دروس وعبر


الحلقة مفرغة

الله سبحانه وتعالى هو الإله المعبود الذي لا يستحق العبادة أحد سواه؛ لأنه هو الخالق، الرازق، المحيي، المميت، الرب، المالك لكل شيء، فلا يجوز أن يصرف شيء من العبادة لغيره تعالى، ومن صرف شيئاً منها لغير الله فقد أشرك مع الله غيره، وهذا أعظم الذنوب وأشنعها، وقد دل على استحقاق الله تعالى للعبادة دون غيره الأدلة الكثيرة من الكتاب والسنة والعقل والفطرة السليمة التي فطر الله الناس عليها.

الحمد لله منشئ السحاب، منـزل الكتاب، وهازم الأحزاب، وخالق خلقه من تراب، الحمد لله حمداً طيباً مباركاً كما ينبغي لجلال وجه الله وعظيم سلطانه، الحمد لله الذي كشف الغمة عن المسلمين، الحمد لله الذي تتابعت نعمه على عباده المؤمنين، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لا معبود بحقٍ سواه، نحمده سبحانه على نعمه التي لا تحصى، وعلى آلائه التي لا تنسى، بالأمس كنا خائفين واليوم نصبح مطمئنين.. من الذي جعل هذه الحالة في القلوب يا عباد الله؟ أليس ربكم جل وعلا؟

اللهم لك الحمد، اللهم لك الحمد، اللهم لك الحمد وحدك لا شريك، اللهم لك الثناء الحسن، اللهم لك الشكر وحدك لا شريك لك.

وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، فلا نجاة والله إلا بها، ولا طمأنينة إلا بها، ولا عز ولا تمكين إلا بها، اتقوا الله تعالى حق التقوى، ولا تموتن إلا عليها.. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

عباد الله: انظروا حالكم بين الأمس واليوم، كثيرٌ من الناس سافر عن أرضه، وترك بيته وودع مهبط رأسه، وذهب يميناً أو يساراً، قريباً أو بعيداً، خوفاً على نفسه، لقد انتهت تعلقاته وارتباطاته بثروته وماله وبيته وداره، وأصبح لا يفكر إلا بنفسه.. ترك بيته، ترك قصره، ترك ذلك المكان الذي مكث مدة طويلة وهو يشاور الأصحاب، ويستشير الأحباب، من أجل تحديد موقعه، على ربوة أم هضبة، على جهة أم جهتين.. ما واجهاته، ما أنواع الرفاهية فيه، تركها لكي يعيش في شقة ضيقة؛ لأن نعمة الأمن في نفسه تزعزعت قليلاً، والآن بحمد الله جل وعلا عاد الذاهبون آيبين، ورجعوا إلى بيوتهم مطمئنين.

من الذي قذف الطمأنينة في القلوب؟

أليس الله جل وعلا؟ اللهم لك الحمد على كل حال.

والله لقد مرت بالناس أيام وليالي ما كان الناس يفكرون إلا بأنفسهم، وإذا سمعوا صيحة صاحت قلوبهم واختلفت أفئدتهم.. النوافذ مغلقة، والأبواب محكمة، والأعناق مشرئبة، والأفئدة تنظر، والأعين تبصر، هل يزول الخطر أم لا؟ قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ [الفرقان:77] نسأل الله جل وعلا أن يكون كشف هذه الغمة سبباً في مزيدٍ من الذلة بين يديه، والانكسار إليه والحاجة إليه، والخشوع له، والتضرع بين يديه سبحانه وتعالى.

الذكر والشكر عند حلول النعم

أيها الأحبة: إن في هذا الدين سنة عظيمة وهي أن تختم العبادات بالذكر والشكر والتسبيح، فما بالكم باندفاع النقم وحلول النعم! فهي أولى بالشكر والتسبيح، يقول الله جل وعلا في صيام شهر رمضان: وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ [البقرة:185] تختم العبادة بالذكر والتكبير، ويقول جل وعلا في الحج: فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً [البقرة:200] وفي المجالس في ختامها تختم بالكفارة.. (سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك) وإذا عاد الإنسان من سفره كبر مهللاً وحمد الله: (آيبون تائبون لربنا حامدون) فما من أمرٍ من أمور العبادة فضلاً عن أمور الدنيا إلا ونجد أن الشريعة قد وجهتنا إلى أن نختمه بالذكر والشكر، والتكبير والتعظيم، والتسبيح والثناء، والتمجيد لله جل وعلا وحده لا شريك له، فما بالنا وقد دحر الله أعداء المسلمين من البعثيين! ونسأل الله أن يدحر بقية أعداء المسلمين على وجه هذه الأرض، وألا يجعل للكافرين على المؤمنين سبيلاً، وألا يجعل للفاجرين على المتقين دليلاً.

