها حتى ينسلخ شهر رمضان، فبينا هي تخدمني ذات ليلة إذ تكشف لي منها شيء، فلم ألبث أن نزوت عليها) ]. نزا عليها أي: جامعها. وقوله: [ (فبينا هي تخدمني ذات ليلة) ]. من المعلوم أن المرأة هي التي تتولى شئون البيت، والرجل لا يقوم بشئون البيت، وإنما عليه السعي لتحصيل الرزق والإنفاق عليها، وهي التي تقوم بالطبخ، وهي التي تقوم بما يلزم للزوج، فالخدمة لازمة لها. (أنت بذاك؟!) يعني: أنت الذي وقعت بهذا؟! وأنت الذي تلبست بهذا؟! فكرر ذلك عليه، وفي كل ذلك يجيب بأنه وقع بهذا وأنه تلبس به. قوله: [ (قال: حرر رقبة) ] هذا يدل على الإطلاق في الرقبة، وأن أي رقبة يكون بها الكفارة، سواءً كانت صغيرة أو كبيرة أو على أي صفة كانت، ولو كان فيها عيب، إلا أن يكون زمِناً، أي: لا يستطيع الحراك، أو فيه مرض دائم لا يستطيع معه الحراك؛ فإن هذا لا يحصل به الكفارة؛ لأنه لا يستفيد من وراء تلك الحرية شيئاً، بل هو بحاجة إلى غيره، وبحاجة إلى من يعوله، وهو لا يعول أحداً، وأيضاً فيه إطلاق الكفارة كما جاء أيضاً مطلقاً في القرآن، وأنها ليست موصوفة بالمؤمنة، وقد جاء وصف الرقبة بأنها مؤمنة في كفارة القتل، فيكون المقصود بالرقبة هي المؤمنة التي يكون التكفير بها، ولا تكون مطلقة بحيث يكون الإعتاق لكافر أو لرقبة كافرة وإنما يكون لرقبة مؤمنة. لعل هذه القصة كانت بعد قصة خولة بنت ثعلبة التي نزلت بشأنها سورة المجادلة، والتي جاءت أحكام الظهار في أول السورة، فتكون هذه القصة بعدها؛ لأن هذه ليس فيها ذكر سبب نزول، وإنما سبب النزول جاء في قصة خولة التي هي المجادِلة، فيكون الحكم موجوداً، والنبي صلى الله عليه وسلم بيّن له ما جاء في القرآن، وليس فيه اجتهاد من النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما فيه إخبار بما جاء في القرآن. قوله: [ (قال: فأطعم وسقاً من تمر بين ستين مسكيناً، قلت: والذي بعثك بالحق لقد بتنا وحشين ما لنا طعام) ]. يعني: جائعين ما لنا طعام، ولم نأكل شيئاً، فليس عندنا شيء ندفعه كفارة لإطعام ستين مسكيناً. والوسق: ستون صاعاً كما مر في الزكاة: (ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة)والخمسة أوسق: ثلاثمائة صاع، التي هي النصاب في الزكاة، وعلى هذا فيكون لكل مسكين صاع، ولكن كفارة الجماع في نهار رمضان جاء أنها خمسة عشر صاعاً، لكل مسكين مُد؛ لأن الصاع: أربعة أمداد، فيكون لكل مسكين مُد، وبعض أهل العلم قال: يكون لكل مسكين صاع أخذاً بهذا الحديث، وبعضهم قال: يخرج ثلاثين صاعاً، لكل مسكين نصف صاع، وبعضهم قال: يخرج خمسة عشر صاعاً لكل مسكين مُد. والحديث الذي معنا حسن من جهة بعض الأحاديث الأخرى، وإلا فإن في سنده محمد بن إسحاق ، وهو مدلس، وقد روى بالعنعنة، وفيه أيضاً سليمان بن يسار وهو لم يدرك سلمة بن صخر . والذي يبدو أن الإطعام لا يكون صاعاً؛ لأن هذا شيء كثير، وإنما يبدو أنه مد؛ لأن هذا هو الذي ثبت في كفارة الظهار في رمضان، وهو الذي جاء من طريق صحيح عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أن فيه خمسة عشر صاعاً، لكن أكثر الكفارات نصف صاع؛ لأنه جاء فيها تنصيص، وهذه أيضاً جاء فيها: خمسة عشر صاعاً في كفارة الظهار في رمضان، أي: لكل مسكين مُد. قال ابن العلاء : قال ابن إدريس : (بياضة): بطن من بني زريق ]. ومعنى أنه قال: هو البياضي في أول السند، أي: محمد بن العلاء أبو كريب قال في روايته: البياضي زيادة على رواية عثمان بن أبي شيبة ، حيث ذكر فيها: سلمة بن صخر فقط، ومحمد بن العلاء زاد: البياضي ، ثم بعد ذلك بيّن أن (بياضة) بطن من بني زريق، وقد ذهب إليهم سلمة وهم قومه، والرسول صلى الله عليه وسلم أحاله عليهم ليعطوه زكاتهم.
استمع المزيد من الشيخ عبد المحسن العباد - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
شرح سنن أبي داود [139] | 2890 استماع |
شرح سنن أبي داود [462] | 2842 استماع |
شرح سنن أبي داود [106] | 2835 استماع |
شرح سنن أبي داود [032] | 2731 استماع |
شرح سنن أبي داود [482] | 2702 استماع |
شرح سنن أبي داود [529] | 2693 استماع |
شرح سنن أبي داود [555] | 2686 استماع |
شرح سنن أبي داود [177] | 2679 استماع |
شرح سنن أبي داود [097] | 2654 استماع |
شرح سنن أبي داود [273] | 2650 استماع |