مراكش
مدة
قراءة المادة :
3 دقائق
.
جاء في جريدة السلام الغراء ما نصه:
تفيد الأخبار الواردة من مراكش أن حالها في اضطراب شديد، وهي تتأخر
كل يوم تأخُّرًا سريعًا، سيفضي إلى اضمحلالها، وذلك لشدة تداخل الأجانب فيها
ومعاكستها لهم، حتى أصبح ذلك همها الوحيد، ولم يعد لها صناعة سوى دفع ديات
القتلى، ومفاوضة الحكومات الأجنبية في شأنهم، ذلك عدا ما ينتابها من الثورات
الداخلية التي لا تكاد تنقضي بالرغم من صرامة الحكومة، وتعليقها رءوس القتلى
على أسوار المدن أو حملها على الرماح وعرضها على الناس في الشوارع، ويظهر
أن نصيب هذه المملكة التعيسة سيكون كنصيب الجزائر وتونس ومصر، فيكون
هذا الخط الجنوبي الطويل الممتد من بورسعيد إلى طنجة مصابًا بعلة واحدة، وهي
الاحتلال الأجنبي، ولا يبعد من بعد نهاية هذه الحرب الأميركية أن تتفرغ الأذهان
إلى شأن مراكش لمجاورتها لأسبانيا، فيقضي عليها القضاء الأوروبي كجارتها،
ولكننا نظن أن امتلاك مراكش كلها صعب جدًّا إلا بدهر طويل؛ لأن أكثر أهلها
محاربون ذوو بأس شديد وأنفة عربية، ولهم من صعوبة السير في بلادهم ومنعة
معاقلهم الطبيعية ما يرد عنهم كل يد، ولكن إذا كان لابد من التداخل فيها فلا يكون
إلا بامتلاك شواطئها وثغورها، ولعل هذا هو المهم عند أوروبا، أما هذه القسمة
فالأرجح أنها تكون لفرنسا؛ لما لها من شفاعة الجوار، فضلاً عما يقال من أنها
تسعف أسبانيا الآن لتتنازل لها عما يخصها من شفاعة الجوار، وسيكشف لنا
المستقبل ذلك بعد قريب. اهـ (المنار) أما نحن فنقول: إن الأوربيين لا تقف أمامهم المصاعب، والأمم الهمجية لا تقدر على مناوأة الأمم المتمدنة، وإذا دام أهل مراكش على جهلهم بالفنون العصرية التي عليها مدار العمران اليوم، تقليدًا لآبائهم، وإبقاءً لما كان على ما كان - فلا بد أن يغمرهم طوفان أوروبا كما غمر جيرانهم، وإذا وفق الله مولاي عبد العزيز، وفتحت عين بصيرته، فرأى أن الاتباع للأولين؛ لأنهم أوَّلون مذموم غير محمود، سواء في ذلك نظر الشرع والعقل، وإنما هدانا الشرع ودلنا العقل على أن نعتبر بأحوال الأمم في صعودها وهبوطها، وأن نستمع القول فنتبع أحسنه، لا أن نقول {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ} (الزخرف: 23) إذا تبصر بهذا واعتبر بما بين يديه وما خلفه، واتعظ بما عن يمينه وشماله - فلا شك أنه يندفع بهمته كلها إلى التربية والتعليم اللذين تقضيهما حالة العصر، ولا يتم له هذا إلا بالاستعانة بسيدنا ومولانا أمير المؤمنين والسلطان الأكبر لجميع المسلمين؛ إذ لا يجد معلمين للفنون العسكرية والمدنية والاقتصادية من أهل الإسلام إلا عند الدولة العلية، وحالة بلاده لا تقبل غير المسلمين، الذين لم يصطبغوا بالصبغة الأجنبية، وإذا اندفع بهمته إلى ما ذكرناه، وأمده مولانا السلطان الأعظم بالمعلمين البارعين، وهم كثيرون، لا سيما في الآستانة العلية - يرجى أن يندفع ذلك الطوفان الذي يتهدد بلاده، وما هو إلا النفوذ الأجنبي الذي غمر جيرانه.
والله الموفق وبه المستعان.