شرح الأربعين النووية [27]


الحلقة مفرغة

يقول الإمام النووي رحمه الله تعالى: [ عن معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه قال: (قلت: يا رسول الله! دلني على عمل يدخلني الجنة ويباعدني عن النار. قال: لقد سألت عن عظيم، وإنه ليسير على من يسره الله عليه: تعبد الله لا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت. ثم قال: ألا أدلك على أبواب الخير؟ الصوم جُنّة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وصلاة الرجل من جوف الليل. ثم تلا: تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ [السجدة:16] حتى بلغ: يَعْمَلُونَ [السجدة:17]. ثم قال: ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه؟ رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد. ثم قال: ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ قلت: بلى يا رسول الله. قال: فأخذ بلسانه وقال: كف عليك هذا. قلت: يا نبي الله! وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: ثكلتك أمك يا معاذ ! وهل يكب الناس في النار على وجوههم -أو قال: على مناخرهم- إلا حصائد ألسنتهم؟) رواه الترمذي ، وقال: حديث حسن صحيح ].

حرص الصحابة على الخير وبيان طلب الصالحين للجنة وخوفهم من النار

هذا حديث عظيم جامع مشتمل على أمور عظيمة من وصايا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم لـمعاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه.

وسؤال معاذ لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدله على عمل يقربه من الجنة ويباعده من النار يدلنا على حرص الصحابة على معرفة الحق وعلى معرفة ما يقربهم إلى الله عز وجل وما يحصلون به الثواب من الله سبحانه وتعالى، فهم الحريصون على كل خير والسباقون إلى كل خير رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.

قوله: [ (دلني على عمل يدخلني الجنة ويباعدني عن النار)] فيه إثبات الجنة والنار، وأنهما موجودتان، وهما باقيتان لا تفنيان ولا تبيدان، وفيه -أيضاً- أن عبادة الله عز وجل لتحصيل الجنة والسلامة من النار شأن سلف هذه الأمة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس كما يقول بعض الصوفية: ما عبدت الله رغبة في جنته ولا خوفاً من ناره، وإنما شوقاً إليه!

فإن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم -وهم خير الناس، وأفضل الناس- يسألون الله الجنة ويعوذون به من النار، ويبحثون عن الأعمال التي توصل إلى الجنة والأعمال التي بها يتخلصون من النار ويبتعدون عنها.

والله عز وجل قد أخبر عن خليله إبراهيم عليه الصلاة والسلام أنه قال: وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ [الشعراء:85].

العمل سبب لدخول الجنة

ثم إن فيه دليلاً على أن الأعمال من أسباب دخول الجنة؛ لأنه قال: [ (دلني على عمل يقربني من الجنة ويباعدني من النار)] فالأعمال هي أسباب في دخول الجنة، فقد قال الله عز وجل: وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [الزخرف:72]، وقال: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأحقاف:14].

وقال تعالى: تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [السجدة:16-17].

فبين أن الأعمال سبب في دخول الجنة، وقد جاء في الصحيحين عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: (لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله. قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل)، ففي الآيات الكريمات التي ذكرت دلالة على أن الأعمال سبب في دخول الجنة، وأن الإنسان يدخل بعمله الجنة، والحديث يدل على أن الإنسان لا يدخل بعمله الجنة، فكيف يجمع بين ما جاء في الآيات وما جاء في الحديث؟

والجواب هو أن يقال: إن الباء التي في الحديث غير الباء التي في الآيات؛ لأن الباء في الآيات للسببية، والله عز وجل جعل الأعمال سبباً في دخول الجنة، والباء التي في الحديث هي باء المعاوضة، فقوله: (لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله) أي: بأن تكون الجنة عوضاً عن عمله، فيستحق الجنة بمجرد عمله دون أن يكون وراء ذلك فضل الله ورحمته، فهذا لا يكون، بل الفضل لله عز وجل في دخول الجنة.

