شرح سنن أبي داود [054]


الحلقة مفرغة

شرح حديث: (كان الناس مهان أنفسهم فيروحون إلى الجمعة بهيئتهم ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: في الرخصة في ترك الغسل يوم الجمعة.

حدثنا مسدد ، حدثنا حماد بن زيد ، عن يحيى بن سعيد ، عن عمرة ، عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (كان الناس مهان أنفسهم، فيروحون إلى الجمعة بهيئتهم، فقيل لهم: لو اغتسلتم) ].

أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة، وهي الرخصة في ترك الغسل يوم الجمعة، يعني الأدلة الدالة على أن ما جاء من الأوامر في الأحاديث بالغسل يوم الجمعة مصروف عن الوجوب إلى الاستحباب، وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث عائشة رضي الله عنها: (كان الناس مهان أنفسهم

أي: أنهم كانوا يخدمون أنفسهم، وأن مهنهم هم الذين يتولونها بأنفسهم.

وقولها: (مهان) جمع ماهن، والمقصود من ذلك أنهم الذين يتولون مصالح أنفسهم الدنيوية بأنفسهم، ليس لهم خدم يكفونهم تلك المئونة وينوبون عنهم فيها بحيث يستريحون، وإنما هم الذين يقومون بهذه المهمة، وكان يحصل منهم أنهم يأتون إلى الجمعة على هيئتهم التي كانوا عليها في عملهم وفي حرثهم، وتنبعث منهم روائح كريهة بسبب تلك المهن وتلك الأعمال، فقال عليه الصلاة والسلام: (لو اغتسلتم) يعني: لو اغتسلتم إذا جئتم إلى الجمعة.

ففيه إرشاد إلى الاغتسال، وأنهم لو اغتسلوا لحصل ذهاب ذلك الشيء الذي يؤذي غيرهم.

وقولها: [ (فيروحون إلى الجمعة بهيئتهم التي كانوا عليها) ] أي: يروحون إلى الجمعة في ثيابهم وفي عرقهم، فتنبعث منهم الروائح الكريهة فيحصل التأذي بذلك، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: (لو اغتسلتم) يعني: قبل أن تأتوا إلى الجمعة حتى تزول تلك الروائح.

وكذلك -أيضاً- جاء الإرشاد إلى التطيب مع الاغتسال حتى تذهب تلك الروائح الكريهة؛ لأن الإنسان إذا تطيب تكون رائحته طيبة وتذهب الرائحة الكريهة.

وسبق أن مر بنا ما دل عليه حديث عائشة هذا (كان الناس مهان أنفسهم) في حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه في الوضوء حيث قال: (إنهم كانوا خدام أنفسهم)، فكانوا يتناوبون رعاية الإبل، فيجمعون ما لكل واحد من الإبل ثم يسرح بها كل يوم شخص، والباقون يكونون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمعون حديثه.

فقوله: (إنهم كانوا خدام أنفسهم) يعني: لا يوجد أحد يكفيهم الخدمة، ولهذا كانوا يتناوبون الرعاية، وهنا في حديث عائشة : (كانوا مهان أنفسهم) أي: هم الذين يقومون بمصالحهم وبمهنهم؛ لأنه ليس لهم خدم ينوبون عنهم فيها، ويأتون على هيئتهم بثيابهم التي كانوا يزاولون بها المهنة، وبعرقهم وبالروائح التي معهم، فالنبي صلى الله عليه وسلم أرشدهم إلى الاغتسال؛ من أجل ذهاب تلك الروائح.

تراجم رجال إسناد حديث: (كان الناس مهان أنفسهم فيروحون إلى الجمعة بهيئتهم ...)

قوله: [حدثنا مسدد ].

هو مسدد بن مسرهد، وهو ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي .

[ حدثنا حماد بن زيد ].

حماد بن زيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن يحيى بن سعيد ].

هو يحيى بن سعيد الأنصاري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عمرة ].

هي عمرة بنت عبد الرحمن الأنصارية، وهي ثقة، أخرج لها أصحاب الكتب الستة.

[ عن عائشة ].

عائشة رضي الله تعالى عنها قد مر ذكرها.

