خطب ومحاضرات
شرح سنن أبي داود [178]
الحلقة مفرغة
شرح حديث (الدعاء هو العبادة)
حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن منصور عن ذر عن يسيع الحضرمي عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وعلى وسلم قال: (الدعاء هو العبادة قَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [ غافر:60 ]) ].
قوله: [ باب الدعاء ] الدعاء هو الطلب والسؤال من الله عز وجل، وقد يطلق ويراد به ذكر الله عز وجل، ويكون من قبيل دعاء العبادة؛ لأن الدعاء نوعان: دعاء عبادة ودعاء مسألة، فدعاء المسألة هو كون الإنسان يسأل ويقول: (رب اغفر ل)ي، (رب ارحمني)، (رب هب لي كذا)، (رب اصرف عني كذا)، ودعاء العبادة يدخل تحته الذكر، فهو عبادة لله عز وجل وليس مسألة.
وقوله: [ (الدعاء هو العبادة) ] يدلنا على عظم شأن الدعاء، وهذا اللفظ كأنه حصر، وهو مثل قوله: (الحج عرفة)، ومثل قوله: (الدين النصيحة)
إذاً: الدعاء له شأن عظيم، وهو عبادة لله عز وجل، فيسأل الإنسان ربه، ويعول عليه، ويسأل حاجاته منه ولا يسأل غيره، كما جاء في الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام: (إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله)، وفي سورة الفاتحة: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5 ].
فقوله: [ (الدعاء هو العبادة) ] يدلنا على عظم شأن الدعاء، وأنه من أنواع العبادة، وأنواع العبادة كثيرة، ومنها: الدعاء، والخوف، والرجاء، والتوكل، والرغبة، والرهبة، والإنابة، والاستغاثة، والاستعانة، والخشية، كل ذلك من أنواع العبادة.
وجاء في حديث ضعيف: (الدعاء مخ العبادة)، وأما قوله: [ (الدعاء هو العبادة) ] فهو حديث صحيح.
وقوله تعالى: [ ( وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [ غافر:60 ])] فيه أمر بالدعاء ووعد بالإجابة، ثم قال بعد ذلك: إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ [ غافر:60 ] فدل هذا على أن الدعاء عبادة.
فهذا حديث عظيم يدل على عظم شأن الدعاء، ولهذا صدر به أبو داود رحمه الله الأحاديث التي تتعلق بهذا الباب الذي هو باب الدعاء.
تراجم رجال إسناد حديث (الدعاء هو العبادة)
حفص بن عمر ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والنسائي .
[ حدثنا شعبة ].
هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن منصور ].
هو منصور بن المعتمر، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ذر ].
هو ذر بن عبد الله الهمداني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن يسيع الحضرمي ].
يسيع الحضرمي ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، وأصحاب السنن.
[ عن النعمان بن بشير ].
النعمان بن بشير رضي الله تعالى عنهما هو صحابي ابن صحابي، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وهو من صغار الصحابة؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام توفي وعمره ثمان سنوات، وحدث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وجاءت أحاديث له صرح فيها بالسماع، مثل الحديث المشهور الذي هو من قواعد الإسلام ومن جوامع الكلم، وهو: (الحلال بين، والحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس) فإنه قال فيه: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كذا).
ورواية الصغار إذا تحملوا في الصغر وأدوا في الكبر معتبرة عند المحدثين، وكذلك الكافر إذا تحمل في حال كفره وأدى في حال إسلامه.
فمن أمثلة تحمل الصغير في حال صغره وأدائه في حال كبره حديث النعمان بن بشير : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (الحلال بين والحرام بين...). وكذلك هذا الحديث وغيره من الأحاديث.
وتحمل الكافر في حال كفره وتأديته بعد إسلامه مثاله حديث أبي سفيان الطويل المشهور مع هرقل الذي يحكي فيه ويذكر ما كان عليه رسول الله عليه الصلاة والسلام من الصفات والأخلاق، فإنه قال ذلك في حال كفره وأداه في حال إسلامه.
شرح حديث (سيكون قوم يعتدون في الدعاء..)