ومعلوم أن الإنسان عندما يعمل عملاً عند غيره في هذه الحياة الدنيا فإنه يستحق الأجرة في مقابل عمله عوضاً، وليس للذي يدفع العوض منة وفضل على الأجير الذي أعطي أجرته؛ لأن الأجرة في مقابل العمل، فهذا عَمِل وهذا أعطى في مقابل العمل.

أما دخول الجنة فالأعمال -وإن كانت سبباً في دخولها- إلا أن ذلك بفضل الله عز وجل، ولا يقال: إن القضية هي عمل وجد فكانت الجنة عوضاً عنه! بل الفضل لله عز وجل أولاً وآخراً، فهو الذي تفضل بالتوفيق للعمل الصالح الذي يوصل إلى الجنة، وتفضل بالجزاء والثواب الذي هو الجنة، فرجع الأمر إلى فضل الله عز وجل في تحصيل السبب ثم حصول المسبب.

وعلى هذا تكون الآيات والحديث لا اختلاف بينها، وإنما هي متفقة، بحيث تحمل الباء في الآيات على السببية، وأن الله تعالى جعل الأعمال أسباباً في دخول الجنة، والباء التي نُفي فيها دخول الإنسان بعمله الجنة إنما هي باء المعاوضة، فدخول المرء الجنة ليس معاوضة له على عمله، بل الأعمال سبب في دخول الجنة، وليست القضية قضية معاوضة كما هو مشاهد ومعاين في الذين يعملون أعمالاً في الدنيا ويحصلون على أجورهم من المستأجرين، فإن تلك الأجور ليس فيها فضل ولا منة، وإنما فيها معاوضة، فالأعمال -كما سبق- وإن كانت سبباً في دخول الجنة إلا أن الله تعالى هو الذي تفضل بها، فتفضل بالسبب وتفضل بالمسبب.

عظم شأن دخول الجنة والنجاة من النار

قوله: [ (لقد سألت عن عظيم، وإنه ليسير على من يسره الله عليه) ] في هذا بيان عظم شأن السؤال والمسئول عنه، وأنه شيء عظيم، وليس بالأمر الهين، ومع عظمته وصعوبته ومشقته فإن الله تعالى يجعله يسيراً على من وفقه الله؛ إذ الأعمال التي يكون بها دخول الجنة والسلامة من النار التي دل الرسول صلى الله عليه وسلم عليها فيها مشقة وفيها تعب وفيها نصب، والمرء بحاجة إلى الصبر على طاعة الله؛ لأن تلك التكاليف وتلك الأمور التي هي موصلة إلى الجنة تحتاج إلى صبر، فيصبر على الطاعات ولو شقت على النفوس؛ لأن العاقبة حميدة، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (حفت الجنة بالمكاره) فالطريق إلى الجنة فيه صعوبة وفيه مشقة، ويحتاج إلى صبر وإلى جلد وإلى احتساب، وليس هو بالأمر الهين، ولكنه يكون يسيراً على من يسره الله عليه.

وفي هذا -أيضاً- دليل على أن الإنسان ينبغي له أن يحرص على الأعمال الصالحة، وأن من استعان بالله وعول على الله وجد واجتهد وأخذ بالأسباب الموصلة إلى المقصود والمطلوب فإن ذلك يكون بتيسير الله عز وجل وتوفيقه لتحصيل ذلك المطلوب.

وأيضاً فيه تشجيع على مثل هذا السؤال، وبيان أهميته، وأن شأنه عظيم، وأن السؤال عن مثل هذا من أهم المهمات؛ لأنه سؤال عن عمل الإنسان في هذه الحياة؛ إذ إن هذه الحياة دار العمل والآخرة دار الجزاء، وليس فيها إلا جنة أو نار، ودخول الجنة إنما يكون بما يحصل في الدنيا للعبد من توفيق الله عز وجل للأعمال الصالحة التي توصل إلى الجنة وتباعد من النار.

هذا حديث عظيم جامع مشتمل على أمور عظيمة من وصايا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم لـمعاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه.