شرح حديث: (... إذا كان هذا اليوم فاغتسلوا ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة ، حدثنا عبد العزيز -يعني ابن محمد- عن عمرو بن أبي عمرو ، عن عكرمة (أن أناساً من أهل العراق جاءوا فقالوا: يا ابن عباس ! أترى الغسل يوم الجمعة واجباً؟ قال: لا، ولكنه أطهر، وخير لمن اغتسل، ومن لم يغتسل فليس عليه بواجب، وسأخبركم كيف بدء الغسل: كان الناس مجهودين يلبسون الصوف ويعملون على ظهورهم، وكان مسجدهم ضيقاً مقارب السقف إنما هو عريش، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم حار وعرق الناس في ذلك الصوف حتى ثارت منهم رياح آذى بذلك بعضهم بعضاً، فلما وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الريح قال: أيها الناس! إذا كان هذا اليوم فاغتسلوا، وليمس أحدكم أفضل ما يجد من دهنه وطيبه. قال ابن عباس : ثم جاء الله بالخير، ولبسوا غير الصوف، وكفوا العمل، ووسع مسجدهم، وذهب بعض الذي كان يؤذي بعضهم بعضاً من العرق) ].

أورد أبو داود رحمه الله الحديث عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما حين جاءه جماعة من أهل العراق وسألوه عن غسل يوم الجمعة أواجب هو فقال: إنه ليس بواجب، وإنما هو مستحب، ومن اغتسل فالغسل أطهر وأفضل. ثم أخبرهم ببدء الغسل، وأنه كان بسبب الروائح الكريهة التي تنبعث منهم بسبب كونهم يأتون متعبين من العمل، ويأتون إلى الجمعة بهيئتهم وبثيابهم التي عملوا فيها وفيهم تلك الروائح، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا كان هذا اليوم فاغتسلوا)، فأرشدهم إلى الاغتسال، ومعنى هذا أن الاغتسال إنما هو لأجل إزالة هذه الروائح الكريهة، فإذا لم يكن هناك شيء من هذه الروائح التي يحصل بها أذى فإنه لا يكون الغسل لازماً؛ لأن المقصود به هو إزالة الروائح وإزالة الأذى الذي يكون في الإنسان بسبب مهنته وعمله.

ومعنى هذا أنه إذا لم يكن شيء من ذلك فإنه لا محذور ولا مانع من أن يأتي المرء الجمعة دون أن يغتسل، لكن غسل يوم الجمعة متأكد استحبابه، وينبغي للإنسان أن يحرص عليه ولو كان ليس فيه روائح، ولكن من لم يفعله فإنه لا يأثم؛ لأنه مستحب وليس بواجب.

وقد سبق أن مرت قصة عثمان حين دخل وعمر يخطب فقال له: أي ساعة هذه؟ فقال: إنني لما سمعت النداء بادرت إلى الوضوء وجئت. فقال: والوضوء أيضاً! فـعثمان رضي الله عنه جاء بدون اغتسال، ولم يأمره أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه بأن يذهب فيغتسل؛ ليؤدي ذلك الواجب لو كان واجباً، فدل ذلك على أنه مستحب.

ويدل عليه أيضاً قول ابن عباس رضي الله عنهما: إنه مستحب وليس بواجب.

وبين رضي الله عنه سبب الغسل وأصله، وأنه كان بسبب ما يحصل من روائح تنبعث بسبب مجيئهم على هيئتهم، وقد كانوا هم خدم أنفسهم وليس لهم من يخدمهم.

تراجم رجال إسناد حديث: (... إذا كان هذا اليوم فاغتسلوا ...)

قوله: [حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا عبد العزيز -يعني ابن محمد- ].

عبد العزيز هو ابن محمد الدراوردي، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عمرو بن أبي عمرو ].

عمرو بن أبي عمرو ثقة ربما وهم، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عكرمة ].

عكرمة مولى ابن عباس ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

وابن عباس هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب رضي الله عنه ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وهم: عبد الله بن عباس ، وعبد الله بن الزبير ، وعبد الله بن عمرو ، وعبد الله بن عمر .

شرح حديث: (من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت ومن اغتسل فهو أفضل)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو الوليد الطيالسي حدثنا همام ، عن قتادة ، عن الحسن ، عن سمرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فهو أفضل) ].

أورد أبو داود رحمه الله حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه: (من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فهو أفضل) فهذا يدل على أن الغسل إنما هو مستحب، وأنه أفضل من الاقتصار على الوضوء.

قيل: إن المقصود بقوله: (فبها) أي: فبالسنة أخذ.

وقوله: (ونعمت) أي: نعمت الرخصة.

