خطب ومحاضرات
أخطاء يقع فيها بعض الشباب
الحلقة مفرغة
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله؛ فلا مضل له، ومن يضلل؛ فلن تجد له ولياً مرشدا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
أيها الأحبة في الله! أحييكم بتحية الإسلام: فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسأل الله عز وجل أن يجزي القائمين على مركز الدعوة والإرشاد في هذه المنطقة خير الجزاء، حيث بحثوا وخرجوا يتحسسون الناس ويتتبعون مواقع البشر يدعونهم إلى الله عز وجل، فإن من واجب الدعاة ومن أولويات الدعوة أن من تصدى لهذا الأمر لا ينزوي أو يتقوقع في مكانٍ ويقول للناس: هلموا إلي وأتوا إلي، بل واجبه أن يخرج إليهم وأن يتبعهم وأن يلاحقهم، وإن سمع منهم ما يسوءه؛ فيتمثل قول الله عز وجل: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ [الأعراف:199] وإن رأى منهم شيئاً مما يورث الألم؛ فيتذكر قول الله عز وجل: فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ [آل عمران:159].
فالواجب أيها الأحبة: الواجب أن يكون بجوار كل منطقة تنتشر فيها المخيمات مخيمٌ يتسع لعدد هؤلاء الذين ينتشرون فيها، ومن ثم يخرج الناس إليها وينسلون إلى هذه المخيمات من كل حدبٍ وصوب، ليسمعوا داعي الله؛ ليسمعوا الكلمة، والآية، والموعظة، والحديث، والقصة، والقصيدة، والملحة الطريفة الظريفة حتى تتحرك النفوس في اتجاه الصلاح والاستقامة، والواجب أن تخاطب هذه العقول، وأن تنادى هذه الأفئدة بكل وسيلة تبلغ وتوصل رسالة الله إلى العباد.
إن الله عز وجل قد أرسل من هو خيرٌ منا إلى من هم شرٌ من شرار الخلق في هذا الزمان، أرسل موسى وهارون إلى فرعون الذي قال مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي [القصص:38] الذي قال منكراً مستهتراً: يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِباً [غافر:36-37] بعث الله خيرة خلقه وهم أنبياؤه ورسله، موسى وهارون، إلى شر الخليقة في ذلك الزمن إلى فرعون، ولم يقل الله فلترسلا أو تبعثا إليه رسولاً ليأت فرعون إليكما، وإنما قال الله عز وجل: فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ [الشعراء:16] اذهبا واخرجا إليه، فمن واجبنا ومهماتنا ومسئولياتنا -أيها الأحبة- أن نتتبع تجمع الشباب والأماكن التي يرتادها الناس ونحن لا نريد منهم جزاءً ولا شكوراً، فلسنا فقراء نريد منهم مالاً، ولسنا أذلاء نريد منهم جاهاً، ولسنا مستضعفين نريد منهم عزة، وإنما نريد منهم أن يعبدوا الله وحده لا شريك له، نريد منهم أن يلتفتوا إلى الغاية التي من أجلها خلقوا وهي: عبادة الله وحده لا شريك له، والاشتغال بذكر الله، والعمل في مرضاة الله عز وجل.
والحديث أيها الأحبة ذكرني ونحن في إجازة الربيع بمخيمٍ حضرته العام الماضي بين مكة المكرمة ومدينة جدة ، قام إخوانكم في مكتب الدعوة هناك وأنشئوا مخيماً كبيراً ما رأت عيني مثله، وجعلوا على مسافة بصري أو أقل بقليل مخيماً آخر للنساء، وكان ذلك المكان هناك ما بين مكة وجدة يجتمع فيه الشباب من مخيمات كثيرة وكبيرة جداً، ويجد الناس فيه متنزهاً وفسحة لهم، فإذا كانت مناسبة المحاضرة أو الموعظة أو الندوة رأيت الناس ينسلون من كل حدبٍ وفوج ويأتون من كل جانب ليحضروا.
فأقول: يا أحبابنا! إن هذه المناسبة تذكر بذلك المخيم الذي رأيت فيه اجتماعاً لخلقٍ كبير، وذكر أن النساء يجتمعن في مخيمٍ بجواره، وأقترح أن تكون المحاضرة في إجازة الربيع في مخيم وسط المخيمات، وإن كان المسجد هو مكان العبرة ومكان العظة والعبادة ومجتمع الملائكة، إلا أننا نقول: ما الذي يمنع من أن تقوم محاضرةٌ في مخيم بين المخيمات كما أن هذه المحاضرة تحت إشراف مكتبكم فإننا ندعوكم ونقترح عليكم أن تكون ثمة محاضرات وسط المخيمات ليحضر النساء في جهة والرجال في جهة ويسمعوا الكلام والنصائح والإرشادات والمواعظ.
حديثنا اليوم توجيهات إلى الشباب؛ شبابنا الذين هم أثمن ما نملك في هذه الأمة وإن الأمة لا تقاس بالأطفال ولا تقاس بالكهول والشيوخ والعجائز، وإذا أصاب الأمة أو داهمها خطبٌ أو فاجأها أمر من الأمور؛ فإن أول ما يسأل عنه لا يسأل عن عدد الأطفال فيهم، ولا يسأل عن عدد العجائز والشيوخ فيها؛ وإنما السؤال عن الشباب، كم شبابها؟ ما مستوى تدريبهم؟ ما مستوى تجنيدهم؟ إلى أي درجة يتقنون الكر والفر والقتال والسلاح؟ ما درجة تعليمهم؟ ما درجة ثقافتهم؟ ما هي اهتماماتهم؟ ولأجل ذلك فإنّا أيها الأحبة لا نعجب حينما توجه المحاضرات تلو المحاضرات، والكلمات تلو الكلمات، موجهة إلى إخواننا الشباب؛ لأنهم هم مقياس قوة أمتنا؛ فإن قوي شبابنا فأمتنا قوية، وإن ضعف شبابنا؛ فأمتنا ضعيفة، وإن كان شبابنا على درجة من الوعي فأمتنا واعية، وإن كان شبابنا على مستوىً يندى له الجبين من الغفلة فأمتنا غافلة، إن كان اهتمام شبابنا بالجهاد والدعوة والعلم والعمل والإنتاج والقيادة والريادة والبحث والفكر والتطبيق والتنافس والتجربة؛ فأمتنا أمة ناهضة، وإن كان اهتمام شبابنا بالطبل والمزمار والناي والوتر والعود والرواية الجنسية والقصص التي لا تليق والأغاني الماجنة إذا كان هذا وضع شباب الأمة فأمتنا أمة متردية، وما من شيءٍ بدأ في انحدار إلا سقط في غاية الهوة وفي منحدرها ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ولكن إن من سنن الله عز وجل أن جعل لكل داءٍ دواء، وأن جعل لكل سقمٍ علاجا، فإذا كنا نرى من طائفة من شباب أمتنا أمراض الغفلة، وأمراض الشهوة، وأمراض الشبهات، إذا كنا نرى من شباب أمتنا إعراضاً أو تشاغلاً أو حيلاً وخططاً ومكائد دبرها الأعداء فانطلت على بعض الشباب، فإن ذلك مرضٌ وفي القرآن علاج؛ علاجه الدعوة والذكر والموعظة ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ [النحل:125].. وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ [فصلت:33].. وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل:125] (نظر الله امرأً سمع مقالةً فوعاها، فبلغها كما سمعها، فرب مبلغٍ أوعى من سامع) (من دل على هدىً؛ فله أجره وأجور من عمل به إلى يوم القيامة لا ينقص من أجورهم شيئاً).
