الشعارات الزائفة


الحلقة مفرغة

الخمر هو المسكر من كل شراب أياً كان نوعه، وهو محرم سواء كان قليلاً أو كثيراً، والحكمة في ذلك هي المحافظة على دين المسلم وعقله وبدنه، ومن شربها وأقر بذلك أو شهد عدلان على ذلك فإنه يجلد ثمانين جلدة، ويشترط أن يكون: مسلماً، عاقلاً، حراً، بالغاً، مختاراً، عالماً بتحريمها، صحيحاً، وأما القذف فهو الرمي بالفاحشة، وهو كبيرة من كبائر الذنوب وتسقط عدالة صاحبها وتوجب الحد ثمانين جلدة بشرط أن يكون: عاقلاً، بالغاً،مسلماً، وأن يكون المقذوف عفيفاً غير معروف بالفاحشة.

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، القائل في محكم كتابه: أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَائِمُونَ * أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ * أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ [الأعراف:97-99].

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يبتلي عباده بالسراء والضراء ليشكروه وليتضرعوا بين يديه، وأشهد أن محمداً عبده رسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

عباد الله! اتقوا الله تعالى حق تقاته، وتتبعوا أسباب رضاه واجتنبوا أسباب سخطه، واعلموا أن التقوى سبب تفريج الكربات ودفع المحن والملمات وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [الطلاق:2-3].

معاشر المؤمنين: لا يخلو زمن من الأزمان إلا وفيه ما فيه من مصائب الزمان ونوائب الحدثان:

والليالي من الزمان حبالى     مثقلات يلدن كل عجيب

وليست أمة من الأمم مخصوصة بنوع من البلاء دون غيرها حتى يأمن الآخرون فجائع الدهر:

فجائع الدهر ألوانٌ منوعة     وللزمان مسرات وأحزان

وكلٌ ينال حظه من هذا الابتلاء ومستقل ومستكثر وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ [آل عمران:140] وقديماً قيل:

رب قوم أصبحوا في نعمة     زمناً والدهر ريان غدق

سكت الدهر زماناً عنهم     ثم أبكاهم دماً حين نطق

وقال الآخر:

إذا ما الدهر جر على أناس     حوادثه أناخ بآخرينا

فقل للشامتين بنا أفيقوا     سيلقى الشامتون كما لقينا

معاشر المؤمنين: وقد تبتلى بعض الأمم بالسراء ويبتلى غيرها بالضراء وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ [الأنبياء:35] وكل أمر بتقدير الله جل وعلا وتدبيره وبالغ حكمته، وفيه حصاد العباد بما كسبته أيديهم ويعفو ربنا برحمته عن كثير:

قد ينعم الله بالبلوى وإن عظمت     ويبتلي الله بعض القوم بالنعم

وقد تكون المصائب مرة: فتكون للجاهلين علماً، وللغافلين عظة وعبرة فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ [القمر:15].

معاشر المؤمنين: إن ما يدور اليوم في منطقة الخليج، وما فعله البعثيون في المسلمين في الكويت لا يغيب على فكر مسلم غيور على دينه وعرضه، ولكن الجهل كل الجهل أن نفسر الأحداث والوقائع بالأسباب المادية فنظن أنها مشكلة حدودية، أو بسبب تضاعف قروض مالية ناسين أو متناسين أن ما أصابنا فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ [الشورى:30].. إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ [الرعد:11] اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك، ومن فجاءة نقمتك، ومن تحول عافيتك.

معاشر المؤمنين: وقبل أن نخوض في وصف الأحكام وأخذ الدروس والعبر منها أود أن أعرف وأن يعرف الكثير من المسلمين من هم البعثيون؟ وما هو حزب البعث؟

حزب البعث أنشأه رجل نصراني يقال له: ميشيل عفلق نصراني لا يعرف له أصل، وهذا النصراني كان منشقاً عن الشيوعيين الملاحدة، إلا أنه أراد أن يقوم بحزب وجعل شعاره: (أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة) المهم أن يجتمع العرب تحت لواء هذا الحزب أياً كانت دياناتهم، وأياً كانت عقائدهم ومذاهبهم، وهم يرون أن النبي صلى الله عليه وسلم ليس له منـزلة إلا لأنه عربي فقط أما أن منـزلة النبي بأن الله شرفه بالرسالة، وأكرمه بالنبوة، وجعله خاتم الأنبياء والمرسلين؛ فذلك أمر لا يلتفتون إليه، ولا يعولون عليه، ولا يقيمون لهذا وزناً.

