شرح سنن أبي داود [345]


الحلقة مفرغة

شرح حديث (ألا كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ كتاب الخراج والإمارة والفيء.

باب ما يلزم الإمام من حق الرعية.

حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (ألا كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته، فالأمير الذي على الناس راع عليهم، وهو مسئول عنهم، والرجل راع على أهل بيته، وهو مسئول عنهم، والمرأة راعية على بيت بعلها وولده، وهي مسئولة عنهم، والعبد راع على مال سيده، وهو مسئول عنه، فكلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته) ].

يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: كتاب الخراج والإمارة والفيء، هذه الترجمة لثلاثة أشياء: الأول والأخير يتعلقان بالمال، والثاني يتعلق بالإمارة والولاية.

والخراج يطلق ويراد به المال الذي يأتي مما يصالح عليه الكفار من جزية وغيرها، كما أن الخراج يطلق أيضاً على ما يتفق السيد مع عبده على أن يأتي به من مقدار معين.

والفيء: هو ما يحصل عليه المسلمون من الكفار من غير قتال، فهو ما أوجف الله عز وجل عليهم من غير قتال، والذي يكون بالقتال غنيمة، والذي يكون بدون قتال فيء، وقد تدخل الجزية تحت ما يحصل عليه المسلمون من الكفار من غير قتال.

أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة وهي: باب ما يلزم الإمام من حق الرعية، يعني: ما يلزم الوالي والأمير لرعيته، أي: ما يكون عليه من الحقوق لهم، والمقصود من ذلك كونه يعمل ما فيه مصالحهم، وما فيه جلب الخير لهم، ودفع الضر عنهم، وإقامة أمور دينهم ودنياهم؛ لأن الإمارة والخلافة والولاية هي ولاية عامة يقصد بها إقامة الدين ورعاية مصالح الأمة، فيجب أن يكون قائماً بأمور دينهم ودنياهم، ويعمل على ما فيه صلاحهم في دينهم ودنياهم، وعلى ما فيه الخير لهم في دينهم ودنياهم، وهذا هو مجمل حق الرعية على الراعي أو الأمة على الإمام أو المأمورين على الأمير.

والولاية متفاوتة بعضها أوسع من بعض، فالولاية العامة تكون للخليفة الذي يكون مسئولاً عن الرعية، ويعين الأمراء ويعين الولاة على المدن والقرى والأقاليم، ويكون مسئولاً عن الجميع، فكل إمارة وكل ولاية فذلك الوالي مسئول عما استرعاه الله عز وجل، فالإمام يكون مسئولاً عن كامل الرعية، وعن الأمراء الذين يوليهم عن الرعية، وكل أمير مسئول في حدود ولايته عن الجماعة الذين استرعي عليهم، وصار أميراً عليهم، فالإمارة تشمل الإمارة العامة التي تكون للخليفة، ويكون هو المسئول الأول في البلاد، وتشمل الأمراء الذين يعينهم الإمام على النواحي أو المدن أو القرى، فإن كل واحد منهم يقال له: أمير، وكل منهم مسئول في حدود ولايته وإمارته، وبعضها يكون أوسع من بعض، وبعضها أكبر من بعض، فالإمام الأعظم هو المسئول الأول عن الجميع، وكل أمير مسئول عن الناحية التي ولي عليها سواءً كانت إقليماً أو مدينة أو قرية.

أورد أبو داود حديث عمر رضي الله تعالى عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ألا كلكم راع ومسئول عن رعيته) وهذا لفظ عام فصله بقوله: (فالأمير الذي على الناس راع عليهم، وهو مسئول عنهم)، والأمير يشمل الأمير العام الذي هو الخليفة والمسئول الأول في البلاد، ويشمل الأمراء الذين يعينهم ويوليهم على النواحي والأقاليم والمدن والقرى، فكل واحد من هؤلاء الأمراء مسئول عن رعيته، فالأمير على قرية مسئول على القرية وأهل القرية، والأمير على المدينة كذلك، والأمير على إقليم وناحية كذلك، والذي يكون مسئولاً عن الجميع هو الإمام الأعظم والخليفة.

