الغنيمة الضائعة


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد على آله وصحبه أجمعين، اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، اللهم لك الحمد أنت قيوم السماوات والأرضين ومن فيهن، ولك الحمد ملء السماوات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت يا رب من شيءٍ بعد، أشهد أن لا إله إلا الله حده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

أيها الأحبة: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته مرةً أخرى، وأسأل الله جل وعلا أن يرزقنا وإياكم السداد في القول والإخلاص في العمل، وقبل أن ندخل في موضوعنا أود أن أنبه إلى مسألة مهمة: وهي أنه ليس من منهج أهل السنة والجماعة أن يمدح الإنسان على الملأ، ولا يجوز هذا ولا ينبغي، وكلٌ أدرى بعيوب نفسه، والله جل وعلا يقول: بَلِ الْأِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ [القيامة:14] فالناس لو مدحوك آناء الليل وأطراف النهار فأنت أدرى بعيوبك وذنوبك، ولو نالوا من عرضك واغتابوك وذموك فأنت أدرى بما ترجوه من ربك.

و ابن الجوزي رحمه الله في صيد الخاطر يقول: [يا ضعيف العقل! اعلم أن الناس إذا أعجبوا بك فإنما أعجبوا بجميل ستر الله عليك] ويقول أبو العتاهية:

قد أحسن الله بنا     أن الخطايا لا تفوح

نح على نفسك يا     مسكين إن كنت تنوح

لتموتن وإن     عمرت ما عمر نوح

على أني أذكر أخي المقدم جزاه الله خيراً، ولا بأس بالشعر وإن كان أعوج مكسورا، وعلى أية حال فهذا جهد المقل: يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ [يوسف:88].

أيها الأحبة: الحديث أو المحاضرة بعنوان: "الغنيمة الضائعة" وإن كان أهل هذا الحي معظمهم من البادية أو من أهل الغنم والوبر والإبل والرعي والماشية، فقد يظن البعض أن العنوان "الغُنيمة الضائعة" وليس هذا بصحيح بل العنوان: "الغَنيمة الضائعة" فمن جاء يبحث عن غنمةٍ ضائعةٍ فليست ضالته هنا، ليبحث عن معرفٍ لها لعله أن يجدها، فمن فاته شيء نسأل الله أن يخلف علينا وعليه ما فات.

أيها الأحبة: قال صلى الله عليه وسلم: (اغتنم حياتك قبل موتك، وصحتك قبل سقمك، وفراغك قبل شغلك، وشبابك قبل هرمك، وغناك قبل فقرك) هذا الحديث أخرجه البيهقي والحاكم عن ابن عباس بسندٍ صحيح، وأخرجه الإمام أحمد في المسند، وذكره الألباني حفظه الله في صحيح الجامع ، وفي معناه الحديث الذي قال به النبي صلى الله عليه وسلم: (بادروا بالأعمال سبعاً هل تنتظرون إلا فقراً منسياً، أو غنىً مطغياً، أو مرضاً مفسداً، أو هرماً مفنداً، أو موتاً مجهزاً، أو الدجال فشر غائبٍ ينتظر، أو الساعة والساعة أدهى وأمر؟!) رواه الترمذي وقال حديثٌ حسن، وفي سنده محرر بن هارون، قال الحافظ في التقريب: متروك.

أيها الأحبة: العبرة في الحديث الأول الصحيح وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم: (اغتنم خمساً قبل خمس) ونحن نذكرها واحدةً واحدة.