ومعنى هذا الحديث أن هناك قوماً يعتدون في الدعاء، وجعل سعد رضي الله عنه ما قاله ابنه من الاعتداء في الدعاء، وهو كون الإنسان يدعو بأشياء لا حاجة إليها، ويكثر من ذكرها وتعدادها، كذكر ما للنار من الصفات وما فيها من الأهوال، وذكر ما في الجنة وصفاتها وأحوالها، فهذا يعتبر من الاعتداء في الدعاء الذي حذر منه رسول الله عليه الصلاة والسلام.
قوله: [ إياك أن تكون منهم ... ] إلى آخره هو من كلامه لابنه، أما الحديث المرفوع فهو [ (سيكون قوم يعتدون في الدعاء) ].
هذا الحديث في إسناده ابن سعد الذي هو مبهم ولم يسم، وقال المنذري : إن كان عمر بن سعد فإنه ضعيف. والحديث صححه الألباني وأحاله إلى حديث مضى عن عبد الله بن مغفل، وهو بمعناه، وفيه: (إنه سيكون في هذه الأمة قوم يعتدون في الطهور والدعاء) فالحديث جاء من طريق أخرى عن أبي نعامة نفسه الذي يروي عن ابن سعد، لكن هنا يروي عن عبد الله بن مغفل، فيكون الحديث صحيحاً.
وقد مر عند أبي داود في باب الإسراف في الماء وفيه: (إنه سيكون في هذه الأمة قوم يعتدون في الطهور والدعاء) فأورده في كتاب الطهارة من أجل قوله: (يعتدون في الطهور) ومعناه أنهم يتجاوزون الحد فيه، والدعاء هو الذي يطابق ما نحن فيه، ويطابق ما عندنا في هذه الترجمة، والحديث صحيح؛ لأنه جاء من طريق أخرى صحيحة، فوجود هذا المبهم لا يؤثر؛ لأنه ثبت من طريق أبي نعامة نفسه الذي يروي عن ابن لـسعد ، حيث روى عن عبد الله بن مغفل أن ابناً له قال: (اللهم إني أسألك القصر الأبيض عن يمين الجنة إذا دخلتها، فقال: أي بني! سل الله الجنة وتعوذ به من النار؛ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنه سيكون في هذه الأمة قوم يعتدون في الطهور والدعاء).
تراجم رجال إسناد حديث: (سيكون قوم يعتدون في الدعاء..)
هو مسدد بن مسرهد البصري، ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي .
[ حدثنا يحيى ].
هو يحيى بن سعيد القطان، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن شعبة ].
هو شعبة بن الحجاج الواسطي، مر ذكره.
[ عن زياد بن مخراق ].
زياد بن مخراق ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، وأبو داود .
[ عن أبي نعامة ].
هو قيس بن عباية، وهو ثقة، أخرج له البخاري في جزء القراءة، وأصحاب السنن.
[ عن ابن لـسعد أنه قال: سمعني أبي ].
أبوه هو سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة رضي الله عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
قوله: [ عن ابن لـسعد ].
يقول الحافظ ابن حجر : يحتمل أن يكون مصعب بن سعد، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. وذكره المبهمات.
وعلى كلٍ فالاحتمال قائم؛ لأن المنذري يقول: إن كان عمر فإنه ضعيف، ولكن الحافظ يقول: إن عمر بن سعد صدوق.
ونقول: سواءٌ أكان ضعيفاً أم صدوقاً أم ثقة فالحديث ثابت عن عبد الله بن مغفل، وهو صحيح.
شرح حديث (إذا صلى أحدكم فليبدأ بتمجيد ربه جل وعز ...(
قوله: [ (أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يدعو في صلاته لم يمجد الله تعالى، ولم يصل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عجل هذا، ثم دعاه وقال له أو لغيره: إذا صلى أحدكم فليبدأ بتمجيد ربه جل وعز والثناء عليه، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يدعو بعد بما شاء)، يعني: من أسباب قبول الدعاء أن يمهد قبله بحمد الله والثناء عليه، والصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم، ولهذا جاءت صلاة الجنازة مشتملة على الحمد، وعلى الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم الدعاء؛ لأن قراءة الفاتحة حمد وثناء على الله عز وجل، والصلوات الإبراهيمية فيها صلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم بعد ذلك يكون الدعاء للميت والسؤال له بالمغفرة والرحمة والشفاعة له.