إن كانت الأمة مصابةً بمرض الغفلة والمعصية، ومرض الشهوة والشبهة، فإن علاجها أن تعود إلى الله، إن الله لن يهلكنا ويعذبنا إذا كنا أمة مستغفرةً واعظةً مصلحة وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ [الأنفال:33].. وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ [هود:117] ولم يقل: وأهلها صالحون، وإنما قال (مصلحون) فإذا وجد في الأمة في القرى والمدن والبلدان من يسعى لإصلاح الفساد، ومن يسعى لردع الصدع، وإنكار المنكر، ونشر المعروف والأمر به والتواصي بالحق والصبر، والبذل الدءوب، والسعي الذي لا يعرف الكلل والملل، إن كان في الأمة من يعيش هذا الهم ومن يدرك هذه القضية، فإن الأمة لا تهلك بإذن الله وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ [هود:117].
أيها الأحبة! أين شبابنا؟ أين قوام أمتنا؟ أين رجال الغد فينا؟ أين هؤلاء الذين نعدهم للنائبات؟
إن طائفةً ليست بالقليلة نقولها والأسى يهيمن على النفوس، نقولها والأكباد تتجرح وتتقطع ألماً حينما ندرك ونصف ونقول: إن طائفةً من شبابنا قد اشتغلت في إضاعة الأوقات وصاحبت قرناء السوء، وأصبح النظر إلى النساء في الأفلام والمسلسلات عبر هذه القنوات التي ما تركت قليلاً أو كثيراً من ساعات الليل والنهار إلا واستغلته لتحدث هذا الشاب، اشتغل بعض شبابنا بالمجلات الخليعة، وبعضهم للسفر إلى بلاد الكفار لأغراض سيئة، وبعضهم يحاول أو يجامل أو يخادع نفسه فيقول: أسافر للسياحة، للمعالم، لمعرفة هذا الكون وما فيه ثم إذا حل في تلك البلاد ووطئت قدمه في تلك الأرضين اتجه إلى حيث ما كان منطوياً في سويداء نفسه وفي خافيةِ ضميره، ولا يخفى على الله خافية وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ [ق:16].. يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ [الحاقة:18] والله لا تخفاه خافية وهو الذي: يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ [غافر:19].
فقولوا: إن طائفة من شبابنا من أمراضهم التهاون بالصلوات وتركها بالكلية أو بعضهم يتركونها مع الجماعة، وبعض شبابنا أشغلهم الهاتف، والبحث عن الأرقام، وتعدد العشيقات والصديقات، وبعض الشباب قد وقع على أم رأسه في هذه المسكرات والمخدرات، وبعضهم ضاع وقته في الشيشة والتدخين، وبعضهم انطلت عليه أحابيل الغرب في دعاياتهم عبر وسائل الإعلام؛ فأصبحنا نراهم، وبتنا نلحظهم ونشاهدهم يقلدون الغرب في مشيهم، وفي أحوالهم، وفي تصرفاتهم، وفي لباسهم، وفي بعض كلماتهم وعاداتهم.
أيها الأحبة! لا تظنوا أن الكلام عن واقع الشباب هو ضربٌ من الخيال أو صورةٌ من صور التشاؤم، نعم. إن في مجتمعنا ولله الحمد والمنة شباباً نافسوا ولله الحمد في طلب العلم، ونافسوا في حفظ القرآن، وإتقان السنة، ونافسوا في الأدب، والعلم، ونافسوا في الحاسب الإلكتروني، والعلم التطبيقي؛ في الكيمياء والفيزياء وفي الإلكترونيات، نافسوا في هذه الطائرات وقيادتها ومعرفة أسرار تحريكها، نافسوا في إطلاق الصواريخ، ونافسوا في مجالاتٍ عديدة من البحوث النظرية والتطبيقية، ولكن إذا نسبتهم إلى عموم شباب الأمة وجدت أن هؤلاء قلة قليلة بالنسبة لعدد كبيرٍ من شباب الأمة، وإن المسئولية تقع على عاتقنا.
