شرح الأربعين النووية [18]


الحلقة مفرغة

عن أبي حمزة أنس بن مالك خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) رواه البخاري و مسلم .

هذا حديث عظيم، بين فيه النبي الكريم صلى الله عليه وسلم أن من كمال الإيمان في المؤمن والمسلم أن يكون محباً لأخيه ما يحب لنفسه، وأن يكره له ما يكره لها، فيكون حريصاً على الخير لنفسه ولغيره، ولا يكون شأنه متعلقاً بنفسه فقط، وأما غيره فلا يهمه شأنه، ولا يعيره اهتماماً؛ بل عليه أن يحب الخير لغيره كما يحبه لنفسه؛ وكذلك يكون الأمر فيما يقابل ذلك من الكراهة، فيكره لغيره ما يكرهه لنفسه.

الإيمان يزيد وينقص

في قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم)، نفي كمال الإيمان، وفي هذا دليل على أن الناس يتفاوتون في الإيمان، وأن الإيمان يزيد وينقص، وقد جاءت الآيات والأحاديث الكثيرة الدالة على أن الإيمان يزيد وينقص، وأن الناس يتفاوتون فيه، فمنهم من يكون متصفاً بالكمال، ومنهم من يكون بين ذلك.

وهذا الحديث فيه نفي الكمال عمن لا يحب لأخيه ما يحب لنفسه، ومن كمال الإيمان في حقه أن يحب لغيره ما يحب لنفسه.

المراد بالأخوة في قوله : ( لأخيه )

قوله: (لأخيه)، قيل: إن المراد بذلك أخوة الإسلام والإيمان، لما جاء في الحديث: (المسلم للمسلم كالبنيان يشد بعضه بعضاً) وحديث: (مثل المسلمين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر)، وعلى هذا فيكون ذكر الأخوة هنا المراد بها: أخوة الإسلام.

وفي التنصيص على ذكر الأخوة ما يشعر بأن المطلوب من الإنسان أن يعطف على أخيه، وأن يحرص على فائدته، وأن يحب له ما يحب لنفسه، وأن يشعر بالاهتمام به، وأن يعطف عليه، وهو يختلف عما لو قال: لا يؤمن أحدكم حتى يحب للمؤمن ما يحب لنفسه؛ لأن التعبير بالأخوة هنا فيه إفادة هذا المعنى.

ومن العلماء من قال: إن المراد بالأخوة هنا الأخوة العامة التي هي أخوة النسب البعيد العالي، ويدخل في ذلك الكفار؛ لأنهم إخوة في النسب من جهة أن أبا الجميع هو آدم عليه الصلاة والسلام، ثم نوح، ثم إبراهيم، فيكون المقصود بالأخوة ما هو أعم من الأخوة في الإسلام، ويكون المقصود من ذلك: أنه يحب لأخيه في النسب العالي البعيد الهداية والاستقامة، وأن تحصل الهداية للكافر كما حصلت الهداية له، فتكون الأخوة هنا أعم.

وقد جاء في القرآن إطلاق الأخوة على هذا المعنى، كما قال الله عز وجل: كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلا تَتَّقُونَ [الشعراء:105-106]، فإن هذه أخوة نسب وليست أخوة إيمان، وكذلك جاء في حق رسل الله عز وجل -مثل هود وصالح وشعيب- ذكر الأخوة، وهي بمعنى أخوة النسب وليست أخوة الإيمان.

والغالب أن الأخوة إذا ذكرت مطلقة في النصوص فإنما يقصد أخوة الإيمان، فيكون التعاطف والتواد والتراحم والتواصل والألفة والمحبة بينهم بسبب أخوة الإسلام.

نعم، لا شك أن الإنسان يحب لغيره من الكفار الهداية، ويدعو لهم بها، ويسأل الله عز وجل لهم ذلك؛ ولكن ما جاء في مثل هذا النص فالغالب أن يكون المراد به هو الأخ المسلم، ولهذا جاء في الحديث: (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يحقره ولا يخذله ..)، فيكثر ذكر الأخوة بين المسلمين والترابط ولقوة الصلة بينهم.

