شرح سنن أبي داود [534]


الحلقة مفرغة

شرح حديث جرير بن عبد الله في الرؤية

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الرؤية.

حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير ووكيع وأبو أسامة عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه أنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، جلوساً، فنظر إلى القمر ليلة البدر، ليلة أربعة عشرة، فقال: (إنكم سترون ربكم كما ترون هذا لا تضامون في رؤيته، فإن استطعتم ألا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا، ثم قرأ هذه الآية: وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا [طه:130]).

قوله: [ باب في الرؤية ] أي في رؤية الله عز وجل، وكون المؤمنين يرونه بأبصارهم يوم القيامة، والرؤية حق، فإنها ثابتة في كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد جاءت الأحاديث المتواترة عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه تدل على ثبوت الرؤية في الدار الآخرة.

وأما بالنسبة للدنيا فقد شاء الله عز وجل ألا يُرى، وادخر للمؤمنين رؤيته إلى الدار الآخرة؛ لأن رؤيته تكون أعظم نعيم لأهل الجنة، فجعلت في دار النعيم، ولم يجعلها الله عز وجل في الدنيا، ولو شاء لفعل، فرؤيته في الدنيا ممكنة ولكنه شاء أن يجعلها في الدار الآخرة، وأن تكون غيباً يستعد الموفقون له بالأعمال الصالحة التي توصلهم إلى ذلك النعيم، فإن أعلاه وأكمله النظر إلى وجه الله سبحانه وتعالى.

وقد جاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا) وهو حديث أخرجه مسلم في صحيحه ، وهو يدل على أن رؤية الله عز وجل لا تحصل في الدنيا، وأن الله تعالى شاء ألا يُرى إلا في الآخرة.

رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه في الدنيا

أما بالنسبة لنبينا محمد عليه الصلاة والسلام فقد اختلف في رؤيته لربه ليلة المعراج، ولكن القول الصحيح الذي دلت عليه الأدلة أنه لم يره، ويكون داخلاً في قوله صلى الله عليه وسلم: (إنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا)، أو: (إنه لن يرى أحد منكم ربه حتى يموت)، فالراجح أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ير ربه، ولما سئل عليه الصلاة والسلام: هل رأيت ربك؟ ما قال: نعم. رأيت ربي! ولكنه قال: (رأيت نوراً)، وفي رواية أنه قال: (نور أنى أراه؟) يعني أنه إنما رأى نور الحجاب الذي قال عنه صلى الله عليه وسلم: (حجابه النور، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه)، فهذه الأدلة تدل على أنه ما رأى ربه، ولو كان النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه لبين ذلك، وقال: نعم رأيت ربي.

وجاء في حديث صحيح أنه صلى الله عليه وسلم رأى ربه في المنام، أما في اليقظة فلا.

الحكمة من تأخير رؤية الله إلى الآخرة

الرؤية هي النعمة العظيمة والفائدة الكبيرة، ولم يجعلها الله لأحد في الدنيا حتى تبقى غيباً، وحتى يستعد كل مسلم للظفر بها والحصول عليها، كما أن أمور الآخرة قد أخفاها الله عز وجل عن الناس ولم يطلعهم عليها ولا على ما في الجنة من النعيم، ولما صلى النبي صلى الله عليه وسلم بالناس صلاة الكسوف عرضت عليه الجنة وهو يصلي بالناس، ورأى عناقيد العنب متدلية فمد يده ليتناول قطفاً منها، وكان الصحابة وراءه يصلون، فرأوا يده الكريمة تمتد ولم يروا الذي مدت إليه، ثم إنه عرضت عليه النار فرجع القهقرى ولم يعرفوا لماذا فعل ذلك، ولما فرغ سألوه عن ذلك، فقال عليه الصلاة والسلام: (مددت يدي لآخذ عنقوداً من العنب ثم تركت، ولو أخذته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا).

وقد شاء الله عز وجل أن تكون أمور الآخرة غيباً، وألا تكون علانية؛ لأنها لو كانت علانية لم يتميز من يؤمن بالغيب ممن لا يؤمن بالغيب.

ذكر بعض الأدلة القرآنية على الرؤية

أهل السنة والجماعة قد أجمعوا واتفقوا على ثبوت رؤية الله عز وجل في الدار الآخرة، وخالف في ذلك بعض المبتدعة فقالوا: إن الله لا يرى في الدنيا ولا في الآخرة.