وقوله: (فالأمير الذي على الناس راع ومسئول عنهم) يشمل من كان خليفة أو كان أميراً على جماعة من الناس في إقليم أو مدينة أو قرية، كل هؤلاء يندرجون تحت لفظ الأمير، وهم مسئولون عن ولايتهم، ومعنى ذلك أنهم مسئولون يوم القيامة عما استرعاهم الله عز وجل عليه، ويلزم كلاً منهم النصح لمن كان والياً عليهم، فيعمل على تحصيل كل خير لهم، ودفع كل شر عنهم، ويعمل على ما فيه صلاح دينهم ودنياهم، وكل ذلك من واجبات الإمام ومن واجبات الأمير، فهذا هو واجبه، وهو مسئول عن أداء هذا الواجب يوم القيامة، فهو راع ومسئول عن رعيته.

قوله: (والرجل راع في أهل بيته) هذه ولاية خاصة، فالرجل مسئول عن أهل بيته، وهم رعيته، وهو مسئول عما استرعاه الله من أولاده ونسائه ومن يكون تحت ولايته في بيته، فيجب عليه أن يعمل ما فيه خيرهم في دينهم ودنياهم، بأن ينفق عليهم، ويحسن إليهم، ويعاملهم المعاملة الطيبة، ويعمل على استقامة أمورهم، وعلى قيامهم بأمور دينهم، وكل ذلك مسئول عنه صاحب البيت، وهذه ولاية خاصة، ولهذا له أن يؤدب بيده أبناءه وبناته، وهو من أهل اليد وأهل السلطة والولاية في ذلك، فهو راع ومسئول عن رعيته يوم القيامة، هل أدى ما يجب عليه نحو من ولاه الله عليهم وهم أهل بيته من الإنفاق عليهم، والإحسان إليهم، والقيام بشئون دينهم ودنياهم، وما يتعلق بأمور دينهم ودنياهم؟

فإن أحسن فإنه يحسن لنفسه، وإن أساء فإنه يسيء عليها، ويعاقب على إساءته؛ لإخلاله بما أوجبه الله عليه من رعاية أهل بيته والقيام بشئونهم، وما يصلح أمور دينهم وديناهم.

قوله: (والمرأة راعية على بيت بعلها وولده وهي مسئولة عنهم) يعني: مسئولة عن قيامها بما هو واجب عليها في البيت من تدبير أمور البيت على الوجه المشروع، ومن رعاية الأولاد وتربيتهم وتنشئتهم، والإحسان إليهم، فهي مسئولة عن ذلك، ومسئولة عن رعيتها يوم القيامة.

قوله: (والعبد راع في مال سيده ومسئول عن ذلك يوم القيامة) يعني في الشيء الذي جعل تحت ولايته، ووكل إليه سيده القيام به، فهو مسئول عنه، فإن قام به على الوجه المشروع فإنه يسلم يوم القيامة، وإن خان وغير وبدل فإنه يؤاخذ على ذلك يوم القيامة.

قوله: (فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته) ختم الحديث بما بدأ به؛ لأنه بدأ بهذا التعميم، ثم فصل ثم ختم بالتعميم، وهذا كله لتأكيد أمر الولاية، وأن كل إنسان مسئول عما ولاه الله عليه، وما جعل إليه، وليس هذا مقصوراً على هذه الأصناف الأربعة، بل يعم كل من يكون مسئولاً عن شيء، ومن يكون والياً على شيء، سواءً كان أميراً أو موظفاً أو ما إلى ذلك، فإنه مسئول عما وكل إليه ومن يكون تحت ولايته من الموظفين.