وحينما نصف أمراض الشباب فإنه لا يعفينا أمام الله أن نجلس على هذه الكراسي وفي هذا الجو العبق بالبخور والعطور الذي يهدى علينا فيه بألوان الشاي والزنجبيل والقهوة والماء العذب الزلال لنتكلم عن الشباب، ونظن أن مهمتنا قد انتهت، وأن ذمتنا قد برئت بمجرد الحديث ووصف أوضاعهم وأحوالهم، بل لا بد أن نبحث عنهم، أين هؤلاء الشباب الذين نتكلم عنهم؟ أهم في مخيم؟ هيا بنا نزورهم، أهم في شقةٍ معينة؟ هي بنا ندخل عليهم، أهم في ملعبٍ من الملاعب؟ هيا نغدو إليهم، أهم في مكانٍ قريب أو بعيد؟ هيا نتوجه إليهم لنحدثهم لنكلمهم لنجمعهم كما كان صلى الله عليه وسلم، يوم أن أمره ربه بأن ينذر عشيرته الأقربين وأن ينذر ليكون رسولاً للعالمين دعا قريشاً فخذاً فخذا، بطناً بطنا، وقال: واصباحاه، فلما اجتمعوا له قال: (يا معشر قريش، لو أنني قلت لكم: إن خيلاً تصبحكم أو تمسيكم من خلف هذا الوادي، أكنتم مصدقي؟ قالوا: ماجربنا عليك كذباً يا محمد، قال: فإني لكم نذيرٌ مبين من عند رب العالمين ألا تعبدوا إلا الله وحده لا شريك له قولوا لا إله إلا الله، فقال
وفي حادثةٍ أخرى: أن النبي صلى الله عليه وسلم دعاه عمه أبو طالب ذات يوم وقال: يا بن أخي! إنك من قومك من المكانة بحيث تعلم وإنهم قد جاءوا يشكونك إلي يقولون يا محمد: إنك سببت آلهتهم، وشتمت أصنامهم وسفهت أعلامهم، وأغريت عليهم عبيدهم وصبيانهم وسفهاءهم وإنهم يعرضون عليك ما يعرضون، فقال صلى الله عليه وسلم: يا معشر قريش؛ يخاطب هؤلاء الصناديد والكبار الذين بجوار عمه أبي طالب، فقال: إني أريد منكم كلمة واحدة إن أنتم قلتموها؛ فإن العرب تدين لكم وتخضع لكم وتنقاد لكم، وأما العجم فإنهم سوف يدفعون لكم الجزية، فقال أبو جهل: كلمة واحدة إن نحن قلناها العرب تطيعنا، والعجم يدفعون لنا المال والجزية، ما هي يا محمد؟! وأبيك عشراً نعطيك عشر كلمات ليست كلمة واحدة، فقال: قولوا لا إله إلا الله وحده لا شريك له، فقال أبو جهل : تباً وسحقاً لك يا محمد ألهذا جمعتنا سائر اليوم؟! مستنكرين مستنكفين أن يوحدوا الله.
الرسول يدعو في مواسم الحج
الرسول يدعو في الطائف
أتظنون أن هذا النبي قد ملّ وكلّ من هذه الدعوة؟ أتظنون أنه صلى الله عليه وسلم قد سئم من هذه الدعوة وهو الشريف النسيب الكريم ذو القدر والأمانة والجاه والكرامة في قومه؟ أم جميل زوجة أبي لهب تضع الشوك والزبالة في طريقه صلى الله عليه وسلم.
لما خرج من بني عبد يليل بن كلال وآواه المقام إلى قرن الثعالب وخر على وجهه مغشياً عليه فلما أفاق قال: (اللهم أنت ربي ورب المستضعفين، إلى من تكلني؟ أإلى عدوٍ يتجهمني أم إلى قريب ملكته أمري، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت به الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، إن لم يكن بك غضبٌ علي فلا أبالي).
بعد هذا المشوار الطويل من العذاب والأذى يقول صلى الله عليه وسلم: إن لم تكن غاضباً يا رب فما عندي مشكلة، إن لم تكن غاضباً فأنا سعيد، إن كنت راضياً فهذا هو نجاحي، أما أنهم يجعلون سلى الجزور وخلاص الناقة على ظهري فلا أبالي بهذا، أن يضعوا الشوك في طريقي فلا أبالي بهذا، أن يضعوا الأذى في طريقي، أن يرموني بالحجارة فلا أبالي بهذا، أن يكذبوني ويتهموني ويقولوا: ساحرٌ أو كذابٌ أو أساطير الأولين تملى عليه، يأخذها من كتب الأولين بكرةً وأصيلاً فلا أبالي بهذا، إن لم يكن بك غضبٌ علي فلا أبالي.
أتظنون أن سيد البشر خير من وطأت قدمه الثرى صلى الله عليه وسلم أتظنون أنه قد كلّ وملّ من هذا، بل ذهب يدعوهم ويتابعهم ويخرج إليهم في مواقع تجمعهم في مواسم الحج، ويقول: يا معاشر الناس، يا معشر قبائل العرب من منكم يمنعني حتى أبلغ رسالة ربي، أريد سنداً أريد عوناً أريد حصانةً، أريد ظهيراً، أريد معيناً يعينني، أريد ركناً شديداً آوي إليه حتى أبلغ رسالة ربي، ثم يلحقه أبو سفيان ويقول: يا معشر العرب، إنه صابئ منا ونحن أهله وقبيلته ونحن أدرى به فلا تصدقوه، أي عذاب وألم نفسي؟ والله لو أن واحداً منا تكلم في مجلسٍ من المجالس، فقال كلمةً معينة، أو قصةً معينة، ثم قام آخر بالمجلس قال: لا، لا تصدقوه القصة الصحيحة عندي أنا، ما هو شعور هذا المتكلم الذي هو في مجلسه لا يعدو حضوره وشهوده عن عشرين أو ثلاثين شخصاً؟ فما بالك بنبي مبعوث من عند الله مؤيد بالوحي والمعجزة من لدن الله عز وجل، ثم يلحقه أقرب الناس إليه فيقول للعرب: لا تبايعوه ولا تسمعوا ولا تصدقوه والغوا في كلامه.
هل كف النبي صلى الله عليه وسلم عن الدعوة؟ لا. بل سافر إلى الطائف إلى بني عبد يليل بن كلال رجاء أن يكون فيهم قلباًرحيماً رءوفاً لبقاً لطيفاً يألف ويؤلف ويسمع وينصت وينقاد إلى الحق الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم؛ فبعثت قريش سفراءها وشياطينها ومخابراتها ورجال الأمن عندها إلى بني عبد يليل بن كلال وقالوا: إن صابئاً اسمه محمد بن عبد الله سوف يأتيكم فإذا جاء فاحرصوا ألا يغري عليكم سفهاءكم، ألا يفسد عليكم صبيانكم، ألا يغير عليكم دينكم واحترام ملة آبائكم وأجدادكم، فما كان منهم إلا أن قاموا وجعلوا صبيانهم سماطين أي: صفين وفريقين، فلما دخل النبي صلى الله عليه وسلم جعلوا في يد كل صبي وسفيه وجاهل حجراً يرمي به أقدام النبي صلى الله عليه وسلم، ورجم النبي صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي حتى خرج من بني عبد يليل بن كلال وقد أعرضوا عنه وما سمعوه وآذوه وأغروا الصبيان والسفهاء به حتى ولى من عندهم وعقبه الشريفة تدمي، يقطر الدم من قدمه صلى الله عليه وسلم خرج هائماً على وجهه حتى آواه المقام إلى مكان يقال له: قرن الثعالب، ثم خر مغشياً عليه صلى الله عليه وسلم.