أيها الأحبة في الله: ينبغي أن نعلم أن أيامنا هذه أيام شهرٍ كريمٍ وما بعده أكرم منه، وأيامنا هذه أيامٌ نعمة حلت بالمؤمنين باندفاع واندحار عدوهم البعثي وانهزام فلوله وتحطم راياته، وانكسار آياته، فهي -والله- أحوج بالشكر والثناء والتعظيم لله جل وعلا، أما أن تكون أمة الإسلام كما قال تعالى: وَإِذَا مَسَّ الْأِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَائِماً فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ [يونس:12] غناء وتطبيل وتزمير!! ينبغي للأمة أن تتقي الله في نفسها، وأن تتذكر قبل أيامٍ قليلة كيف كانت الوجوه تتغير، وكيف كانت الأفئدة تتطاير، وكيف كان الذعر والقلق يملأ الرجال والذرية والنساء، ينبغي ألا نكون من أولئك الذين قال الله فيهم: فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ [العنكبوت:65] نعوذ بالله من ذلك! ونعوذ بالله أن نخادع الله وهو يخدع المنافقين والكافرين والعابثين بأمرٍ يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، كانت مرحلة مشنشنة فاضحة مصفية للنفاق والمنافقين، وظهر الذين يستغلون الفرص، وظهر الذين أصبحت علاقاتهم مصلحية، وظهر ما يسمى بوحدة الأمة العربية..

وإخواناً جعلتهمُ سهاماً     فكانوها ولكن في فؤادي

وإخواناً حسبتهمُ دروعاً     فصاروها ولكن للأعادي

الحاجة إلى فتح صفحة جديدة

والآن تصيح الإذاعات التي كانت بالأمس تقول متفرجة شامتة على المسلمين: ضربت مدينة الرياض بصواريخ أسكود، ضربت مدينة الشرقية بصواريخ أسكود، ضربت مدينة كذا بصواريخ، والآن ينبغي أن نعود إخوة كما كنا، وأن ننسى الماضي وأن نفتح صفحة جديدة، صفحة جديدة على ماذا؟! أن نضع في جعبنا العقارب والحيات، والدواب والثعابين، ثم نقول: نفتح جعبة جديدة أو صفحة جديدة! لا، نفتح صفحة جديدة ولكن على الإسلام، على التوحيد، على تحكيم كتاب الله، على الوقوف لقضايا المسلمين في شرقها وغربها، لا أن تكون المصائب هي التي تكشف الخبايا.

أيها الأحبة في الله: ومرت أيامٌ علم الله أحوال الخلق فيها، وكلٌ منكم قد ناله ما ناله منها، فالخطاب أولاً لكم أنتم أن تتقوا الله جل وعلا، وألا تكون ذنوبنا سبباً في شؤم بني المسلمين أجمعين، وألا تكون غفلتنا سبباً في هلاك الصالحين.. (أنهلك وفينا الصالحون؟ قال صلى الله عليه وسلم: نعم، إذا كثر الخبث).

أيها الأحبة: هي مسئوليتكم أنتم لكي تفتحوا صفحة جديدة، وتودعوا زمن الهزل والغزل.

اعتزل ذكر الأغاني والغزل     وقل الفصل وجانب من هزل

ودع الذكر لأيام الصبا     فلأيام الصبا نجمٌ أفل

إن أهنا عيشة قضيتها     ذهبت لذتها والإثم حل

لا تقل أصلي وفصلي أبدا     إنما أصل الفتى ما قد حصل

ليس من يقطع طرقاً بطلاً     إنما من يتقي الله البطل

أيها الأحبة: إن في هذا الدين سنة عظيمة وهي أن تختم العبادات بالذكر والشكر والتسبيح، فما بالكم باندفاع النقم وحلول النعم! فهي أولى بالشكر والتسبيح، يقول الله جل وعلا في صيام شهر رمضان: وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ [البقرة:185] تختم العبادة بالذكر والتكبير، ويقول جل وعلا في الحج: فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً [البقرة:200] وفي المجالس في ختامها تختم بالكفارة.. (سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك) وإذا عاد الإنسان من سفره كبر مهللاً وحمد الله: (آيبون تائبون لربنا حامدون) فما من أمرٍ من أمور العبادة فضلاً عن أمور الدنيا إلا ونجد أن الشريعة قد وجهتنا إلى أن نختمه بالذكر والشكر، والتكبير والتعظيم، والتسبيح والثناء، والتمجيد لله جل وعلا وحده لا شريك له، فما بالنا وقد دحر الله أعداء المسلمين من البعثيين! ونسأل الله أن يدحر بقية أعداء المسلمين على وجه هذه الأرض، وألا يجعل للكافرين على المؤمنين سبيلاً، وألا يجعل للفاجرين على المتقين دليلاً.

أيها الأحبة في الله: ينبغي أن نعلم أن أيامنا هذه أيام شهرٍ كريمٍ وما بعده أكرم منه، وأيامنا هذه أيامٌ نعمة حلت بالمؤمنين باندفاع واندحار عدوهم البعثي وانهزام فلوله وتحطم راياته، وانكسار آياته، فهي -والله- أحوج بالشكر والثناء والتعظيم لله جل وعلا، أما أن تكون أمة الإسلام كما قال تعالى: وَإِذَا مَسَّ الْأِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَائِماً فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ [يونس:12] غناء وتطبيل وتزمير!! ينبغي للأمة أن تتقي الله في نفسها، وأن تتذكر قبل أيامٍ قليلة كيف كانت الوجوه تتغير، وكيف كانت الأفئدة تتطاير، وكيف كان الذعر والقلق يملأ الرجال والذرية والنساء، ينبغي ألا نكون من أولئك الذين قال الله فيهم: فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ [العنكبوت:65] نعوذ بالله من ذلك! ونعوذ بالله أن نخادع الله وهو يخدع المنافقين والكافرين والعابثين بأمرٍ يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، كانت مرحلة مشنشنة فاضحة مصفية للنفاق والمنافقين، وظهر الذين يستغلون الفرص، وظهر الذين أصبحت علاقاتهم مصلحية، وظهر ما يسمى بوحدة الأمة العربية..

