لقاء الباب المفتوح [208]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فهذا هو اللقاء الثامن بعد المائتين من اللقاءات المسماة: لقاء الباب المفتوح, التي تتم كل يوم خميس، وهذا الخميس هو السادس والعشرون من شهر صفر عام (1420هـ).

تفسير قوله تعالى: (سبح لله ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم)

نبتدئ هذا اللقاء كما هو العادة بتفسير ما يمن الله به عز وجل من كتابه العزيز, قال الله تبارك وتعالى: سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [الحديد:1] وسبق معنا التسبيح: وهو أن كل السماوات والأرض وما فيها تسبح لله عز وجل, على وجهين:

1- بلسان المقال, تقول: سبحان الله.

2- بلسان الحال, بمعنى أن حال هذه المخلوقات تدل على تنزه الله تبارك وتعالى عن العبث واللعب, وأنه منزه عن كل عيب ونقص.

الكافر يسبح الله بأي وجه؟ بلسان الحال, لأنه لا يسبح الله بلسان المقال, بل هو يكفر بالله عز وجل.

وسبق معنا قوله: الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ وأن الله له الحكم, وأن حكمه مبني على الحكمة وعلى العزة.

تفسير قوله تعالى: (هو الأول والآخر والظاهر والباطن)

قال تعالى: هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ [الحديد:3] أربعة أشياء, (الأول) أي: ليس قبله شيء, لأنه لو كان قبله شيء لكان الله مخلوقاً وهو عز وجل الخالق, ولهذا فسر النبي صلى الله عليه وسلم الأول بأنه الذي ليس قبله شيء, كل الموجودات بعد الله عز وجل, لا أحد مع الله ولا قبل الله.

(والآخر): الذي ليس بعده شيء, لأنه لو كان بعده شيء لكان ما يأتي بعده غير مخلوق لله، ومع العلم أن كل المخلوقات كلها مخلوقة لله عز وجل, فهو الذي ليس بعده شيء, إذاً: هو الأول لا ابتداء له, والآخر لا انتهاء له, ليس بعده شيء.

وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ (الظاهر): قال النبي صلى الله عليه وسلم في تفسيرها: (الذي ليس فوقه شيء) كل المخلوقات تحته جل وعلا, فليس فوقه شيء.

(الباطن): قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الذي ليس دونه شيء) خبير عليم بكل شيء, لا يحول دونه جبال ولا أشجار ولا جدران ولا غير ذلك, ليس دونه شيء, لا دون بصره يرى كل شيء عز وجل, ولا دون سمعه يسمع كل شيء, ولا دون علمه يعلم كل شيء.

الأول والآخر اشتملا على عموم الزمان, والظاهر والباطن على عموم المكان.

تفسير قوله تعالى: (وهو بكل شيء عليم)

قال تعالى: وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [الحديد:3] كل شيء الله عليم به: إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ [آل عمران:5] لو عمل الإنسان في جوف بيته, في حجرة مظلمة، فهل يعلم الله تعالى عمله؟ نعم. يعلم, بل زد على ذلك أنه يعلم ما توسوس به نفسه, كما قال الله عز وجل: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ [ق:16] أنت إذا فكرت في شيء فالله يعلم به قبل أن يكون, هل يعلم الماضي البعيد؟ نعم. بكل شيء, هل يعلم المستقبل البعيد؟ نعم. بكل شيء, ولهذا قال موسى عليه الصلاة والسلام لما سأله فرعون: فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى [طه:51] أي: ما شأنها؟ قص علينا: قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى [طه:52] (لا يضل): أي لا يجهل, لأن الضلال معناه الجهل, كما قال الله عز وجل في نبيه: وَوَجَدَكَ ضَالاً فَهَدَى [الضحى:7] ضالاً ليس بمعنى فاسق، لا. بل معناه أنه جاهل لا يدري, كما قال تعالى: وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ [الشورى:52]، وقال تعالى: وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ [العنكبوت:48] إذاً: الله بكل شيء عليم.

يا أخي! إذا علمت أن الله بكل شيء عليم, هل يمكن لك أن تقدم على معصية الله وأنت في خفاء عن الناس؟ لا. لأنك تعلم بأن الله يعلمك, قال الله عز وجل: أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ [الزخرف:80] فإذاً: إذا آمنت بأن الله جل وعلا عليم بكل شيء فإنه يستلزم ألا تقوم بمعصيته ولو في الخفاء, وألا تترك طاعته ولو في الخفاء, ولقد قال الله عز وجل عن نوح عليه الصلاة والسلام: وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ [نوح:7] لئلا يسمعوا وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ [نوح:7] تغطوا بها لئلا يبصروا والعياذ بالله؛ لأنهم يكرهون الحق.

تفسير قوله تعالى: (هو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام...)

قال تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا [الحديد:4] (خلق السماوات والأرض): أوجدها عز وجل بكل نظام وتقدير, والسماوات سبع والأرضون سبع, والأرض سابقة على السماء لأن الله تعالى قال في سورة فصلت لما ذكر خلق الأرض: ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ [فصلت:11] خلق السماوات والأرض, الأرض قبل خلق السماوات لكن الله يبدأ بالسماوات لأنها أشرف من الأرض, وأعلى من الأرض.