أتظنون أن هذا النبي قد ملّ وكلّ من هذه الدعوة؟ أتظنون أنه صلى الله عليه وسلم قد سئم من هذه الدعوة وهو الشريف النسيب الكريم ذو القدر والأمانة والجاه والكرامة في قومه؟ أم جميل زوجة أبي لهب تضع الشوك والزبالة في طريقه صلى الله عليه وسلم.
لما خرج من بني عبد يليل بن كلال وآواه المقام إلى قرن الثعالب وخر على وجهه مغشياً عليه فلما أفاق قال: (اللهم أنت ربي ورب المستضعفين، إلى من تكلني؟ أإلى عدوٍ يتجهمني أم إلى قريب ملكته أمري، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت به الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، إن لم يكن بك غضبٌ علي فلا أبالي).
بعد هذا المشوار الطويل من العذاب والأذى يقول صلى الله عليه وسلم: إن لم تكن غاضباً يا رب فما عندي مشكلة، إن لم تكن غاضباً فأنا سعيد، إن كنت راضياً فهذا هو نجاحي، أما أنهم يجعلون سلى الجزور وخلاص الناقة على ظهري فلا أبالي بهذا، أن يضعوا الشوك في طريقي فلا أبالي بهذا، أن يضعوا الأذى في طريقي، أن يرموني بالحجارة فلا أبالي بهذا، أن يكذبوني ويتهموني ويقولوا: ساحرٌ أو كذابٌ أو أساطير الأولين تملى عليه، يأخذها من كتب الأولين بكرةً وأصيلاً فلا أبالي بهذا، إن لم يكن بك غضبٌ علي فلا أبالي.
أين من شبابنا اليوم من يتحمس لهذا الدين الذي من أجله ضحى النبي صلى الله عليه وسلم هذه التضحيات؟
أين شبابنا الذين يتحمسون للدين الذي لأجله ضحى الصحابة بأموالهم وأنفسهم وبذلوا الغالي والرخيص في سبيله؟
أين شبابنا ونحن في زمنٍ تباع فيه بلدان المسلمين رغماً عن أنوفنا؟
أين شبابنا وأخواتنا المسلمات في البوسنة والهرسك يدخل عشرين أو ثلاثين صربياً على فتاةٍ عمرها تسع سنوات فيغتصبونها واحداً تلو الآخر فتموت متشحطة بدمائها؟
أين شبابنا وأنتم ترون الدبابات والطائرات تقصف في جروزني ومناطق القوقاز ولا من معين ولا نصير إلا الله عز وجل.
الشباب إذا لم يستيقظوا في هذه المرحلة فمتى يستيقظون؟!!
ضاعت فلسطين فما استيقظ الشباب! وانتهكت الحرمات في البوسنة فما استيقظ الشباب! وفعل اللواط بالأبرياء من الشباب في الهرسك وما استيقظ الشباب! والروس يذبحون الأطفال هذه الأيام فما استيقظ الشباب! والطغاة والشياطين يعذبون المسلمين فما استيقظ الشباب! فبالله عليكم متى يستيقظ الشباب؟ هل يستيقظ الشباب إذا جاءت طلقات النار فوق رأسهم؟ هل يستيقظ الشباب إذا استبيحت حرماتهم؟ هل يستيقظ الشباب إذا ديست مقدساتهم؟ هل يستيقظ الشباب إذا بلغ الأمر الزبى وبلغ السيل غايته يوم أن تحل المصيبة حولهم أو قريباً من داره؟! إن من لم يتحرك لهذه الأحداث؛ فإن في قلبه علة الموت والبعد عن طاعة الله عز وجل، والله إنه لأمر يؤلمنا غاية الألم، وما كأن شبابنا ينتسبون إلى أمة ذات تاريخ قد سطر فيه القادة بمداد الذهب على صفحات النور البطولات التي بها كانوا يرهبون ويخيفون الكفار، هل في الشباب من ينازل هؤلاء الكفار؟ هل في الشباب من يتحداهم بالتزامه واستقامته؟ هل في الشباب من يقول: اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ * وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ * وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ [هود:121-123] هل في الشباب من يقول: بالأمس خمر واليوم أمر، بالأمس سكرة واليوم فكرة؟ هل في الشباب من يستيقظ من هذه الغفلة الطويلة؟ إنا لله وإنا إليه راجعون.
ما هي أوقات شبابنا؟ سهرٌ بالليل كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ [الذاريات:17-18] لا، سهرٌ في التفحيط، وفي الدوران، وفي هذه البطولات بين الصخور والرمال، وأين هم في الصباح؟ يشهدون صلاةً تشهدها ملائكة الليل والنهار، لا، على الفرش تراهم نائمين، ويضيع الصباح وما بعد الصباح وربما ضاع الظهر، ويستيقظون قرب المساء، ثم يحيون الليل الذي هو سكن بالحياة التي تضرهم وليست حياةً تنفعهم، والنهار الذي هو معاش بالغفلة التي تضرهم؟ أين هؤلاء الشباب؟!
والله لو أن القلـوب سـليمةٌ لتقطعت ألماً من الحرمان |
لكن قلوب كثير من الشباب أصابها نوعٌ من الشلل نخشى إلا تفيق إلا بصدمة كهربائية، إن بعض الأعضاء الضعيفة في جسم الإنسان مثل يد ضعيفة، أو رجل ضعيفة، ربما تحتاج إلى شيءٍ من التدليك الطبيعي والعلاج الطبيعي حتى تقوى، وبعض الأعضاء الضعيفة لا ينفع فيها التدليك، ينفع فيها الصعقة الكهربائية حتى تستيقظ، حتى تعود الحياة إلى هذه العضلات والأعصاب وإلى هذه الشعيرات الدموية فيه، فنحن نريد من شبابنا أن يفيقوا قبل أن يحتاجوا إلى إفاقةٍ بالصدمات الكهربائية، ولن تكون الصدمة الكهربائية عدواناً من أحبابهم الدعاة، ولن تكون شراً نتمناه لهم، ونخشى أن تكون مصيبة تحل بأحدهم.