وهذا الحديث من جوامع كلم الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، وفيه الإجمال والتفصيل، أجمل في الأول وفي الآخر، والإجمال في الآخر من باب التأكيد، وفصل في الوسط بأن ذكر أمثلة من الولاة، وهم: الأمير، وصاحب البيت، والمرأة في بيت زوجها، والعبد في مال سيده.

تراجم رجال إسناد حديث (ألا كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته)

قوله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة ].

عبد الله بن مسلمة القعنبي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .

[ عن مالك ].

مالك بن أنس إمام دار الهجرة، المحدث الفقيه الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[ عن عبد الله بن دينار ].

عبد الله بن دينار وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عبد الله بن عمر ].

عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وهذا الإسناد من الرباعيات عند أبي داود ، وهي أعلى الأسانيد عند أبي داود رحمه الله.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ كتاب الخراج والإمارة والفيء.

باب ما يلزم الإمام من حق الرعية.

حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (ألا كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته، فالأمير الذي على الناس راع عليهم، وهو مسئول عنهم، والرجل راع على أهل بيته، وهو مسئول عنهم، والمرأة راعية على بيت بعلها وولده، وهي مسئولة عنهم، والعبد راع على مال سيده، وهو مسئول عنه، فكلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته) ].

يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: كتاب الخراج والإمارة والفيء، هذه الترجمة لثلاثة أشياء: الأول والأخير يتعلقان بالمال، والثاني يتعلق بالإمارة والولاية.

والخراج يطلق ويراد به المال الذي يأتي مما يصالح عليه الكفار من جزية وغيرها، كما أن الخراج يطلق أيضاً على ما يتفق السيد مع عبده على أن يأتي به من مقدار معين.

والفيء: هو ما يحصل عليه المسلمون من الكفار من غير قتال، فهو ما أوجف الله عز وجل عليهم من غير قتال، والذي يكون بالقتال غنيمة، والذي يكون بدون قتال فيء، وقد تدخل الجزية تحت ما يحصل عليه المسلمون من الكفار من غير قتال.

أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة وهي: باب ما يلزم الإمام من حق الرعية، يعني: ما يلزم الوالي والأمير لرعيته، أي: ما يكون عليه من الحقوق لهم، والمقصود من ذلك كونه يعمل ما فيه مصالحهم، وما فيه جلب الخير لهم، ودفع الضر عنهم، وإقامة أمور دينهم ودنياهم؛ لأن الإمارة والخلافة والولاية هي ولاية عامة يقصد بها إقامة الدين ورعاية مصالح الأمة، فيجب أن يكون قائماً بأمور دينهم ودنياهم، ويعمل على ما فيه صلاحهم في دينهم ودنياهم، وعلى ما فيه الخير لهم في دينهم ودنياهم، وهذا هو مجمل حق الرعية على الراعي أو الأمة على الإمام أو المأمورين على الأمير.

والولاية متفاوتة بعضها أوسع من بعض، فالولاية العامة تكون للخليفة الذي يكون مسئولاً عن الرعية، ويعين الأمراء ويعين الولاة على المدن والقرى والأقاليم، ويكون مسئولاً عن الجميع، فكل إمارة وكل ولاية فذلك الوالي مسئول عما استرعاه الله عز وجل، فالإمام يكون مسئولاً عن كامل الرعية، وعن الأمراء الذين يوليهم عن الرعية، وكل أمير مسئول في حدود ولايته عن الجماعة الذين استرعي عليهم، وصار أميراً عليهم، فالإمارة تشمل الإمارة العامة التي تكون للخليفة، ويكون هو المسئول الأول في البلاد، وتشمل الأمراء الذين يعينهم الإمام على النواحي أو المدن أو القرى، فإن كل واحد منهم يقال له: أمير، وكل منهم مسئول في حدود ولايته وإمارته، وبعضها يكون أوسع من بعض، وبعضها أكبر من بعض، فالإمام الأعظم هو المسئول الأول عن الجميع، وكل أمير مسئول عن الناحية التي ولي عليها سواءً كانت إقليماً أو مدينة أو قرية.