وهذا البعث يجمع مخازي المذاهب والأفكار كلها، فحقيقة حزب البعث تقوم على ثلاثة مسائل:

الأولى: أنه حزب علماني.

الثانية: أنه اشتراكي.

الثالثة: أنه قومي.

ولا أقول هذا الكلام لأننا في مقام العاطفة أو نقد العدو، وإنما نقول: ارجعوا إلى وثائق البعث وما كتبه البعثيون بأنفسهم، وما أعلنوه في مؤتمراتهم ولقاءاتهم لتجدوا أن هذا الكلام يعترفون به ويقرون به أولاً وآخراً.

علمانية حزب البعث

وأما علمانية حزب البعث فحقيقتها: فصل الدين عن الدولة، ويعني ذلك: أن تسير أمور الدولة بما يوافق المصالح المادية والاستراتيجيات التوسعية أياً كان هذا الأمر حلالاً أو حراماً.

وإن سألتم عن الدين يقولون: الشخص نفسه له أن يمارس حدوده أو ما أراد من أموره الدينية في حدود شخصه فقط، وليس له أن يجتمع مع أحد باسم الدين، أو يتعاون مع أحد باسم الدين، أو يلتقي مع أحد باسم الله، وإنما غاية الدين عند البعثيين أن تتناول ما تشاء، أو تشرب ما تشاء، أو تأكل ما تشاء، أو تلبس ما تشاء، أو تفعل ما تشاء، فأنت لك الحرية فيما يتعلق بشخصك فقط، وأما ما يربطك بالآخرين وما يجمعك مع الآخرين فلا يسمح البعثيون بهذا؛ يظنون أنه تدخل من الدين في أمور الحياة، وعلمانية الحزب تمنع ذلك على من أراد أن يفعل منه شيئاً.

شعار القومية عند البعث

الأمر الآخر يا عباد الله! أن حزب البعث قومي، ومعنى قوميته: أنه للعرب وحدهم فقط، وما سوى ذلك من المسلمين فلا يقيم هذا الحزب لهم وزناً، بل إن البعث لا يقيم للإسلام وزناً وإنما يقيم الوزن للعرب لكونهم عربا، ويمكن أن ينطوي تحت لواء البعث العلماني والشيوعي والنصيري والدرزي والخبيث والرافضي والقادياني وكل من له بدعة، المهم أن يكون عربياً سواء كان يهودياً أو نصرانياً أو مجوسياً أو وثنياً مشركاً أياً كان لا يلتفت لهذه الأمور فقط وإنما هو حزب عربي.

فمن كان عربياً فالحزب يعترف به ويتعامل به، ومن لم يكن كذلك فلا يقيم الحزب له وزناً، وهذا الكلام متناقض مع ما يفعله البعثيون اليوم، أليس جيرانهم من أهل الكويت وغيرهم من العرب؟ فلماذا يفعلون بهم هذا؟

نعلم من هذا أن هذه شعارات زائفة براقة يخدعون فيها سذج الناس وبسطاء الخلق ليجرّوهم للانضمام تحت هذه الأحزاب، وما سوى ذلك فإن الحزب كله جامع لحقد يهودي ونصراني وعلماني وإلحادي وشهوات شخصية بشرية بحتة لا يلتفت إلى ما سواها.

الأمر الثالث من أركان هذا الحزب: أنه اشتراكي: فيقولون بمبدأ حزبهم أنه لا يجوز أن تكون السعودية مثلاً غنية والبعثيون فقراء، أو أن يكون الكويتيون أغنياء والعراقيون فقراء، أو لا يكون أهل الخليج أغنياء والعراقيون فقراء، بل إن الحزب يجمع على شعار الاشتراكية، ويعني هذا: أن يشترك العرب كل العرب بما فيهم من اليهود والمجوس والنصارى والعلمانيين والإلحاديين والقاديانيين والبعثيين والنصيريين والدروز وكل الطوائف الضالة الكافرة كلهم يتمتعون بخيرات الأمة العربية.