أحسن إذا كان إمكانٌ ومقدرةٌ فلا يدوم على الإحسان إمكان |
اليوم أنت تملك ساقين تسابق بها الخيل، وتتخطى بها الريح، فما يدريك أن هذه الساق تمضي معك وتستمر قوية سليمة؛ لتتخطى بها إلى المساجد وإلى أماكن الطاعة.
كم من شاب في عداد المعوقين الآن يتمنى أيام كانت قدماه تحمله يقول: يا ليتني مشيت عليها إلى المساجد! يا ليتني مشيت عليها إلى حلق الذكر ورياض الجنة! يا ليتني مضيت عليها إلى مواقع ترضي الله عز وجل حتى إذا ابتلاني الله بما ابتلى وقدر ما قدر من هذا الشلل كتب ما كنت أعمله صحيحاً مقيماً.
لو أن رجلاً أصيب بشلل أو عاهة أو مصيبة وقبل أن يصاب بهذه العاهة كان مديماً على استخدام جارحته في الطاعة والعبادة، فإنه بعد أن يصاب تمضى له الحسنات، وتستمر له الدرجات، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا مرض المسلم أو سافر كتب له ما كان يعمل صحيحاً مقيماً) أي رجل تعود قيام الليل فأصابه مرض نقول له: اطمئن إن أجر التهجد يكتب في صحيفة أعمالك ولو كنت على فراش المرض، رجلٌ تعود أن يعتمر أو أن يحج كل عام، ولكن حال دونه ودون الحج والعمرة مصيبة مالية أو بدنية نقول: اطمئن فإنها مكتوبة في موازين أعمالك؛ لأنك يوم أن كنت قوياً صحيحاً قد مضيت على هذه الطاعة فالآن تكتب لك وإن لم تفعلها ولكنك تفعلها بنيتك هذه.
أما الذي كان أيام قوته وعنفوان شبابه وربيع عمره يملك قوةً لكن ما سخرها في طاعة ولا في حلق الذكر ولا في رياض الجنة ولا في مجالسة الأخيار والدعوة، وإنما سخرها في صعود وهبوط، وسفرٍ وعودة، وسهرٍ وغفلة، نومٍ عن عبادة، وذهابٍ وإياب، ومعاكسةٍ ومشاهدة، وجلوسٍ وقهقهة، وسخريةٍ وضحك، وتحدٍ واستهتار، فحينما يصاب بمصيبة أو يبتلى ببلية، فما الذي يريد أن يكتب له بالعمل الصالح، إن من نعمة الله أن الإنسان إذا أذنب كتبت سيئةً واحدة، وإذا أصابه بعد الذنب ما أصابه فلا تكتب بقية السيئات إلا سيئةً كان يدعو إليها، أو كان يروجها وينشرها فعليه وزرها وأوزار من عمل بها إلى يوم القيامة.
مثال السيئات التي إذا مات صاحبها فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة وهذا مثالٌ واقعي وليس من الخيال:
رجلٌ كان يملك محلاً كبيراً فيه عدد من الفتحات يبيع فيه أشرطةً لأفلام الفيديو، فيها رقص هندي، ومصارعة حريم، وهبال وجنون، وحب، وغزل، وقلة حياء ومصائب متعددة، المهم أن هذا الرجل كان تاجراً من تجار محلات الفيديو، وربما بلغت الأشرطة الأصول التي عنده في ذلك المحل أكثر من مائة وثلاثين ألفاً أصل شريط فيديو، كتب الله أن سهام المنية وملائكة الموت تحل في داره وتأخذ برقبته وتنتزع روحه. فما الذي حصل؟ كنا نظن أو يُظن أن الورثة من بعده يقولون: إنا لله وإنا إليه راجعون هذا والدنا مات ولكن خلف معصية كبيرة، خلف فساداً وانحرافاً، فلعلنا أن نعالج وضعه وأن نحرص على أن نفعل حسناتٍ تكفر سيئاته. فما الذي كان من الورثة؟
كانوا أذكى من أبيهم في هذا الضلال، قالوا: لو أننا بعنا محل الفيديو لن يباع بقيمة جيدة طبعاً؛ لأن قنوات الدش قد هبطت أسعار محلات الفيديو، شرٌ يهون شراً كما أن الإم بي سي إف إم خربت على تسجيلات الأغاني، فكذلك قنوات الدش خربت على محلات تجارة الفيديو، ولأن فيها من الفساد ما يوجد في المحلات وأكثر وأشد ولا حول ولا قوة إلا بالله، الحاصل أن الورثة بعد أبيهم قالوا: لو بعناه ما جاب قيمة، ولوصفينا الأشرطة لا أحد يشتري أشرطة، نبيع الأجهزة ونقفل المحل، الديكور واللوحة والشهرة العالمية لا تصلح شيئاً، والحل يا شباب فليضع كل واحدٍ منا يده في يد الآخر ولنتعاهد ولنتعاقد ولنعقد بالخناصر والأكف أن نحفظ هذا الكنز الثمين والميراث والرسالة التي كان والدنا مستمراً عليها، فنمضي ويستمر المحل والريع نتقاسمه مجتمعين.
يعني: كان المتوقع من هؤلاء أن يقولوا: أبونا مات وفرق بينه وبين الشيخ عبد الله الجار الله الذي مات في العام الماضي ليلة سبع وعشرين، ولما مات عشرات إن لم تكن مئات الرسائل من الكتب والنشرات والكتيبات والمذكرات كلها في الدعوة والطاعة والعبادة والإنابة والتوبة والإرشاد والتحذير والنصيحة، كلها قال الله قال رسوله قال السلف :
العلم قال الله قال رسوله قال الصحابة هم أولو العرفان |
فهنيئاً له في هذا الميراث الذي خلف، لكن صاحبنا الذي نتحدث عنه نسأل الله أن يعاملنا وإياه بعفوه، فإن رحمة الله واسعة لا يضيق بها ذنب عبدٍ مهما عظمت ذنوبه، صاحبنا هذا الذي مات عن أفلام الفيديو الخليعة الماجنة، وأولاده من بعده يشغلون المشروع ولا حول ولا قوة إلا بالله! فهذا نوعٌ واقعيٌ ومثالٌ واقعيٌ للسيئات التي ذنبها يستمر على صاحبها بعد فراقها أو بعد رحيله عنها بموتٍ أو بغيره.