أورد أبو داود حديث عمر رضي الله تعالى عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ألا كلكم راع ومسئول عن رعيته) وهذا لفظ عام فصله بقوله: (فالأمير الذي على الناس راع عليهم، وهو مسئول عنهم)، والأمير يشمل الأمير العام الذي هو الخليفة والمسئول الأول في البلاد، ويشمل الأمراء الذين يعينهم ويوليهم على النواحي والأقاليم والمدن والقرى، فكل واحد من هؤلاء الأمراء مسئول عن رعيته، فالأمير على قرية مسئول على القرية وأهل القرية، والأمير على المدينة كذلك، والأمير على إقليم وناحية كذلك، والذي يكون مسئولاً عن الجميع هو الإمام الأعظم والخليفة.

وقوله: (فالأمير الذي على الناس راع ومسئول عنهم) يشمل من كان خليفة أو كان أميراً على جماعة من الناس في إقليم أو مدينة أو قرية، كل هؤلاء يندرجون تحت لفظ الأمير، وهم مسئولون عن ولايتهم، ومعنى ذلك أنهم مسئولون يوم القيامة عما استرعاهم الله عز وجل عليه، ويلزم كلاً منهم النصح لمن كان والياً عليهم، فيعمل على تحصيل كل خير لهم، ودفع كل شر عنهم، ويعمل على ما فيه صلاح دينهم ودنياهم، وكل ذلك من واجبات الإمام ومن واجبات الأمير، فهذا هو واجبه، وهو مسئول عن أداء هذا الواجب يوم القيامة، فهو راع ومسئول عن رعيته.

قوله: (والرجل راع في أهل بيته) هذه ولاية خاصة، فالرجل مسئول عن أهل بيته، وهم رعيته، وهو مسئول عما استرعاه الله من أولاده ونسائه ومن يكون تحت ولايته في بيته، فيجب عليه أن يعمل ما فيه خيرهم في دينهم ودنياهم، بأن ينفق عليهم، ويحسن إليهم، ويعاملهم المعاملة الطيبة، ويعمل على استقامة أمورهم، وعلى قيامهم بأمور دينهم، وكل ذلك مسئول عنه صاحب البيت، وهذه ولاية خاصة، ولهذا له أن يؤدب بيده أبناءه وبناته، وهو من أهل اليد وأهل السلطة والولاية في ذلك، فهو راع ومسئول عن رعيته يوم القيامة، هل أدى ما يجب عليه نحو من ولاه الله عليهم وهم أهل بيته من الإنفاق عليهم، والإحسان إليهم، والقيام بشئون دينهم ودنياهم، وما يتعلق بأمور دينهم ودنياهم؟

فإن أحسن فإنه يحسن لنفسه، وإن أساء فإنه يسيء عليها، ويعاقب على إساءته؛ لإخلاله بما أوجبه الله عليه من رعاية أهل بيته والقيام بشئونهم، وما يصلح أمور دينهم وديناهم.

قوله: (والمرأة راعية على بيت بعلها وولده وهي مسئولة عنهم) يعني: مسئولة عن قيامها بما هو واجب عليها في البيت من تدبير أمور البيت على الوجه المشروع، ومن رعاية الأولاد وتربيتهم وتنشئتهم، والإحسان إليهم، فهي مسئولة عن ذلك، ومسئولة عن رعيتها يوم القيامة.

قوله: (والعبد راع في مال سيده ومسئول عن ذلك يوم القيامة) يعني في الشيء الذي جعل تحت ولايته، ووكل إليه سيده القيام به، فهو مسئول عنه، فإن قام به على الوجه المشروع فإنه يسلم يوم القيامة، وإن خان وغير وبدل فإنه يؤاخذ على ذلك يوم القيامة.

