من أسباب التخلف


الحلقة مفرغة

الحمد لله معز من أطاعه، ومذل من عصاه، أكرم من شاء بامتثال أوامره والبعد عما عنه نهى، أحمده سبحانه وأشكره على ما أولاه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له العزة والكبرياء، وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله، صفوة العالم طرى، وسيد الأنام برى، اللهم صلِّ وسلم عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين وعلى أصحابه الكرام البررة.

أما بعد:

فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فقد غوى، ولا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

أيها الناس! المجتمع المسلم المتميز هو ذلكم المجتمع الذي تتحقق له ضروراته وحاجياته وتحسيناته تحت ظل الشريعة الغراء التي لا تنغصها أزمة، ولا يعكرها ضيق، ذلكم المجتمع الذي يجد حرمته مصونةً مكرمة، لا تهدر تحت ناب سبعٍ عادٍ، ولا تستباح بمخالب باغٍ متوحش، أو سطوة معتدٍ صائل، هكذا يعيش المجتمع المسلم إذا كان في صورته المثلى واستقراره المعهود، غير أنه عند أدنى اختلال لما مضى، وإحلال الضد محله، من الاستخفاء وراء أسوارٍ من الصلف والغطرسة، والمقت لوحي الله وحملته، وجعل سبيل الله موحشةً لطول ما ترادف على سالكيها من أدواء وأعباء، لهو الباب الحقيقي للمثول أمام حاضرٍ كريه، ومستقبلٍ مغلق، وحينئذٍ تزل القدم بعد ثبوتها، ويسبق الخصم إلى إذلالها وكبح حريتها.

الاهتمام بالجسد على حساب الروح

إن الشعور العام بين الناس ليحكي بأن العالم اليوم قد قطع مراحل شاسعة في طريق التقدم الحضاري والصعود المادي، فسارعت همم الناس تترى كالبارع الذكي، والنشط المتوقد في اللهف وراء التقدم الصناعي والحضاري ونحوهما، ولكن هذا كله كان على حساب إيجاد المرء الصالح التقي والبار الوفي، فتقدمت الصناعة وتخلفت الروح، استطالت المادة واستكان الالتزام بالدين، حتى نشأ من هذا الضمور في الوعي تفاوت مقلق كان سبباً ولا شك في اختلال سير القافلة المسلمة واعتلالها، واتزانها وإبصارها الواعي بما تقبل عليه وما تحجم عنه، ثم تجتال القنوط آمال لفيفٍ من العلماء والمفكرين بعد أن اعتلى جوارهم من القحط الروحي الذي يسود أرجاء المسلمين بصورة لافتة.

إن التدين الحقيقي هو الإيمان بالله، والشعور بخلافته في الأرض قلباً وقالباً، والتطلع إلى السيادة الشرعية التي اقتضتها هذه الخلافة، بيد أن ذلك لا يتم إلا بتطويع كل ما جعله الله وسيلة مشروعة؛ لتحقيق هذا المفهوم وسط دنيا ينبغي أن يحكمها المجتمع المؤمن باسم الله وعلى بركة الله وفضله، من خلال الحكم بما أنزل الله شريعة ومنهاجاً، وإحياء شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتذليل السبل في الدعوة إلى الله جلَّ وعلا، والجهاد في سبيله وابتغاء مرضاته، وبمثل هذا يُقضى على الجفوة بين مفهومي الحضارة والإسلام، ويرأب الصدع، وتُسد الثلمة، لتصل سفينة المجتمع المسلم الماخرة إلى شاطئ العز والتمكين، كما أنه يجب أن يكون واضحاً جلياً تقرير أن الفضائل والعبادات التي شرعها الله لنا لا تعوق ازدهار الحياة وتقدمها المادي وسط المجتمعات المسلمة؛ لأن الإنسان عقل وقلب، ومن يظن أن صحوة القلب لا تتم إلا مع خمول الفكر وتهميش الدنيا من كل جوانبها، فهو مخطئ خطأً فاحشاً، كما أن من يظن بأن سيادة العقل وبلوغ الأرب في التقدم المادي لا يتم إلا بتحنيط الإيمان بالله، وفصله عن واقع الحياة، لهو مخطئ أيضاً خطيئة كبيرة.

ولذا فإن زكاة الروح قد تتم بدون دمار الجسد، وضمان الآخرة والتشمير لها قد يتم بدون ضياع الدنيا وخسرانها، ولقد صدق الله حين قال: وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ [القصص:77].