وسؤال معاذ لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدله على عمل يقربه من الجنة ويباعده من النار يدلنا على حرص الصحابة على معرفة الحق وعلى معرفة ما يقربهم إلى الله عز وجل وما يحصلون به الثواب من الله سبحانه وتعالى، فهم الحريصون على كل خير والسباقون إلى كل خير رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.

قوله: [ (دلني على عمل يدخلني الجنة ويباعدني عن النار)] فيه إثبات الجنة والنار، وأنهما موجودتان، وهما باقيتان لا تفنيان ولا تبيدان، وفيه -أيضاً- أن عبادة الله عز وجل لتحصيل الجنة والسلامة من النار شأن سلف هذه الأمة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس كما يقول بعض الصوفية: ما عبدت الله رغبة في جنته ولا خوفاً من ناره، وإنما شوقاً إليه!

فإن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم -وهم خير الناس، وأفضل الناس- يسألون الله الجنة ويعوذون به من النار، ويبحثون عن الأعمال التي توصل إلى الجنة والأعمال التي بها يتخلصون من النار ويبتعدون عنها.

والله عز وجل قد أخبر عن خليله إبراهيم عليه الصلاة والسلام أنه قال: وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ [الشعراء:85].

ثم إن فيه دليلاً على أن الأعمال من أسباب دخول الجنة؛ لأنه قال: [ (دلني على عمل يقربني من الجنة ويباعدني من النار)] فالأعمال هي أسباب في دخول الجنة، فقد قال الله عز وجل: وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [الزخرف:72]، وقال: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأحقاف:14].

وقال تعالى: تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [السجدة:16-17].

فبين أن الأعمال سبب في دخول الجنة، وقد جاء في الصحيحين عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: (لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله. قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل)، ففي الآيات الكريمات التي ذكرت دلالة على أن الأعمال سبب في دخول الجنة، وأن الإنسان يدخل بعمله الجنة، والحديث يدل على أن الإنسان لا يدخل بعمله الجنة، فكيف يجمع بين ما جاء في الآيات وما جاء في الحديث؟

والجواب هو أن يقال: إن الباء التي في الحديث غير الباء التي في الآيات؛ لأن الباء في الآيات للسببية، والله عز وجل جعل الأعمال سبباً في دخول الجنة، والباء التي في الحديث هي باء المعاوضة، فقوله: (لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله) أي: بأن تكون الجنة عوضاً عن عمله، فيستحق الجنة بمجرد عمله دون أن يكون وراء ذلك فضل الله ورحمته، فهذا لا يكون، بل الفضل لله عز وجل في دخول الجنة.

ومعلوم أن الإنسان عندما يعمل عملاً عند غيره في هذه الحياة الدنيا فإنه يستحق الأجرة في مقابل عمله عوضاً، وليس للذي يدفع العوض منة وفضل على الأجير الذي أعطي أجرته؛ لأن الأجرة في مقابل العمل، فهذا عَمِل وهذا أعطى في مقابل العمل.

أما دخول الجنة فالأعمال -وإن كانت سبباً في دخولها- إلا أن ذلك بفضل الله عز وجل، ولا يقال: إن القضية هي عمل وجد فكانت الجنة عوضاً عنه! بل الفضل لله عز وجل أولاً وآخراً، فهو الذي تفضل بالتوفيق للعمل الصالح الذي يوصل إلى الجنة، وتفضل بالجزاء والثواب الذي هو الجنة، فرجع الأمر إلى فضل الله عز وجل في تحصيل السبب ثم حصول المسبب.

وعلى هذا تكون الآيات والحديث لا اختلاف بينها، وإنما هي متفقة، بحيث تحمل الباء في الآيات على السببية، وأن الله تعالى جعل الأعمال أسباباً في دخول الجنة، والباء التي نُفي فيها دخول الإنسان بعمله الجنة إنما هي باء المعاوضة، فدخول المرء الجنة ليس معاوضة له على عمله، بل الأعمال سبب في دخول الجنة، وليست القضية قضية معاوضة كما هو مشاهد ومعاين في الذين يعملون أعمالاً في الدنيا ويحصلون على أجورهم من المستأجرين، فإن تلك الأجور ليس فيها فضل ولا منة، وإنما فيها معاوضة، فالأعمال -كما سبق- وإن كانت سبباً في دخول الجنة إلا أن الله تعالى هو الذي تفضل بها، فتفضل بالسبب وتفضل بالمسبب.