فالعاقل أيها الأحباب: يحرص أن يقدم عملاً ينفعه بعد موته، وحين ننادي شبابنا نقول لهم: اغتنموا هذه الأوقات، واغتنموا ما جعلكم الله مستخلفين فيه؛ فإن الله عز وجل سائلكم عن هذه النعم التي أنتم فيها.
يا أحبابي: أتظنون أننا خلقنا من أجل أن نشرب ومن أجل أن نأكل وننام؟ أتظنون أننا خلقنا لهذه المتع والملذات؟ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ [المؤمنون:115] هذا كلام الله فَتَعَالَى اللَّهُ [المؤمنون:116] يعني: الله أجل وأكرم من أن يخلقنا عبثاً: أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ المؤمنون:115] ما ظنكم لو أن تاجراً من التجار استقدم ألف عامل من كوريا ، وألف عامل من اليابان ، وألف عامل من الصين ، أي ثلاثة آلاف عامل وجعلهم في الكنبات ومواقع شركات، ثم بعد ذلك لما جاءوا واجتمعوا ما أعطاهم عملاً معيناً، أخرجوا لهم تأشيرات وفيز ونقلتهم الطائرات، واستقبلتهم العلاقات العامة في الشركة ثم أتوا بهم وأدخلوهم في المخيمات والكنبات وتركوهم هكذا، سبحان الله! ثلاثة آلاف عامل بكل تكاليف استقدامهم ونقلهم وتذاكرهم وتأشيراتهم؛ ثم بعد ذلك تتركهم عبثاً وسدى، هذا مجنون!! هذا ليس برجل أعمال!! هذا ليس بمخطط أبداً!! إن الشخص لا يستقدم عاملاً براتب بخمسمائة ريال إلا وقد أعد له ألف شغلة، إن عجز عن هذه؛ أشغله في الأخرى.
فإذاً أتظنون أن الله خلق هذا الخلق بمليارات البشر عبثاً هكذا فقط يأكلون، ويشربون أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ * وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ [المؤمنون:115-117].
أيها الأحبة! إننا نغفل عن قيمة الزمن، والواقع يؤكد أن كثيراً من إخواننا المسلمين وأخواتنا المسلمات غافلون عن إدراك قيمة العمر وهذه الدقائق والساعات، إن الكثير غافلون عن إدراك الحكمة من وجودهم في هذه الحياة، نعم إن الشيوعيين والدهريين والذين لا يعلمون لأي حقيقة وجدوا يجهلون ذلك، لكن المسلم يعلم.
ذلك الإلحادي المستهتر المستهزئ الذي يقول:
جئت لا أعلم من أين ولكني أتيت |
ولقد أبصرت قدامي طريقاً فمشيت |
سأبقى سائراً إن شئت هذا أم أبيت |
كيف جئت كيف أبصرت طريقاً لست أدري؟ |
ولماذا لست أدري لست أدري؟. |
وعمرك ما تدري ولن تدري إن لم يكن لك دراية من كتاب الله ومن كلام رسوله صلى الله عليه وسلم، لكننا ندري من أين جئنا، وندري إلى أين نتجه، وندري ما الذي ينتظرنا إن أحسنا العمل، وندري ما الذي يدركنا إن أسأنا السعي، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وعن عمره فيمَ أفناه؟
الوقت أنفس ما عنيت بحفظـه وأراه أسهل ما عليك يضيع |
(لن تزول قدما عبدٍ حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيم أفناه؟) أذكر من سنين طويلة من قرابة سبع عشرة سنة أو ثماني عشرة سنة حينما كنت صغيراً، أن رجلاً كان يزور أحد أقاربي، والذي كان يشد انتباهي أن هذا الرجل على كبر سنه، كان مشجعاً متعصباً يموت في الهلال، ويصبح على الهلال ويسره ما يسر الهلال ويسوءه ما يسوء الهلال وكأنما هو على حد قول القائل:
وما أنا إلا من غزية إن غـوت غويت وإن ترشد غزية أرشد |
هناك من يقول: الهلال على عيني ورأسي، وأقول: لو يصبون له زنجبيل وبما أن الزنجبيل أصفر والنصراوية أصفر لا يشرب أبداً، والعجيب قبل شهرين أو ثلاثة كنت في مناسبة زواج، فقابلت الرجل وإذ بالرجل قد كبرت به السن وسألت واحداً قلت: فلان أهو صاحبنا الذي كان هلالياً حتى الموت؟ قال: هو هو، قلت: ولعله إن شاء الله بعد هذه السنين الطويلة قد أفاق، وعلم أن هذه الأندية كلها بل المنتخب لن يدخله الجنة ولن يخرجه من النار، ولن يشتري له بيتاً إن كان ما عنده بيت، ولن يدفع له ضماناً إن كان ما له ضمان، ولن يعطيه شيئاً إذا عجز عن امتلاك المال، هل لا يزال الرجل على طبيعته وسجيته تلك؟ قال: بل وأشد، هذا عمره أفناه في الصحافة الرياضية، من الذي راح؟ وما الذي حصل؟ ومن الذي جاء؟ ومن الذي ذهب؟ ومن الذي عزل؟ ومن الذي فعل؟ ومن الذي قدم وأي عقدٍ حصل وأي..؟ بالله يا مسكين! عمرك أفنيته في هذه الرياضة فهل ستنفعك عند الله عز وجل؟!