وإخواناً جعلتهمُ سهاماً     فكانوها ولكن في فؤادي

وإخواناً حسبتهمُ دروعاً     فصاروها ولكن للأعادي

والآن تصيح الإذاعات التي كانت بالأمس تقول متفرجة شامتة على المسلمين: ضربت مدينة الرياض بصواريخ أسكود، ضربت مدينة الشرقية بصواريخ أسكود، ضربت مدينة كذا بصواريخ، والآن ينبغي أن نعود إخوة كما كنا، وأن ننسى الماضي وأن نفتح صفحة جديدة، صفحة جديدة على ماذا؟! أن نضع في جعبنا العقارب والحيات، والدواب والثعابين، ثم نقول: نفتح جعبة جديدة أو صفحة جديدة! لا، نفتح صفحة جديدة ولكن على الإسلام، على التوحيد، على تحكيم كتاب الله، على الوقوف لقضايا المسلمين في شرقها وغربها، لا أن تكون المصائب هي التي تكشف الخبايا.

أيها الأحبة في الله: ومرت أيامٌ علم الله أحوال الخلق فيها، وكلٌ منكم قد ناله ما ناله منها، فالخطاب أولاً لكم أنتم أن تتقوا الله جل وعلا، وألا تكون ذنوبنا سبباً في شؤم بني المسلمين أجمعين، وألا تكون غفلتنا سبباً في هلاك الصالحين.. (أنهلك وفينا الصالحون؟ قال صلى الله عليه وسلم: نعم، إذا كثر الخبث).

أيها الأحبة: هي مسئوليتكم أنتم لكي تفتحوا صفحة جديدة، وتودعوا زمن الهزل والغزل.

اعتزل ذكر الأغاني والغزل     وقل الفصل وجانب من هزل

ودع الذكر لأيام الصبا     فلأيام الصبا نجمٌ أفل

إن أهنا عيشة قضيتها     ذهبت لذتها والإثم حل

لا تقل أصلي وفصلي أبدا     إنما أصل الفتى ما قد حصل

ليس من يقطع طرقاً بطلاً     إنما من يتقي الله البطل

البطولة والنصر بالتقوى واللجوء إلى الله جل وعلا، وحبذا أن تكشف الأمة أوراقها، وأن تدرس ما حصل لها من العبر والعظات في هذه المصيبة التي حصلت لأمة المسلمين أجمعين في هذه الأيام التي مضت.

أولها: لقد ظهر ضعف المسلمين، وهذا أمرٌ لا نسوقه على وجه الشماتة أو على وجه الفرح، وإنما نسوقه لكم لكي يجند كل واحدٍ منكم أبناءه، ولكي يعد كل واحدٍ منكم نفسه، لكي يكون جيشاً احتياطيا، وجندياً على أهبة الاستعداد حال الطلب، لكي تكون أمة الإسلام مستغنية عن غيرها بحالها.. نعم، ظهر ما نحن فيه، وظهرت علاقاتنا وظهرت صداقاتنا، فحاجتنا أن نستلهم الدرس منها، وقد انتهى ذلك الوقت الذي كان الكثير يخاف على ولده من الجندية والعسكرية، بل لابد ولو بذلنا كل الأسباب من أجل أن يتجند أبناؤنا وأن يتطوع أبناؤنا، ولقد رأينا فيكم وفيهم خيراً كثيراً بإذن الله، لقد ظن أعداء الإسلام أن أبناء هذه الجزيرة لن يستطيعوا أن يقفوا على ميادين التدريب والجندية، أو لن يرغبوا في أن يتسابقوا إلى ميادين الجهاد، بعد أن ملئوا مدرجات الملاعب، أو بعد أن جلسوا على الأرصفة، وهاهم يثبتون خيبة ظن أعدائهم بهم ويقولون: خسر رهانكم، وخابت ظنونكم، وحنثت يمينكم، هؤلاء شبابنا عادوا أقرب إلى الله من ذي قبل، وعادوا أصدق مع الله من ذي قبل.

فيا شباب الإسلام.. مزيداً من بذل الطاعة لله جل وعلا، والوعي لواقعكم وما يدور حولكم وما يراد بكم.

زوال النعم بالمعاصي

ومن دروس هذه المحنة: أن النعم لا تدوم.. من سره زمنٌ ساءته أزمان..

يا نائم الليل مسروراً بأوله     إن الحوادث قد يطرقن أسحارا

أي مصيبة حلت بأحبابنا وإخواننا في الكويت، ناموا آمنين، فأصبحوا مشردين، هذه الدنيا لا يعول عليها، ولا يُطمئن إليها، ولا يوثق بها، فاعتبروا يا أولي الأبصار! ليست أمة دون أمة تحرم على الغزو والاجتياح، أو البلاء والعقوبة والمصيبة، نسأل الله ألا يحل بنا ما حل بإخواننا، ونسأل الله جل وعلا أن يجبر كسرهم وأن يشفي مريضهم، وأن يرد أسيرهم، وأن يجبر كسيرهم.. اعتبروا بهذه الدنيا.