في كلمة (اغتنم) إشارة إلى السرعة والمبادرة

في قول النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم: ( اغتنم ) إشارةٌ إلى أهمية وضرورة المبادرة بالإسراع فلا يقال لأمرٍ غير ذي بال، ولا يقال لأمرٍ ليس ذي شأن، ولا يقال لأمرٍ حقيرٍ أو تافه اغتنم، وإنما يقال اغتنم لأمرٍ مهم، ولخطبٍ جلل، ولحدثٍ ذي بال، ولمسألة تركها يفوت، وإهمالها يضيع فرصةً عظيمة، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: ( اغتنم ) من الغنيمة والمسارعة والمبادرة وإدراك الشيء قبل فواته، والمسارعة إليه قبل أن تتقضى فرصته أو يتقاسمه الناس والمقبلون عليه.. ما وجدنا رجلاً يقول لصاحبه وهو عند الخباز مثلاً والخبز قد ملأ هذه الطاولة يميناً ويساراً وليس في المخبز إلا هو واثنين أو ثلاثة ويقول: اغتنم اغتنم هذا الخبز لا يفوتك، لأنه شيءٌ كثير، والزبائن قليل، وليس بأمر يخشى فواته، فلا يقال لصاحبه أو من يدعى إليه اغتنم، وإنما يقال (اغتنم) لأمر ثمينٍ خطيرٍ مهمٍ جللٍ ذي بالٍ لو فوته الإنسان اعتبر مضيعاً لفرصةٍ ثمينة.

غنيمة الله غالية

أيها الأحبة: الغنيمة فيها إشارة إلى أن الأمر لا يدرك إلا بالجهاد، وهذه مسائل خمس قد ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم؛ فغنيمة الحياة قبل الموت، وغنيمة الصحة قبل السقم، وغنيمة الفراغ قبل المشاغل، وغنيمة الشباب قبل الهرم، وغنيمة الغنى قبل الفقر، مسألة لا تنال بالنوم والكسل والدعة والتعليل والتسويف، وإنما تكون غنيمة وتنال بالمجاهدة، وتنال بدفع الإنسان مشاغل كثيرة للحصول على ما هو أجل وأهم، لأن الواحد ربما عرضت له مكاسب عديدة، ولكن قد يفوت الإنسان مكاسب عدة من أجل تحصيل مكاسب أعظم ومكاسب أكبر وأجل، فإذا أدرك العاقل ذلك علمنا -أيها الأحبة- أنا وإياكم والله في هذه الدنيا قد دعينا إلى دارٍ عظيمة؛ إلى دار البقاء، وإلى دار الخلود، وإلى دار النعيم، وإلى دار الرضوان، وإلى دارٍ الحياة فيها أبدية لا موت يكدرها، والصحة فيها أبديةٌ لا سقمٌ يفسدها، وشباب دائمٌ متجدد، وغنىً مما أعطى الله وأنعم الله به على عباده قال جل وعلا: مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفّىً وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ [محمد:15].

أيها الأحبة في الله! إننا ندعى ونعد ونبشر ونقرب وكل واحدٍ منا ينادى إلى دارٍ

فاعمل لدارٍ غداً رضوان خازنها     الجار أحمد والرحمن بانيها

إلى أن قال:

ترابها ذهب والمسك طينتها     والزعفران حشيشٌ نابتٌ فيها

لا دار للمرء بعد الموت يسكنها     إلا التي كان قبل الموت يبنيها

فإن بناها بخيرٍ طاب مسكنه     وإن بناها بشرٍ خاب بانيها

أيها الأحبة: أنا أسألكم سؤالاً: هل رأيتم واحداً دخل المحكمة وقيل له: ما الذي جاء بك إلى دار القضاء؟ ما الذي جاء بك إلى هذه المحكمة؟

فقلت أو قال الداخل: إني أنازع فلاناً مبلغاً عظيماً وقدره مثلاً مليون ريال، ثم لما دخل هذا الرجل في ردهات المحكمة التفت إلى ما فيها من الأساس وانشغل بوجوه الداخلين والذاهبين من حوله، فلما جلس وعرضت دعواه وتأمل ما عنده إذ به يقنع بريالين أو ثلاثة، رجلٌ يطالب بمليون أتظنونه يقنع بثلاثة ريالات أو ريالين، هذا ضربٌ من الخبل أو ضربٌ من الجنون، إذا كان يطالب بحقٍ ولم يكن عفوه أو إعراضه عن التسامح بفضل ماله ولم يكن عفوه لأجل مرحمةٍ أو ثوابٍ أو مغفرةٍ يرجوها، نحن وإياكم في هذه الدنيا نشبه من دخل تلك الدار يطالب بشيءٍ عظيم فرضي بمتاعٍ حقير ويسير.

