الرسالة العاجلة القريبة إلى من أصيب بمصيبة
مدة
قراءة المادة :
12 دقائق
.
الرسالة العاجلة القريبة إلى من أصيب بمصيبةالحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد؛ فهذه رسالة إلى من أصيب بمصيبة، أسأل الله أن تكون خالصة مقبولة.
•• قال تعالى: ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾ [البقرة: 155 - 157]، ففي هذه الآيات:
بيَّن تعالى خمسة أمور يجري فيها الابتلاء، وهي: الخوف، والجوع، ونقص المال، والموت، ونقص الثمرات.
وبيَّن تعالى حال المؤمن حين تصيبه مصيبة، وهي: أن يقول: ﴿ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ﴾، وبيَّن تعالى ثلاثة أمور يجازى بها المؤمن بعد قوله هذا، وهي: الصلوات، والرحمة، والاهتداء.
•• قال تعالى: ﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ﴾ [التغابن: 11]، وقال تعالى: ﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ ﴾ [الحديد: 22، 23]، وقال تعالى: ﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ ﴾ [الشورى: 30].
ففي هذه الآيات:
بيَّن تعالى أن المصائب لا تكون إلا بإذنه ومشيئته، وبيَّن أنها مقدَّرة ومكتوبة في اللوح المحفوظ قبل وقوعها، وبيَّن أن الحكمة من كتابتها في اللوح المحفوظ قبل وجودها ووقوعها هي: ألا يحزن المؤمن على ما يصيبه؛ لأنه إذا علم أن تلك المصيبة مكتوبة ومقدرة قبل وقوعها، استسلم لقدر الله وانقاد لأمره، وبيَّن أن المصيبة إنما تكون بسبب ما يكتسبه الإنسان ويفعله.
•• في الحديث القدسي: يقول الله تعالى لملائكته: ((ماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك واسترجع - أي: قال: "إنا لله وإنا إليه راجعون" -، فيقول: ابنوا لعبدي بيتًا في الجنة وسموه بيت الحمد))؛ رواه الترمذي، وحسنه الألباني.
وفي كلمة الاسترجاع معنيان عظيمان:
1 - إقرار العبد بأن نفسه وماله وولده وأهله ملكٌ لله حقيقة، وما هذه الأمور إلا عارية سَتُستَرَدُّ ولا بُدَّ.
2 - إقراره بأن مصيره ومرجعه ومآله إلى الله تعالى، فلا بد أن يخلِّف الدنيا وراء ظهره، ويعود إلى ربه في نهاية أمره.
فإذا كان العبد وما له ملكًا لله، وكان في نهاية أمره صائرًا إلى الله، فكيف يفرح بمتاع بموجود، أو يحزن على مفقود؟!
فمِن أعظم ما يُسَلِّي المصابَ ويهوِّن مصيبته: تفكُّرُه في مبدئه ومعاده.
•• في الحديث: ((ما مِن مسلم تُصيبه مصيبة فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني - أَثِبْنِي - في مصيبتي، واخلفني خيرًا منها، إلا أجره -أَثَابَهُ - الله في مصيبته، وأخلف له خيرًا منها))؛ رواه مسلم.
ففي هذا الحديث بشارة عظيمة لأهل المصائب إذا قالوا هذا الدعاء، وهي: أنه سبحانه يجزيه بذلك أمرين:
1 - يكتب له أجرًا.
2 - يخلف له خيرًا.
فهنيئًا لك أيها المصاب، جَزِيل الأجر والثواب!
•• في الحديث: ((ما يصيب المسلم من نَصَبٍ - تَعَبٍ - ولا وَصَبٍ - مَرَضٍ - ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكُها، إلا كفَّر الله بها من خطاياه)).
الله أكبر!
فضيلة عظمى، وَمَزِيَّةٌ أسمى؛ فبقدر الابتلاءات، يكون تكفير السيئات.
وانظر...
وتأمل...
وتدبر...
كيف أنه تعالى يجازيك ويثيبك على أقل المصائب والابتلاءات ((حتى الشوكة يشاكها))، فاحمد الله!
•• في الحديث: ((واعلم أن ما أصابك لم يكن ليُخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك))؛ حديث حسن.