قوله: (فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته) ختم الحديث بما بدأ به؛ لأنه بدأ بهذا التعميم، ثم فصل ثم ختم بالتعميم، وهذا كله لتأكيد أمر الولاية، وأن كل إنسان مسئول عما ولاه الله عليه، وما جعل إليه، وليس هذا مقصوراً على هذه الأصناف الأربعة، بل يعم كل من يكون مسئولاً عن شيء، ومن يكون والياً على شيء، سواءً كان أميراً أو موظفاً أو ما إلى ذلك، فإنه مسئول عما وكل إليه ومن يكون تحت ولايته من الموظفين.

وهذا الحديث من جوامع كلم الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، وفيه الإجمال والتفصيل، أجمل في الأول وفي الآخر، والإجمال في الآخر من باب التأكيد، وفصل في الوسط بأن ذكر أمثلة من الولاة، وهم: الأمير، وصاحب البيت، والمرأة في بيت زوجها، والعبد في مال سيده.

قوله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة ].

عبد الله بن مسلمة القعنبي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .

[ عن مالك ].

مالك بن أنس إمام دار الهجرة، المحدث الفقيه الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[ عن عبد الله بن دينار ].

عبد الله بن دينار وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عبد الله بن عمر ].

عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وهذا الإسناد من الرباعيات عند أبي داود ، وهي أعلى الأسانيد عند أبي داود رحمه الله.

شرح حديث (يا عبد الرحمن بن سمرة لا تسأل الإمارة)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ما جاء في طلب الإمارة.

حدثنا محمد بن الصباح البزاز حدثنا هشيم أخبرنا يونس ومنصور عن الحسن عن عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه أنه قال: قال لي النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (يا عبد الرحمن بن سمرة ! لا تسأل الإمارة، فإنك إذا أعطيتها عن مسألة وكلت فيها إلى نفسك، وإن أعطيتها عن غير مسألة أعنت عليها) ].

أورد أبو داود باب ما جاء في طلب الإمارة أي: كراهية ذلك، ولا ينبغي أن الإنسان يحرص على الإمارة ويسعى في تحصيلها، ويسعى أن يكون مسئولاً وأميراً أو والياً على أحد من الناس وإن لم يكن أميراً؛ لأن هذا كله مما فيه تبعة كبيرة، ومسئولية عظيمة، والإنسان إذا حرص على شيء ورغب فيه، وسعى جاهداً للحصول عليه، قد لا يوفق في ذلك، ويوكل إلى نفسه، وإذا لم يكن حريصاً على الإمارة أو الولاية، وليس راغباً فيها، وأسندت إليه؛ فذلك مظنة أن يحصل له العون عليها؛ لأنه ما سعى فيها حتى يوكل إليها، وإنما بلي بها وأسندت إليه دون طلب منه.

أورد أبو داود حديث عبد الرحمن بن سمرة رضي الله تعالى عنه: أن النبي عليه الصلاة والسلام قال له: [ (يا عبد الرحمن بن سمرة ! لا تسأل الإمارة فإنك إذا أعطيتها عن مسألة وكلت فيها إلى نفسك) ] يعني: لا تطلبها وتسعى إلى أن تكون أميراً (فإنك إن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها) معناه: أن الإنسان لا يحصل له تسديد وتوفيق في هذه المهمة التي وكلت إليه برغبة منه وبطلب منه، (وإن أعطيتها من غير مسألة أعنت عليها)؛ لأنه ما شغل نفسه بها، ولا فكر فيها، ولا اجتهد فيها، ولكنه اختير لأن يقوم بهذه المهمة، فيكون ذلك من أسباب عونه وتوفيقه من الله عز وجل، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: (وإن أعطيتها من غير مسألة أعنت عليها)، فالذي يطلب الولاية يكون عنده رغبة في العلو وفي التسلط والتولي والولاية؛ حتى يكون الناس تبعاً له، والذي ما حصل منه السعي من ذلك، ويتخوف ويخشى من المسئولية والتبعة؛ فإنه إذا أسندت إليه يكون ذلك من أسباب عونه وتسديده، وكونه يخاف يجعله يجتهد في الإصلاح وفي القيام بالواجب حتى لا يحصل له ضرر يوم القيامة؛ لكونه يجازى على ما يحصل منه من إخلال ومن تقصير.