في قول النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم: ( اغتنم ) إشارةٌ إلى أهمية وضرورة المبادرة بالإسراع فلا يقال لأمرٍ غير ذي بال، ولا يقال لأمرٍ ليس ذي شأن، ولا يقال لأمرٍ حقيرٍ أو تافه اغتنم، وإنما يقال اغتنم لأمرٍ مهم، ولخطبٍ جلل، ولحدثٍ ذي بال، ولمسألة تركها يفوت، وإهمالها يضيع فرصةً عظيمة، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: ( اغتنم ) من الغنيمة والمسارعة والمبادرة وإدراك الشيء قبل فواته، والمسارعة إليه قبل أن تتقضى فرصته أو يتقاسمه الناس والمقبلون عليه.. ما وجدنا رجلاً يقول لصاحبه وهو عند الخباز مثلاً والخبز قد ملأ هذه الطاولة يميناً ويساراً وليس في المخبز إلا هو واثنين أو ثلاثة ويقول: اغتنم اغتنم هذا الخبز لا يفوتك، لأنه شيءٌ كثير، والزبائن قليل، وليس بأمر يخشى فواته، فلا يقال لصاحبه أو من يدعى إليه اغتنم، وإنما يقال (اغتنم) لأمر ثمينٍ خطيرٍ مهمٍ جللٍ ذي بالٍ لو فوته الإنسان اعتبر مضيعاً لفرصةٍ ثمينة.

أيها الأحبة: الغنيمة فيها إشارة إلى أن الأمر لا يدرك إلا بالجهاد، وهذه مسائل خمس قد ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم؛ فغنيمة الحياة قبل الموت، وغنيمة الصحة قبل السقم، وغنيمة الفراغ قبل المشاغل، وغنيمة الشباب قبل الهرم، وغنيمة الغنى قبل الفقر، مسألة لا تنال بالنوم والكسل والدعة والتعليل والتسويف، وإنما تكون غنيمة وتنال بالمجاهدة، وتنال بدفع الإنسان مشاغل كثيرة للحصول على ما هو أجل وأهم، لأن الواحد ربما عرضت له مكاسب عديدة، ولكن قد يفوت الإنسان مكاسب عدة من أجل تحصيل مكاسب أعظم ومكاسب أكبر وأجل، فإذا أدرك العاقل ذلك علمنا -أيها الأحبة- أنا وإياكم والله في هذه الدنيا قد دعينا إلى دارٍ عظيمة؛ إلى دار البقاء، وإلى دار الخلود، وإلى دار النعيم، وإلى دار الرضوان، وإلى دارٍ الحياة فيها أبدية لا موت يكدرها، والصحة فيها أبديةٌ لا سقمٌ يفسدها، وشباب دائمٌ متجدد، وغنىً مما أعطى الله وأنعم الله به على عباده قال جل وعلا: مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفّىً وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ [محمد:15].

أيها الأحبة في الله! إننا ندعى ونعد ونبشر ونقرب وكل واحدٍ منا ينادى إلى دارٍ

فاعمل لدارٍ غداً رضوان خازنها     الجار أحمد والرحمن بانيها

إلى أن قال:

ترابها ذهب والمسك طينتها     والزعفران حشيشٌ نابتٌ فيها

لا دار للمرء بعد الموت يسكنها     إلا التي كان قبل الموت يبنيها

فإن بناها بخيرٍ طاب مسكنه     وإن بناها بشرٍ خاب بانيها

أيها الأحبة: أنا أسألكم سؤالاً: هل رأيتم واحداً دخل المحكمة وقيل له: ما الذي جاء بك إلى دار القضاء؟ ما الذي جاء بك إلى هذه المحكمة؟