وآخر عمره أفناه في السامري، فما يسمع بضربة طارٍ عند جمرٍ من النار إلا جاء وطبلته معه يسخنها قبل أن يستنزل، ولا حول ولا قوة إلا بالله! وأناس قد بلغوا من الكبر عتياً ومنذ شبيبتهم إلى هذا اليوم وهم -ولا حول ولا قوة إلا بالله- مشغولون والله في هذه البلوة، قولوا: الحمد الله الذي عافنا مما أبتلى به كثيراً من خلقه وفضلنا على كثيرٍ ممن خلق تفضيلا، لا تظنوا أن هذا ضرب من الخيال بل هو موجود عند طائفة من الناس، وبعضهم أفنى عمره في عرضات وسامر، وبعضهم أفنى عمره في فنٍ وطرب، وبعضهم أفنى عمره في بداية المسلسلات مع الممثل القدير، وأي قدير؟! الممثلة القديرة، وأي قديرة؟! عمرٌ مضى في اللهو، والغفلة، ومقارفة المنكرات، ومخالطة النساء، والخلوة بغير المحرمات، وأمور ومصائب لا ترضي الله عز وجل، هذا أسألكم بالله إذا سأله ربه عن عمره فيم أفناه ماذا يقول؟ لعل فينا من يستيقظ، لعل بشبابنا من يتذكر إذا سأله أو سئل يوم القيامة عن عمره فيم أفناه؟ قال: أستغفر الله وأتوب إليه، وأفني ما بقي من العمر سواء كان شاباً في العشرين أو أقل أو الثلاثين أو الأربعين أو الخمسين أو الستين أفنيت عمري في طاعة الله والدعوة إلى الله، وشهود المساجد، وزيارة الأقارب، وصلة الأرحام، وفي التجارة الرابحة، والتجارة الحلال، والبيع والشراء، وطلب المعيشة، والاستثمار المباح فيجوز للإنسان أن يشتغل بهذا ويتشرف به، لكن هذا الذي أفنى عمره في هذه المسائل -ولا حول ولا قوة إلا بالله- فوا خجلة الحال إن كان الإنسان يجيب بذلك!
أيها الأحبة! إن كثيراً من الشباب تضيع أوقاتهم، ونحن حينما نتكلم عن الوقت لا نقول: إن الواجب ألا يجعل الإنسان لنفسه أو لأصحابه أو لأقاربه أو لأحبابه أو لأهله أياماً أو أوقاتاً أو ساعات يمرح ويتنزه ويخرج للبرية ويتسفر ويتنقل ويتمشى ويتمتع بما أباح الله، نحن لا نقول: حرم على نفسك هذه المتع الطيبة، لكن نقول: الحذر من أن ينقضي أو تنقضي سحابة العمر في معصية الله عز وجل ولا حول ولا قوة إلا بالله، تضيع هذه الأوقات على كثيرٍ من الناس وبعضهم معروفون ومشهورون، في ليالي الشتاء البلوت ساخن، وفي ليالي الصيف البلوت ساخن، لو جمعت ساعات البلوت من عمره لوجدتها أخذت جزءاً لا بأس به من عمره، فهذا إذا سئل يوم القيامة عن العمر قال: قضيت جزءاً من العمر في النوم وجزءاً في البلوت، وجزءاً في الغدو والرواح والذهاب والإياب، فلم يبق للعبادة والطاعة إلا أقل القليل من الساعات والدقائق ولا حول ولا قوة إلا بالله!
كان العلماء يتمنون زيادة الوقت مع عنايتهم وحرصهم على أوقاتهم، كان علامة الشام جمال الدين القاسمي رحمه الله في دمشق إذا مر على الناس وهم جالسون على المقاهي، قال : آه لو أن الأوقات تباع وتشترى؛ لاشتريت من هؤلاء أوقاتهم. عنده مشاريع سوف يملأ بها أوقات هؤلاء لو اشترى منهم، لكن كثيراً من شبابنا اليوم يملون من الوقت إذا أصبح قال: أخ! متى يأتي الغداء نأكل ونرتاح؟ وإذا تغدوا جاء الظهر .. متى يأتي العصر نطلع نشم هواء؟ وإذا انتهى اللف في السيارة قال: متى يأتي الليل نسمر وننبسط، وإذا انتهى وقت السمر والسواليف والخبال.. قال: متى يأتي وقت النوم نرتاح، متى يأتي هذا ومتى يأتي هذا:
وحلفت ألا أبتديك مودعاً حتى أهيئ موعداً للقائي |
أودع هذا لأستقبل هذا وتلك والله مأساة يضيع فيها كثير من أوقات شبابنا.
أيها الأحبة! نريد وقفة تأمل وتدبر لما نعيشه ويعيشه كثيرٌ من شبابنا؛ من إضاعةٍ للأوقات، وتبذير للأعمار إلى حدٍ جاوز السفه.
عصيان الله بنعم الله
أيها الأحبة! قولوا للشباب: إننا جميعاً سوف نحشر بين يدي الله عز وجل ولن يمر أحدٌ إلا وسوف يسأل: (لن تزول قدما عبدٍ يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيمَ أفناه؟ وعن علمه ماذا عمل به؟ وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه؟ وعن جسمه فيم أبلاه) رواه الترمذي .
الوقت أنفس ما عنيت بحفظـه وأراه أسهل ما عليك يضيع |
(لن تزول قدما عبدٍ حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيم أفناه؟) أذكر من سنين طويلة من قرابة سبع عشرة سنة أو ثماني عشرة سنة حينما كنت صغيراً، أن رجلاً كان يزور أحد أقاربي، والذي كان يشد انتباهي أن هذا الرجل على كبر سنه، كان مشجعاً متعصباً يموت في الهلال، ويصبح على الهلال ويسره ما يسر الهلال ويسوءه ما يسوء الهلال وكأنما هو على حد قول القائل:
وما أنا إلا من غزية إن غـوت غويت وإن ترشد غزية أرشد |
هناك من يقول: الهلال على عيني ورأسي، وأقول: لو يصبون له زنجبيل وبما أن الزنجبيل أصفر والنصراوية أصفر لا يشرب أبداً، والعجيب قبل شهرين أو ثلاثة كنت في مناسبة زواج، فقابلت الرجل وإذ بالرجل قد كبرت به السن وسألت واحداً قلت: فلان أهو صاحبنا الذي كان هلالياً حتى الموت؟ قال: هو هو، قلت: ولعله إن شاء الله بعد هذه السنين الطويلة قد أفاق، وعلم أن هذه الأندية كلها بل المنتخب لن يدخله الجنة ولن يخرجه من النار، ولن يشتري له بيتاً إن كان ما عنده بيت، ولن يدفع له ضماناً إن كان ما له ضمان، ولن يعطيه شيئاً إذا عجز عن امتلاك المال، هل لا يزال الرجل على طبيعته وسجيته تلك؟ قال: بل وأشد، هذا عمره أفناه في الصحافة الرياضية، من الذي راح؟ وما الذي حصل؟ ومن الذي جاء؟ ومن الذي ذهب؟ ومن الذي عزل؟ ومن الذي فعل؟ ومن الذي قدم وأي عقدٍ حصل وأي..؟ بالله يا مسكين! عمرك أفنيته في هذه الرياضة فهل ستنفعك عند الله عز وجل؟!