وأيضاً جاء في الحديث: (من تواضع لله رفعه الله).

هذا التوجيه من النبي الكريم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه فيه بيان أن طلب الإمارة يأتي بالمضرة، وقد لا يوفق الإنسان في مهمته، والإنسان الذي أعطي الإمارة من غير مسألة يعان على ذلك، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يعطي الإمارة من يطلبها لئلا يوكل إليها، ويعطيها من لا يطلبها كما سيأتي في حديث أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه.

تراجم رجال إسناد حديث (يا عبد الرحمن بن سمرة لا تسأل الإمارة)

قوله: [ قال: حدثنا محمد بن الصباح البزاز ].

محمد بن الصباح البزاز ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا هشيم ].

هشيم بن بشير الواسطي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ أخبرنا يونس ومنصور ].

يونس بن عبيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

و منصور بن زاذان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن الحسن ].

الحسن بن أبي الحسن البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عبد الرحمن بن سمرة ].

عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث (إن أخونكم عندنا من طلبه)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا وهب بن بقية حدثنا خالد عن إسماعيل بن أبي خالد عن أخيه عن بشر بن قرة الكلبي عن أبي بردة عن أبي موسى رضي الله عنه أنه قال: (انطلقت مع رجلين إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فتشهد أحدهما ثم قال: جئنا لتستعين بنا على عملك، وقال الآخر مثل قول صاحبه، فقال: إن أخونكم عندنا من طلبه، فاعتذر أبو موسى إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقال: لم أعلم لما جاءا له، فلم يستعن بهما على شيء حتى مات) ].

أورد أبو داود حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أنه جاء ومعه اثنان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فطلبا الولاية؛ فقال عليه الصلاة والسلام: (إن أخونكم عندنا من طلبه) يعني: من طلب الولاية، وهذا اللفظ جاء في هذه الرواية، وقد جاء الحديث في الصحيحين وفي غيرهما بغير هذا اللفظ، وليس فيه ذكر الخيانة، ولكنه لم يولهما، وقد ولى أبا موسى الأشعري الذي ما طلب الولاية.

وفي الصحيحين أن أبا موسى جاء ومعه اثنان من الأشعريين وهو بينهما، واحد عن يمينه وواحد عن شماله حتى وصلوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فطلب كل واحد منهما الإمارة، فـأبو موسى أراد أن يدافع عن نفسه وخشي أن يظن أن مراده مرادهم، فقال: إنني ما علمت بالشيء الذي أراداه، يعني ما علم بالشيء الذي كان في أنفسهما، وهو ما طلباه من النبي صلى الله عليه وسلم، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنا لا نولي هذا الأمر أحداً طلبه)، وولى أبا موسى الأشعري ولم يولهما.

فالحديث ثابت في مجيء أبي موسى ومعه اثنان، وأنهما طلبا الولاية، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يولهما وولاه، وأما قوله: (إن أخونكم عندنا من طلبه) فهذا جاء في هذه الرواية من هذا الطريق، وفيه مخالفة لرواية الثقات الذين رووه بدون ذلك، فهي من قبيل رواية الضعيف المخالف للثقات، فيكون هذا اللفظ من قبيل المنكر؛ لأن مخالفة الضعيف للثقة يسمى منكراً، ومخالفة الثقة لمن هو أوثق منه يسمى شاذاً، وهذا من قبيل مخالفة الضعيف للثقة؛ لأن إسماعيل بن أبي خالد يروي عن أخيه، وأخوه مبهم غير معلوم، وله عدة إخوة يروي عنهم.

