اختلاف الأماني بين الناس


الحلقة مفرغة

الحمد لله وحده لا شريك له، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشدا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، هو الأول فليس قبله شيء، وهو الآخر فليس بعده شيء، وهو الظاهر فليس فوقه شيء، وهو الباطن فليس دونه شيء، وهو على كل شيء قدير: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى:11]، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء:1].

معاشر المؤمنين! لا شك أن لكل مخلوق في هذا الوجود أمنية يرجو نوالها، ويخطط لتحقيقها، ويعد ويرتب للحصول عليها، ومن المعلوم أن الآمال والأماني تختلف بين شخص وآخر، تختلف بين الناس بحسب علو هممهم، ورفعة مقاصدهم، فمن كانت همته عالية وجدت أمانيه غالية عزيزة رفيعة، ومن كانت همته هابطة وجدت أمانيه لا تبعد كثيراً عن هبوط همته، ورحم الله القائل:

وإذا كانت النفوس كباراً     تعبت في مرادها الأجسام

أيها الأحبة في الله! لو سألت كثيراً من الناس عامة، أو سألت بعض الشباب خاصة، عن همته وغايته في هذه الحياة، وما يؤمل فيها، لهالك الأمر مما ترى، من دنو الهمة، والقناعة بالنـزر اليسير، والقدر القليل من حظوظ الكرامة والفلاح في الدنيا والآخرة، فمن الناس من ترى همته انحصرت في أرض صغيرة، أو دويرة عامرة، أو زوجة حسناء، أو دريهمات في الحساب الجاري في البنك، أو سيارة فارهة، وليس طلب الإنسان أو سعيه لتحصيل شيء من هذه الأمور معيباً، ما لم يرتكب في سبيل ذلك إثماً أو حراما.

لكنما المعيب والعجيب أن ترى الهمة والأمنية محصورة عند هذا الحد من حطام الدنيا وحظوظها الفانية، لقد كان الصحابة رضوان الله عليهم يمنحون الفرص الكثيرة، ليسأل أحدهم النبي صلى الله عليه وسلم ما شاء، وإذا دعا النبي صلى الله عليه وسلم لأحد أجيبت دعوته، وإذا وعد النبي صلى الله عليه وسلم أحداً بموعد تحقق وعده، وحينئذ كان بوسع أحد الصحابة أن يسأل النبي صلى الله عليه وسلم آلاف الجمال والأباعر والنوق، أو قطعان الغنم، أو المال العظيم من الذهب والفضة، ومع هذا كله ما سأل أحد منهم النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحطام إلا عدد قليل من الأعراب، وما جعلوه فرصة للإثراء.

إذاً حينما تتاح الفرصة للصحابة رضوان الله عليهم، ماذا كانوا يسألون؟ وماذا كانوا يتمنون؟ وماذا كانوا يطلبون؟ اسمعوا الجواب من خلال هذه القصة وغيرها.

ربيعة بن كعب وسؤاله مرافقة النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة

عن ربيعة بن كعب الأسلمي ، قال: (كنت أبيت مع النبي صلى الله عليه وسلم، فآتيه بوضوئه وحاجته، فقال: سل، فقلت: أسألك مرافقتك في الجنة؟ فقال صلى الله عليه وسلم: أو غير ذلك؟ قلت: هو ذاك يا رسول الله! قال: فأعني على نفسك بكثرة السجود) تفرد به مسلم.

فانظروا إلى سؤال ربيعة ، وأمنيته وغايته، ما قال: أسألك نوقاً أو إبلاً أو جمالاً أو ذهباً أو فضة، وهي فرصة يجاب فيها أي سؤال، حينما يقول النبي صلى الله عليه وسلم: سل، فقال: أسألك مرافقتك في الجنة.

أعرابي يطلب راحلة وعجوز بني إسرائيل تطلب الجنة!!

وعن علي رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سئل عن شيء، فأراد أن يفعله، قال: نعم، وإذا أراد ألا يفعله سكت، وكان لا يقول لشيء: لا، فأتاه أعرابي فسأله، فسكت، ثم سأله فسكت، ثم سأله فقال النبي صلى الله عليه وسلم: سل -كهيئة المنتهر؟- سل ما شئت يا إعرابي -كأنه يريد منه أن يسأل شيئاً عظيم الهمة والغاية- فقال الصحابة رضوان الله عليهم: لقد غبطناه، وقلنا: الآن يسأل الأعرابي رسول الله الجنة، فقال: أسألك راحلة؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لك ذلك.

ثم قال للأعرابي: سل، فقال الأعرابي: ورحلها؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: لك ذاك.

ثم قال: سل، قال: أسألك زاداً؟ قال: وذاك لك، فعجبنا من ذلك! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أعطوا الأعرابي ما سأل، قال: فأعطي، ثم قال صلى الله عليه وسلم: كم بين مسألة الأعرابي وعجوز بني إسرائيل.).

وملخص هذا، أن العجوز سألت موسى عليه السلام أن تكون معه في الدرجة التي يكون فيها في الجنة، فقال موسى: سلي الجنة، فقالت العجوز: لا أرضى إلا أن أكون معك في الدرجة التي تكون فيها في الجنة، فأوحى الله إلى موسى أن أعطها ذلك، فإنه لا ينقصك شيئا. رواه الترمذي في الأوسط عن علي.

حارثة وأمنيته في الشهادة

ومن الأماني الغالية والهمم العالية، ما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: (بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي، إذ استقبله شاب من الأنصار، واسمه حارثة ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: كيف أصبحت يا حارثة ؟ قال: أصبحت مؤمناً، قال: انظر ما تقول فإن لكل قول حقيقة، قال حارثة : يا رسول الله! عزفت نفسي عن الدنيا، فأسهرت ليلي، وأظمأت نهاري، وكأني أنظر إلى عرش ربي بارزا، وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون فيها، وكأني أنظر إلى أهل النار يتعاوون فيها، قال: أبصرت فالزم) -عبد نور الله الإيمان في قلبه- (فقال حارثة: يا رسول الله! ادع الله لي بالشهادة؟ فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنودي يوماً في الخيل، فكان أول فارس ركب، وأول فارس استشهد، فبلغ ذلك أمه، فجاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله! إن يكن حارثة في الجنة لم أبك ولم أحزن، وإن يكن في النار بكيت ما عشت في الدنيا، فقال صلى الله عليه وسلم: يا أم حارثة ! إنها ليست بجنة، ولكنها جنان، وإن ابنك أصاب الفردوس الأعلى، فرجعت وهي تضحك وتقول: بخ بخ يا حارثة).

خيثمة يسأل رسول الله بأن يدعو له بالشهادة

فأين أمانينا في هذا الزمان من أماني أولئك الرعيل الأول والركب الأول والصحب الأجل، عليهم من الله كل رضوان ورحمة، قال خيثمة الصحابي رضي الله عنه، وكان ابنه قد استشهد وهو يغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر : (لقد أخطأتني وقعة بدر ، وكنت والله حريصاً عليها، حتى ساهمت ابني في الخروج، فخرج سهمه، فرزق الشهادة، وقد رأيت البارحة ابني في النوم في أحسن صورة يسرح في ثمار الجنة وأنهارها، يقول: يا أبت! الحق بنا ترافقنا في الجنة، فقد وجدت ما وعد ربي حقا، وقد والله يا رسول الله أصبحت مشتاقاً إلى مرافقة ولدي في الجنة، وقد كبرت سني، ورق عظمي، وأحببت لقاء ربي، فادع الله يا رسول الله أن يرزقني الشهادة، ومرافقة سعد في الجنة، فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، فقتل بـأحد شهيداً).

عمرو بن الجموح يريد أن يطأ بعرجته الجنة

وهذا عمرو بن الجموح الأنصاري كان أعرج شديد العرج، وكان له أربعة بنين شباب يغزون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا غزا، فلما توجه إلى أحد أراد أن يتوجه معه، فقال له بنوه: إن الله قد جعل لك رخصة، فلو قعدت ونحن نكفيك، وقد وضع الله عنك الجهاد، فأتى عمرو بن الجموح رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: (يا رسول الله! إن بني هؤلاء يمنعونني أن أخرج معك، والله إني لأرجو أن أستشهد فأطأ بعرجتي هذه الجنة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما أنت فقد وضع الله عنك الجهاد، وقال لبنيه: وما عليكم أن تدعوه لعل الله عز وجل أن يرزقه الشهادة، فخرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقتل يوم أحد شهيداً).

فيا شباب الإسلام! ويا عباد الله! انظروا إلى الهمم العالية، والمطالب الغالية التي تمنوها فأدركوها، تمنوها خالصة لوجه الله جل وعلا، فاجعلوا همتكم رضا الله، واجعلوا سعيكم في مرضاة الله جل وعلا، عند ذلك يحقق الله لكم الدنيا والآخرة (من أصبح والدنيا همه جعل الله فقره بين عينيه، وشتت عليه ضيعته، ووكله إلى نفسه، ولم يأته من الدنيا إلا ما قسم له، ومن أصبح وهمه الآخرة، تكفل الله برزقه، وأتته الدنيا راغمة، وجمع الله له ضيعته).

فارفعوا الهمم يا عباد الله! واصدقوا ربكم الوعد، وارفعوا الهمة والأمنية: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً [الأحزاب:23].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله العلي العظيم الجليل الكريم لي ولكم فاستغفروه من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.

عن ربيعة بن كعب الأسلمي ، قال: (كنت أبيت مع النبي صلى الله عليه وسلم، فآتيه بوضوئه وحاجته، فقال: سل، فقلت: أسألك مرافقتك في الجنة؟ فقال صلى الله عليه وسلم: أو غير ذلك؟ قلت: هو ذاك يا رسول الله! قال: فأعني على نفسك بكثرة السجود) تفرد به مسلم.

فانظروا إلى سؤال ربيعة ، وأمنيته وغايته، ما قال: أسألك نوقاً أو إبلاً أو جمالاً أو ذهباً أو فضة، وهي فرصة يجاب فيها أي سؤال، حينما يقول النبي صلى الله عليه وسلم: سل، فقال: أسألك مرافقتك في الجنة.

وعن علي رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سئل عن شيء، فأراد أن يفعله، قال: نعم، وإذا أراد ألا يفعله سكت، وكان لا يقول لشيء: لا، فأتاه أعرابي فسأله، فسكت، ثم سأله فسكت، ثم سأله فقال النبي صلى الله عليه وسلم: سل -كهيئة المنتهر؟- سل ما شئت يا إعرابي -كأنه يريد منه أن يسأل شيئاً عظيم الهمة والغاية- فقال الصحابة رضوان الله عليهم: لقد غبطناه، وقلنا: الآن يسأل الأعرابي رسول الله الجنة، فقال: أسألك راحلة؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لك ذلك.

ثم قال للأعرابي: سل، فقال الأعرابي: ورحلها؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: لك ذاك.

ثم قال: سل، قال: أسألك زاداً؟ قال: وذاك لك، فعجبنا من ذلك! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أعطوا الأعرابي ما سأل، قال: فأعطي، ثم قال صلى الله عليه وسلم: كم بين مسألة الأعرابي وعجوز بني إسرائيل.).

وملخص هذا، أن العجوز سألت موسى عليه السلام أن تكون معه في الدرجة التي يكون فيها في الجنة، فقال موسى: سلي الجنة، فقالت العجوز: لا أرضى إلا أن أكون معك في الدرجة التي تكون فيها في الجنة، فأوحى الله إلى موسى أن أعطها ذلك، فإنه لا ينقصك شيئا. رواه الترمذي في الأوسط عن علي.