الأمة العربية -يقولون- لابد أن تقسم خيراتها على جميع أبناء الأمة العربية، وكذبوا وخسئوا، لو صدقوا في ذلك لكانت خيرات العراق تعود على أبنائها، ولكن قيادة البعث ثرية غاية الثراء، وبقية الشعب في منتهى الفقر والذلة والمسكنة وقلة الحال وذات اليد، فهذه الشعارات ساطعة براقة، فهذه شعارات زائفة يرفعونها ليخدعوا بها السذَّج والبسطاء.

والمصيبة كل المصيبة: أن أبناء المسلمين أو من شبابهم يوم أن يسافر إلى بعض دول الخارج أو يوم أن يكون منحلاً من دينه غير ملتزم بأوامر ربه؛ تجده يدخل هذه الأفكار، وتداعبه الأحلام الماسية، يظن أنه سينعم يوماً ما بأهداف البعث وما يعدونه به، وما علم أنهم يستخدمونه مطية لكي يصلوا به إلى ما يريدون وما يشتهون، ثم بعد ذلك جزاؤه أن يرمى أو أن يقتل، وما أكثر البعثيين من أبناء الحزب الذين اختلفوا مع قادتهم فقتلوا وصفوا، وحسبكم أن مائة وعشرين ضابطاً من ضباط الحزب وبعضهم من العراقيين لما تناقشوا في قضية غزو الكويت كان مآلهم أن يقتلوا وفتحت الرشاشات على صدورهم قبل لحظات الغزو، أفبعد هذا ينخدع مسلم بهذه الشعارات البراقة، وهذه المناهج الزائفة؟

والله إن أمة العرب كانت أهون على الله من الجعلان والجنادب والجراد والخنافس، وليس لأمة العرب وزن إلا بالإسلام؛ فمن أراد أن يرفع العرب لأنهم عرب فإن أبا لهب وأبا جهل وأمية بن خلف وعقبة بن أبي معيط من أصلاب العرب ومع ذلك فإنهم في الدرك الأسفل من النار.

العرب بين الإسلام والبعث

إن العرب ليسوا بشيء ما لم يكونوا بالإسلام؛ فإن قاموا في الإسلام فهم وغيرهم من أمم العالم شرقيه وغربيه يتنافسون في هذا الدين وكلاً ينال حظه منه.

أليس البخاري من بخارى ؟ أليس أبو داود من سجستان ؟ أليس الترمذي من ترمذ ؟ أليس علماء الإسلام كلهم من مختلف بلاد العالم؟ ما الذي رفعهم: هل رفع البخاري أنه عربي؟ هو من بخارى ، هل رفع الترمذي لأنه عربي؟ هو من ترمذ ، هل رفع مسلم بن الحجاج أنه عربي؟ بل هو من نيسابور ، إذاً ما الذي رفعهم؟

رفعهم كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن أراد أن يرفع في العرب راية القومية فرايته فاشلة، وهذه الراية يا عباد الله سبق وأن صفقت لها سذج الجماهير وبسطاء الناس أيام جمال عبد الناصر وما ذلك علينا ببعيد، قام الناس يريدون أن يجعلوا للأمة زعامة عربية يجتمعون باسم العربية، وينضوون تحت لواء العرب، وتجمعهم الرابطة العربية، ولكن حتى هذه الرابطة العربية تنقسم أقساماً فيما بينها، فالمصريون وهم عرب يختلفون فيما بينهم هؤلاء عرب من هذه .. وهذه، فالعراقيون وهم عرب يختلفون فيما بينهم، والنجديون وهم عرب ينقسمون فيما بينهم، واليمنيون وهم عرب ينقسمون ويتفرقون فيما بينهم؛ إذاً فرابطة العربية رابطة لا تنضبط ولا يمكن أن ينضوي تحت لوائها ولو عشرة أشخاص؛ لأن كل واحدٍ منهم ينـزع إلى قبيلة.

فإذا كنت تتفاضل على هؤلاء بأنك عربي فالعرب بعضهم قد يرفعونها عصبية فيتفاضلون فيما بينهم بقبائلهم، والقبيلة الواحدة يرفعونها عربية فيختلفون فيما بينهم بتفاضل أفخاذهم على بعض، والفخذ الواحد يتنازعون فيما بينهم بتفاضل كل أسرة وعائلة على بعض.

