شرح سنن أبي داود [150]


الحلقة مفرغة

شرح حديث معاذ بن جبل في الجمع بين الصلاتين في السفر

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الجمع بين الصلاتين.

حدثنا القعنبي عن مالك عن أبي الزبير المكي عن أبي الطفيل عامر بن واثلة أن معاذ بن جبل رضي الله عنهما أخبرهم: (أنهم خرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، فأخر الصلاة يوماً، ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعاً، ثم دخل، ثم خرج فصلى المغرب والعشاء جميعاً) ].

يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله: باب الجمع بين الصلاتين، وأطلق ذلك، ولم يقل: (في السفر)، وإن كانت التراجم هي تتعلق بالسفر، حيث ترجم تفريع أبواب صلاة السفر، ولكنه أطلق الترجمة في قوله: الجمع بين الصلاتين؛ لأنه ذكر تحت هذه الترجمة الجمع في السفر وغير السفر، فلم يكن مقيداً ذلك بالسفر، وإنما أورد الأحاديث التي فيها الجمع في السفر والحضر.

والجمع بين الصلاتين في السفر ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع تقديم وجمع تأخير إذا كان سائراً، فإنه كان يجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء إذا جد به السير، وأما إذا كان مقيماً وهو مسافر فإن الأولى له أن لا يجمع؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام كان في حجة الوداع في الأبطح وفي منى يقصر ولا يجمع، يصلي كل صلاة في وقتها، ويقصر الرباعية ولا يجمع بينهما، فدل هذا على أن ترك الجمع أولى في حال إقامة المسافر، وكونه مستقراً ونازلاً.

وأما إذا كان سائراً وقد جد به السير فإنه يجمع، وقد كان عليه الصلاة والسلام إذا كان نازلاً إذا زاغت الشمس صلى الظهر والعصر، وإذا كان سائراً قبل أن تزيغ الشمس واصل سير حتى يأتي وقت العصر فينزل فيصلي الظهر والعصر جمعاً، أي: جمع تأخير.

وإذا كان نازلاً في السفر جاز له أن يجمع في حال إقامته وهو مسافر، أي: لم يكن الأمر أو مرتبطاً بأن يكون سائراً وجاداً به السير، ولكنه يجوز له ذلك إذا كان مقيماً، وإن كان الغالب على فعله صلى الله عليه وسلم هو القصر بدون الجمع، إلا أنه جاء عنه ما يدل على الجواز، فيدل على أن ذلك جائز، ولكن تركه أولى؛ لأن المعهود من فعله صلى الله عليه وسلم إنما هو القصر بدون جمع، كما حصل في مكة ومنى، فإنه كان يقصر ولا يجمع صلى الله عليه وسلم، ولكنه ثبت عنه أنه لما كان نازلاً في تبوك جمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، فدل هذا على جواز الجمع للمسافر في حالة إقامته، وأما إذا كان جاداً به السير فإن له أن يجمع إما جمع تقديم، وإما جمع تأخير.

وقد أورد أبو داود رحمه الله عدة أحاديث تتعلق بالجمع بين الصلاتين في السفر، وأورد بعض الأحاديث عن ابن عباس المتعلقة بالجمع في الحضر، وأن النبي صلى الله عليه وسلم جمع في المدينة ثمانياً وسبعاً، أي: الظهر والعصر ثمانياً، والمغرب والعشاء سبعاً، من غير خوف ولا مطر، ولما سئل ابن عباس قال: (أراد أن لا يحرج أمته)، فجاء الجمع في الحضر والسفر.

وأيضاً جاء الجمع في حق المريض، فإن له أن يجمع بين الصلاتين ولكن ليس له أن يقصر.

وأورد أبو داود حديث معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه أنهم خرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، (فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء)، وذلك في حال سيره، وأيضاً ذكر أنه لما كان نازلاً في تبوك أخر الصلاة يوماً ثم خرج فصلى بهم الظهر والعصر، يعني: جمع تأخير في وقت العصر، ثم دخل، أي: دخل مكانه الذي هو فيه ومنزله الذي كان فيه في تبوك، ثم خرج فصلى المغرب والعشاء جميعاً، فدل هذا على جواز الجمع للمسافر في حال سيره، وأنه يجمع، وإذا كان جد به السير فأولى له أن يجمع؛ لأن هذا أرفق به، وإذا كان نازلاً فالأولى أن لا يجمع، إلا أنه يجوز له الجمع؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم جاء عنه أنه جمع في تبوك كما جاء في هذا الحديث؛ لأن قوله: (دخل) يعني: دخل منزله، (ثم خرج)، أي: خرج من منزله.