تراجم رجال إسناد حديث (إن أخونكم عندنا من طلبه)

قوله: [ حدثنا وهب بن بقية ].

وهب بن بقية الواسطي ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي .

[ حدثنا خالد ].

خالد بن عبد الله الطحان الواسطي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن إسماعيل بن أبي خالد ].

إسماعيل بن أبي خالد الأحمسي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أخيه ].

أخوه غير معروف.

[ عن بشر بن قرة ].

بشر بن قرة الكلبي صدوق، أخرج له أبو داود والنسائي .

[ عن أبي بردة ].

أبو بردة بن أبي موسى الأشعري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبي موسى الأشعري ].

أبو موسى الأشعري عبد الله بن قيس رضي الله تعالى عنه، وهو مشهور بكنيته ونسبته، وهو صحابي جليل، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ما جاء في طلب الإمارة.

حدثنا محمد بن الصباح البزاز حدثنا هشيم أخبرنا يونس ومنصور عن الحسن عن عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه أنه قال: قال لي النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (يا عبد الرحمن بن سمرة ! لا تسأل الإمارة، فإنك إذا أعطيتها عن مسألة وكلت فيها إلى نفسك، وإن أعطيتها عن غير مسألة أعنت عليها) ].

أورد أبو داود باب ما جاء في طلب الإمارة أي: كراهية ذلك، ولا ينبغي أن الإنسان يحرص على الإمارة ويسعى في تحصيلها، ويسعى أن يكون مسئولاً وأميراً أو والياً على أحد من الناس وإن لم يكن أميراً؛ لأن هذا كله مما فيه تبعة كبيرة، ومسئولية عظيمة، والإنسان إذا حرص على شيء ورغب فيه، وسعى جاهداً للحصول عليه، قد لا يوفق في ذلك، ويوكل إلى نفسه، وإذا لم يكن حريصاً على الإمارة أو الولاية، وليس راغباً فيها، وأسندت إليه؛ فذلك مظنة أن يحصل له العون عليها؛ لأنه ما سعى فيها حتى يوكل إليها، وإنما بلي بها وأسندت إليه دون طلب منه.

أورد أبو داود حديث عبد الرحمن بن سمرة رضي الله تعالى عنه: أن النبي عليه الصلاة والسلام قال له: [ (يا عبد الرحمن بن سمرة ! لا تسأل الإمارة فإنك إذا أعطيتها عن مسألة وكلت فيها إلى نفسك) ] يعني: لا تطلبها وتسعى إلى أن تكون أميراً (فإنك إن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها) معناه: أن الإنسان لا يحصل له تسديد وتوفيق في هذه المهمة التي وكلت إليه برغبة منه وبطلب منه، (وإن أعطيتها من غير مسألة أعنت عليها)؛ لأنه ما شغل نفسه بها، ولا فكر فيها، ولا اجتهد فيها، ولكنه اختير لأن يقوم بهذه المهمة، فيكون ذلك من أسباب عونه وتوفيقه من الله عز وجل، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: (وإن أعطيتها من غير مسألة أعنت عليها)، فالذي يطلب الولاية يكون عنده رغبة في العلو وفي التسلط والتولي والولاية؛ حتى يكون الناس تبعاً له، والذي ما حصل منه السعي من ذلك، ويتخوف ويخشى من المسئولية والتبعة؛ فإنه إذا أسندت إليه يكون ذلك من أسباب عونه وتسديده، وكونه يخاف يجعله يجتهد في الإصلاح وفي القيام بالواجب حتى لا يحصل له ضرر يوم القيامة؛ لكونه يجازى على ما يحصل منه من إخلال ومن تقصير.

وأيضاً جاء في الحديث: (من تواضع لله رفعه الله).