أما الذين يمشون ولا يزالون في ترف المراكب ولهو الدور وعبث الدنيا والغفلة عن عبادة الله، فليتقوا الله جل وعلا، وليتذكروا أن الذنوب لها شؤم، وأن شؤمها يحل عاجلاً وآجلاً، وليس كما يظن بعضهم:

إذا لم يغبر حائطٌ في وقوعه     فليس لهم بعد الوقوع غبارُ

لا، الذنوب والمعاصي لها شؤمٌ يحل عاجلاً أو آجلاً، وإن الأمة إذا عصت الله على بصيرة واستمرأ الناس المعصية، ورأوا المعصية، وشاهدوا المعصية، وجالسوا المعصية، وخالطوا المنكر واستمرءوه؛ أوشك أن يعمهم الله بعذابٍ من عنده، وهانوا على الله.. لما فتحت المدائن بكى أبو ذر ، فقيل له: ما يبكيك يا صاحب رسول الله؟ فأخذ يبكي ويقول: ما أهون الخلق على الله إن هم عصوه!

بالأمس كانوا ملوكاً في مناصبهم     واليوم هم في بلاد الأرض عبدانُ

إن الأمة إذا عصت الله على بصيرة، فإن سنة الله لا تتغير فيها أبداً، ولنتذكر ما حل بالمسلمين في بغداد، ما حل بالمسلمين أيام التتار والمغول، وتلك الحوادث التي لا يمكن أن ينساها التاريخ، ماذا حل بالمسلمين؟ قال أهل التاريخ: لقد قتل من المسلمين ألف ألف مسلم على أيدي المغول والتتار، أي: مليون مسلم، وقيل: ثمانمائة ألف مسلم، كيف يقتلون وهم يصلون ويسجدون ويصومون مثلكم؟ ولكن لما انتشرت المعاصي وظهرت المعاصي وأصبح الناس يفاخرون بها، وإذا قام قائمٌ لله بحق، أو رجلٌ يدعو إلى الله على بصيرة، أو غيورٌ يأمر بالمعروف أو ينهى عن المنكر؛ قيل: اخرج، أنت مطوع، معقد، مسكين، يتدخل في شئون الآخرين، متشدد، لا يعرف أساليب الدعوة، لا يعرف التغيير، وأخذوا يرمونهم بمختلف الأساليب، ولقد جاء إليَّ ذات يوم رجلٌ -أسأل الله لي وله الهداية- يشكو إليَّ شاباً، يقول: هذا لا يعرف الدعوة ولا يعرف أساليب الدعوة، وأصبح يحدثني حديثاً عن شاب في الإسلام وشاب في الدعوة وشاب في تغيير المنكر والأمر بالمعروف، فقلت له: أما تستحي أن تتجرأ بهذا الأسلوب على رجلٍ أنا أحسبه أتقى منك؟ أما تستحي أن تتكلم في أساليب الدعوة وأنت ليس فيك شيءٌ من سمات الدعوة إلا أقل القليل؟ فينبغي -أيها الأحبة- إن لم نكن جنوداً للحق أن نكون أنصاراً له، وإن لم نكن أنصاراً أن نكون مؤيدين بالدعاء له.

لا خيل عندك تهديها ولا مالُ     فليسعف النطق إن لم تسعف الحالُ

(من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت).

إننا نعلم أن للمصائب ارتباطاً وثيقاً بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإذا الأمة لم تكن آمرة أو ناصرة أو مؤيدة أو داعية أو محبة؛ فإنها على خطرٍ عظيم، وكل واحدٍ منا ينبغي ألا يحرم نفسه واحدة من هذه المنازل، إما أن يكون داعياً آمراً بالمعروف، ناهياً عن المنكر، أو نصيراً أو مؤيداً أو على الأقل صامتاً، ألا يتناول الدين بلسانه، وألا يتناول أهل الدين بلسانه؛ لأن من أحب قوماً حشر معهم، فلا أقل من أن تحب الأبرار والأطهار والأخيار لتكون معهم يوم القيامة.. جاء رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (يا رسول الله! المرء يحب القوم ولمَّا يلحق بهم؟ فقال صلى الله عليه وسلم: أنت مع من أحببت يوم القيامة).

فهذا درسٌ من الدروس ألا نثق بالدنيا، وألا نطمئن بها وإليها، وأن نعرف أن ترك المنكرات وخذلان أهل الأمر بالمعروف سببٌ من أسباب المصائب، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

دور العلماء عند المحن

ومن الدروس والفوائد: أن للعلماء -أمد الله في عمرهم، وبارك في أوقاتهم، وحفظهم بحفظه وعنايته- أن للعلماء دوراً عظيماً في شرعية القتال، وبيان ما يكون من القتال جهاداً، والله إنه موقفٌ لن ينساه التاريخ أبداً لعلماء المملكة وعلى رأسهم سماحة الشيخ ابن باز ، الذي وضح ذلك الضلع الخطير من هذه القضية الذي يتعلق بالجهاد في سبيل الله جل وعلا، وهذا دليل على دقة الوعي ودقة الفهم، لا كما يقول بعض السذج: علماؤنا لا يفقهون في السياسة شيئاً.. من الذي يفقه في السياسة إذاً؟ الذي لم يعرف الالتزام إلا من خمس سنوات أو عشر سنوات؟ شابوا في الإسلام وشبوا ونشئوا وكبروا عليه ولا يعرفون في السياسة قليلاً ولا كثيرا؟! لقد برز دور العلماء في هذه المرحلة، وحصل ما حصل، خاصة بوجود القوات الأجنبية، ومع ذلك كان رأيهم واضحاً بفضل الله جل وعلا، واطمأنت الأمة إلى رأيهم، وعرفت صواب رأيهم، ومصداقية تفكيرهم، وعرفوا أنهم هم أرباب السياسة، وهم دهاقينها وهم أساتذتها، كما يقول الشيخ الدوسري رحمه الله، أسأل الله أن يملأ قبره روضة وريحاناً: (لا إله إلا الله) من لامها إلى هائها سياسة.

