أرشيف المقالات

[01] المقدمة - عمل القلب - الفريضة الغائبة - خالد أبو شادي

مدة قراءة المادة : 5 دقائق .
لا يخفى على الناظر ما آلت إليه أمة الإسلام اليوم من ضعف في الأخذ بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم علمًا وعملاً، وما نتج عن ذلك من تخلف في ميادين الحياة الدنيا ، وهوان على أمم الأرض.
ولذلك الضعف والتخلف أسباب عدة، ولا شك أن معرفة السبب الرئيس والداء العضال هو الطريق إلى الخروج بالأمة مما هي فيه.
وقد جنح أقوام إلى التضخيم والتهويل من مخططات الأعداء، وما يمكرونه بالليل والنهار من أجل صد الأمة عن سبيل الله وإدخالها في عوج المسالك.
وخيل لبعض من الناس أن الأمة باتت في مهب عاصفة هوجاء، تتقاذفها أهواء الأعداء، فصاروا يرقبون من خلال وسائل الإعلام ما يريد الأعداء بهم، ليرسموا من خلال ذلك صورة متشائمة لمستقبلهم، مما نتج عنه الإحباط والقعود، والعزوف عن العمل المثمر، والإصلاح المنشود.
ومع ما لكيد الأعداء من أثر لا ينكر، إلا أن الموفقين من هذه الأمة يعزون السبب الرئيس إلى الأجواء الداخلية، التي استشرت في جسد الأمة، فأبعدتها عن حقيقة الدين، وأسباب النصر والتمكين.
ولا ريب أن صلاح الأمة في صلاح أفرادها، ولا ريب أن صلاح الأفراد في قيامهم بما أوجب الله عليهم ظاهراً وباطنًا.
وقد بين الله عز وجل أن كيد الأعداء ما كان ليضر المسلمين لو قاموا بما يجب لله في قلوبهم: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا} [آل عمران:120].
والصبر في أصله عمل قلبي، وأما التقوى فأساسها تقوى القلوب كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «التقوى ها هنا ويشير إلى صدره ثلاث مرات» ( صحيح مسلم [2564])
وأخبر جل وعلا أن الذين ينتصر بهم الدين هم أصحاب الأعمال القلبية {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [المائدة:45].
وكأن النبي صلى الله عليه وسلم يصف واقع الأمة اليوم ويبين داءها حين يقول صلى الله عليه وسلم: «يوشك أن تداعى عليكم الأمم، كما تداعى الأكلة على قصعتها، فقال قائل: ومن قلة يومئذ ؟ قال: بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن، فقال قائل: يا رسول الله، وما الوهن؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت » (سنن أبي داود [4297])، والوهن هو الضعف، والمراد بقوله: وما الوهن؟ أي ما موجبه وما سببه (انظر: عون المعبود)
إن المخرج من هذه الغثائية هو العلم النافع والعمل الصالح، تصحيحًا للاعتقاد، وترسيخًا للإيمان، وتوجيهًا للقلوب نحو بارئها، فلن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، وقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم: «أن صلاح أول هذه الأمة بالزهد واليقين، ويهلك آخرها بالبخل والأمل» (السلسلة الصحيحة [3427])، وإذا كانت سبيل فلاح الأمة مرهونًا بذلك، فإن ذلك أيضًا هو سبيل فلاح أفرادها في الدنيا والآخرة.
والعلم والاعتقاد الصحيح لابد أن ينضم إليهما عمل القلب والجوارح؛ وذلك أن العلم بالشيء غير وجوده والاتصاف به، فكم من إنسان يعلم ويعرف المحبة وأحكامها وجميع لوازمها ولكن قلبه خالٍ منها، وكم من عبد يعرف ويعترف بقضاء الله وقدره وحسن كفايته، ولكن إذا وقع المقدور بخلاف ما يحب، رأيته مضطربًا لا طمأنينة عنده ولا ثقة ولا سكون، وإلا فمن وصلت إلى قلبه معرفة الله حقيقة، اطمأن إلى كفاية الله، واستسلم لحكمه حيثما تنقلت به الأحوال (مجمع الفوائد للشيخ عبد الرحمن بن سعدي) وقد دلت على ذلك سورة العصر.
وما يعيشه كثير من الناس اليوم من قلق وآلام نفسية، سببه انصراف القلوب عن وظائفها التي خلقت لها، فصليت بنار هموم الدنيا، ولم تطعم برد اليقين والمحبة والرضا والتوكل.
ومن لم يدخل تلك الجنة العاجلة في الدنيا يخشى عليه ألا يدخل الجنة الآجلة في الآخرة {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ .
إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}
 [الشعراء:88-89].
وهذه الغفلة عن أعمال القلوب من مخالفة لطريق نبينا صلى الله عليه وسلم يقول ابن رجب: "فأفضل الناس من سلك طريق النبي صلى الله عليه وسلم وخواص أصحابه في الاقتصاد في العبادة البدنية، والاجتهاد في الأحوال القلبية، فإن سفر الآخرة يقطع بسير القلوب لا بسير الأبدان" (المحجة في سير الدلجة) .

شارك الخبر

فهرس موضوعات القرآن