ومما جاء في القرآن الكريم دالاً على ثبوت الرؤية لله عز وجل، قوله سبحانه وتعالى في سورة القيامة: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ [القيامة:22-23]، فإن (ناضرة) الأولى من النضرة وهي البهجة والسرور، أي أن وجوههم فيها نضرة وجمال، وفيها إضاءة وإشراق، كما قال الله عز وجل: تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ [المطففين:24].

وقوله: إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ [القيامة:23]، هي من النظر، وهي معداة بإلى، أي أنها تنظر إلى ربها، والنظر إذا عدي بإلى فإنه يكون بالأبصار، وإذا عدي بفي فإنه يكون بالتفكر والاعتبار كما في قوله: أَوَلَمْ يَنظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ [الأعراف:185] أي: يتفكروا ويعتبروا.

وكذلك جاء في القرآن الكريم قول الله عز وجل: كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ [المطففين:15] أي الكفار، قال الشافعي رحمة الله عليه: فلما حجب هؤلاء في حال السخط، دل على أن أولياءه يرونه في حال الرضا.

وقال الله عز وجل: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ [يونس:26]، وقد جاء في السنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الحسنى هي الجنة، والزيادة هي النظر إلى وجه الله، كما في صحيح مسلم من حديث صهيب رضي الله تعالى عنه.

وكذلك قول الله عز وجل: لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ [الأنعام:103]، فإن هذه الآية تدل على أنه يُرى لكنه لا يحاط به رؤية، كما أنه يعلم ولا يحاط به علماً، فالناس يعلمون عن الله عز وجل ولكن لا يحيطون به علماً، وكذلك المؤمنون يرونه في ولا يحيطون به رؤية، فنفي الإدراك شيء خاص، وهو قدر زائد على الرؤية، ونفي الأخص لا يستلزم نفي الأعم، فإذا نفي الإدراك الذي هو الإحاطة، فإن نفيه لا يستلزم نفي الأعم الذي هو الرؤية، فإن الله تعالى يرى ولا يدرك.

ومن أهل العلم من قال: إن قوله: لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ أي: في الدنيا، فهي لا تدركه في الدنيا، وإنما تدركه في الآخرة.

الرد على منكري الرؤية

قوله تعالى: لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ هو مما يستدل به أهل البدع الذين ينفون الرؤية عن الله مطلقاً في الدنيا والآخرة، وهم المعتزلة والخوارج والجهمية وغيرهم من المبتدعة الذين يأخذون المتشابه ويتركون المحكم، ومن المحكم قوله: إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ [القيامة:23]، فإنه دليل صريح على إثبات الرؤية.

وكذلك يستدلون بقول الله عز وجل: وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي [الأعراف:143][الأعراف:143].

فموسى لما سمع كلام الله اشتاق إلى رؤيته، وطمع فيها فسألها، فقال له الله: لَنْ تَرَانِي أي: في الدنيا، وموسى عليه الصلاة والسلام ما سأل الله أمراً مستحيلاً لا يتصور حصوله، ومن المستحيل أن يكون موسى عليه الصلاة والسلام لا يعلم أن رؤيته تعالى مستحيلة ثم يسألها، وإنما سأل أمراً ممكناً وليس مستحيلاً، ولكن منعه الله مما سأل لكونه عز وجل شاء ألا يرى إلا في الدار الآخرة.

وأيضاً: أبصار الناس في هذه الحياة ليس عندها القدرة أمام تجلي الله عز وجل والنظر إليه، ولو أراد عز وجل لأعطاهم من القدرة في الدنيا ما يتمكنون به من رؤيته؛ ولهذا يعطيهم القدرة في الدار الآخرة.

ثم أيضاً علق ذلك على استقرار الجبل مكانه أمام تجلي الله عز وجل، ولكنه اندك، وإذا اندك الجبل مع صلابته وقوته ولم يثبت أمام تجلي الله عز وجل، فالإنسان الذي هو من لحم ودم وعظام أولى ألا يثبت، قال تعالى: لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ [الأعراف:143]، وعلى هذا فإن الآية لا تدل على نفي الرؤية عن الله عز وجل مطلقاً، وإنما تدل على النفي في الدنيا، وأما بالنسبة للآخرة فهي ثابتة بالآيات الواضحة الجلية، وبالأحاديث المتواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد بلغ عدد الصحابة الذين رووها عن رسول الله عليه الصلاة والسلام ما يقرب من ثلاثين صحابياً، وقد أورد ذلك ابن القيم رحمه الله في كتابه حادي الأرواح وذكر أسماء الصحابة أولاً، ثم سرد أحاديثهم.