نهاية ما جمع من الحرام

كذلك أيها الأحبة: ظهر في هذه المحنة العظيمة أن ما جمع من الحرام ينتهي بمحق، كم خسرنا في هذه الحرب أفراداً ومؤسساتٍ وشركات خسرت خساراتٍ عظيمة لا يعلمها إلا الله جل وعلا! كلها خسرت وانتهت وذهبت في هذه الحرب يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ [البقرة:276] ما تجمعه من الربا أياً كنت فرداً أو صغيراً أو كبيرا، فإن الله يمحقه، والمحق قد أخبر الله به، أما كيفيته فالأمر إلى الله جل وعلا، زلزالٌ أو بركانٌ أو أمراضٌ أو حربٌ أو مصيبة، المهم يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ [البقرة:276].

كم أنفق على هذه الحرب من الأموال الطائلة الكثيرة! ونحن نسأل الله أن يكون ما أنفق فيها دفعاً عن المسلمين لأنواع البلاء، وتطهيراً للمسلمين من المتشابهات والمختلطات، وإنا على ثقة أن الدعاء كان أعظم سلاحٍ قاتلنا به الأعداء، والله إنا على ثقة أن الدعاء كان أعظم سلاحٍ قاتلنا به الأعداء، ثم بعد ذلك بهذا الدعاء سخر الله للمسلمين من هم أقوى منهم، وبهذا الدعاء فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ [الأنفال:17]وبهذا الدعاء وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى [الأنفال:17]وبهذا الدعاء كان المقدور لطيفاً وكان سهلاً ميسوراً على أمة المسلمين فيما أصابهم، فلنكن صرحاء مع أنفسنا، صادقين، حتى في الاستفادة من تجاربنا، وفي هذه الحرب جربت أسلحةٌ جديدة لأول مرة، فكانت درساً لشركات الأسلحة التي كانت تنتظر فرصة أو لا تنتظر، المهم كانت تتمنى يوماً تقيم فيه أسلحتها وتعرف مواطن السلب والإيجاب، والزيادة والنقص، والنفع والضرر في هذه الأسلحة التي صنعت، فكان من عبر هذه الحرب أن جربت فيها أسلحة جديدة، واستفاد منها من كان عاملاً، وهي سنة كونية، إن من يعمل يجد نتيجة، حتى لو كان يهودياً، حتى لو كان نصرانياً، حتى لو كان بوذياً، حتى لو كان مجوسياً، إن من يعمل يجد نتيجة، فأمة الإسلام إن تعمل وتكن على مستوى العمل ستجد نتيجة، كيف لا والله يؤيدها ويسددها بمنٍ وعونٍ وتوفيقٍ منه.

أثر الدعاء في صد العدوان

كذلك أيها الأحبة: كما قلنا، بهذا الدعاء الذي هو أعظم سلاحٍ نزلنا به هذه المعركة دفع الله أنواع البلاء، وأنتم ترون كم أسقط على المملكة من صاروخ أسكود، صاروخ يسقط في طريق الخدمة فلا ينحرف يميناً لكي يهدم الأسواق والمباني والمحلات التجارية، ولا يسقط يساراً فيقع في الخط الدائري فتحصل الحوادث المرورية، وصاروخ آخر يقع في شارعٍ في أحد الأحياء لا ينحرف يميناً فيصيب مبنى ولا ينحرف يساراً فيصيب بناية، وصاروخ آخر يسقط على بناية بطريقة قوسية أو وترية، حتى تكون الأنقاض محتوية داخل البناء، ولو ضرب من جهة لمال على الأخرى، ولو ضرب من أخرى لمال على التي تليها، حتى تكون الإصابة أقل ما تكون، ويوم أن سقط صاروخ أسكود آخر مات فيه ثمانية وعشرون قتيلاً وحوالي تسعين جريحاً، نحن لا نقول هذا شماتة، ولا نقول هذا فرحاً، وإنما نقول: اعتبروا، فإن هذا الدين وهذا التوحيد وهذا الدعاء، هو الذي جعل هذه الصواريخ تحملها الملائكة يمنة ويسرة حتى تقع بها في موقعٍ بعيدٍ عنا: قُلْ مَنْ يَكْلَأُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ [الأنبياء:42].. وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً [الأنعام:61].. وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ [الانفطار:10] هذه آياتٌ قرآنية وجدناها آيات واقعية فعلية وعملية، وانظروا كم سقط على أبناء القردة اليهود من الصواريخ، انظروا كم سقط عليهم من الصواريخ، وماذا أحدثت ودمرت في أرضهم وبلادهم، ما الفرق؟ هل الصاروخ الذي أطلق على اليهود صاروخٌ يختلف عن الذي أطلق على المسلمين؟ بل والله كانت أشد الصواريخ فتكاً تلك التي أطلقت علينا؛ لأنها أبعد مسافة وحملت بوقودٍ أكثر، ومع ذلك فإن الله دفع البلاء بمنه وفضله ولله الحمد والمنة.