إذاً: فالعربية ليست رابطة، إنما الرابطة الإسلام، إن الذين يطبلون وينعقون في هذه الإذاعات البعثية يريدون أن يجمعوا الأمة تحت لواء العرب هذا لواء فاشل، هذا لواء مدحور، هذا لواء مستهلك أراد عبد الناصر أن يجمع العرب به ففشل، وانكشفت أطماعه، وأخزاه الله، وولى إلى قدر الله نسأل الله أن يجازيه شر ما جزى طاغية في فعله، ألم يعذب المسلمين وهم عرب؟ ألم يقتل الإخوان المسلمين؟ ألم يشنقهم في السجون؟ ألم ينصب لهم ساحات الإعدام؟ ومع ذلك ما نفعهم أنهم عرب بين يديه؛ إلا أن حقيقة الأمر تعود إلى حقد الإلحاد وإلى بغضائه وكراهيته في العقيدة.

فينبغي -يا معاشر المؤمنين- حينما نقع في مصيبة من المصائب ألا نفزع لكي نسمع التحليل الاخباري من إذاعة لندن أو نسمع إذاعة مونتكارلو أو أي إذاعة بل نفزع إلى كتاب الله، ما ذا يقول الله جل وعلا؟

وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوْ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ [النساء:83] لو أن كل حدث نرده إلى كتاب الله وسنة رسول الله لعلمه الذين يستنبطون الفقه ويعرفون أحكام الشريعة لا أن نصدق ما تقوله الإذاعات، وحسب مسلم جهلاً وغفلة وبلاهة وسخافة أن يأخذ الفكر من هذه الإذاعات.

إن الإذاعات التي تطنطن وتطبل من هذه الأحزاب الضالة والله ما تبني في مسلم شهامة، ولا ترفع فيه كرامة، ولا تجعل له من الدين آية أو راية هذه حقيقة البعث .. حزب علماني، فصل الدين عن الدولة، لا مكانة للقرآن والسنة فيه، حزب قومي يجمع العرب أياً كانوا يهوداً أو نصارى أو مجوساً أو دروزاً أو بعثيين المهم أنهم عرب، حزب الاشتراكي لا بد أن تنتزع رصيدك الذي في البنك وأقسمه فيما بيني وبينك .. وأنت يا من تملك السيارتين لا بد أن تقسم بيني وبينك هذه مزاعمهم، وهذه أفكارهم، فهل بعد هذا يظن مسلم أن هذه العناصر التي يرفعها هذا الحزب ليست معقولة فعلاً فضلاً أن تطبق واقعاً، لا يمكن أن نتصور أن نستطيع أن نجمع أمة على رباط علماني قومي اشتراكي.

أليست لبنان أريد لها أن تكون دولة اللبنانيين أجمع بما فيهم الدروز، وبما فيهم المليشيات المسيحية، وبما فيهم النصرانية وبما فيهم مختلف الطوائف؟ هل استطاعت لبنان أن تجمع دولة واحدة تحت جنسيات وعقائد مختلفة؟

لا؛ لأن الله جل وعلا يقول: وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ [الأنفال:39] لأن الفتنة في بقاء هذه المذاهب، وفي مدى بقاء هذه الجنسيات، وفي بقاء هذه الأحزاب والتيارات: وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ [الأنفال:39] حينما يكون الدين لله، والحكم لله، والأمر لله، والتشريع لله، حينئذٍ تستقر الأمة، أما أن يراد لأمة من الأمم أن تكون دولة وتحتها أحزاب مختلفة وترفع شعارات متباينة، تريد أن تجمع الناس خليطاً مزعجاً مشتركاً من العقائد والمذاهب والتيارات؛ هذا لا يمكن أن يتحقق تخيلاً فضلاً أن يطبق واقعاً.

زعم البعث للحرية

معاشر المؤمنين: ويزعمون خداعاً للسذج والبسطاء: أن هذا الحزب يرفع شعارات الوحدة والحرية، ولذلك انخدع بهم وانكشف من انكشف معهم من أذنابهم في الجنوب والشمال وعرفوا على حقيقتهم، ولكن اعلموا وخذوها قاعدة: (إن الذي ليس على دينك لا يعينك) قالتها العوام والعجائز والشيوخ.