كيف السماوات؟ هل هي ملفوفة لفة واحدة؟ أو بينها مسافة؟ بينها مسافة, المسافة بعيدة جداً جداً, وهذا يلزم أن يكون أصغر السماوات سماء الدنيا, ويليها الثانية, والثالثة, كل واحدة أوسع من الأخرى, وسعة عظيمة، وهي متطابقة بعضها فوق بعض, وفي حديث المعراج أن الرسول صلى الله عليه وسلم كلما صعد إلى سماء استفتح ففتح له.

والأرض جعلها الله تعالى في القرآن بصيغة الإفراد, الجمع أرضون, لا تجد (أرضون) في القرآن لا تأتي إلا (أرض) لكن الله أشار إلى أنها متعددة في قوله: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ [الطلاق:12] أي: مثلهن في العدد لا في الصفة, لأن الصفة بين الأرض والسماء التماثل فيها بعيد جداً, لكن مثلهن في العدد، وصرحت بذلك السنة في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من اقتطع شبراً من الأرض ظلماً طوقه الله يوم القيامة من سبع أرضين).

خلقها في ستة أيام, كم الأيام؟ أطلقها الله عز وجل, ما بين أن اليوم خمسون ألف سنة أو أقل أو أكثر, وإذا أطلق يحمل على المعروف المعهود, وهي أيامنا هذه, وقد جاء في الحديث أنها الأحد والإثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس والجمعة, الجمعة منتهى خلق السماوات والأرض, مبتداها الأحد, والسبت ليس فيه خلق لا ابتداء ولا انتهاء, فإذا قال قائل: أليس الله قادراً على أن يخلقها في لحظة؟ الجواب: بلى, لأن أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له: كن، فيكون, إذاً: لماذا كانت في ستة أيام؟ أجيب عن ذلك بجوابين:

الأول: أن المخلوقات هذه يترتب بعضها على بعض, فرتب الله بعضها على بعض حتى أحكمها وانتهى منها في ستة أيام.

الثاني: أن الله علم عباده التؤدة والتأني, وأن الأهم إحكام الشيء لا الفراغ منه, حتى يتأنى الإنسان فيما يصنعه ولو كان يكمله بساعة يتأنى ولو أكمله بساعتين, فعلم عز وجل سبحانه عباده التأني في الأمور التي هم قادرون عليها, وكلا الأمرين وجيه.

تفسير قوله تعالى: (ثم استوى على العرش)

قال تعالى: ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [الحديد:4] (استوى) أي: علا عليه, على وجه يليق بجلاله, لا يمكن أن نمثله بخلقه؛ لأن الله ليس كمثله شيء, والعرش مخلوق عظيم, لا يعلم قدره إلا الذي خلقه عز وجل, وقد جاء في الحديث: (إن السماوات السبع والأرضين السبع في الكرسي كحلقة ألقيت في فلاة من الأرض) الحلقة: حلقة الدرع المكون من حلق الحديد: (وإن فضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على هذه الحلقة) إذاً: لا يعلم قدره إلا الله عز وجل, وليس لنا أن نسأل: ما مادة هذا الكرسي؛ من ذهب أو من فضة، أم لؤلؤ؟ ليس لنا حق أن نتكلم في هذا, هو عرش عظيم كما وصفه الله: رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ [التوبة:129] .. ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ [البروج:15] عرش عظيم جداً جداً، لا يعلم قدره إلا الله, استوى الله عليه لكمال سلطانه جل وعلا, قد تجدون في بعض الكتب: (استوى على العرش) أي: استولى عليه, أهكذا تجدون؟ الذي اطلع منكم على بعض كتب الأشعرية وما أشبههم يرى هذا, وهذا تحريف للكلم عن مواضعه, وقول على الله بلا حق وبلا علم؛ لأنه إذا كان خلق السماوات والأرض ثم استوى العرش قلنا: استولى على العرش, قبل الاستيلاء لمن العرش؟! انظر إلى بطلان هذا, ثم نقول: الله استولى على كل شيء, هل نقول: استولى على الأرض؟ لا يمكن أن نقول هذا, إذاً: يتعين أن تكون (استوى) بمعنى علا, كيف استوى؟ لا ندري، الله أعلم.

نبتدئ هذا اللقاء كما هو العادة بتفسير ما يمن الله به عز وجل من كتابه العزيز, قال الله تبارك وتعالى: سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [الحديد:1] وسبق معنا التسبيح: وهو أن كل السماوات والأرض وما فيها تسبح لله عز وجل, على وجهين:

1- بلسان المقال, تقول: سبحان الله.

2- بلسان الحال, بمعنى أن حال هذه المخلوقات تدل على تنزه الله تبارك وتعالى عن العبث واللعب, وأنه منزه عن كل عيب ونقص.

الكافر يسبح الله بأي وجه؟ بلسان الحال, لأنه لا يسبح الله بلسان المقال, بل هو يكفر بالله عز وجل.

وسبق معنا قوله: الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ وأن الله له الحكم, وأن حكمه مبني على الحكمة وعلى العزة.




استمع المزيد من الشيخ محمد بن صالح العثيمين - عنوان الحلقة اسٌتمع
لقاء الباب المفتوح [63] 3398 استماع
لقاء الباب المفتوح [146] 3353 استماع
لقاء الباب المفتوح [85] 3318 استماع
لقاء الباب المفتوح [132] 3297 استماع
لقاء الباب المفتوح [8] 3283 استماع
لقاء الباب المفتوح [13] 3262 استماع
لقاء الباب المفتوح [127] 3119 استماع
لقاء الباب المفتوح [172] 3092 استماع
لقاء الباب المفتوح [150] 3039 استماع
لقاء الباب المفتوح [47] 3036 استماع