هذا التوجيه من النبي الكريم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه فيه بيان أن طلب الإمارة يأتي بالمضرة، وقد لا يوفق الإنسان في مهمته، والإنسان الذي أعطي الإمارة من غير مسألة يعان على ذلك، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يعطي الإمارة من يطلبها لئلا يوكل إليها، ويعطيها من لا يطلبها كما سيأتي في حديث أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه.

قوله: [ قال: حدثنا محمد بن الصباح البزاز ].

محمد بن الصباح البزاز ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا هشيم ].

هشيم بن بشير الواسطي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ أخبرنا يونس ومنصور ].

يونس بن عبيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

و منصور بن زاذان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن الحسن ].

الحسن بن أبي الحسن البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عبد الرحمن بن سمرة ].

عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا وهب بن بقية حدثنا خالد عن إسماعيل بن أبي خالد عن أخيه عن بشر بن قرة الكلبي عن أبي بردة عن أبي موسى رضي الله عنه أنه قال: (انطلقت مع رجلين إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فتشهد أحدهما ثم قال: جئنا لتستعين بنا على عملك، وقال الآخر مثل قول صاحبه، فقال: إن أخونكم عندنا من طلبه، فاعتذر أبو موسى إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقال: لم أعلم لما جاءا له، فلم يستعن بهما على شيء حتى مات) ].

أورد أبو داود حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أنه جاء ومعه اثنان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فطلبا الولاية؛ فقال عليه الصلاة والسلام: (إن أخونكم عندنا من طلبه) يعني: من طلب الولاية، وهذا اللفظ جاء في هذه الرواية، وقد جاء الحديث في الصحيحين وفي غيرهما بغير هذا اللفظ، وليس فيه ذكر الخيانة، ولكنه لم يولهما، وقد ولى أبا موسى الأشعري الذي ما طلب الولاية.

وفي الصحيحين أن أبا موسى جاء ومعه اثنان من الأشعريين وهو بينهما، واحد عن يمينه وواحد عن شماله حتى وصلوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فطلب كل واحد منهما الإمارة، فـأبو موسى أراد أن يدافع عن نفسه وخشي أن يظن أن مراده مرادهم، فقال: إنني ما علمت بالشيء الذي أراداه، يعني ما علم بالشيء الذي كان في أنفسهما، وهو ما طلباه من النبي صلى الله عليه وسلم، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنا لا نولي هذا الأمر أحداً طلبه)، وولى أبا موسى الأشعري ولم يولهما.

فالحديث ثابت في مجيء أبي موسى ومعه اثنان، وأنهما طلبا الولاية، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يولهما وولاه، وأما قوله: (إن أخونكم عندنا من طلبه) فهذا جاء في هذه الرواية من هذا الطريق، وفيه مخالفة لرواية الثقات الذين رووه بدون ذلك، فهي من قبيل رواية الضعيف المخالف للثقات، فيكون هذا اللفظ من قبيل المنكر؛ لأن مخالفة الضعيف للثقة يسمى منكراً، ومخالفة الثقة لمن هو أوثق منه يسمى شاذاً، وهذا من قبيل مخالفة الضعيف للثقة؛ لأن إسماعيل بن أبي خالد يروي عن أخيه، وأخوه مبهم غير معلوم، وله عدة إخوة يروي عنهم.

قوله: [ حدثنا وهب بن بقية ].

وهب بن بقية الواسطي ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي .

[ حدثنا خالد ].

خالد بن عبد الله الطحان الواسطي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن إسماعيل بن أبي خالد ].

إسماعيل بن أبي خالد الأحمسي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أخيه ].

أخوه غير معروف.

[ عن بشر بن قرة ].

بشر بن قرة الكلبي صدوق، أخرج له أبو داود والنسائي .

[ عن أبي بردة ].

أبو بردة بن أبي موسى الأشعري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبي موسى الأشعري ].

أبو موسى الأشعري عبد الله بن قيس رضي الله تعالى عنه، وهو مشهور بكنيته ونسبته، وهو صحابي جليل، أخرج له أصحاب الكتب الستة.