تراجم رجال إسناد حديث معاذ بن جبل في الجمع بين الصلاتين في السفر

قوله: [ حدثنا القعنبي ].

القعنبي : عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .

[ عن مالك ].

هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة، وهو صاحب المذهب المشهور، أحاديثه أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبي الزبير المكي ].

هو أبو الزبير محمد بن مسلم بن تدرس المكي ، وهو صدوق يدلس، أخرج أحاديثه أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبي الطفيل عامر ].

أبو الطفيل هو: عامر بن واثلة ، وهو صحابي صغير، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن معاذ بن جبل ].

هو معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث ابن عمر (أن النبي كان إذا عجل به أمر في سفر جمع بين هاتين الصلاتين)

قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا سليمان بن داود العتكي حدثنا حماد حدثنا أيوب عن نافع أن ابن عمر رضي الله عنهما استصرخ على صفية وهو بمكة، فسار حتى غربت الشمس وبدت النجوم فقال: (إن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا عجل به أمر في سفر جمع بين هاتين الصلاتين، فسار حتى غاب الشفق فنزل فجمع بينهما) ].

أورد أبو داود رحمه الله حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: (أنه كان استصرخ على صفية ، أي: أنه أخبر بمرضها، وصفية هي زوجته، أي: صفية بنت أبي عبيد الثقفية أخت المختار بن أبي عبيد الذي ادعى النبوة، وقال عنه الرسول صلى الله عليه وسلم: (يخرج في ثقيف كذاب ومبير) والكذاب هو: المختار بن أبي عبيد ، والمبير هو الحجاج ، كما قالت ذلك أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنه لما حصل قتل ابنها في مكة وجاء إليها الحجاج فقالت: إن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إنه يخرج في ثقيف كذاب ومبير) أما الكذاب فقد عرفناه، وأما المبير فلا أخاله إلا أنت. والمبير هو المهلك الذي يحصل منه الظلم والجور.

فـ (استصرخ) يعني: جاءه خبر أو أعلم بمرضها، فسار، ولما جاء وقت صلاة المغرب واصل السفر حتى غاب الشفق ودخل وقت العشاء، فنزل وصلى المغرب والعشاء جمع تأخير، وقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا عجل به أمر صنع مثل ذلك، يعني أنه كان إذ جاء وقت المغرب وهو سائر واصل حتى يأتي وقت العشاء، وإذا كان مقيماً قبل صلاة المغرب وجاء وقت المغرب وهو مقيم فإنه يصلي المغرب والعشاء ويمشي، ومعنى ذلك أنه بحصول الجمع تتباعد أوقات الصلوات بعضها عن بعض فيكون السير متصلاً، بمعنى أنه لو جمع بين المغرب والعشاء، وجمع بين الظهر والعصر في أول وقت الظهر يمكن أن يواصل إلى قريب من نصف الليل، بحيث يكون قريباً من انتهاء وقت العشاء، فيجمع بينهما، فيكون السير متصلاً، وهذا إذا أراد ذلك، ولكن المبادرة إلى الصلاة في أول وقتها حتى لا تعرض للتأخير عن وقتها هو الذي ينبغي.

فـابن عمر رضي الله عنه أخر صلاة المغرب حتى دخل وقت العشاء وهو مغيب الشفق فصلى المغرب والعشاء جمع تأخير، وحكى ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم إذا عجل به أمر، فدل هذا على الجمع للمسافر في حال جد السير به.

تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر (أن النبي كان إذا عجل به أمر في سفر جمع بين هاتين الصلاتين)

قوله: [ حدثنا سليمان بن داود العتكي ].

هو سليمان بن داود العتكي هو: أبو الربيع الزهراني ، وهو ثقة، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي .

[ حدثنا حماد ].

حماد ، هو: ابن زيد ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا أيوب ].

هو أيوب بن أبي تميمة السختياني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن نافع ].

هو نافع مولى ابن عمر ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[أن ابن عمر ].

هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما، أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

شرح حديث معاذ بن جبل في كيفية الجمع بين الصلاتين إذا ارتحل أو لم يرتحل

قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا يزيد بن خالد بن يزيد بن عبد الله بن موهب الرملي الهمداني حدثنا المفضل بن فضالة والليث بن سعد عن هشام بن سعد عن أبي الزبير عن أبي الطفيل عن معاذ بن جبل رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في غزوة تبوك إذا زاغت الشمس قبل أن يرتحل جمع بين الظهر والعصر، وإن يرتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر حتى ينزل للعصر، وفي المغرب مثل ذلك إن غابت الشمس قبل أن يرتحل جمع بين المغرب والعشاء، وإن يرتحل قبل أن تغيب الشمس أخر المغرب حتى ينزل للعشاء ثم جمع بينهما) ].

أورد أبو داود حديث معاذ أن النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك كان إذا زاغت الشمس -يعني: زالت الشمس- قبل أن يرتحل فإنه يصلى الظهر والعصر في أول وقت الظهر جمع تقديم، ثم يرتحل، وإذا كان جاداً به السير، وجاء وقت الظهر وهو سائر، فإنه يؤخر الظهر حتى يجيء وقت العصر، بحيث يكون مواصلاً للسير، فيؤخر الصلاة إلى وقت العصر فيجمع بين الظهر والعصر، يعني أنه يجمع جمع تقديم وجمع تأخير، وهنا فيه جمع التقديم وجمع التأخير؛ لأنه إن كان نازلاً قبل أن تزيغ الشمس، وجاء وقت الزوال فإنه يصلي الظهر والعصر ثم يرتحل، وإذا كان سائراً قبل الزوال قبل أن تزيغ الشمس استمر على سيره وأخر الظهر حتى جاء وقت العصر فنزل وصلاهما جميعاً.

وكذلك المغرب والعشاء، فإذا كان نازلاً قبل غروب الشمس وغربت الشمس وهو نازل صلى المغرب والعشاء ومشى، وإن كان سائراً قبل المغرب وجاء وقت الغروب واصل السير حتى يدخل وقت العشاء، مثلما مر في حديث ابن عمر السابق أنه كان سائراً فجاء وقت المغرب وواصل حتى غاب الشفق ونزل وصلى، وحكى ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وحديث معاذ هذا يدل على الجمع بين الظهر والعصر تقديماً وتأخيراً، وكذلك بين المغرب والعشاء تقديماً وتأخيراً، وهذا في حال كونه سائراً.

تراجم رجال إسناد حديث معاذ في كيفية الجمع بين الصلاتين إذا ارتحل أو لم يرتحل

قوله: [ حدثنا يزيد بن خالد بن يزيد بن عبد الله بن موهب ].

هو يزيد بن خالد بن يزيد بن موهب الرملي الهمداني ، وهو ثقة، أخرج له أبو داود ، والنسائي ، وابن ماجة ، وهذا هو الذي ذكره أبو داود عن شيخه عبد الله بن يزيد بن موهب ، فذكر نسبه وأطال في نسبه مقدار سطر، وكله يتعلق بشيخه، فالتلميذ له أن يذكر شيخه كما يريد، فيطول فيه حتى يأتي بنسبه ونسبته، وأحياناً يختصر؛ لأنه سيأتي في هذا الباب أنه ذكر هذا الشخص بقوله: ابن موهب ، فاختصره، فله أن يذكر شيخه مطولاً، كما فعل في هذا الإسناد، وفي إسناد آخر في هذا الباب اكتفى بقوله: (حدثنا ابن موهب ) فقط، فالتلميذ يذكر شيخه كما يريد، فإن شاء أن يطول طول وإن شاء أن يختصر اختصر، ولهذا إذا اختصر وجاء من بعده وأراد أن يوضح زاد، ولكن يأتي بكلمة حتى يتبين أن هذه الزيادة ليست من التلميذ وإنما هي ممن دون التلميذ.