والله هذا أمر حقيقي، ظننا أن بعض الأمم يمكن أن يجدي فيها المعروف وبسط المعونات والمساعدات، وفي هذه اللحظات الحرجة نجد النكوص والغدر بالعهود والمواثيق ولكن حسابهم مع الله قريب، نسأل الله أن يرينا فيهم أسوأ ما رأيناه.

وأما علمانية حزب البعث فحقيقتها: فصل الدين عن الدولة، ويعني ذلك: أن تسير أمور الدولة بما يوافق المصالح المادية والاستراتيجيات التوسعية أياً كان هذا الأمر حلالاً أو حراماً.

وإن سألتم عن الدين يقولون: الشخص نفسه له أن يمارس حدوده أو ما أراد من أموره الدينية في حدود شخصه فقط، وليس له أن يجتمع مع أحد باسم الدين، أو يتعاون مع أحد باسم الدين، أو يلتقي مع أحد باسم الله، وإنما غاية الدين عند البعثيين أن تتناول ما تشاء، أو تشرب ما تشاء، أو تأكل ما تشاء، أو تلبس ما تشاء، أو تفعل ما تشاء، فأنت لك الحرية فيما يتعلق بشخصك فقط، وأما ما يربطك بالآخرين وما يجمعك مع الآخرين فلا يسمح البعثيون بهذا؛ يظنون أنه تدخل من الدين في أمور الحياة، وعلمانية الحزب تمنع ذلك على من أراد أن يفعل منه شيئاً.

الأمر الآخر يا عباد الله! أن حزب البعث قومي، ومعنى قوميته: أنه للعرب وحدهم فقط، وما سوى ذلك من المسلمين فلا يقيم هذا الحزب لهم وزناً، بل إن البعث لا يقيم للإسلام وزناً وإنما يقيم الوزن للعرب لكونهم عربا، ويمكن أن ينطوي تحت لواء البعث العلماني والشيوعي والنصيري والدرزي والخبيث والرافضي والقادياني وكل من له بدعة، المهم أن يكون عربياً سواء كان يهودياً أو نصرانياً أو مجوسياً أو وثنياً مشركاً أياً كان لا يلتفت لهذه الأمور فقط وإنما هو حزب عربي.

فمن كان عربياً فالحزب يعترف به ويتعامل به، ومن لم يكن كذلك فلا يقيم الحزب له وزناً، وهذا الكلام متناقض مع ما يفعله البعثيون اليوم، أليس جيرانهم من أهل الكويت وغيرهم من العرب؟ فلماذا يفعلون بهم هذا؟

نعلم من هذا أن هذه شعارات زائفة براقة يخدعون فيها سذج الناس وبسطاء الخلق ليجرّوهم للانضمام تحت هذه الأحزاب، وما سوى ذلك فإن الحزب كله جامع لحقد يهودي ونصراني وعلماني وإلحادي وشهوات شخصية بشرية بحتة لا يلتفت إلى ما سواها.

الأمر الثالث من أركان هذا الحزب: أنه اشتراكي: فيقولون بمبدأ حزبهم أنه لا يجوز أن تكون السعودية مثلاً غنية والبعثيون فقراء، أو أن يكون الكويتيون أغنياء والعراقيون فقراء، أو لا يكون أهل الخليج أغنياء والعراقيون فقراء، بل إن الحزب يجمع على شعار الاشتراكية، ويعني هذا: أن يشترك العرب كل العرب بما فيهم من اليهود والمجوس والنصارى والعلمانيين والإلحاديين والقاديانيين والبعثيين والنصيريين والدروز وكل الطوائف الضالة الكافرة كلهم يتمتعون بخيرات الأمة العربية.

الأمة العربية -يقولون- لابد أن تقسم خيراتها على جميع أبناء الأمة العربية، وكذبوا وخسئوا، لو صدقوا في ذلك لكانت خيرات العراق تعود على أبنائها، ولكن قيادة البعث ثرية غاية الثراء، وبقية الشعب في منتهى الفقر والذلة والمسكنة وقلة الحال وذات اليد، فهذه الشعارات ساطعة براقة، فهذه شعارات زائفة يرفعونها ليخدعوا بها السذَّج والبسطاء.

والمصيبة كل المصيبة: أن أبناء المسلمين أو من شبابهم يوم أن يسافر إلى بعض دول الخارج أو يوم أن يكون منحلاً من دينه غير ملتزم بأوامر ربه؛ تجده يدخل هذه الأفكار، وتداعبه الأحلام الماسية، يظن أنه سينعم يوماً ما بأهداف البعث وما يعدونه به، وما علم أنهم يستخدمونه مطية لكي يصلوا به إلى ما يريدون وما يشتهون، ثم بعد ذلك جزاؤه أن يرمى أو أن يقتل، وما أكثر البعثيين من أبناء الحزب الذين اختلفوا مع قادتهم فقتلوا وصفوا، وحسبكم أن مائة وعشرين ضابطاً من ضباط الحزب وبعضهم من العراقيين لما تناقشوا في قضية غزو الكويت كان مآلهم أن يقتلوا وفتحت الرشاشات على صدورهم قبل لحظات الغزو، أفبعد هذا ينخدع مسلم بهذه الشعارات البراقة، وهذه المناهج الزائفة؟

والله إن أمة العرب كانت أهون على الله من الجعلان والجنادب والجراد والخنافس، وليس لأمة العرب وزن إلا بالإسلام؛ فمن أراد أن يرفع العرب لأنهم عرب فإن أبا لهب وأبا جهل وأمية بن خلف وعقبة بن أبي معيط من أصلاب العرب ومع ذلك فإنهم في الدرك الأسفل من النار.

إن العرب ليسوا بشيء ما لم يكونوا بالإسلام؛ فإن قاموا في الإسلام فهم وغيرهم من أمم العالم شرقيه وغربيه يتنافسون في هذا الدين وكلاً ينال حظه منه.

أليس البخاري من بخارى ؟ أليس أبو داود من سجستان ؟ أليس الترمذي من ترمذ ؟ أليس علماء الإسلام كلهم من مختلف بلاد العالم؟ ما الذي رفعهم: هل رفع البخاري أنه عربي؟ هو من بخارى ، هل رفع الترمذي لأنه عربي؟ هو من ترمذ ، هل رفع مسلم بن الحجاج أنه عربي؟ بل هو من نيسابور ، إذاً ما الذي رفعهم؟

رفعهم كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن أراد أن يرفع في العرب راية القومية فرايته فاشلة، وهذه الراية يا عباد الله سبق وأن صفقت لها سذج الجماهير وبسطاء الناس أيام جمال عبد الناصر وما ذلك علينا ببعيد، قام الناس يريدون أن يجعلوا للأمة زعامة عربية يجتمعون باسم العربية، وينضوون تحت لواء العرب، وتجمعهم الرابطة العربية، ولكن حتى هذه الرابطة العربية تنقسم أقساماً فيما بينها، فالمصريون وهم عرب يختلفون فيما بينهم هؤلاء عرب من هذه .. وهذه، فالعراقيون وهم عرب يختلفون فيما بينهم، والنجديون وهم عرب ينقسمون فيما بينهم، واليمنيون وهم عرب ينقسمون ويتفرقون فيما بينهم؛ إذاً فرابطة العربية رابطة لا تنضبط ولا يمكن أن ينضوي تحت لوائها ولو عشرة أشخاص؛ لأن كل واحدٍ منهم ينـزع إلى قبيلة.

فإذا كنت تتفاضل على هؤلاء بأنك عربي فالعرب بعضهم قد يرفعونها عصبية فيتفاضلون فيما بينهم بقبائلهم، والقبيلة الواحدة يرفعونها عربية فيختلفون فيما بينهم بتفاضل أفخاذهم على بعض، والفخذ الواحد يتنازعون فيما بينهم بتفاضل كل أسرة وعائلة على بعض.

إذاً: فالعربية ليست رابطة، إنما الرابطة الإسلام، إن الذين يطبلون وينعقون في هذه الإذاعات البعثية يريدون أن يجمعوا الأمة تحت لواء العرب هذا لواء فاشل، هذا لواء مدحور، هذا لواء مستهلك أراد عبد الناصر أن يجمع العرب به ففشل، وانكشفت أطماعه، وأخزاه الله، وولى إلى قدر الله نسأل الله أن يجازيه شر ما جزى طاغية في فعله، ألم يعذب المسلمين وهم عرب؟ ألم يقتل الإخوان المسلمين؟ ألم يشنقهم في السجون؟ ألم ينصب لهم ساحات الإعدام؟ ومع ذلك ما نفعهم أنهم عرب بين يديه؛ إلا أن حقيقة الأمر تعود إلى حقد الإلحاد وإلى بغضائه وكراهيته في العقيدة.

فينبغي -يا معاشر المؤمنين- حينما نقع في مصيبة من المصائب ألا نفزع لكي نسمع التحليل الاخباري من إذاعة لندن أو نسمع إذاعة مونتكارلو أو أي إذاعة بل نفزع إلى كتاب الله، ما ذا يقول الله جل وعلا؟

وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوْ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ [النساء:83] لو أن كل حدث نرده إلى كتاب الله وسنة رسول الله لعلمه الذين يستنبطون الفقه ويعرفون أحكام الشريعة لا أن نصدق ما تقوله الإذاعات، وحسب مسلم جهلاً وغفلة وبلاهة وسخافة أن يأخذ الفكر من هذه الإذاعات.

إن الإذاعات التي تطنطن وتطبل من هذه الأحزاب الضالة والله ما تبني في مسلم شهامة، ولا ترفع فيه كرامة، ولا تجعل له من الدين آية أو راية هذه حقيقة البعث .. حزب علماني، فصل الدين عن الدولة، لا مكانة للقرآن والسنة فيه، حزب قومي يجمع العرب أياً كانوا يهوداً أو نصارى أو مجوساً أو دروزاً أو بعثيين المهم أنهم عرب، حزب الاشتراكي لا بد أن تنتزع رصيدك الذي في البنك وأقسمه فيما بيني وبينك .. وأنت يا من تملك السيارتين لا بد أن تقسم بيني وبينك هذه مزاعمهم، وهذه أفكارهم، فهل بعد هذا يظن مسلم أن هذه العناصر التي يرفعها هذا الحزب ليست معقولة فعلاً فضلاً أن تطبق واقعاً، لا يمكن أن نتصور أن نستطيع أن نجمع أمة على رباط علماني قومي اشتراكي.

أليست لبنان أريد لها أن تكون دولة اللبنانيين أجمع بما فيهم الدروز، وبما فيهم المليشيات المسيحية، وبما فيهم النصرانية وبما فيهم مختلف الطوائف؟ هل استطاعت لبنان أن تجمع دولة واحدة تحت جنسيات وعقائد مختلفة؟

لا؛ لأن الله جل وعلا يقول: وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ [الأنفال:39] لأن الفتنة في بقاء هذه المذاهب، وفي مدى بقاء هذه الجنسيات، وفي بقاء هذه الأحزاب والتيارات: وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ [الأنفال:39] حينما يكون الدين لله، والحكم لله، والأمر لله، والتشريع لله، حينئذٍ تستقر الأمة، أما أن يراد لأمة من الأمم أن تكون دولة وتحتها أحزاب مختلفة وترفع شعارات متباينة، تريد أن تجمع الناس خليطاً مزعجاً مشتركاً من العقائد والمذاهب والتيارات؛ هذا لا يمكن أن يتحقق تخيلاً فضلاً أن يطبق واقعاً.

معاشر المؤمنين: ويزعمون خداعاً للسذج والبسطاء: أن هذا الحزب يرفع شعارات الوحدة والحرية، ولذلك انخدع بهم وانكشف من انكشف معهم من أذنابهم في الجنوب والشمال وعرفوا على حقيقتهم، ولكن اعلموا وخذوها قاعدة: (إن الذي ليس على دينك لا يعينك) قالتها العوام والعجائز والشيوخ.

والله هذا أمر حقيقي، ظننا أن بعض الأمم يمكن أن يجدي فيها المعروف وبسط المعونات والمساعدات، وفي هذه اللحظات الحرجة نجد النكوص والغدر بالعهود والمواثيق ولكن حسابهم مع الله قريب، نسأل الله أن يرينا فيهم أسوأ ما رأيناه.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور سعد البريك - عنوان الحلقة اسٌتمع
أهمية الوقت في حياة المسلم 2802 استماع
حقوق ولاة الأمر 2664 استماع
المعوقون يتكلمون [2] 2652 استماع
توديع العام المنصرم 2647 استماع
فلنحول العاطفة إلى برنامج عمل [1] 2552 استماع
من هنا نبدأ 2495 استماع
أحوال المسلمين في كوسوفا [2] 2461 استماع
أنواع الجلساء 2460 استماع
إلى الله المشتكى 2436 استماع
الغفلة في حياة الناس 2436 استماع