وجوب معاملة الإنسان لغيره كما يجب أن يعاملوه

قال عليه الصلاة والسلام: ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه )، أي: وكذلك أيضاً يكره له ما يكره لنفسه، ويدخل تحت ذلك كون الإنسان يحب أن يعامل معاملة طيبة، فكذلك عليه أن يعامل غيره معاملة طيبة، فيعامل الناس بمثل ما يحب أن يعاملوه به.

وقد جاء في صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما في حديث طويل قوله صلى الله عليه وسلم: (فمن أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأتِ إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه)، وقوله صلى الله عليه وسلم: (وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه)، هو بمعنى: (يحب لغيره ما يحب لنفسه)، فكما أنه يحب أن يعامل معاملة طيبة فعليه أن يعامل غيره معاملة طيبة، ولا يكون بخلاف هذا الوصف الذي أرشد إليه الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام، وقد ذكر الله عز وجل في كتابه ذم من يكون كذلك فقال: وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ [المطففين:1-3]، فهم عندما يأخذون حقهم يستوفونه ويأخذونه كاملاً، وعندما يؤدون الحق الذي عليهم يبخسونه وينقصونه؛ فيأخذون الحق كاملاً، ولا يعطون الحق الذي عليهم كاملاً.

ويدخل تحت هذا البخس: أولئك الموظفون الذين يتأخرون عن أعمالهم، ويضيعون شيئاً من الوقت المطلوب منهم والمفروض عليهم دون أن يستعملوه فيما يعود على الناس بالخير والفائدة، فهذا من قبيل البخس ومن قبيل أخذ الحق كاملاً وتأدية ما عليه ناقصاً، فهو لا يحب أن يخصم شيء من راتبه؛ ولكنه لا يبالي إن ضيع شيئاً من الوقت المفروض عليه دون أن يصرفه فيما يعود على الناس بالخير.

وكذلك جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله ينهاكم عن ثلاث: عقوق الأمهات، ووأد البنات، ومنعاً وهات)، بأن يأخذ ولا يعطي، ويكون جموعاً منوعاً، يحب أن يصل إليه الشيء ولكن لا يصل منه شيء، فهو يطلب ولكن لا يعطي، هناك دخول عليه وليس هناك خروج منه، وهذه صفات ذمها الله عز وجل، وكذلك جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم ذمها ومنعها، وهي تخالف ما أخبر به الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث في قوله: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه).

في قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم)، نفي كمال الإيمان، وفي هذا دليل على أن الناس يتفاوتون في الإيمان، وأن الإيمان يزيد وينقص، وقد جاءت الآيات والأحاديث الكثيرة الدالة على أن الإيمان يزيد وينقص، وأن الناس يتفاوتون فيه، فمنهم من يكون متصفاً بالكمال، ومنهم من يكون بين ذلك.

وهذا الحديث فيه نفي الكمال عمن لا يحب لأخيه ما يحب لنفسه، ومن كمال الإيمان في حقه أن يحب لغيره ما يحب لنفسه.

قوله: (لأخيه)، قيل: إن المراد بذلك أخوة الإسلام والإيمان، لما جاء في الحديث: (المسلم للمسلم كالبنيان يشد بعضه بعضاً) وحديث: (مثل المسلمين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر)، وعلى هذا فيكون ذكر الأخوة هنا المراد بها: أخوة الإسلام.

وفي التنصيص على ذكر الأخوة ما يشعر بأن المطلوب من الإنسان أن يعطف على أخيه، وأن يحرص على فائدته، وأن يحب له ما يحب لنفسه، وأن يشعر بالاهتمام به، وأن يعطف عليه، وهو يختلف عما لو قال: لا يؤمن أحدكم حتى يحب للمؤمن ما يحب لنفسه؛ لأن التعبير بالأخوة هنا فيه إفادة هذا المعنى.