وآخر عمره أفناه في السامري، فما يسمع بضربة طارٍ عند جمرٍ من النار إلا جاء وطبلته معه يسخنها قبل أن يستنزل، ولا حول ولا قوة إلا بالله! وأناس قد بلغوا من الكبر عتياً ومنذ شبيبتهم إلى هذا اليوم وهم -ولا حول ولا قوة إلا بالله- مشغولون والله في هذه البلوة، قولوا: الحمد الله الذي عافنا مما أبتلى به كثيراً من خلقه وفضلنا على كثيرٍ ممن خلق تفضيلا، لا تظنوا أن هذا ضرب من الخيال بل هو موجود عند طائفة من الناس، وبعضهم أفنى عمره في عرضات وسامر، وبعضهم أفنى عمره في فنٍ وطرب، وبعضهم أفنى عمره في بداية المسلسلات مع الممثل القدير، وأي قدير؟! الممثلة القديرة، وأي قديرة؟! عمرٌ مضى في اللهو، والغفلة، ومقارفة المنكرات، ومخالطة النساء، والخلوة بغير المحرمات، وأمور ومصائب لا ترضي الله عز وجل، هذا أسألكم بالله إذا سأله ربه عن عمره فيم أفناه ماذا يقول؟ لعل فينا من يستيقظ، لعل بشبابنا من يتذكر إذا سأله أو سئل يوم القيامة عن عمره فيم أفناه؟ قال: أستغفر الله وأتوب إليه، وأفني ما بقي من العمر سواء كان شاباً في العشرين أو أقل أو الثلاثين أو الأربعين أو الخمسين أو الستين أفنيت عمري في طاعة الله والدعوة إلى الله، وشهود المساجد، وزيارة الأقارب، وصلة الأرحام، وفي التجارة الرابحة، والتجارة الحلال، والبيع والشراء، وطلب المعيشة، والاستثمار المباح فيجوز للإنسان أن يشتغل بهذا ويتشرف به، لكن هذا الذي أفنى عمره في هذه المسائل -ولا حول ولا قوة إلا بالله- فوا خجلة الحال إن كان الإنسان يجيب بذلك!
أيها الأحبة! إن كثيراً من الشباب تضيع أوقاتهم، ونحن حينما نتكلم عن الوقت لا نقول: إن الواجب ألا يجعل الإنسان لنفسه أو لأصحابه أو لأقاربه أو لأحبابه أو لأهله أياماً أو أوقاتاً أو ساعات يمرح ويتنزه ويخرج للبرية ويتسفر ويتنقل ويتمشى ويتمتع بما أباح الله، نحن لا نقول: حرم على نفسك هذه المتع الطيبة، لكن نقول: الحذر من أن ينقضي أو تنقضي سحابة العمر في معصية الله عز وجل ولا حول ولا قوة إلا بالله، تضيع هذه الأوقات على كثيرٍ من الناس وبعضهم معروفون ومشهورون، في ليالي الشتاء البلوت ساخن، وفي ليالي الصيف البلوت ساخن، لو جمعت ساعات البلوت من عمره لوجدتها أخذت جزءاً لا بأس به من عمره، فهذا إذا سئل يوم القيامة عن العمر قال: قضيت جزءاً من العمر في النوم وجزءاً في البلوت، وجزءاً في الغدو والرواح والذهاب والإياب، فلم يبق للعبادة والطاعة إلا أقل القليل من الساعات والدقائق ولا حول ولا قوة إلا بالله!
كان العلماء يتمنون زيادة الوقت مع عنايتهم وحرصهم على أوقاتهم، كان علامة الشام جمال الدين القاسمي رحمه الله في دمشق إذا مر على الناس وهم جالسون على المقاهي، قال : آه لو أن الأوقات تباع وتشترى؛ لاشتريت من هؤلاء أوقاتهم. عنده مشاريع سوف يملأ بها أوقات هؤلاء لو اشترى منهم، لكن كثيراً من شبابنا اليوم يملون من الوقت إذا أصبح قال: أخ! متى يأتي الغداء نأكل ونرتاح؟ وإذا تغدوا جاء الظهر .. متى يأتي العصر نطلع نشم هواء؟ وإذا انتهى اللف في السيارة قال: متى يأتي الليل نسمر وننبسط، وإذا انتهى وقت السمر والسواليف والخبال.. قال: متى يأتي وقت النوم نرتاح، متى يأتي هذا ومتى يأتي هذا:
وحلفت ألا أبتديك مودعاً حتى أهيئ موعداً للقائي |
أودع هذا لأستقبل هذا وتلك والله مأساة يضيع فيها كثير من أوقات شبابنا.
أيها الأحبة! نريد وقفة تأمل وتدبر لما نعيشه ويعيشه كثيرٌ من شبابنا؛ من إضاعةٍ للأوقات، وتبذير للأعمار إلى حدٍ جاوز السفه.
استمع المزيد من الشيخ الدكتور سعد البريك - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
أهمية الوقت في حياة المسلم | 2802 استماع |
حقوق ولاة الأمر | 2664 استماع |
المعوقون يتكلمون [2] | 2652 استماع |
توديع العام المنصرم | 2647 استماع |
فلنحول العاطفة إلى برنامج عمل [1] | 2552 استماع |
من هنا نبدأ | 2495 استماع |
أحوال المسلمين في كوسوفا [2] | 2461 استماع |
أنواع الجلساء | 2460 استماع |
الغفلة في حياة الناس | 2437 استماع |
إلى الله المشتكى | 2436 استماع |