قوله: [ (لقد سألت عن عظيم، وإنه ليسير على من يسره الله عليه) ] في هذا بيان عظم شأن السؤال والمسئول عنه، وأنه شيء عظيم، وليس بالأمر الهين، ومع عظمته وصعوبته ومشقته فإن الله تعالى يجعله يسيراً على من وفقه الله؛ إذ الأعمال التي يكون بها دخول الجنة والسلامة من النار التي دل الرسول صلى الله عليه وسلم عليها فيها مشقة وفيها تعب وفيها نصب، والمرء بحاجة إلى الصبر على طاعة الله؛ لأن تلك التكاليف وتلك الأمور التي هي موصلة إلى الجنة تحتاج إلى صبر، فيصبر على الطاعات ولو شقت على النفوس؛ لأن العاقبة حميدة، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (حفت الجنة بالمكاره) فالطريق إلى الجنة فيه صعوبة وفيه مشقة، ويحتاج إلى صبر وإلى جلد وإلى احتساب، وليس هو بالأمر الهين، ولكنه يكون يسيراً على من يسره الله عليه.

وفي هذا -أيضاً- دليل على أن الإنسان ينبغي له أن يحرص على الأعمال الصالحة، وأن من استعان بالله وعول على الله وجد واجتهد وأخذ بالأسباب الموصلة إلى المقصود والمطلوب فإن ذلك يكون بتيسير الله عز وجل وتوفيقه لتحصيل ذلك المطلوب.

وأيضاً فيه تشجيع على مثل هذا السؤال، وبيان أهميته، وأن شأنه عظيم، وأن السؤال عن مثل هذا من أهم المهمات؛ لأنه سؤال عن عمل الإنسان في هذه الحياة؛ إذ إن هذه الحياة دار العمل والآخرة دار الجزاء، وليس فيها إلا جنة أو نار، ودخول الجنة إنما يكون بما يحصل في الدنيا للعبد من توفيق الله عز وجل للأعمال الصالحة التي توصل إلى الجنة وتباعد من النار.

ثم بين ما يوصل إلى الجنة في قوله صلى الله عليه وسلم: (تعبد الله ولا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت) وهذه أركان الإسلام الخمسة التي بينت في حديث جبريل، حيث قال: (أخبرني عن الإسلام قال: أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً)، وكذلك في حديث عبد الله بن عمر : (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان)، فهذه الأشياء الخمسة التي جاءت في هذا الحديث هي التي جاءت في حديث جبريل وفي حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما.

من أسباب دخول الجنة الإخلاص والمتابعة

فقوله: (تعبد الله) أي: تفرد الله بالعبادة وتخصه وحده بها.

والله عز وجل قد خلق الخلق لعبادته، وقد أُمروا ونهوا، وبين لهم التوحيد، وبين لهم الشرك، وبين لهم طريق الخير وطريق الشر، كما قال تعالى: أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ [البلد:8-10] يعني: طريق الخير وطريق الشر. وقد حصل تبيين ذلك بما جاء في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

وعبادة الله عز وجل يجب أن تكون خالصة له، وأن تكون موافقة لسنته صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا فتكون الشهادة بأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم داخلة في عبادة الله؛ لأن عبادة الله عز وجل لا تعتبر ولا تكون مجدية ونافعة إلا إذا توافر فيها الشرطان: أن تكون خالصة لله، وأن تكون مطابقة لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فإذاً: لابد -مع شهادة أن لا إله إلا الله- من شهادة أن محمداً رسول الله، وهما شهادتان متلازمتان لا تنفك إحداهما عن الأخرى، فحين بعث رسول الله عليه الصلاة والسلام وجب على كل إنسي وجني أن يدخل في هذا الدين، وإلا فإن النار مثواه كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بالذي جئت به إلا كان من أصحاب النار)، ويقول بعض العلماء: كنت إذا سمعت الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تأملته فأجد معناه في القرآن. قال: ولما سمعت هذا الحديث تأملته ووجدت معناه في قول الله عز وجل: وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ [هود:17] أي أن هذه الآية مثلها قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بالذي جئت به إلا كان من أصحاب النار).