ففي هذا الحديث تسلية لذوي المصائب، فالله قدَّر كل شيء قبل خلق الخلق، ولا يمكن تغييره وتبديله ولو اجتمع أهل السموات والأرض لذلك، فماذا يُجْدِيكَ فرحك على حصول المتاع الفاني، أو حزنك على فقده؟!
•• على المصاب أن يعلم يقينًا أن مَن أُصِيبَ فصبر ورضي؛ فإن له من الأجر والثواب ما هو أعظم وأكبر من فوات تلك المصيبة بأضعاف مضاعفة.
•• من أَجَلِّ ما يُسلِّي المصابَ: أن يتأسى بأهل المصائب الصابرين المحتسبين، وهل ثَمَّتَ مصيبة أعظم من مصيبة الأمة بموت النبي صلى الله عليه وسلم؟!
اسمع ماذا يقول حبيبك...
قال: ((إذا أصاب أحدَكم مصيبةٌ، فلْيَذكُر مصيبته بي؛ فإنها من أعظم المصائب))؛ رواه الدارمي وصححه الألباني.
•• عليك أن تعلم أن: حلاوة الدنيا مرارة الآخرة، ومرارة الدنيا حلاوة الآخرة.
•• في الحديث: ((حُفَّتِ الجنة بالمكاره، وَحُفَّتِ النار بالشهوات)).
فهذا الحديث مُسَلٍّ لك؛ لأنه يُقَرِّرُ وَيُبَيِّنُ لك أن الجنة محفوفة بما تَكرهه نفسُك، فلا بد من مجاهدة ومصابرة واحتساب؛ حتى تنال الأجر والثواب.
•• في الحديث: ((يؤتى بِأَنْعَمِ أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة فيُصبغ في جهنم صبغة، ثم يقال: يا بن آدم، هل رأيت خيرًا قط؟ هل مر بك نعيم قط؟ فيقول: لا والله يا رب، ويؤتى بأشد الناس بؤسًا في الدنيا من أهل الجنة فيصبغ في الجنة صبغة فيقال له: يا بن آدم، هل رأيت بؤسًا قطُّ؟ هل مر بك شدة قط؟ فيقول: لا والله يا رب، ما مر بي بؤس قط، ولا رأيت شدة قط)).
ويكفيك أن تتدبر هذا الحديث؛ لتدرك عِظَمَ جزاء أهل المصائب الصابرين المحتسبين!
•• قال شريح: "إني لأصاب بالمصيبة فأحمد الله عليها أربع مرات وأشكره؛ إذ لم تكن أعظم مما هي، وإذ رزقني الصبر عليها، وإذ وفَّقني للاسترجاع؛ لما أرجوه فيه من الثواب، وإذ لم يجعلها في ديني".
فانظر - رعاك الله - كيف أن المصيبة تستوجب منك الشكر والحمد، لا أن تضجر وتُسيء بالله الظنون، فتأمل هذا الكلام؛ ففيه شفاء لك ومنهاج قويم!
•• أن يفرق المصاب بين اللذتين والمتاعين: متاع قليل فانٍ، ومتاع عظيم باقٍ، فأيهما يختار العاقل اللبيب؟!
•• في الحديث: ((عجبت للمؤمن؛ إن الله تعالى لم يقض له قضاء إلا كان خيرًا له))؛ رواه أحمد وصححه الألباني.
فالمؤمن يعبد الله في السراء بشُكره، ويعبده في الضراء بصبره، فحياته كلها وأمره كله لله.
•• قال عبدالعزيز بن أبي رواد: "ثلاثة من كنوز الجنة: كتمان المصيبة، وكتمان المرض، وكتمان الصدقة".
•• في الحديث: ((يودُّ أهل العافية يوم القيامة - حين يُعطى أهل البلاء الثواب - لو أن جلودهم كانت قُرِّضت بالمقاريض))؛ رواه الترمذي وحسنه الألباني.
فلا أَدَلَّ على جزيل فضل الله لأهل المصائب الصابرين من هذا، فاللهم نسألك من فضلك!
•• أعظم المصائب: مصيبة الدِّين، ثم مصيبة النفس، ثم مصيبة المال؛ فالنفس والمال فداء الدين، والمال فداء النفس.
وأعظم مصائب الدين: موت النبي الأمين صلى الله عليه وسلم؛ لأن الوحي انقطع بموته.