ثم أيضاً فيما يتعلق بالصلاة أن التشهد يسبق السلام، وهو مشتمل على حمد الله والثناء عليه، فقوله: (التحيات لله والصلوات والطيبات) حمد وثناء على الله عز وجل، وبعدها: (أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله) ثم بعد ذلك الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم بعد ذلك الدعاء، ففيه تمهيد للدعاء.
والنبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أرشد المسلم أن يجمع في صلاته بين التمجيد والثناء على الله، ثم الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك، ثم الدعاء بما أحب بعد ذلك، فيكون قد مهد لدعائه بثناء على الله، وبصلاة وسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولعل اختيار الإمام أحمد رحمة الله عليه دعاء الاستفتاح: (سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك)، لكونه اشتمل على تعظيم لله عز وجل والثناء عليه، وكما هو معلوم أنه ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنواع من الاستفتاحات، منها ما هو ثناء، ومنها ما هو دعاء، وكل ذلك حق، والاختلاف فيها اختلاف تنوع، فإذا اختار أي واحد من هذه الأنواع فهو على حق.
تراجم رجال إسناد حديث (إذا صلى أحدكم فليبدأ بتمجيد ربه جل وعز ...)
هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام الفقيه المحدث، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا عبد الله بن يزيد ].
هو عبد الله بن يزيد المقري المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا حيوة ].
هو حيوة بن شريح المصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وحيوة بن شريح اثنان: أحدهما في طبقة متقدمة وهو هذا المصري، والآخر في طبقة متأخرة من شيوخ أبي داود، وهو حمصي، فإذا جاء حيوة بن شريح يروي عنه أبو داود فهو الحمصي ، وإذا جاء حيوة بن شريح بين أبي داود وبينه واسطتان أو أكثر من ذلك على حسب الأسانيد وتعدد الرواة فإنه يكون المصري المذكور في هذا السند.
[ أخبرني أبو هانئ حميد بن هانئ ].
أبو هانئ حميد بن هانئ لا بأس به، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم وأصحاب السنن.
[ أن أبا علي عمرو بن مالك ].
أبو علي عمرو بن مالك ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، وأصحاب السنن.
[ أنه سمع فضالة بن عبيد ].
هو فضالة بن عبيد رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم وأصحاب السنن.
معنى قوله (إذا صلى أحدكم فليبدأ)
هذا يشمل الصلاة المفروضة، والصلاة هي أقوال وأعمال مفتتحة بالتكبير ومختتمة بالتسليم، وكذلك الدعاء يشمل المعنى الشرعي والمعنى اللغوي.
الثناء على الله والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم قبل الدعاء
يعني: بعد أن يمجد الله ويثني عليه ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم يدعو بما شاء ويسأل حاجاته، وهذا يكون في السجود والتشهد الأخير، أما الأدعية الواردة -مثل دعاء الاستخارة أو دعاء قنوت الوتر- فإنه يؤتى بها كما وردت.
والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وتمجيد الله جل وعلا في بداية الدعاء ليسا بواجبين، ولكنهما من أسباب قبول الدعاء ومن الأمور المرغب فيها في الدعاء.
شرح حديث (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستحب الجوامع من الدعاء..)
قوله: [ (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستحب الجوامع من الدعاء، ويدع ما سوى ذلك) ].
الجوامع هي التي لفظها قليل ومعناها كثير، فهي قليلة المبنى واسعة المعنى، هذه هي جوامع الكلم، وهكذا كانت أدعية الرسول صلى الله عليه وسلم، وكذلك الأدعية التي جاءت في القرآن، مثل قوله تعالى: رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [البقرة:201]، فهذا دعاء عظيم جامع لخير الدنيا والآخرة، وحسنة الدنيا كل خير في الدنيا، وحسنة الآخرة كل خير في الآخرة، وليس المراد شيئاً معيناً.
وقد تجد بعض السلف يفسر هذه الآية على أن المراد بها شيء معين، وبعضهم يفسرها بغير ذلك، وهذا لا يعني الحصر، وإنما يعني التوضيح، فمن قائل: الحسنة في الدنيا هي الزوجة الصالحة، وهذا حق، ومن قائل: الولد الصالح، وهذا حق، ومن قائل: الرزق الحلال، وهذا حق؛ لأن هذه كلها من حسنات الدنيا، فالتفسير لهذا اللفظ الجامع بشيء معين هو من قبيل التفسير بالمثال، وليس التفسير بالحصر.
