أرشيف المقالات

لماذا أدافع عن الإخوان وقت محنتهم؟ - حسن الخليفة عثمان

مدة قراءة المادة : 4 دقائق .
لقد كان من قدر الله أن يكون كاتب هذه السطور طويلب علم، يستهل مسيرته العلمية في دراسته الجامعية بدرجة جيد جداً في مادة البلاغة والنقد، وأن يكون ختامها درجة الامتياز في ذات المادة، وبين الأولى والأخيرة قدّر الله أن تحوي جنبات صدره آي الذكر الحكيم فحاذ مرتبة حمل الكتاب التي قال فيها عز وجل: {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ} [العنكبوت:49].

وإن لما سبق من أقدارٍ لزكاة حتى تكون نعماً، ولا تأتي يوم القيامة نقماً، أولاها:
{فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ .
وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ}
[هود:112-113]، ليس آخرها: {قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ} [القصص:17].

وإذا كانت الأمة قد ابتُليت في كثير من قرّائها، وبُلغائها، وفُصحائها، فإن هذا لا يبرر للبقية النكوص على أعقابهم، ذلك أن فتنة القرّاء قديمة سبقت نزول هذا الكتاب المحكم، وقد قصّ لنا القرآن ما كان من فتنة الأحبار والرهبان، والذي آتاه الله آياته فانسلخ منها، واستحب مقام (الكلب) على مقام أكرم المخلوقات، ذلك وأن أول من تُسعّر بهم النار يوم القيامة -عياذاً بالله- ثلاثة أحدهم قارئ القرآن الذي جعل القرآن مصدر جاهه ووجاهته.

إن حميّة قارئ القرآن وحامل لوائه ينبغي أن تكون للحق ضدّ أي ظالم مهما عزّ، ومع أي مظلوم مهما هان.
فإنه من العار أن يكون في الجاهلية الغافلة في قريش بعض الرجال من أولي الخير، الذين ينهضون ويتواثقون بينهم على محاربة الظالم ونُصرة المظلوم، وينشئوا (حلف الفضول) ثم لا نرى ذلك موجودًا ولا قائماً في أمة رسالتها تقول: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل:90].

بل نجد من بين مشاهير القراء من ذهب ينبش في القبور، ويقلب في بطون الكتب، فيستخرج لنا مما يناسب نفسيته، ويرضي كبرياءه، وصلفه، وغروره، ما يُلقي به في ساحات الأموات الذين يعيشون حوله بأبدانهم، ما يروم أن يُشين به الذين ماتوا بأبدانهم وهم بشمائلهم بين الناس أحياء، فيتناول المرشد العام للإخوان المسلمين الأستاذ (عمر التلمساني رحمه الله) بالغمز واللمز والانتقاص.

لقد علمتنا الحياة أن كل إناء بما فيه ينضح، وأن الأيام دول، والليالي حبالى، ودوام الحال من المحال، والعاقل من اعتبر، ولئن كان من بين الأحياء الآن من أولي الفصاحة والبلاغة من جعل عرض الإخوان شخصاً لسهامه الدامية، فلقد سطّر التاريخ للراحل الكبير (خالد محمد خالد رحمه الله) موقفاً تتضاءل أمامه هذه الجيف حتى تصير كالأقزام..

وذلك حين طلب منه جمال عبد الناصر أن يهاجم الإخوان ويكتب فيهم بالنقائص والمعايب، مقابل أن يجزل له المال والعطاء، فقال الكبير قيمة وقامة: "لقد ناقشت الإخوان ونقدت فكرهم وسلوكهم يوم كان بعض قادة الثورة من مجاذيبهم، ويوم كانوا من القوة بمكان، أما اليوم وهم في المعتقلات والسجون تحت وطأة التعذيب، فقد أوصانا سيدنا الرسول صلى الله عليه وسلم ألا نجهز علي جريح".
 
 

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٢