[ حدثنا المفضل بن فضالة ].

هو المفضل بن فضالة المصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ والليث بن سعد ].

هو الليث بن سعد المصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن هشام بن سعد ].

هشام بن سعد صدوق له أوهام، أخرج أحاديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.

[ عن أبي الزبير ، عن أبي الطفيل ، عن معاذ بن جبل ].

قد مر ذكر الثلاثة.

ذكر حديث ابن عباس في كيفية الجمع بين الصلاتين بنحو حديث معاذ وتراجم رجاله

[ قال أبو داود : رواه هشام بن عروة عن حسين بن عبد الله عن كريب عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم، نحو حديث المفضل والليث ].

أورد أبو داود هذه الطريق المعلقة، وأشار فيها إلى أن ابن عباس رواه نحو حديث المفضل والليث .

قوله: [ رواه هشام بن عروة ].

هشام بن عروة ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن حسين بن عبد الله ].

حسين بن عبد الله ، ضعيف أخرج له الترمذي وابن ماجة .

[ عن كريب ].

هو كريب مولى ابن عباس ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن ابن عباس ].

ابن عباس هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

شرح حديث (ما جمع رسول الله بين المغرب والعشاء قط في السفر إلا مرة)

قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا قتيبة حدثنا عبد الله بن نافع عن أبي مودود عن سليمان بن أبي يحيى عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: (ما جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المغرب والعشاء قط في السفر إلا مرة). قال أبو داود : وهذا يروى عن أيوب عن نافع عن ابن عمر موقوفاً على ابن عمر أنه لم ير ابن عمر جمع بينهما قط إلا تلك الليلة، يعني ليلة استصرخ على صفية ، وروي من حديث مكحول عن نافع أنه رأى ابن عمر فعل ذلك مرة أو مرتين ].

قوله: [ (ما جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المغرب والعشاء قط في السفر إلا مرة) ].

هذا فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم ما حصل منه الجمع إلا مرة واحدة، ولكن هذا غير صحيح، ولم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لم يجمع في السفر إلا مرة واحدة، وإنما هذا جاء عن ابن عمر موقوفاً عليه كما ذكر ذلك المصنف في الطريقين المعلقتين اللتين أشار إليهما، وفي إحداهما أنه مرة واحدة، والثانية أنه مرة أو مرتين.

تراجم رجال إسناد حديث: (ما جمع رسول الله بين المغرب والعشاء قط في السفر إلا مرة)

قوله: [ حدثنا قتيبة ].

هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا عبد الله بن نافع ].

هو ثقة صحيح الكتاب، في حفظه لين، أخرج أحاديثه البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.

[ عن أبي مودود ].

أبو مودود ، هو عبد العزيز بن أبي سليمان ، وهو مقبول، أخرج له أبو داود والترمذي والنسائي .

[ عن سليمان بن أبي يحيى ].

سليمان بن أبي يحيى ، ليس به بأس، وهي: بمعنى (صدوق) عند الحافظ ابن حجر ، وحديثه أخرجه أبو داود .

[ عن ابن عمر ].

ابن عمر مر ذكره.

وهذا الحديث فيه من هو مقبول، وهو يخالف ما عرف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أنه كان يجمع في السفر، وقد جمع في تبوك كما سبق في حديث أنه خرج وصلى بهم الظهر والعصر، ثم دخل وخرج وصلى بهم المغرب والعشاء.

قوله: [ قال أبو داود : وهذا يروى عن أيوب ].

هو أيوب بن أبي تميمة مر ذكره.

[ عن نافع عن ابن عمر موقوفاً على ابن عمر أنه لم ير ابن عمر جمع بينهما قط إلا تلك الليلة، يعني: ليلة استصرخ على صفية ].

يعني القصة التي سبقت الإشارة إليها، وأنه كان سائراً حين غربت الشمس، فاستمر وقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم جمع، فلما غاب الشفق نزل وصلى بهم، يعني أنه جمع تلك الليلة، لكن هذا يتعلق بـابن عمر ، فهو موقوف عليه، لكن لا أدري ما صحته موقوفاً.