وقوله: (ومن اغتسل فالغسل أفضل) يعني: مع الوضوء، فإن الغسل يكون أتم وأفضل، وهذا فيه الدلالة على أنه مستحب وليس بواجب.

تراجم رجال إسناد حديث: (من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت ومن اغتسل فهو أفضل)

قوله: [حدثنا أبو الوليد الطيالسي ].

أبو الوليد الطيالسي هو هشام بن عبد الملك، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا همام ].

هو همام بن يحيى، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن قتادة ].

هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن الحسن ].

هو الحسن بن أبي الحسن البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن سمرة ].

هو سمرة بن جندب رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: في الرخصة في ترك الغسل يوم الجمعة.

حدثنا مسدد ، حدثنا حماد بن زيد ، عن يحيى بن سعيد ، عن عمرة ، عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (كان الناس مهان أنفسهم، فيروحون إلى الجمعة بهيئتهم، فقيل لهم: لو اغتسلتم) ].

أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة، وهي الرخصة في ترك الغسل يوم الجمعة، يعني الأدلة الدالة على أن ما جاء من الأوامر في الأحاديث بالغسل يوم الجمعة مصروف عن الوجوب إلى الاستحباب، وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث عائشة رضي الله عنها: (كان الناس مهان أنفسهم

أي: أنهم كانوا يخدمون أنفسهم، وأن مهنهم هم الذين يتولونها بأنفسهم.

وقولها: (مهان) جمع ماهن، والمقصود من ذلك أنهم الذين يتولون مصالح أنفسهم الدنيوية بأنفسهم، ليس لهم خدم يكفونهم تلك المئونة وينوبون عنهم فيها بحيث يستريحون، وإنما هم الذين يقومون بهذه المهمة، وكان يحصل منهم أنهم يأتون إلى الجمعة على هيئتهم التي كانوا عليها في عملهم وفي حرثهم، وتنبعث منهم روائح كريهة بسبب تلك المهن وتلك الأعمال، فقال عليه الصلاة والسلام: (لو اغتسلتم) يعني: لو اغتسلتم إذا جئتم إلى الجمعة.

ففيه إرشاد إلى الاغتسال، وأنهم لو اغتسلوا لحصل ذهاب ذلك الشيء الذي يؤذي غيرهم.

وقولها: [ (فيروحون إلى الجمعة بهيئتهم التي كانوا عليها) ] أي: يروحون إلى الجمعة في ثيابهم وفي عرقهم، فتنبعث منهم الروائح الكريهة فيحصل التأذي بذلك، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: (لو اغتسلتم) يعني: قبل أن تأتوا إلى الجمعة حتى تزول تلك الروائح.

وكذلك -أيضاً- جاء الإرشاد إلى التطيب مع الاغتسال حتى تذهب تلك الروائح الكريهة؛ لأن الإنسان إذا تطيب تكون رائحته طيبة وتذهب الرائحة الكريهة.

وسبق أن مر بنا ما دل عليه حديث عائشة هذا (كان الناس مهان أنفسهم) في حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه في الوضوء حيث قال: (إنهم كانوا خدام أنفسهم)، فكانوا يتناوبون رعاية الإبل، فيجمعون ما لكل واحد من الإبل ثم يسرح بها كل يوم شخص، والباقون يكونون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمعون حديثه.

فقوله: (إنهم كانوا خدام أنفسهم) يعني: لا يوجد أحد يكفيهم الخدمة، ولهذا كانوا يتناوبون الرعاية، وهنا في حديث عائشة : (كانوا مهان أنفسهم) أي: هم الذين يقومون بمصالحهم وبمهنهم؛ لأنه ليس لهم خدم ينوبون عنهم فيها، ويأتون على هيئتهم بثيابهم التي كانوا يزاولون بها المهنة، وبعرقهم وبالروائح التي معهم، فالنبي صلى الله عليه وسلم أرشدهم إلى الاغتسال؛ من أجل ذهاب تلك الروائح.

قوله: [حدثنا مسدد ].

هو مسدد بن مسرهد، وهو ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي .

[ حدثنا حماد بن زيد ].

حماد بن زيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن يحيى بن سعيد ].

هو يحيى بن سعيد الأنصاري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عمرة ].

هي عمرة بنت عبد الرحمن الأنصارية، وهي ثقة، أخرج لها أصحاب الكتب الستة.

[ عن عائشة ].

عائشة رضي الله تعالى عنها قد مر ذكرها.