ضرورة الاستعداد للحرب

ثم أيضاً من هذه الدروس: أن الاستعداد للحروب أصبح أمراً طبيعياً، أصبح كل واحدٍ يحدث نفسه أن يكون جندياً، أن يخرج إلى الجبهة، أن يتطوع، أن يتسلح، أن يقتني السلاح، أن يتعامل مع السلاح، وقد انتهى ذلك الزمن الذي كان الناس لا يعرفون فيه حمل السلاح، وأيضاً شهادة جليلة لشباب هذه الأمة في صدق تجاوبهم لحفظ الأمن والحرص على أمن المسلمين، حيث ترون في مختلف الساعات واللحظات ليلاً ونهاراً هؤلاء الشباب الذين يقفون على الشوارع، ومداخل الطرق، والله ما مررت بشابٍ إلا دعوت له، ونسأل الله بأسمائه وصفاته أن يجعل لهؤلاء الشباب الذين تطوعوا في هذا الأمر، وكانت نيتهم صادقة مخلصة، أسأل الله أن يجعل لهم من كل همٍ فرجاً، ومن كل ضيقٍ مخرجاً، ومن كل بلوىً عافية، ومن كل فاحشة أمناً، ومن كل فتنة عصمة، اللهم لا تدع لهم ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مرضاً إلا عافيتهم منه، ولا حاجة إلا قضيتها، ولا أيماً منهم إلا زوجته، بمنك وكرمك يا أرحم الراحمين، هذه هديتنا لإخواننا ولشبابنا ولأبنائنا المتطوعين، هديتنا لهم الدعاء في ساعة من ساعات الإجابة، يوم يقوم الخطيب على المنبر، نسأل الله ألا يحجب دعاءنا لهم، ونسأل الله أن يمن عليهم بالهداية والاستقامة والصلاح، وأن يحبب إليهم الدين، وأن يكره إليهم الذنوب والمعاصي، وأن يبارك لهم فيما أباح لهم بمنه وكرمه.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنبٍ إنه هو الغفور الرحيم.

ومن دروس هذه المحنة: أن النعم لا تدوم.. من سره زمنٌ ساءته أزمان..

يا نائم الليل مسروراً بأوله     إن الحوادث قد يطرقن أسحارا

أي مصيبة حلت بأحبابنا وإخواننا في الكويت، ناموا آمنين، فأصبحوا مشردين، هذه الدنيا لا يعول عليها، ولا يُطمئن إليها، ولا يوثق بها، فاعتبروا يا أولي الأبصار! ليست أمة دون أمة تحرم على الغزو والاجتياح، أو البلاء والعقوبة والمصيبة، نسأل الله ألا يحل بنا ما حل بإخواننا، ونسأل الله جل وعلا أن يجبر كسرهم وأن يشفي مريضهم، وأن يرد أسيرهم، وأن يجبر كسيرهم.. اعتبروا بهذه الدنيا.

أما الذين يمشون ولا يزالون في ترف المراكب ولهو الدور وعبث الدنيا والغفلة عن عبادة الله، فليتقوا الله جل وعلا، وليتذكروا أن الذنوب لها شؤم، وأن شؤمها يحل عاجلاً وآجلاً، وليس كما يظن بعضهم:

إذا لم يغبر حائطٌ في وقوعه     فليس لهم بعد الوقوع غبارُ

لا، الذنوب والمعاصي لها شؤمٌ يحل عاجلاً أو آجلاً، وإن الأمة إذا عصت الله على بصيرة واستمرأ الناس المعصية، ورأوا المعصية، وشاهدوا المعصية، وجالسوا المعصية، وخالطوا المنكر واستمرءوه؛ أوشك أن يعمهم الله بعذابٍ من عنده، وهانوا على الله.. لما فتحت المدائن بكى أبو ذر ، فقيل له: ما يبكيك يا صاحب رسول الله؟ فأخذ يبكي ويقول: ما أهون الخلق على الله إن هم عصوه!

بالأمس كانوا ملوكاً في مناصبهم     واليوم هم في بلاد الأرض عبدانُ

إن الأمة إذا عصت الله على بصيرة، فإن سنة الله لا تتغير فيها أبداً، ولنتذكر ما حل بالمسلمين في بغداد، ما حل بالمسلمين أيام التتار والمغول، وتلك الحوادث التي لا يمكن أن ينساها التاريخ، ماذا حل بالمسلمين؟ قال أهل التاريخ: لقد قتل من المسلمين ألف ألف مسلم على أيدي المغول والتتار، أي: مليون مسلم، وقيل: ثمانمائة ألف مسلم، كيف يقتلون وهم يصلون ويسجدون ويصومون مثلكم؟ ولكن لما انتشرت المعاصي وظهرت المعاصي وأصبح الناس يفاخرون بها، وإذا قام قائمٌ لله بحق، أو رجلٌ يدعو إلى الله على بصيرة، أو غيورٌ يأمر بالمعروف أو ينهى عن المنكر؛ قيل: اخرج، أنت مطوع، معقد، مسكين، يتدخل في شئون الآخرين، متشدد، لا يعرف أساليب الدعوة، لا يعرف التغيير، وأخذوا يرمونهم بمختلف الأساليب، ولقد جاء إليَّ ذات يوم رجلٌ -أسأل الله لي وله الهداية- يشكو إليَّ شاباً، يقول: هذا لا يعرف الدعوة ولا يعرف أساليب الدعوة، وأصبح يحدثني حديثاً عن شاب في الإسلام وشاب في الدعوة وشاب في تغيير المنكر والأمر بالمعروف، فقلت له: أما تستحي أن تتجرأ بهذا الأسلوب على رجلٍ أنا أحسبه أتقى منك؟ أما تستحي أن تتكلم في أساليب الدعوة وأنت ليس فيك شيءٌ من سمات الدعوة إلا أقل القليل؟ فينبغي -أيها الأحبة- إن لم نكن جنوداً للحق أن نكون أنصاراً له، وإن لم نكن أنصاراً أن نكون مؤيدين بالدعاء له.