معنى تشبيه رؤية الله برؤية القمر ليلة البدر

أورد أبو داود رحمه الله بعض الأحاديث في رؤية الله عز وجل في الدار الآخرة، فأورد أولاً حديث جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه.

قوله: [ كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جلوساً، فنظر إلى القمر ليلة البدر ] يعني: في ليلة من الليالي، وبين ذلك بأنه ليلة أربع عشرة من الشهر، وهي إحدى ليالي الإبدار؛ لأن ليالي الإبدار هي في الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر، حيث يكون القمر فيها مستديراً، ويكون ضوءه شديداً، وتستمر الإضاءة أكثر الليل.

قوله: [ فقال: (إنكم سترون ربكم كما ترون هذا لا تضامُّون في رؤيته) ] معناه: لا تتزاحمون على رؤيته، فلا يلتصق بعضكم ببعض وينضم بعضكم إلى بعض ليراه كل أحد، فإنكم كلكم ترونه، ومما يوضح ذلك ويقربه أن ذلك كما ترون هذا القمر.

وهذا تشبيه للرؤية بالرؤية وليس للمرئي بالمرئي، فليس تشبيهاً لله بالقمر، وإنما هو تشبيه لرؤية الله عز وجل التي تحصل في الآخرة بهذه الرؤية المحققة التي تحصل لكل أحد منكم، فهو من قبيل إثبات الرؤية وتشبيهها بالرؤية، وليس من قبيل تشبيه المرئي بالمرئي.

وفي بعض الروايات: (لا تُضَامُون في رؤيته) أي: لا يحصل الضيم لأحد منكم بأن لا تحصل له الرؤية، فرؤية الله عز وجل حاصلة للجميع في الآخرة كما أن رؤية القمر حاصلة في الدنيا، أي أنه يراه سبحانه وتعالى في الآخرة كل من شاء سبحانه أن يراه.

ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم أرشد إلى عمل من الأعمال الصالحة التي هي من أسباب تحصيل الثواب الجزيل، الذي أعلاه وقمته النظر إلى وجه الله سبحانه وتعالى، فقال: (فإن استطعتم ألا تغلبوا) معناه: إن استطعتم ألا يغلبكم أحد، وذلك بأن تكونوا من السابقين إلى الإتيان بهاتين الصلاتين: صلاة قبل غروب الشمس وصلاة قبل طلوعها، ومقصوده بذلك العصر والفجر، وكل الصلوات مطلوبة، ولكن هاتان الصلاتان نص عليهما لأنه يحصل فيها اجتماع الملائكة، كما ثبت في الصحيح: (يتعاقبون فيكم ملائكة في الليل وملائكة في النهار، ويجتمعون في صلاة العصر وصلاة الفجر) فيشهدهما الملائكة الذين يبدءون والذين ينتهون، فالذين يأتون يحضرون هذه الصلاة، والذين سيصعدون وقد انتهت مهمتهم يحضرون هذه الصلاة، فتجتمع المجموعتان من الملائكة المتعاقبة في هاتين الصلاتين.

ثم إن هاتين الصلاتين جاء التنصيص عليهما؛ لأن الفجر تكون في آخر الليل، عندما يكون الناس قد طاب لهم الفراش، ولذ لهم المنام، لاسيما إذا كان في الشتاء، فيكونون في مكان دافئ، والإنسان الذي يوفقه الله عز وجل يترك هذا الذي يعجبه وترتاح إليه نفسه من الدفء، ويسعى إلى الصلاة، ليحصِّل الأجر والثواب، ولهذا جاء في أذان الفجر: الصلاة خير من النوم، أي: الصلاة خير من النوم الذي طاب لكم وارتحتم إليه واستغرقتم فيه.

والعصر تكون في آخر النهار، أي وقد تعب الناس وكدحوا في الأعمال، فالذي لا يبالي ولا يهمه شأن الصلاة يمكن أن ينام ويتركها.

تراجم رجال إسناد حديث جرير بن عبد الله في الرؤية

قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ].

ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي ، وإلا النسائي فقد أخرج له في عمل اليوم والليلة.

[ حدثنا جرير ].

جرير بن عبد الحميد الضبي الكوفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ ووكيع ].

وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ وأبو أسامة ].

أبو أسامة حماد بن أسامة ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن إسماعيل بن أبي خالد ].

وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن قيس بن أبي حازم ].

وهو ثقة مخضرم، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو الذي قيل عنه: إنه تيسر له أن يروي عن العشرة المبشرين بالجنة أو غالبية العشرة المبشرين بالجنة.

[ عن جرير بن عبد الله ].

جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث أبي هريرة في الرؤية

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا إسحاق بن إسماعيل حدثنا سفيان عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه أنه سمعه يحدث عن أبي هريرة قال: قال ناس: (يا رسول الله! أنرى ربنا يوم القيامة؟ قال: هل تضارون في رؤية الشمس في الظهيرة ليست في سحابة؟ قالوا: لا، قال: هل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر ليس في سحابة؟ قالوا: لا، قال: والذي نفسي بيده! لا تضارون في رؤيته إلا كما تضارون في رؤية أحدهما) ].

أورد أبو داود حديث أبي هريرة وهو مثل الذي قبله، وفيه أنه صلى الله عليه وسلم سأله أصحابه رضي الله عنهم وأرضاهم: (أنرى ربنا يوم القيامة؟ فقال: هل تضارون في رؤية الشمس في الظهيرة ليست في سحاب؟)، يعني ليس هناك سحاب يمنع من رؤيتها، بل هي واضحة جلية، وذلك في منتصف النهار.

قوله: [ (هل تضارون) ] يعني: هل يضر بعضكم بعضاً من أجل أن تتمكنوا من رؤيتها، أم أن كلاً يراها دون أن يكون بحاجة إلى أن يزاحم غيره بحيث يتضرر به بسبب الازدحام؟

والمعروف أنهم يرون الشمس إذا لم يكن دونها سحاب بسهولة ويسر، وبدون تعب ومشقة، وبدون مضرة تحصل لأحد؛ لأنها في السماء، وهي آية من آيات الله، وإذا كان هذا في مخلوق من مخلوقات الله، فأولى أن يرى الله عز وجل وهو الخالق لكل شيء ولا يتضرر الناس في رؤيته.

وكذلك القول بالنسبة للقمر ليلة البدر ليس في سحاب، فهذا الحديث كالذي قبله فيه تشبيه الرؤية بالرؤية، وليس تشبيه المرئي بالمرئي.

ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم لما قرر لهم هذا الشيء وأخبرهم أنه لا يحصل لهم تضار في رؤية الشمس ولا رؤية القمر، أقسم وقال: (والذي نفسي بيده لا تضارون في رؤيته)، ومعناه: أن رؤية الله في الآخرة محققة لكم كما أن رؤيتكم للشمس والقمر في الدنيا محققة.

وهذا من كمال بيانه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، لأنه أثبت لهم الرؤية بهذا التمهيد الذي يتضح به الأمر، لأنهم لما سألوه عنها سألهم: هل يضارون في رؤية الشمس في الظهيرة؟ وهل يضارون في رؤية القمر ليلة البدر؟ ولما تقرر لهم أن هذا أمر محقق، قال: إن رؤيتكم لله عز وجل أمر محقق، كما أن هذا الذي تشاهدونه وتعاينونه أمر محقق، وهو عليه الصلاة والسلام أكمل الناس بياناً وأفصحهم لساناً.

تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة في الرؤية

قوله: [ حدثنا إسحاق بن إسماعيل ].

وهو ثقة، أخرج له أبو داود .

[ حدثنا سفيان ].

سفيان بن عيينة المكي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن سهيل بن أبي صالح ].

وهو صدوق، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، ورواية البخاري عنه مقرونة.

[ عن أبيه ].

أبو صالح السمان ، وهو ذكوان ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبي هريرة ].

عبد الرحمن بن صخر الدوسي ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق، رضي الله عنه وأرضاه.