ومثل ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث: (اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى)، (اللهم آت نفسي تقواها، وزكها أنت خير من زكاها)، (اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي إليها معادي، واجعل الحياة زيادة لي في كل خير، والموت راحة لي من كل شر) فأدعية الرسول صلى الله عليه وسلم جوامع؛ لأنه أوتي جوامع الكلم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
فالأولى للمسلم عندما يدعو أن يحرص على أدعية الرسول عليه الصلاة والسلام، ويعرف هذه الأدعية وما كان يدعو به ويأتي به، هذا هو الأولى وهذا هو الذي ينبغي له؛ لأن الإنسان إذا أتى بأدعية من عند نفسه قد يكون فيها تجاوز، وقد يكون فيها أمر منكر، وقد يكون فيها أمر محرم، وقد يكون فيها أمر شاذ.
ومثل ذلك الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم، فالذي ينبغي للمسلم هو أن يأتي بما ورد عن رسول الله عليه الصلاة والسلام من كيفية الصلاة عليه أخذاً بكلام المعصوم صلى الله عليه وسلم.
وإذا رجع المرء إلى إلى مثل كتاب (دلائل الخيرات) فسيجد أنه فهذا كتاب مشتمل على صلوات على الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن فيها تجاوز وفيها غلو وفيها جفاء، فاختيار الأدعية التي تأتي عن النبي صلى الله عليه وسلم هي التي فيها العصمة وفيها السلامة، وهي التي تكون أعم وأنفع؛ لأنها كلام الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
تراجم رجال إسناد حديث (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستحب الجوامع من الدعاء...)
هو هارون بن عبد الله البغدادي الملقب بـالحمال ، وهو ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[ حدثنا يزيد بن هارون ].
هو يزيد بن هارون الواسطي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن الأسود بن شيبان ].
الأسود بن شيبان ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة .
[ عن أبي نوفل ].
هو أبو نوفل بن أبي عقرب، وهو ثقة أخرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم وأبو داود والنسائي .
[ عن عائشة ].
هي عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها الصديقة بنت الصديق ، وهي من أوعية السنة وحفظتها، وهي أحد سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
شرح حديث (لا يقولن أحدكم اللهم اغفر لي إن شئت...)
قوله: [ (لا يقولن أحدكم: اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت، ليعزم المسألة ) ] أي يقول: (اللهم اغفر لي) ولا يضيف إلى ذلك شيئاً من التقييد الذي هو (إن شئت).
قوله: [ (فإن الله لا مكره له) ] أي: فإن الله تعالى يعطي ويتفضل ويجود على عباده دون إكراه من أحد، أما العباد فمنهم من يعطي رغبة ورهبة، فتجد الشخص يعطي من يسأله من أجل رغبة في تحصيل شيء من وراء إعطائه إياه، أو يعطيه خوفاً منه، والله عز وجل لا مكره له، فلا يليق أن يسأل بهذا السؤال، وإنما يسأل بالعزيمة بدون التقييد بذكر المشيئة.
وهذا الحديث عقد له شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في كتاب التوحيد باباً خاصاً، وهو (باب قول اللهم اغفر لي إن شئت).
أما قوله صلى الله عليه وسلم: (طهور إن شاء الله) وقوله: (وإنا بكم إن شاء الله لاحقون) فهذا ليس من التعليق، بل هو من التحقيق؛ لأنه لابد من أن يلحق بهم، ولا يوجد احتمال أنه لا يلحق بهم، وكذلك قوله تعالى: لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ [ الفتح:27 ] يعني: تحقيقاً لا تعليقاً.
فقوله: (طهور إن شاء الله) من هذا القبيل، وليس شكاً.
تراجم رجال إسناد حديث (لا يقولن أحدكم اللهم اغفر لي إن شئت...)
هو عبد الله بن مسلمة القعنبي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .
[ عن مالك ].
هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة، الإمام المحدث الفقيه، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي الزناد ].
هو عبد الله بن ذكوان، لقبه أبو الزناد وكنيته أبو عبد الرحمن ، وأبو الزناد لقب على صيغة الكنية، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن الأعرج ].
هو عبد الرحمن بن هرمز، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي هريرة ] قد مر ذكره.
شرح حديث (يستجاب لأحدكم ما لم يعجل ...)