وعلى هذا فعبادة الله عز وجل لابد فيها من شرطين: إخلاص العمل لله، والمتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا توافر هذان الشرطان نفع العمل ونفعت العبادة، وإن اختل أحدهما فإن العمل مردود على صاحبه، ولا عبرة به حينئذٍ ولا قيمة له.

من أسباب دخول الجنة إقامة الصلاة

ثم ذكر بعد ذلك: الصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، وذكرها مرتبة على حسب أهميتها، فأهم هذه الأركان بعد الشهادتين: الصلاة، والتي هي عمود الإسلام، كما في الحديث الذي بين أيدينا، وهي تنهى عن الفحشاء والمنكر، وهي من آخر ما أوصى به الرسول صلى الله عليه وسلم، وهي آخر ما يُفقد في هذه الحياة، وأول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة، وغير ذلك من المزايا الكثيرة المتعددة التي تتعلق بالصلاة.

فقُدّمت الصلاة؛ لأنها أهم من غيرها، حيث إنها صلة وثيقة بين العبد وربه، وتكرر في اليوم والليلة خمس مرات، بخلاف الأعمال الأخرى، فإن منها ما يكون واجباً في السنة كالزكاة والصيام، ومنها ما يكون واجباً في العمر كالحج، وأما الصلاة فهي في اليوم والليلة خمس مرات، ولهذا فإذا صاحب المرء إنساناً فإنه يستطيع أن يعرف أنّه من أهل الاستقامة أو من أهل الضلال خلال أربعٍ وعشرين ساعة، وذلك بكونه يصلي أو لا يصلي، فإن كان من المصلين فهذه علامة الخير، وإن كان من غير المصلين فهذه علامة السوء، فقدمت الصلاة في الحديث لأهميتها؛ ولأنها صلة وثيقة بين العبد وبين ربه؛ ولأنها تتكرر في اليوم والليلة خمس مرات.

من أسباب دخول الجنة أداء الزكاة

ثم جاء بعد ذلك ذكر الزكاة التي تكون في السنة مرة واحدة في الغالب، فإذا استوى الثمر وجاء حصاد الزرع، أو حال الحول على النقود أو على التجارة أو على بهيمة الأنعام فيجب إخراج الزكاة.

وقدمت الزكاة على الصيام؛ لأنها متعدية النفع؛ فالمزكي يستفيد منها بحصول الأجر ونماء المال، والفقير الذي تُدفع إليه الزكاة يستفيد منها بسدّ حاجته.

والزكاة قرينة الصلاة في كتاب الله وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكثيراً ما يأتي الجمع بين الصلاة والزكاة في الآية أو الحديث، كما قال الله عز وجل: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ [البينة:5]، وقال تعالى: الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ الحج:41]، وقال تعالى: فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ [التوبة:5]، وقال تعالى: فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ [التوبة:11].

من أسباب دخول الجنة الصيام والحج

ثم جاء الصيام بعد ذلك؛ لأنه يتكرر في السنة، ويكون شهراً، وأخر الحج؛ لأنه لا يجب في العمر إلا مرة واحدة.

فهذه الأركان جاءت مرتبة وفقاً لأهميتها.

ثم إنّ هذه الأمور التي قدمت هي أهم الفرائض، والله عز وجل قد جعل أحب ما يتقرب العبد به إليه هو الفرائض، كما جاء في الحديث القدسي: (وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه).

فقوله: (تعبد الله) أي أن من أسباب دخول الجنة عبادة الله تعالى، وهي فرائض ونوافل، فالفرائض ذكرت منها الأركان الخمسة التي هي: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، والصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، وهذه أمور واجبة لازمة.