قوله: [ وروي من حديث مكحول عن نافع أنه رأى ابن عمر فعل ذلك مرة أو مرتين ].

قوله: (وروي) فيه إشارة إلى ضعف هذه الطريق، ولم يذكرها متصلة وإنما ذكرها معلقة.

ومكحول هو: الشامي ، وهو ثقة أخرج أحاديثه البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن.

شرح حديث ابن عباس في جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء من غير خوف ولا مطر

قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا القعنبي عن مالك عن أبي الزبير المكي عن سعيد بن جبير عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: (صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر جميعاً، والمغرب والعشاء جميعاً، في غير خوف ولا سفر) قال مالك : أرى ذلك كان في مطر، قال أبو داود : ورواه حماد بن سلمة نحوه عن أبي الزبير ، ورواه قرة بن خالد عن أبي الزبير قال: في سفرة سافرناها إلى تبوك ].

أورد أبو داود رحمه الله حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء من غير خوف ولا سفر)، وكان هذا في المدينة، وجاء في بعض الروايات: (من غير خوف ولا مطر) وكان هذا في المدينة، وستأتي طرق أخرى عن ابن عباس في ذلك، وأنه لما سئل قال: (أراد أن لا يحرج أمته)، فدل هذا على أنه إذا حصل أمر يقتضي ذلك الجمع في الحضر، وكان نادراً وليس معتاداً أنه لا بأس به، وبعض أهل العلم قال: إن ذلك يكون في المرض؛ لأنه غير الخوف والمطر والسفر، لكن تخصيصه بالمرض ليس له وجه، بل الأمر واسع كما قال ابن عباس : (أراد أن لا يحرج أمته)، فإذا حصل أمر اقتضى واستدعى ذلك في نادر الأحوال فإنه لا بأس به لهذا الحديث، وأما كونه يصير مألوفاً ومعتاداً فليس ذلك سائغ؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ما عرف عنه أنه فعل ذلك إلا مرة واحدة، كما جاء في حديث ابن عباس هذا، وقال: إنه إنما فعل ذلك يريد أن لا يحرج أمته صلى الله عليه وسلم.

وقوله: (من غير خوف ولا سفر) هذان من مسوغات الجمع كما في الحديث.

فالخوف يسوغ الجمع، ويسوغ أموراً أخرى للصلاة كما هو معلوم خاصة، بل جاء في بعض الأحاديث أنها تصلى واحدة، وأنها تصلى على هيئات مختلفة.

تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس في جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين االظهر والعصر والمغرب والعشاء من غير خوف ولا مطر

قوله: [ حدثنا القعنبي عن مالك عن أبي الزبير المكي عن سعيد بن جبير ].

سعيد بن جبير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عبد الله بن عباس ].

قد مر ذكره.

قوله: [ قال مالك : أرى ذلك كان في مطر ].

يعني: في يوم مطير، ولكن قد جاءت الروايات عن ابن عباس وفيها التنصيص في نفي المطر: (من غير خوف ولا مطر).

قوله: [ قال أبو داود : ورواه حماد بن سلمة نحوه عن أبي الزبير ].

حماد بن سلمة بن دينار ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.

قوله: [ ورواه قرة بن خالد عن أبي الزبير قال: في سفرة سافرناها إلى تبوك ].

قرة بن خالد ذكر فيه أنه كان في سفر، وأن ذلك كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويكون هذا معناه غير ذلك الذي كان في المدينة.

وقرة بن خالد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

إسناد آخر الحديث: (جمع رسول الله بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء...) وتراجم رجاله

قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة من غير خوف ولا مطر، فقيل لـابن عباس رضي الله عنهما: ما أراد إلى ذلك؟ قال: أراد أن لا يحرج أمته). ].

هذا حديث ابن عباس من طريق أخرى، وفيه ذكر الخوف والمطر، بخلاف الرواية السابقة التي فيها: (ولا سفر)، وقال فيها مالك : أرى ذلك كان في مطر.

فهذه الرواية تبين أنه ما كان في مطر، حيث قال: (من غير خوف ولا مطر).

قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ].

عثمان بن أبي شيبة