فقلت أو قال الداخل: إني أنازع فلاناً مبلغاً عظيماً وقدره مثلاً مليون ريال، ثم لما دخل هذا الرجل في ردهات المحكمة التفت إلى ما فيها من الأساس وانشغل بوجوه الداخلين والذاهبين من حوله، فلما جلس وعرضت دعواه وتأمل ما عنده إذ به يقنع بريالين أو ثلاثة، رجلٌ يطالب بمليون أتظنونه يقنع بثلاثة ريالات أو ريالين، هذا ضربٌ من الخبل أو ضربٌ من الجنون، إذا كان يطالب بحقٍ ولم يكن عفوه أو إعراضه عن التسامح بفضل ماله ولم يكن عفوه لأجل مرحمةٍ أو ثوابٍ أو مغفرةٍ يرجوها، نحن وإياكم في هذه الدنيا نشبه من دخل تلك الدار يطالب بشيءٍ عظيم فرضي بمتاعٍ حقير ويسير.

نحن خلقنا لعبادة الله، ووعدنا بجنات الله، وبشرنا برضوان الله، ودعينا إلى خلودٍ في دارٍ أعدها الله، فلما بقينا على ظهر هذه الدنيا واستوينا واستتمت لنا العقول، واكتملت لنا الأفئدة، وأصبحنا نبصر بالبصيرة وندرك بالتجربة؛ اشتغل الكثير منا بمتاع الدنيا وحطامها الفاني، فاشتغلنا بحفنةٍ من الرمال عن جنةٍ عرضها السماوات والأرض، واشتغلنا بلذةٍ زائلة، واشتغلنا بأمرٍ يزول وينتهي وتعقبه الندامة والحسرة عن نعيم لا ينقطع أبداً، لأجل ذلك قال صلى الله عليه وسلم: ( اغتنم) والغنائم لا تكون إلا بعد الجهاد ولا تكون إلا بعد الصبر والمصابرة، ولا تكون إلا بعد الرباط، وبعد التواصي، فمن حصل ذلك نال -بإذن الله- هذه الغنائم على أوفر حظٍ يطلبه، ومن اشتغل عنها بسواها من حطام الدنيا وقليلها الفاني فقد ضيع الغنيمة ونالها رجالها وأبطالها:

يا سلعة الرحمن لست رخيصةً     بل أنت غالية على الكسلان

يا سلعة الرحمن ليس ينالها     في الألف إلا واحدٌ لا اثنان

يا سعلة الرحمن سوقك كاسدٌ     فلقد عرضت بأيسر الأثمان

يا سلعة الرحمن كيف تصبرالـ     ـخطاب عنك وهم ذوو إيمان

أيها الأحبة في الله: من لم يجاهد فلن ينال غنيمة.. نريد الغنيمة بالنوم على الفرش؟!! نريد الغنيمة بالاشتغال بالدنيا على الآخرة، نريد الغنيمة بتقديم شهوات أنفسنا على ما رضيه الله لنا وما طلبه منا، وما شرعه نبيه صلى الله عليه وسلم لنا؟! الغنيمة لا تنال إلا بالصبر، ولا تنال إلا بالمجاهدة، أما الذي يعلل النفس أو يتعلل بسوف ولعل وربما وليس ولو أنه فلا يستطيع أن ينال شيئاً، وكما قال القائل:

أعلل النفس بالآمال أرقبها          ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل

الواقع أن التمني هو رأس أموال المفاليس، أما الأثرياء بالحسنات، والتجار بالصالحات، والمتنافسون بالطاعات، فأولئك جعلوا مهرهم أن أعرضوا عما يسخط الله، وأقبلوا على ما يرضي الله جل وعلا، وأنتم -معاشر الأخوة السامعين- فيكم خيرٌ كثير ولكن اسألوا أنفسكم: هل تريدون الغنائم أم تعرضون عنها؟.