فقوله: (تعبد الله) أي: تفرد الله بالعبادة وتخصه وحده بها.

والله عز وجل قد خلق الخلق لعبادته، وقد أُمروا ونهوا، وبين لهم التوحيد، وبين لهم الشرك، وبين لهم طريق الخير وطريق الشر، كما قال تعالى: أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ [البلد:8-10] يعني: طريق الخير وطريق الشر. وقد حصل تبيين ذلك بما جاء في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

وعبادة الله عز وجل يجب أن تكون خالصة له، وأن تكون موافقة لسنته صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا فتكون الشهادة بأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم داخلة في عبادة الله؛ لأن عبادة الله عز وجل لا تعتبر ولا تكون مجدية ونافعة إلا إذا توافر فيها الشرطان: أن تكون خالصة لله، وأن تكون مطابقة لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فإذاً: لابد -مع شهادة أن لا إله إلا الله- من شهادة أن محمداً رسول الله، وهما شهادتان متلازمتان لا تنفك إحداهما عن الأخرى، فحين بعث رسول الله عليه الصلاة والسلام وجب على كل إنسي وجني أن يدخل في هذا الدين، وإلا فإن النار مثواه كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بالذي جئت به إلا كان من أصحاب النار)، ويقول بعض العلماء: كنت إذا سمعت الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تأملته فأجد معناه في القرآن. قال: ولما سمعت هذا الحديث تأملته ووجدت معناه في قول الله عز وجل: وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ [هود:17] أي أن هذه الآية مثلها قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بالذي جئت به إلا كان من أصحاب النار).

وعلى هذا فعبادة الله عز وجل لابد فيها من شرطين: إخلاص العمل لله، والمتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا توافر هذان الشرطان نفع العمل ونفعت العبادة، وإن اختل أحدهما فإن العمل مردود على صاحبه، ولا عبرة به حينئذٍ ولا قيمة له.

ثم ذكر بعد ذلك: الصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، وذكرها مرتبة على حسب أهميتها، فأهم هذه الأركان بعد الشهادتين: الصلاة، والتي هي عمود الإسلام، كما في الحديث الذي بين أيدينا، وهي تنهى عن الفحشاء والمنكر، وهي من آخر ما أوصى به الرسول صلى الله عليه وسلم، وهي آخر ما يُفقد في هذه الحياة، وأول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة، وغير ذلك من المزايا الكثيرة المتعددة التي تتعلق بالصلاة.

فقُدّمت الصلاة؛ لأنها أهم من غيرها، حيث إنها صلة وثيقة بين العبد وربه، وتكرر في اليوم والليلة خمس مرات، بخلاف الأعمال الأخرى، فإن منها ما يكون واجباً في السنة كالزكاة والصيام، ومنها ما يكون واجباً في العمر كالحج، وأما الصلاة فهي في اليوم والليلة خمس مرات، ولهذا فإذا صاحب المرء إنساناً فإنه يستطيع أن يعرف أنّه من أهل الاستقامة أو من أهل الضلال خلال أربعٍ وعشرين ساعة، وذلك بكونه يصلي أو لا يصلي، فإن كان من المصلين فهذه علامة الخير، وإن كان من غير المصلين فهذه علامة السوء، فقدمت الصلاة في الحديث لأهميتها؛ ولأنها صلة وثيقة بين العبد وبين ربه؛ ولأنها تتكرر في اليوم والليلة خمس مرات.




استمع المزيد من الشيخ عبد المحسن العباد - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح الأربعين النووية [30] 2558 استماع
شرح الأربعين النووية [17] 2545 استماع
شرح الأربعين النووية [32] 2457 استماع
شرح الأربعين النووية [25] 2336 استماع
شرح الأربعين النووية [11] 2306 استماع
شرح الأربعين النووية [23] 2272 استماع
شرح الأربعين النووية [5] 2208 استماع
شرح الأربعين النووية [33] 2206 استماع
شرح الأربعين النووية [20] 2140 استماع
شرح الأربعين النووية [31] 2140 استماع