لا خيل عندك تهديها ولا مالُ     فليسعف النطق إن لم تسعف الحالُ

(من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت).

إننا نعلم أن للمصائب ارتباطاً وثيقاً بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإذا الأمة لم تكن آمرة أو ناصرة أو مؤيدة أو داعية أو محبة؛ فإنها على خطرٍ عظيم، وكل واحدٍ منا ينبغي ألا يحرم نفسه واحدة من هذه المنازل، إما أن يكون داعياً آمراً بالمعروف، ناهياً عن المنكر، أو نصيراً أو مؤيداً أو على الأقل صامتاً، ألا يتناول الدين بلسانه، وألا يتناول أهل الدين بلسانه؛ لأن من أحب قوماً حشر معهم، فلا أقل من أن تحب الأبرار والأطهار والأخيار لتكون معهم يوم القيامة.. جاء رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (يا رسول الله! المرء يحب القوم ولمَّا يلحق بهم؟ فقال صلى الله عليه وسلم: أنت مع من أحببت يوم القيامة).

فهذا درسٌ من الدروس ألا نثق بالدنيا، وألا نطمئن بها وإليها، وأن نعرف أن ترك المنكرات وخذلان أهل الأمر بالمعروف سببٌ من أسباب المصائب، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

ومن الدروس والفوائد: أن للعلماء -أمد الله في عمرهم، وبارك في أوقاتهم، وحفظهم بحفظه وعنايته- أن للعلماء دوراً عظيماً في شرعية القتال، وبيان ما يكون من القتال جهاداً، والله إنه موقفٌ لن ينساه التاريخ أبداً لعلماء المملكة وعلى رأسهم سماحة الشيخ ابن باز ، الذي وضح ذلك الضلع الخطير من هذه القضية الذي يتعلق بالجهاد في سبيل الله جل وعلا، وهذا دليل على دقة الوعي ودقة الفهم، لا كما يقول بعض السذج: علماؤنا لا يفقهون في السياسة شيئاً.. من الذي يفقه في السياسة إذاً؟ الذي لم يعرف الالتزام إلا من خمس سنوات أو عشر سنوات؟ شابوا في الإسلام وشبوا ونشئوا وكبروا عليه ولا يعرفون في السياسة قليلاً ولا كثيرا؟! لقد برز دور العلماء في هذه المرحلة، وحصل ما حصل، خاصة بوجود القوات الأجنبية، ومع ذلك كان رأيهم واضحاً بفضل الله جل وعلا، واطمأنت الأمة إلى رأيهم، وعرفت صواب رأيهم، ومصداقية تفكيرهم، وعرفوا أنهم هم أرباب السياسة، وهم دهاقينها وهم أساتذتها، كما يقول الشيخ الدوسري رحمه الله، أسأل الله أن يملأ قبره روضة وريحاناً: (لا إله إلا الله) من لامها إلى هائها سياسة.

كذلك أيها الأحبة: ظهر في هذه المحنة العظيمة أن ما جمع من الحرام ينتهي بمحق، كم خسرنا في هذه الحرب أفراداً ومؤسساتٍ وشركات خسرت خساراتٍ عظيمة لا يعلمها إلا الله جل وعلا! كلها خسرت وانتهت وذهبت في هذه الحرب يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ [البقرة:276] ما تجمعه من الربا أياً كنت فرداً أو صغيراً أو كبيرا، فإن الله يمحقه، والمحق قد أخبر الله به، أما كيفيته فالأمر إلى الله جل وعلا، زلزالٌ أو بركانٌ أو أمراضٌ أو حربٌ أو مصيبة، المهم يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ [البقرة:276].