تنحية شرع الله عن الواقع

أيها المسلمون! إنه لا يشك عاقل البتة في أن تخلف المسلمين اليوم عن الإمساك بزمام الأمور في الأرض، كما كان أسلافهم، وفي الاتصاف بالتبعية والاستفزاء مع ما يُصاحب ذلك من قلقٍ متنامٍ، وتوجس مكابد، وشعورٍ بأنهم وسط عنق زجاجة يصعدون فيها ولا يلوون على شيء؛ أن ذلك كله بسبب بعدهم عن دينهم، وتنحيتهم لشرع الله عن الواقع، وخفر العهود والمواثيق كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لبعض المهاجرين محذراً: {وما خفر قومٌ العهد إلا سلط عليهم عدواً من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم، وما لم يعمل أئمتهم بما أنزل الله في كتابه إلا جعل الله بأسهم بينهم } رواه البيهقي وابن ماجة .

إن الشعور العام بين الناس ليحكي بأن العالم اليوم قد قطع مراحل شاسعة في طريق التقدم الحضاري والصعود المادي، فسارعت همم الناس تترى كالبارع الذكي، والنشط المتوقد في اللهف وراء التقدم الصناعي والحضاري ونحوهما، ولكن هذا كله كان على حساب إيجاد المرء الصالح التقي والبار الوفي، فتقدمت الصناعة وتخلفت الروح، استطالت المادة واستكان الالتزام بالدين، حتى نشأ من هذا الضمور في الوعي تفاوت مقلق كان سبباً ولا شك في اختلال سير القافلة المسلمة واعتلالها، واتزانها وإبصارها الواعي بما تقبل عليه وما تحجم عنه، ثم تجتال القنوط آمال لفيفٍ من العلماء والمفكرين بعد أن اعتلى جوارهم من القحط الروحي الذي يسود أرجاء المسلمين بصورة لافتة.

إن التدين الحقيقي هو الإيمان بالله، والشعور بخلافته في الأرض قلباً وقالباً، والتطلع إلى السيادة الشرعية التي اقتضتها هذه الخلافة، بيد أن ذلك لا يتم إلا بتطويع كل ما جعله الله وسيلة مشروعة؛ لتحقيق هذا المفهوم وسط دنيا ينبغي أن يحكمها المجتمع المؤمن باسم الله وعلى بركة الله وفضله، من خلال الحكم بما أنزل الله شريعة ومنهاجاً، وإحياء شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتذليل السبل في الدعوة إلى الله جلَّ وعلا، والجهاد في سبيله وابتغاء مرضاته، وبمثل هذا يُقضى على الجفوة بين مفهومي الحضارة والإسلام، ويرأب الصدع، وتُسد الثلمة، لتصل سفينة المجتمع المسلم الماخرة إلى شاطئ العز والتمكين، كما أنه يجب أن يكون واضحاً جلياً تقرير أن الفضائل والعبادات التي شرعها الله لنا لا تعوق ازدهار الحياة وتقدمها المادي وسط المجتمعات المسلمة؛ لأن الإنسان عقل وقلب، ومن يظن أن صحوة القلب لا تتم إلا مع خمول الفكر وتهميش الدنيا من كل جوانبها، فهو مخطئ خطأً فاحشاً، كما أن من يظن بأن سيادة العقل وبلوغ الأرب في التقدم المادي لا يتم إلا بتحنيط الإيمان بالله، وفصله عن واقع الحياة، لهو مخطئ أيضاً خطيئة كبيرة.

ولذا فإن زكاة الروح قد تتم بدون دمار الجسد، وضمان الآخرة والتشمير لها قد يتم بدون ضياع الدنيا وخسرانها، ولقد صدق الله حين قال: وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ [القصص:77].

أيها المسلمون! إنه لا يشك عاقل البتة في أن تخلف المسلمين اليوم عن الإمساك بزمام الأمور في الأرض، كما كان أسلافهم، وفي الاتصاف بالتبعية والاستفزاء مع ما يُصاحب ذلك من قلقٍ متنامٍ، وتوجس مكابد، وشعورٍ بأنهم وسط عنق زجاجة يصعدون فيها ولا يلوون على شيء؛ أن ذلك كله بسبب بعدهم عن دينهم، وتنحيتهم لشرع الله عن الواقع، وخفر العهود والمواثيق كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لبعض المهاجرين محذراً: {وما خفر قومٌ العهد إلا سلط عليهم عدواً من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم، وما لم يعمل أئمتهم بما أنزل الله في كتابه إلا جعل الله بأسهم بينهم } رواه البيهقي وابن ماجة .


استمع المزيد من الشيخ سعود الشريم - عنوان الحلقة اسٌتمع
ربما تصح الأجسام بالعلل 2770 استماع
السياحة من منظور إسلامي 2558 استماع
لا أمن إلا في الإيمان!! 2473 استماع
حاسبوا أنفسكم 2427 استماع
العين حق 2386 استماع
كيف نفرح؟ 2353 استماع
مفهوم السياحة ومخاطرها [1] 2301 استماع
رحيل رمضان 2247 استماع
مخاصمة السنة 2175 استماع
مفاهيم رمضانية 2171 استماع