ثم أيضاً: الخطاب من النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: ( اغتنم ) فإنه خطابٌ للسامع، والشارع يخاطبنا إلى يوم القيامة؛ فالمرأة مدعوةٌ للغنيمة، والرجل مدعو إليها، والذكر مدعو للغنيمة، والأنثى مدعوةٌ إليها، والشاب مدعو للغنيمة والفتاة أيضاً، فلا يظن سامعٌ أن هذه دعوةٌ أن يغتنم الرجال هذا الخير دون النساء، أو أن يغتنم الذكور دون الإناث، أو يغتنم الشباب دون الشابات، فهي غنيمة وربما كان حظ كثيرٍ من النساء أطيب وأكثر وأبلغ من حظ كثيرٍ من الرجال

ولو كان النساء كمثل هـذه     لفضلت النساء على الرجال

فما التأنيث لاسم الشمس عيب     وما التذكير فخرٌ للهلال

إذاً: فهي دعوةٌ أن يغتنم الرجال والنساء هذه الخيرات على حدٍ سواء.

الأولى: ( اغتنم حياتك قبل موتك، وصحتك قبل سقمك ).

الحياة -أيها الأحبة- قصيرة فإن عاش الواحد في ملذة واجتماع شملٍ، وإن عاش في نعمةٍ، وإن عاش في مال، ربما مرت عليه الأيام والليالي سريعة، ومن عاش في زنزانة، أو في سجن، أو عاش في نكد وفي قلق، وفي ضيق عيشٍ وتنغيص من حاله، فربما مرت عليه الحياة بطيئة، والحقيقة أن اليوم والليلة أربعٌ وعشرون ساعة، تمر على الملوك كما تمر على الصعاليك، وتمر على الأثرياء كما تمر على الفقراء، ولكن بطبيعة الحال تمر أيام اللذة سريعة، وتمر أيام البلاء بطيئة، وقديماً قال الشاعر:

مرت سنون بالوصال وبالهنا     فكأنها من قصرها أيام

ثم انثت أيام هجرٍ بعدها     فكأنها من طولها أعوام

ثم انقضت تلك السنون وأهلها     فكأننا وكأنهم أحلام

أيها الأحبة: الحياة سريعة الزوال، واسأل من عاش مائة عام، أو ستين عاماً، ومن بلغ الستين فقد أعذر كما روى البخاري في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (قد أعذر الله إلى امرئ بلغه الستين من عمره) من بلغ الستين فلا عذر له في التقصير ولا عذر له في التواني وليس هذا بحجة أن يضيع الواحد العمل ويقول: لم أبلغ الستين، فإن الواحد محاسبٌ بالتكليف فإذا بلغ العبد أصبح مكلفاً مخاطباً بالشريعة، وما يدري الواحد متى يموت:

فكم من صغارٍ يرتجى طول عمرهم     وقد أدخلت أجسادهم ظلمة القبر

وكم من عروسٍ زينوها لزوجها     وقد نسجت أكفانها وهي لا تدري

تزود من الدنيا فإنك لا تدري     إذا جن ليلٌ هل تعيش إلى الفجر

أيها الأحبة: الواجب أن الواحد ينتبه لهذه الحياة فهي تمر سريعة، وروي أن نوحاً عليه السلام قيل له: يا أطول الأنبياء عمراً! كيف وجدت الدنيا؟ وتعلمون أنه لبث في قومه: أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَاماً [العنكبوت:14] فقال: كداخلٍ من باب وخارجٍ من آخر، الدنيا مهما طالت فإنها قصيرة لأننا إذا نسبنا الدنيا إلى الآخرة وجدنا الدنيا متاعاً يسيراً قليلاً بالنسبة للآخرة، قال تعالى: وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ [العنكبوت:64].. فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ [التوبة:38] فكل متاعٍ في الدنيا؛ سواءً كان صحةً أو غنى، أو شباباً، أو ثراء أو مالاً، أو عافية أو جناناً، أو زوجاتٍ حسان، أو ضيعاتٍ ومزارع، فهي ليست بشيء بالنسبة لما في الآخرة، قال صلى الله عليه وسلم: (مثل الحياة الدنيا بالنسبة للآخرة كمثل ما يدخل أحدكم إصبعه في اليم فلينظر بما يرجع) تخيل -أخي الكريم- أنك وقفت على ساحل المحيط ثم جعلت أصبعاً من أصابعك في البحر، ثم أخرجتها من البحر مرةً أخرى إن القطرة التي تعلق بأنملك هي الدنيا، وأما الآخرة فهي البحر المتلاطم العظيم الكبير بكنوزه وأسراره، فمن ذا يبيع قطرةً بمحيط؟ من ذا يبيع يسيراً بشيءٍ كثير؟ سبحان الله العلي العظيم!! إن عقول كثيرٍ من العباد في غفلة، وإننا والله في غفلة، ولو كانت قلوبنا في تمام الحياة لما وجدتنا نصر على المعصية، نصبحها ونمسيها، ونقارفها ونرضى بها، ونداوم عليها، وربما جاملنا فيها.