قوله: [ (يستجاب لأحدكم ما لم يعجل فيقول: قد دعوت فلم يستجب لي) ] يعني أنه يترك الدعاء ويعرض عن الدعاء ويهمل الدعاء؛ لأنه دعا ولم يستجب له، فيقول: قد دعوت، والإنسان إذا دعا ربه فإنه يلح عليه بالدعاء ويكرر الدعاء، وإذا لم يحصل على الإجابة فلا يترك الدعاء؛ لأنه -كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم-: إما أن يعجل له ما طلب في الدنيا، أو يصرف عنه مثله من الشر، أو يدخر له في الآخرة، ومعنى ذلك أنه على خير، والدعاء عبادة، فعلى الإنسان أن يحرص على عبادة الله عز وجل والإلحاح عليه في الدعاء، ولا يستبطئ الإجابة فيقول: دعوت ودعوت فلم يستجب لي.
واستعجال الإنسان الإجابة من أسباب عدم قبول الدعاء.
تراجم رجال إسناد حديث (يستجاب لأحدكم ما لم يعجل ...)
ابن شهاب هو محمد بن مسلم بن عبيد الله الزهري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي عبيد ].
هو سعد بن عبيد الزهري ومولى ابن أزهر، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي هريرة ].
أبو هريرة مر ذكره.
شرح حديث (... سلوا الله ببطون أكفكم ولا تسألوه بظهورها ...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الدعاء.
حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن منصور عن ذر عن يسيع الحضرمي عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وعلى وسلم قال: (الدعاء هو العبادة قَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [ غافر:60 ]) ].
قوله: [ باب الدعاء ] الدعاء هو الطلب والسؤال من الله عز وجل، وقد يطلق ويراد به ذكر الله عز وجل، ويكون من قبيل دعاء العبادة؛ لأن الدعاء نوعان: دعاء عبادة ودعاء مسألة، فدعاء المسألة هو كون الإنسان يسأل ويقول: (رب اغفر ل)ي، (رب ارحمني)، (رب هب لي كذا)، (رب اصرف عني كذا)، ودعاء العبادة يدخل تحته الذكر، فهو عبادة لله عز وجل وليس مسألة.
وقوله: [ (الدعاء هو العبادة) ] يدلنا على عظم شأن الدعاء، وهذا اللفظ كأنه حصر، وهو مثل قوله: (الحج عرفة)، ومثل قوله: (الدين النصيحة)
إذاً: الدعاء له شأن عظيم، وهو عبادة لله عز وجل، فيسأل الإنسان ربه، ويعول عليه، ويسأل حاجاته منه ولا يسأل غيره، كما جاء في الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام: (إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله)، وفي سورة الفاتحة: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5 ].
فقوله: [ (الدعاء هو العبادة) ] يدلنا على عظم شأن الدعاء، وأنه من أنواع العبادة، وأنواع العبادة كثيرة، ومنها: الدعاء، والخوف، والرجاء، والتوكل، والرغبة، والرهبة، والإنابة، والاستغاثة، والاستعانة، والخشية، كل ذلك من أنواع العبادة.
وجاء في حديث ضعيف: (الدعاء مخ العبادة)، وأما قوله: [ (الدعاء هو العبادة) ] فهو حديث صحيح.
وقوله تعالى: [ ( وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [ غافر:60 ])] فيه أمر بالدعاء ووعد بالإجابة، ثم قال بعد ذلك: إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ [ غافر:60 ] فدل هذا على أن الدعاء عبادة.
فهذا حديث عظيم يدل على عظم شأن الدعاء، ولهذا صدر به أبو داود رحمه الله الأحاديث التي تتعلق بهذا الباب الذي هو باب الدعاء.
استمع المزيد من الشيخ عبد المحسن العباد - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
شرح سنن أبي داود [139] | 2890 استماع |
شرح سنن أبي داود [462] | 2842 استماع |
شرح سنن أبي داود [106] | 2835 استماع |
شرح سنن أبي داود [032] | 2731 استماع |
شرح سنن أبي داود [482] | 2702 استماع |
شرح سنن أبي داود [529] | 2693 استماع |
شرح سنن أبي داود [555] | 2686 استماع |
شرح سنن أبي داود [177] | 2679 استماع |
شرح سنن أبي داود [097] | 2654 استماع |
شرح سنن أبي داود [273] | 2649 استماع |