•• وَطِّنْ نفسك على كل المصائب، ولا تستبعد وقوع مصيبة بك مهما كانت!
•• اعلم علم يَقِينٍ أن المصيبة مقدَّرة من عند الله، وأنه لم يقدِّرها تعالى ليعذِّبك؛ بل ليمتحن صبرك ورضاك.
•• قال ابن الجوزي: "علاج المصائب بسبعة أشياء:
الأول: أن يعلم بأنها دار ابتلاء والكرب لا يُرجى منه راحة.
الثاني: أن يعلم أن المصيبة ثابتة.
الثالث: أن يُقَدِّرَ وجود ما هو أكثر من تلك المصيبة.
الرابع: النظر في حال مَن ابتُلي بمثل هذا البلاء؛ فإن التأسِّي راحة عظيمة، وهذا المعنى قد حرَمَه الله أهل النار؛ فإن المخلَّدين فيها كل واحد محبوس وحده، فهو يظن أنه لم يبقَ في النار سواه.
الخامس: النظر في حال من ابتُلي بأكثر من هذا البلاء، فيهون عليه هذا.
السادس: رجاء الخلف، إن كان من مضى يصحُّ عنه الخلف، كالولد والزوجة، قيل للقمان: ماتت زوجتك، قال: تَجَدَّدَ فِراشي!
السابع: طلب الأجر بالصبر؛ فإن ترقَّى إلى مقام الرضا، فهو الغاية".
وزاد غيره:
الثامن: أن يعلم العبد كيف جرى القضاء فهو خير له.
التاسع: أن يعلم أن تشديد البلاء يخصُّ الأخيار.
العاشر: أن يعلم أنه مملوك، وليس للملوك في نفسه شيء.
الحادي عشر: أن هذا الواقع وقع برضا المالك، فيجب على العبد أن يرضى بما رضي به السيد.
الثاني عشر: مُعاتبة النفس عند الجزع.
الثالث عشر: إنما هي ساعة، فكأن لم تكن.
•• قال ابن الجوزي: "ولولا أن الدنيا دار ابتلاء لم تُعْتَوَرْ فيها الأمراض والأكدار، ولم يضق العيش فيها على الأنبياء والأخيار، فآدم يُعاني المحن إلى أن خرج من الدنيا، ونوح بكى ثلاثمائة عام، وإبراهيم يُكابد النار وذبح الولد، ويعقوب بكى حتى ذهب بصره، وموسى يُقاسي فرعون ويلقى من قومه المِحَن، وعيسى ابن مريم لا مأوى له إلا البراري في العيش الضنك، ومحمد صلى الله عليه وسلم يُصابر الفقرَ، وقتَ عمه حمزة وهو من أحب أقاربه إليه، ونفورَ قومه عنه...".
•• في الحديث: ((الدنيا سجن المؤمن، وجنة الكافر))؛ رواه مسلم.
•• لِيَعْلَمْ أهل المصائب أنه لولا أن الإنسان يُصاب بمصائب ويُبتلى بابتلاءات، لتكبَّر وتجبر، ولكن لِعِظَمِ رحمة الله وكرمه فإنه يتفقد عبيده ما بين الحين والآخر بأنواع من أدوية المصائب؛ ليحتمي بها من الهلاك، فسبحان من يرحم ببلائه، ويبتلي بعطائه!
•• في الحديث: ((تعرَّف إلى الله في الرخاء، يَعرِفْك في الشدة)).
فيونس عليه السلام نفَعَه في بطن الحوت ما قَدَّمَ من عمل صالح؛ قال تعالى: ﴿ فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾ [الصافات: 143، 144].
وأما فرعون، فَلِأَنَّهُ لم يكن له عمل صالح، قيل له: ﴿ آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ﴾ [يونس: 91].
•• يجب أن تعلم أن الجزع لا يردُّ المصيبة، بل يضاعفها.
•• في الحديث: ((إنما الصبر عند الصدمة الأولى))؛ متفق عليه.
•• في الحديث: ((قال لي جبريل: يا محمد، عِش ما شئت فإنك ميت، وأحبِبْ من شئت فإنك مفارقُه، واعمل ما شت فإنك مُلاقيه)).
•• في الحديث: ((إن الله إذا أحب قومًا ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط، ومن جزع فله الجزع))؛ رواه أحمد وصحَّحه الألباني.
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.