كم أنفق على هذه الحرب من الأموال الطائلة الكثيرة! ونحن نسأل الله أن يكون ما أنفق فيها دفعاً عن المسلمين لأنواع البلاء، وتطهيراً للمسلمين من المتشابهات والمختلطات، وإنا على ثقة أن الدعاء كان أعظم سلاحٍ قاتلنا به الأعداء، والله إنا على ثقة أن الدعاء كان أعظم سلاحٍ قاتلنا به الأعداء، ثم بعد ذلك بهذا الدعاء سخر الله للمسلمين من هم أقوى منهم، وبهذا الدعاء فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ [الأنفال:17]وبهذا الدعاء وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى [الأنفال:17]وبهذا الدعاء كان المقدور لطيفاً وكان سهلاً ميسوراً على أمة المسلمين فيما أصابهم، فلنكن صرحاء مع أنفسنا، صادقين، حتى في الاستفادة من تجاربنا، وفي هذه الحرب جربت أسلحةٌ جديدة لأول مرة، فكانت درساً لشركات الأسلحة التي كانت تنتظر فرصة أو لا تنتظر، المهم كانت تتمنى يوماً تقيم فيه أسلحتها وتعرف مواطن السلب والإيجاب، والزيادة والنقص، والنفع والضرر في هذه الأسلحة التي صنعت، فكان من عبر هذه الحرب أن جربت فيها أسلحة جديدة، واستفاد منها من كان عاملاً، وهي سنة كونية، إن من يعمل يجد نتيجة، حتى لو كان يهودياً، حتى لو كان نصرانياً، حتى لو كان بوذياً، حتى لو كان مجوسياً، إن من يعمل يجد نتيجة، فأمة الإسلام إن تعمل وتكن على مستوى العمل ستجد نتيجة، كيف لا والله يؤيدها ويسددها بمنٍ وعونٍ وتوفيقٍ منه.

كذلك أيها الأحبة: كما قلنا، بهذا الدعاء الذي هو أعظم سلاحٍ نزلنا به هذه المعركة دفع الله أنواع البلاء، وأنتم ترون كم أسقط على المملكة من صاروخ أسكود، صاروخ يسقط في طريق الخدمة فلا ينحرف يميناً لكي يهدم الأسواق والمباني والمحلات التجارية، ولا يسقط يساراً فيقع في الخط الدائري فتحصل الحوادث المرورية، وصاروخ آخر يقع في شارعٍ في أحد الأحياء لا ينحرف يميناً فيصيب مبنى ولا ينحرف يساراً فيصيب بناية، وصاروخ آخر يسقط على بناية بطريقة قوسية أو وترية، حتى تكون الأنقاض محتوية داخل البناء، ولو ضرب من جهة لمال على الأخرى، ولو ضرب من أخرى لمال على التي تليها، حتى تكون الإصابة أقل ما تكون، ويوم أن سقط صاروخ أسكود آخر مات فيه ثمانية وعشرون قتيلاً وحوالي تسعين جريحاً، نحن لا نقول هذا شماتة، ولا نقول هذا فرحاً، وإنما نقول: اعتبروا، فإن هذا الدين وهذا التوحيد وهذا الدعاء، هو الذي جعل هذه الصواريخ تحملها الملائكة يمنة ويسرة حتى تقع بها في موقعٍ بعيدٍ عنا: قُلْ مَنْ يَكْلَأُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ [الأنبياء:42].. وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً [الأنعام:61].. وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ [الانفطار:10] هذه آياتٌ قرآنية وجدناها آيات واقعية فعلية وعملية، وانظروا كم سقط على أبناء القردة اليهود من الصواريخ، انظروا كم سقط عليهم من الصواريخ، وماذا أحدثت ودمرت في أرضهم وبلادهم، ما الفرق؟ هل الصاروخ الذي أطلق على اليهود صاروخٌ يختلف عن الذي أطلق على المسلمين؟ بل والله كانت أشد الصواريخ فتكاً تلك التي أطلقت علينا؛ لأنها أبعد مسافة وحملت بوقودٍ أكثر، ومع ذلك فإن الله دفع البلاء بمنه وفضله ولله الحمد والمنة.

ثم أيضاً من هذه الدروس: أن الاستعداد للحروب أصبح أمراً طبيعياً، أصبح كل واحدٍ يحدث نفسه أن يكون جندياً، أن يخرج إلى الجبهة، أن يتطوع، أن يتسلح، أن يقتني السلاح، أن يتعامل مع السلاح، وقد انتهى ذلك الزمن الذي كان الناس لا يعرفون فيه حمل السلاح، وأيضاً شهادة جليلة لشباب هذه الأمة في صدق تجاوبهم لحفظ الأمن والحرص على أمن المسلمين، حيث ترون في مختلف الساعات واللحظات ليلاً ونهاراً هؤلاء الشباب الذين يقفون على الشوارع، ومداخل الطرق، والله ما مررت بشابٍ إلا دعوت له، ونسأل الله بأسمائه وصفاته أن يجعل لهؤلاء الشباب الذين تطوعوا في هذا الأمر، وكانت نيتهم صادقة مخلصة، أسأل الله أن يجعل لهم من كل همٍ فرجاً، ومن كل ضيقٍ مخرجاً، ومن كل بلوىً عافية، ومن كل فاحشة أمناً، ومن كل فتنة عصمة، اللهم لا تدع لهم ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مرضاً إلا عافيتهم منه، ولا حاجة إلا قضيتها، ولا أيماً منهم إلا زوجته، بمنك وكرمك يا أرحم الراحمين، هذه هديتنا لإخواننا ولشبابنا ولأبنائنا المتطوعين، هديتنا لهم الدعاء في ساعة من ساعات الإجابة، يوم يقوم الخطيب على المنبر، نسأل الله ألا يحجب دعاءنا لهم، ونسأل الله أن يمن عليهم بالهداية والاستقامة والصلاح، وأن يحبب إليهم الدين، وأن يكره إليهم الذنوب والمعاصي، وأن يبارك لهم فيما أباح لهم بمنه وكرمه.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنبٍ إنه هو الغفور الرحيم.