شرح حديث أبي رزين في الرؤية

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد ، ح وحدثنا عبيد الله بن معاذ حدثنا أبي حدثنا شعبة المعنى، عن يعلى بن عطاء عن وكيع -قال موسى : ابن عدس - عن أبي رزين -قال موسى : العقيلي - قال: قلت يا رسول الله، أكلنا يرى ربه، قال ابن معاذ : مخلياً به يوم القيامة؟ وما آية ذلك في خلقه؟ قال: (يا أبا رزين ! أليس كلكم يرى القمر، قال ابن معاذ : ليلة البدر مخلياً به؟ -ثم اتفقا- قلت: بلى، قال: فالله أعظم، قال ابن معاذ : قال: فإنما هو خلق من خلق الله، فالله أجل وأعظم) ].

أورد أبو داود حديث أبي رزين العقيلي رضي الله عنه، أنه قال: قلت يا رسول الله! أكلنا يرى ربه قال ابن معاذ : مخلياً به يوم القيامة؟

يعني أن في رواية ابن معاذ زيادة: (مخلياً به يوم القيامة) أي: رؤية مستقلة، وليس معنى ذلك أنه لا يشاركه أحد في الرؤية، ولكنه يراه كل أحد وهو في موقعه وفي مكانه، كما أن القمر يراه كل أحد وهو في مكانه، فيراه وهو خال وحده، ويراه ومعه غيره، وإذا كانوا مع بعض لا يتزاحمون، ويراه المسافر في الفلاة، ويراه الذي يكون نازلاً في البر، والذي يكون في المدن أو في أي مكان؛ لأنه فوق الجميع.

قوله: [ (وما آية ذلك في خلقه؟) ] أي: ما علامة هذه الرؤية في خلق الله عز وجل؟ وهذا السؤال فيه بيان أنه طلب منه أن يوضح له ذلك بمثال من آيات الله عز وجل، ومن آيات الله عز وجل الليل والنهار والشمس والقمر، فالشمس والقمر هما من آيات الله الدالة على كمال قدرته، فطلب آية من آيات الله الكونية، والآية هي العلامة، فهو يريد أن يعرف علامة في الخلق ومثالاً يوضح أن رؤية الله يوم القيامة تتحقق كما يتحقق الشيء الذي يضرب به المثل، فالنبي صلى الله عليه وسلم بيَّن ما يحصل لهم في القمر، وأنه يراه كل أحد مخلياً به، وكذلك تكون رؤية الله يوم القيامة، بل قد قال ما يوضح أنها أولى فقال: (فالله أعظم).

تراجم رجال إسناد حديث أبي رزين في الرؤية

قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ].

موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا حماد ].

حماد بن سلمة بن دينار البصري ، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.

[ وحدثنا عبيد الله بن معاذ ].

هو عبيد الله بن معاذ العنبري ، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي .

[ حدثنا أبي ].

معاذ بن معاذ العنبري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا شعبة ].

شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[ عن يعلى بن عطاء ].

وهو ثقة أخرج له البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن.

[ عن وكيع ، قال : موسى : ابن عدس ].

أي: موسى بن إسماعيل الذي هو الشيخ الأول، والمعنى أنه نسبه فقال : وكيع بن عدس ، وأما عبيد الله بن معاذ فقد قال : (عن وكيع) فقط، ولم ينسبه، فـأبو داود لما ذكر رواية الشيخين ذكر الذي نسبه والذي لم ينسبه.

ووكيع بن عدس مقبول، أخرج له أصحاب السنن.

[ عن أبي رزين قال موسى : العقيلي ].

وهو لقيط بن صبرة العقيلي ، وهو صحابي، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن.

وموسى نسب أبا رزين هنا فقال: العقيلي ، كما نسب وكيعاً ، وأما ابن معاذ فإنه لم ينسبهما، وهذا فيه بيان دقة المحدثين، وأن الشخص إذا حصل منه تميز في شيء فإنهم ينبهون على ذلك.


استمع المزيد من الشيخ عبد المحسن العباد - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح سنن أبي داود [139] 2890 استماع
شرح سنن أبي داود [462] 2842 استماع
شرح سنن أبي داود [106] 2835 استماع
شرح سنن أبي داود [032] 2731 استماع
شرح سنن أبي داود [482] 2702 استماع
شرح سنن أبي داود [529] 2693 استماع
شرح سنن أبي داود [555] 2686 استماع
شرح سنن أبي داود [177] 2679 استماع
شرح سنن أبي داود [097] 2654 استماع
شرح سنن أبي داود [273] 2650 استماع