ومن العلماء من قال: إن المراد بالأخوة هنا الأخوة العامة التي هي أخوة النسب البعيد العالي، ويدخل في ذلك الكفار؛ لأنهم إخوة في النسب من جهة أن أبا الجميع هو آدم عليه الصلاة والسلام، ثم نوح، ثم إبراهيم، فيكون المقصود بالأخوة ما هو أعم من الأخوة في الإسلام، ويكون المقصود من ذلك: أنه يحب لأخيه في النسب العالي البعيد الهداية والاستقامة، وأن تحصل الهداية للكافر كما حصلت الهداية له، فتكون الأخوة هنا أعم.

وقد جاء في القرآن إطلاق الأخوة على هذا المعنى، كما قال الله عز وجل: كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلا تَتَّقُونَ [الشعراء:105-106]، فإن هذه أخوة نسب وليست أخوة إيمان، وكذلك جاء في حق رسل الله عز وجل -مثل هود وصالح وشعيب- ذكر الأخوة، وهي بمعنى أخوة النسب وليست أخوة الإيمان.

والغالب أن الأخوة إذا ذكرت مطلقة في النصوص فإنما يقصد أخوة الإيمان، فيكون التعاطف والتواد والتراحم والتواصل والألفة والمحبة بينهم بسبب أخوة الإسلام.

نعم، لا شك أن الإنسان يحب لغيره من الكفار الهداية، ويدعو لهم بها، ويسأل الله عز وجل لهم ذلك؛ ولكن ما جاء في مثل هذا النص فالغالب أن يكون المراد به هو الأخ المسلم، ولهذا جاء في الحديث: (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يحقره ولا يخذله ..)، فيكثر ذكر الأخوة بين المسلمين والترابط ولقوة الصلة بينهم.

قال عليه الصلاة والسلام: ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه )، أي: وكذلك أيضاً يكره له ما يكره لنفسه، ويدخل تحت ذلك كون الإنسان يحب أن يعامل معاملة طيبة، فكذلك عليه أن يعامل غيره معاملة طيبة، فيعامل الناس بمثل ما يحب أن يعاملوه به.

وقد جاء في صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما في حديث طويل قوله صلى الله عليه وسلم: (فمن أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأتِ إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه)، وقوله صلى الله عليه وسلم: (وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه)، هو بمعنى: (يحب لغيره ما يحب لنفسه)، فكما أنه يحب أن يعامل معاملة طيبة فعليه أن يعامل غيره معاملة طيبة، ولا يكون بخلاف هذا الوصف الذي أرشد إليه الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام، وقد ذكر الله عز وجل في كتابه ذم من يكون كذلك فقال: وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ [المطففين:1-3]، فهم عندما يأخذون حقهم يستوفونه ويأخذونه كاملاً، وعندما يؤدون الحق الذي عليهم يبخسونه وينقصونه؛ فيأخذون الحق كاملاً، ولا يعطون الحق الذي عليهم كاملاً.

ويدخل تحت هذا البخس: أولئك الموظفون الذين يتأخرون عن أعمالهم، ويضيعون شيئاً من الوقت المطلوب منهم والمفروض عليهم دون أن يستعملوه فيما يعود على الناس بالخير والفائدة، فهذا من قبيل البخس ومن قبيل أخذ الحق كاملاً وتأدية ما عليه ناقصاً، فهو لا يحب أن يخصم شيء من راتبه؛ ولكنه لا يبالي إن ضيع شيئاً من الوقت المفروض عليه دون أن يصرفه فيما يعود على الناس بالخير.

وكذلك جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله ينهاكم عن ثلاث: عقوق الأمهات، ووأد البنات، ومنعاً وهات)، بأن يأخذ ولا يعطي، ويكون جموعاً منوعاً، يحب أن يصل إليه الشيء ولكن لا يصل منه شيء، فهو يطلب ولكن لا يعطي، هناك دخول عليه وليس هناك خروج منه، وهذه صفات ذمها الله عز وجل، وكذلك جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم ذمها ومنعها، وهي تخالف ما أخبر به الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث في قوله: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه).