المقاييس الفاسدة


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، القائل في محكم كتابه: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ * فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمْ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلا إِنَّهُمْ هُمْ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ * وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ * اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ [البقرة:8-15].

معاشر المؤمنين: معاشر المتقين .. أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وهو الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

عباد الله.. اتقوا الله تعالى حق التقوى فلا نجاة إلا بها قولاً وعملاً ومعاملة وظاهراً وباطناً: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:70-71].

أيها الأحبة في الله.. يخطئ كثير من المثقفين ويخطئ كثير من العوام في إصدار الأحكام وتكوين التصورات حول كثير من القضايا والمتغيرات والأحداث التي هي صورة طبيعية من صور السنن الاجتماعي، ومصدر الخطأ عند كثير من الناس في تصوراتهم وأحكامهم، مصدر خطئهم هذا أنهم يقيسون الأمور بعضها على بعض قياساً متنافراً أو قياساً مع الفوارق، أو قياس أمور لا يصح أن يقاس بعضها على بعض، فترى الكثير منهم يقيس الصريح على المؤول والمؤتلف على المختلف، والمحكم على المتشابه، وكل هذه من الأقيسة الفاسدة، أولئك الذين يلوون أعناق النصوص ويجرون التصورات والأفكار إلى قياس فاسد، وتطبيق وقائع داخلية على أحداث خارجية هم الذين ينشرون في أذهان كافة أفراد المجتمع تصوراً وأفكاراً كلها إرجاف وتثبيط وتخويف.

معاشر المؤمنين.. إن ما نراه من جهود علمائنا ودعاتنا، وولاة أمرنا، ينبغي أن نحرص على أن نجعل الهدف والغاية منه هو قصد الإصلاح، وقصد توجيه المجتمع إلى ما فيه كل خير، وما شذ أو خرج عن هذا القصد فلا حرج أن يقيم ويقوم، وأن يركز ويوجه ما دامت غاية الجميع الصغير والكبير والرفيع والوضيع والمسئول وغير المسئول، ما دامت الغاية هي إصلاح المجتمع والإبحار بسفينته إلى شاطئ الأمان وبر النجاة، يقول الله جل وعلا على شأن ذلك النبي الصالح الذي تناوشته ألسنة قومه بالتجريح، وتناولته أبصارهم حتى كادوا أن يزلقوه بها: يقول على لسانه: إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْأِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ [هود:88] والمصلح شأنه وغاية همه وتقييم سعيه إنما هو بهدفه، ذلك الهدف النبيل المنبعث من الإخلاص ومن صميم الدين، كما قال صلى الله عليه وسلم: (الدين النصيحة، الدين النصيحة، الدين النصيحة. قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم).

وما دام الأمر كذلك فكل سعي يراد به الإصلاح فمحله المُقَل، ومكانه الرءوس، وخطابه يلقى أسماعاً صاغية وأفئدة مستجيبة متأثرة، هكذا ينبغي أن يقابل خطاب الإصلاح، وهكذا ينبغي أن يستمع إلى خطاب المصلحين الغيورين، إن الله جل وعلا يقول في محكم كتابه: لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ [النساء:114] والنجوى قد نهي عنها إلا بأحوال وشروط، ومع ذلك فالله جل وعلا يقول: لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ [النساء:114] فالمصلح قد يسلك هذا الطريق، وقد يسلك غيره من أجل المسارعة في إنقاذ المجتمع وإنقاذ أبنائه وبذل ما في وسعه من جهد وتضحية بكل ما يملك، حتى لا تهوي السفينة في بحار الظلمات.

قياس بلاد الحرمين على مصر والجزائر

معاشر المؤمنين.. ينبغي أن ندرك أن كثيراً من الذين يتكلمون عن واقعنا من حديث المجالس أو من اللقاءات المنفردة أو الجلسات المحدودة أو غيرها، بعض المسلمين -هداهم الله- حينما يتحدث عن جهود الإصلاح وعن المصلحين في هذه البلاد، يقيس ما يدور هنا على ما دار في مصر أيام جمال عبد الناصر، ويقيس ما يدور هنا على ما يدور في الجزائر وتونس، ويقيس ما يدور هنا على ما يدور في سوريا وغيرها .. وهذا هو ما أقصده بقياس فاسد، وبتركيب أقيسة مختلطة، لا يوجد علة بين الفرع والأصل حتى تكون الجامعة في القياس.

من أجل هذا -يا عباد الله- لما قيست هذه الأمور قياساً فاسداً أنتج ذلك تخويفاً، وأنتج ذلك إرجافاً، وأنتج ذلك شعوراً مخيفاً عند عند بعض الناس؛ والسبب في ذلك: هو ذلك القياس الفاسد، فما أن يرى جماعة من الدعاة أو يرى مجموعة من المصلحين يتبادر إلى ذهنه أن هؤلاء مثل أولئك الذين في تلك البلد الفلانية، ولست هنا أريد أن أطعن في الدعاة خارج هذه البلاد، ومعاذ الله أن تكون المنابر منزلاً أو مكاناً للطعن في الدعاة، بل إن المنابر من مهماتها الدعاء لهم، وسؤال الله أن يسدد خطاهم وأن يحقن دماءهم وأن يفك أسراهم، وأن يجبر كسيرهم، وأن يهدي ضالهم، وأن يجمع شملهم.

ليس الحديث هنا مقصود به تجريح الدعاة هناك، ولكن الذي نريد أن نبينه هو ألا يقاس أمر في الخارج على أمر في الداخل، لماذا؟ لأن أولئك ونحن بيننا وبين أوضاعهم الفرق الواسع والبون الشاسع الذي لا يمكن معه قياس أحوالهم على أحوالنا، نحن في بلد مسلمة، نحن في دولة مسلمة، نحن في حكومة مسلمة، ندين الله جل وعلا بهذا، ونلقى الله به ولا ننـزع يداً من طاعة، ونعتقد ما يعتقده أهل السنة والجماعة، ومن معتقدهم: أنهم يرون الجهاد وإقامة الصلوات والجمعة والأعياد مع الأئمة أبراراً كانوا أم فجاراً .. هذا هو معتقد أهل السنة، وهذا معتقد أئمة الدعوة، وهذا معتقدنا، وعليه قام الأمر، واستتب الحكم، ومضت شئون الأمة.

معاشر المؤمنين.. ينبغي أن ندرك أن كثيراً من الذين يتكلمون عن واقعنا من حديث المجالس أو من اللقاءات المنفردة أو الجلسات المحدودة أو غيرها، بعض المسلمين -هداهم الله- حينما يتحدث عن جهود الإصلاح وعن المصلحين في هذه البلاد، يقيس ما يدور هنا على ما دار في مصر أيام جمال عبد الناصر، ويقيس ما يدور هنا على ما يدور في الجزائر وتونس، ويقيس ما يدور هنا على ما يدور في سوريا وغيرها .. وهذا هو ما أقصده بقياس فاسد، وبتركيب أقيسة مختلطة، لا يوجد علة بين الفرع والأصل حتى تكون الجامعة في القياس.

من أجل هذا -يا عباد الله- لما قيست هذه الأمور قياساً فاسداً أنتج ذلك تخويفاً، وأنتج ذلك إرجافاً، وأنتج ذلك شعوراً مخيفاً عند عند بعض الناس؛ والسبب في ذلك: هو ذلك القياس الفاسد، فما أن يرى جماعة من الدعاة أو يرى مجموعة من المصلحين يتبادر إلى ذهنه أن هؤلاء مثل أولئك الذين في تلك البلد الفلانية، ولست هنا أريد أن أطعن في الدعاة خارج هذه البلاد، ومعاذ الله أن تكون المنابر منزلاً أو مكاناً للطعن في الدعاة، بل إن المنابر من مهماتها الدعاء لهم، وسؤال الله أن يسدد خطاهم وأن يحقن دماءهم وأن يفك أسراهم، وأن يجبر كسيرهم، وأن يهدي ضالهم، وأن يجمع شملهم.

ليس الحديث هنا مقصود به تجريح الدعاة هناك، ولكن الذي نريد أن نبينه هو ألا يقاس أمر في الخارج على أمر في الداخل، لماذا؟ لأن أولئك ونحن بيننا وبين أوضاعهم الفرق الواسع والبون الشاسع الذي لا يمكن معه قياس أحوالهم على أحوالنا، نحن في بلد مسلمة، نحن في دولة مسلمة، نحن في حكومة مسلمة، ندين الله جل وعلا بهذا، ونلقى الله به ولا ننـزع يداً من طاعة، ونعتقد ما يعتقده أهل السنة والجماعة، ومن معتقدهم: أنهم يرون الجهاد وإقامة الصلوات والجمعة والأعياد مع الأئمة أبراراً كانوا أم فجاراً .. هذا هو معتقد أهل السنة، وهذا معتقد أئمة الدعوة، وهذا معتقدنا، وعليه قام الأمر، واستتب الحكم، ومضت شئون الأمة.

لكن هذا لا يعني المداهنة، ولا يعني النفاق، ولا يعني السكوت عن كلمة الحق، بل إن أخلص الناس في صدق معتقده تجاه ولاة الأمور بما يوافق معتقد أهل السنة والجماعة ، إن أخلص الناس في شأنه هذا هو أصدقهم عبارة، وأقربهم نصيحة ولو كانت قاسية:

وإذا صرخت بوجه من أحببتهم     فلكي يعيش الحب والأحباب

لعل عتبك محمود عواقبه     وربما صحت الأبدان بالعلل

ويبقى الود ما بقي العتاب

إن العتاب والنصيحة والخطاب، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في مجتمع كفار قريش يتلقفون الأفواه، ويتلقفون الزلة ويتلقفون الخطأ من صحابته، أو من سلوكه صلى الله عليه وسلم، وحاشاه وهو المعصوم ولكن بتفسيرهم الخاطئ، ومع ذلك إن الله جل وعلا لم يقل هذا نبي، ولا يمكن أن ينزل قرآن يتلى إلى يوم القيامة فيه العتاب للنبي صلى الله عليه وسلم حتى لا تستغله قريش، ويستغله الأكاسرة والقياصرة فسكت عن عتابه صلى الله عليه وسلم، بل ورد العتاب وجاء الخطاب بألذ صوره! بألذ أساليبه وألين عباراته! قال الله جل وعلا يعاتب نبيه: عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ [التوبة:43] وهذا من ألذ وألين أساليب العتاب، فبشره بالعفو وبشره بالمغفرة قبل العتاب معه في شأن أسرى بدر : عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ [التوبة:43].

ويقول الله جل وعلا معاتباً الصحابة: مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ [آل عمران:152] ويقول الله جل وعلا: أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ [آل عمران:165] خطاب من الله لصحابة رسول الله، ولم يكن سبباً في منع نزول هذا الخطاب أو لم يمتنع أن تنزل هذه الآيات التي فيها خطاب العتاب على الرسول والصحابة حتى لا تقول قريش أو يقول الكفار أو يقول المرجفون: إن الله عاتب نبيه أو عاتب أصحاب نبيه، بل جاء الخطاب وجاء العتاب: عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى * أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى * أَمَّا مَنْ اسْتَغْنَى * فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى * وَمَا عَلَيْكَ أَلاَّ يَزَّكَّى * وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى * وَهُوَ يَخْشَى * فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى [عبس:1-10] كلها آيات مليئة بألين العتاب وأجمل الخطاب! وكله صواب من كلام رب الأرباب جل وعلا.

ومع ذلك لم يمتنع أن تنزل هذه الآيات خشية أن يقال على الرسول أو على صحابته: إن هذا مما يرجف بالصحابة أو مما يضر بمجتمع الدولة الإسلامية في المدينة، ما دام الأمر كذلك -أيها الأحبة- فلنعود أنفسنا على سماع كلمة الحق مع وضوح منهجنا.

إن الذين يقيسون مجتمعنا هنا على المجتمعات الخارجية قياسهم فاسد، ومن أفسد التصور أفسد الحكم والعمل، وما دامت تلك البلاد في مجتمعات أحوالها إما كافرة أو جاهلية أو ظلمات بعضها فوق بعض، فإننا ندين الله ونعتقد بأن هذا المجتمع مجتمع مسلم، ولا يعني المجتمع المسلم ألا توجد فيه خطيئة، ولا يعني المجتمع المسلم ألا توجد فيه معصية، وليس بالضرورة ألا يوجد في المجتمع المسلم منافقون.

إن هذا المجتمع مع صبغته الإسلامية وصفته الإسلامية لا يمتنع أن يوجد فيه العلمانيون، ولا يمتنع أن يوجد فيه المنافقون، كيف نغالط الحقائق أو نزور الأمور على أنفسنا ونقول: ليس في مجتمعنا منافقون أو علمانيون وقد وجدوا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولو سلم مجتمع من المنافقين لكان أولى المجتمعات سلامة من المنافقين أصحاب الوجوه الذين يدخلون بوجه ويخرجون بوجه، ويظهرون بكلام ويبطنون ضده، ويصدق فيهم قول الله جل وعلا: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْأِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ [البقرة:204-206] لو سلم المجتمع من أولئك الذين يودون العنت والمشقة لنا، ولا يألوننا خبالاً، وفيهم وفي مجتمعهم سماعون لأهل الباطل وأهل الضلالة، وربما يفرحون مع أذنابهم أو من ينتسبون إليهم في أفكارهم شرقاً وغرباً على كل مصيبة كانوا يتربصون الدوائر بها على المسلمين والمؤمنين.

فيا معاشر المؤمنين.. ينبغي أن نفهم جيداً أننا في مجتمع يختلف عن سائر المجتمعات، وهذا المجتمع من أول خصائصه أن العالم الإسلامي ينظر إليه نظرة تختلف عن النظرة لسائر الدول والبلدان، إذا قلنا: المملكة العربية السعودية هل سيتبادر إلى أذهان السامعين المجوسية؟ أو النصرانية؟ أو اليهودية؟ أو يتبادر إلى أذهان الناس القاديانية والباباوية والنصيرية والدرزية ..؟ لا. لا يمكن أن يتبادر إلى ذهن من سمع اسم هذا البلاد إلا دين الإسلام، وإذا ذكر الإسلام فأول بلاد تتبادر إلى الذهن هي هذه البلاد، وليس غروراً ولا إطراءً ولا إسرافاً في المديح، إن الإسلام والبلاد هذه وجهان لعملة واحدة، إن الإسلام وهذه البلاد هما وجهان لعملة واحدة، ولا يعني ذلك سلامة مجتمعنا من الأخطاء والنقائص أو انعدام وجود المنافقين في المجتمع، فهذه أمور قد وجدت في عصور الخلافات الراشدة، وفي عهد النبوة صلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه، وفي سائر عصور التاريخ.

إذاً فما واجبنا؟ واجبنا أن نبدأ بكل صدق وبكل حق لإصلاح مجتمعنا، نحن في بيت قد أسس بنيانه وأقيمت أركانه واستتب نظامه، فما شأننا إلا أن نصلح الخلل في نوافذه، وأن نصحح الخلل في أبوابه، وأن نتتبع ثغرات النقص في جوانبه، هذه صرخات الدعاة، وصرخات المصلحين، وهذه صرخات الغيورين التي فسرها الفجار وفسرها الفساق بأن وراءها ما وراءها، وبأنها تريد الضلالة وتريد الفساد، وتريد أن ينفرط نظام عقد هذا المجتمع أو أن تنقلب طمأنينته قلقاً وفزعاً.. لا والله، ما هكذا شأن الدعاة، ولا شأن الأبرار، وما هكذا شأن الأخيار، مع أننا وفي قرارة علمنا أن هذا لم يدر بخلد أحد إلا بخلد المنافقين.

المنافقون يطعنون دائماً بالدعاة والعلماء

نعم. المرجفون الذين منهجهم منهج إمامهم الشيطان الذي يعد بالفقر ويأمر بالفحشاء كما قال تعالى: الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [البقرة:268].

المرجفون منهجهم في هذه المسألة وإمامهم في هذا المنهج هو منهج الشيطان، ما يرون من خير إلا ويفسر بضده، ويفسر بأسوأ التفسير والاعتبار، وإذا ظهر في المجتمع ضلالة أو بداية انحراف أو جنوح إلى الفساد والغواية أو تخللاً ودخولاً في قلب أبناء المجتمع وفي جسده الذي هو يصارع أنواع العدوى الوافدة والمستوردة والمحلية، إذا رأى الغيورون فساداً حل بالمجتمع ماذا يقولون؟ لماذا تفسرون الأمور تفسيراً عكسياً؟ لماذا أنتم -أيها الدعاة- تفسرون الأمور تفسيراً عكسياً؟ لماذا لا يظن بالدعاة إلا فساد الأمور؟ لماذا لا يظن بالدعاة إلا كل تصور فاسد... قد قيل هذا على ألسنة كثير من المخدوعين أو الجاهلين أو المغرضين، لما ظهرت دعوات مستوردة ووافدة تدعو إلى اختلاط المرأة بالرجل، ماذا قالوا يوم أن وقف الدعاة ووقف الأخيار والمخلصون أمام هذه الدعوات؟

يقول العلمانيون وأذنابهم: لماذا أنتم -يا معاشر الدعاة- لا تفسرون الأمور إلا بكل فاحشة، وبكل رذيلة وبكل فساد؟ ونقول لهم أيضاً، نقول للمرجفين: لماذا تفسرون كل خطوة وكل صرخة وكل تضحية بغال ونفيس من أجل إصلاح المجتمع، مع اعتقاد كاعتقادنا بأهم شئون ديننا أن مجتمعنا مسلم، نقول لهم: لماذا تفسرون هذه الاتجاهات الإصلاحية والدعوات نحو الإصلاح بإثارة الفزع والقلاقل والفتن وتقليب شأن المجتمع بعد طمأنينته؟

نعم. نرد عليهم في باب مقام خطابهم بمثله، وإلا فالحجة فوق رءوسهم دامغة، والحق أبلج والباطل لجلج. وحسبنا -يا معاشر المسلمين والمؤمنين- أننا نؤمن بسلامة موقف كل أبناء هذه الأمة في اتجاهها لعقيدتها ودينها، واقتدائها بنهج نبيها في شتى مجالات حياتها.

أما أولئك فيؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض، نعم. يريدون الدين في جانب ولكن لا حاجة إلى الدين في جانب آخر، لا تقال صراحة وإنما مغلفة مزيفة، أولئك ليسوا من أهل هذه البلاد، ليسوا من أهل هذا المجتمع، إلا أن يدينوا بما يدين به المؤمنون لله بأن الحكم لله: أَلا لَهُ الْحُكْمُ [الأنعام:62].. إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ [يوسف:40] إلا أن يدينوا بهذه في كل صغيرة وكبيرة.

نعم. المرجفون الذين منهجهم منهج إمامهم الشيطان الذي يعد بالفقر ويأمر بالفحشاء كما قال تعالى: الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [البقرة:268].

المرجفون منهجهم في هذه المسألة وإمامهم في هذا المنهج هو منهج الشيطان، ما يرون من خير إلا ويفسر بضده، ويفسر بأسوأ التفسير والاعتبار، وإذا ظهر في المجتمع ضلالة أو بداية انحراف أو جنوح إلى الفساد والغواية أو تخللاً ودخولاً في قلب أبناء المجتمع وفي جسده الذي هو يصارع أنواع العدوى الوافدة والمستوردة والمحلية، إذا رأى الغيورون فساداً حل بالمجتمع ماذا يقولون؟ لماذا تفسرون الأمور تفسيراً عكسياً؟ لماذا أنتم -أيها الدعاة- تفسرون الأمور تفسيراً عكسياً؟ لماذا لا يظن بالدعاة إلا فساد الأمور؟ لماذا لا يظن بالدعاة إلا كل تصور فاسد... قد قيل هذا على ألسنة كثير من المخدوعين أو الجاهلين أو المغرضين، لما ظهرت دعوات مستوردة ووافدة تدعو إلى اختلاط المرأة بالرجل، ماذا قالوا يوم أن وقف الدعاة ووقف الأخيار والمخلصون أمام هذه الدعوات؟

يقول العلمانيون وأذنابهم: لماذا أنتم -يا معاشر الدعاة- لا تفسرون الأمور إلا بكل فاحشة، وبكل رذيلة وبكل فساد؟ ونقول لهم أيضاً، نقول للمرجفين: لماذا تفسرون كل خطوة وكل صرخة وكل تضحية بغال ونفيس من أجل إصلاح المجتمع، مع اعتقاد كاعتقادنا بأهم شئون ديننا أن مجتمعنا مسلم، نقول لهم: لماذا تفسرون هذه الاتجاهات الإصلاحية والدعوات نحو الإصلاح بإثارة الفزع والقلاقل والفتن وتقليب شأن المجتمع بعد طمأنينته؟

نعم. نرد عليهم في باب مقام خطابهم بمثله، وإلا فالحجة فوق رءوسهم دامغة، والحق أبلج والباطل لجلج. وحسبنا -يا معاشر المسلمين والمؤمنين- أننا نؤمن بسلامة موقف كل أبناء هذه الأمة في اتجاهها لعقيدتها ودينها، واقتدائها بنهج نبيها في شتى مجالات حياتها.

أما أولئك فيؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض، نعم. يريدون الدين في جانب ولكن لا حاجة إلى الدين في جانب آخر، لا تقال صراحة وإنما مغلفة مزيفة، أولئك ليسوا من أهل هذه البلاد، ليسوا من أهل هذا المجتمع، إلا أن يدينوا بما يدين به المؤمنون لله بأن الحكم لله: أَلا لَهُ الْحُكْمُ [الأنعام:62].. إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ [يوسف:40] إلا أن يدينوا بهذه في كل صغيرة وكبيرة.

فيا معاشر المؤمنين.. إن ما نسمعه وما نراه من جهود الدعاة ومن نصائحهم ومن خطابهم، ومن توجيههم إنما هو لوجه الله، لا يريدون بذلك جزاءً ولا شكوراً، لا يريدون قرضة، ولا خطاً عريضاً في الجريدة، ولا زاوية أسبوعية، ولا مكافأة مالية، ولا مرتبة وظيفية، وإنما يريدون وجه الله، كما قال أحد السلف : وددت أن هذا الخلق أطاع الله وأن جسمي قرض بالمقاريض.

الداعية من السلف الصالح يقول: قطعوا جسمي بالمقاريض -أي: بالمقص- قطعة قطعة في سبيل أن يعود الناس إلى الله، والإمام العابد المجاهد/ عبد الله بن المبارك يقول: وددت أني أكون فداءً لأمة محمد.

ووالله إن الدعاة والمخلصين يودون أن يكونوا فداءً لهذه الأمة في سلامة دينها ونقاء عقائدها، واجتماع شملها ووحدة صفها واجتماع كلمتها، ولو كانوا هم الفداء بذلك، ولكن كما قال القائل:

نسجت لكم غزلاً رفيعاً فلم أجد     لغزلي نساجاً فكسرت مغزلي

بعض الناس لا يرى إلا أن كل صيحة وكل كلمة وكل صرخة وراءها ما وراءها، ووراء الأكمة ما وراءها، إنا لا نعني بذلك أن تعطل العقول، ولا أن نلغي سبر الأقوال والمقاصد والكلمات، ولكن ما أسر عبد سريرة إلا أظهرها الله على لمحات وجهه وفلتات لسانه، إنك لترى وتفرق بين خطاب المخلصين والمنافقين، وتفرق بين الذين يدّعون حقيقة الإخلاص دعوى زور وبين الذين هم يمثلون حقيقة الإخلاص لهذه الأمة.

فلو قبل مبكاها بكيت صبابـة     بسعدى شفيت النفس قبل التكلم

ولكن بكت قبلي فهيج للبكا     بكاها فقلت الفضل للمتقدم

ليست النائحة الثكلى كالنائحة المستأجرة، نعم. إن الدعاة حينما يذرف أحدهم دمعة خرجت من قلبه قبل أن تخرج من عينه، وحينما يقول كلمة تلجلجت في صدره وتفاعلت في سويداء فؤاده قبل أن تخرج على لسانه، أما أولئك الذين يريدون بالكلمات أي مصلحة من مصالح الدنيا فنقول لنا ولهم ولأنفسنا ولغيرنا: سيجمع الله الأولين والآخرين في مقام واحد، ويقول سبحانه: لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ [الأحزاب:8] حتى الصدق أنت مسئول عن الصدق فيه: لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ [الأحزاب:8] وسينكشف غداً الذين كانوا على حقيقة الإخلاص والولاء لله ولرسوله ولكتابه وأئمة المسلمين وعامتهم، سينكشف أولئك وينكشف الذين يدّعون هذا.

ولست هنا أفرق مجتمعنا لكني أقول: إن المجتمع لا يخلو من المنافقين، لا يخلو من المرجفين، لا يخلو من المثبطين الذين منهجهم عدة الشيطان الأمر بالفحشاء والتخويف من الفقر.

نسأل الله أن يحفظنا وأن يجمع شملنا وشمل ولاة أمرنا وحكامنا وعلمائنا على ما يرضيه، إنه سميع مجيب.

بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.

فرح المؤمن الصادق بعودة الناس إلى الله

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

عباد الله.. اتقوا الله تعالى حق التقوى، تمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار، عياذاً بالله من ذلك.

أيها الأحبة في الله.. إن الدعاة إلى الله، إن الآمرين بالمعروف، إن الناهين عن المنكر، من فرط غيرتهم على دينهم وكتاب ربهم وسنة نبيهم وعلمائهم وولاة أمرهم وعامة المسلمين أجمعين، صغيرهم وكبيرهم، صالحهم وفاسقهم طالحهم وبرهم، إن أولئك من فرط غيرتهم على المجتمع تجد الواحد منهم يحترق ليل نهار، ويسعى ذهاباً وإياباً، ويصبح ويمسي ويحل ويرتحل، يستبشر بشارة عظيمة، يوم أن يرى ضالاً هداه الله، أو منحرفاً عاد إلى المسجد، أو عاقاً بر بوالديه، أو قاطعاً وصل رحمه، أو مجرماً تاب وآب إلى الله جل وعلا، أما أعداء الدين وأعداء الأمة وأعداء المجتمع فيفرحون بما نشر من الفساد وشاع من الفاحشة في المجتمع، فأي هذين أحب إلى القلوب؟ إن قلوب البهائم ليست قلوب البشر تميل مع من أحسن إليها وداوى جراحها، وجبر كسورها وأصلح شأنها وأطعمها نصيحة صادقة، وسقاها وداً خالصاً، أما الذين يدعون الإخلاص دعوى لا حقيقة لها، فإن ابتسمت الوجوه أمامهم ابتسامة صفراء أو هزت الرءوس أمامهم هز المنافقة والمداهنة، فليس أولئك لهم مكان في قلوب الناس.

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

عباد الله.. اتقوا الله تعالى حق التقوى، تمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار، عياذاً بالله من ذلك.

أيها الأحبة في الله.. إن الدعاة إلى الله، إن الآمرين بالمعروف، إن الناهين عن المنكر، من فرط غيرتهم على دينهم وكتاب ربهم وسنة نبيهم وعلمائهم وولاة أمرهم وعامة المسلمين أجمعين، صغيرهم وكبيرهم، صالحهم وفاسقهم طالحهم وبرهم، إن أولئك من فرط غيرتهم على المجتمع تجد الواحد منهم يحترق ليل نهار، ويسعى ذهاباً وإياباً، ويصبح ويمسي ويحل ويرتحل، يستبشر بشارة عظيمة، يوم أن يرى ضالاً هداه الله، أو منحرفاً عاد إلى المسجد، أو عاقاً بر بوالديه، أو قاطعاً وصل رحمه، أو مجرماً تاب وآب إلى الله جل وعلا، أما أعداء الدين وأعداء الأمة وأعداء المجتمع فيفرحون بما نشر من الفساد وشاع من الفاحشة في المجتمع، فأي هذين أحب إلى القلوب؟ إن قلوب البهائم ليست قلوب البشر تميل مع من أحسن إليها وداوى جراحها، وجبر كسورها وأصلح شأنها وأطعمها نصيحة صادقة، وسقاها وداً خالصاً، أما الذين يدعون الإخلاص دعوى لا حقيقة لها، فإن ابتسمت الوجوه أمامهم ابتسامة صفراء أو هزت الرءوس أمامهم هز المنافقة والمداهنة، فليس أولئك لهم مكان في قلوب الناس.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور سعد البريك - عنوان الحلقة اسٌتمع
أهمية الوقت في حياة المسلم 2802 استماع
حقوق ولاة الأمر 2664 استماع
المعوقون يتكلمون [2] 2652 استماع
توديع العام المنصرم 2647 استماع
فلنحول العاطفة إلى برنامج عمل [1] 2552 استماع
من هنا نبدأ 2495 استماع
أحوال المسلمين في كوسوفا [2] 2461 استماع
أنواع الجلساء 2460 استماع
إلى الله المشتكى 2436 استماع
الغفلة في حياة الناس 2436 استماع