أيها الأحبة: من عرف الآخرة عشقها وطلبها وأحيا ليله وأظمأ نهاره وجاهد نفسه وعصى هواه وعارض شيطانه، حتى تبلغ به المنية، وكما قال عبد الله بن الإمام أحمد وقد رأى ما فعل بأبيه، وقد رأى ما ثبت عليه أبوه من المجاهدة في الثبات على السنة قال: "يا أبت متى الراحة؟ فقال أحمد بن حنبل رحمه الله ورضي عنه: يا بني! الراحة عند أول قدم تضعها في الجنة" فمن تأمل هذه المسألة أدرك أن الحياة غنيمة، كم عاش قبلنا من الملوك ومن الأثرياء ومن العظماء ومن الفقراء ومن الوضعاء والرفعاء، عاشوا وسكنوا القصور، ثم دفنوا في القبور، وتنوروا بأنواع الإنارة ثم انتهوا إلى ظلمة اللحود، وجلسوا على ألوان الحرير ثم نازعهم الدود أكفانهم، وعبث بنواعم أبدانهم.

أيها الأحبة: لو نظرنا إلى شأن الدنيا لوجدناها برقٌ خلب، سحائب طيفٍ عن قريبٍ تقشع، ويقول صلى الله عليه وسلم: (اغتنم شبابك قبل هرمك) فالشباب أيضاً سريع التحول وسريع الزوال:

شيئان ينقشعان أول وهلة     شرخ الشباب وخلة الأشرار

إن غنيمة الشباب فيها مصلحةٌ عظيمة، ذاك لأن في الشباب مقدرةٌ على فعل الطاعات، ومجاهدة النفس عليها، نعم في الشباب قدرةٌ، من الشباب من يقدر على أن يتهجد واقفاً على قدميه، أما الكهل الكبير المسن فربما تهجد قاعداً لا يستطيع الوقوف، الشاب ربما صام ثلاثة أيامٍ من كل شهر، وصام الإثنين والخميس وصام فرضه وصام نوافله، أما الكبير فربما كان عاجزاً عن أن يقوم بهذا، في الشباب طاقات وقدرات لا يجدها كبار السن، في الشباب قدرةٌ على الإقلاع عن الذنوب، يوم أن تخاطب شاباً مدخناً أو سامعاً للملاهي والأغاني، أو شاباً قد وقع في شيءٍ من المعاصي والمسكرات، فإن عنده من القوة والطاقة والحيوية والمقدرة ما يستطيع معه أن يصارع شهواته، فينتصر عليها في شبابه، أما إذا شاب على المعصية فإنا لله وإنا إليه راجعون! والشيء بالشيء يذكر.

حدثني أحد طلابي في الكلية ووقفت في نفسي على نفس صاحب المحل، وقال عن ذلك الرجل: إنه كان يبيع الأسطوانات من زمنٍ قديم ثم يبيع الأشرطة (المكرات) ثم أخذ يبيع ألوان الأشرطة الكافرد والكاسيت وغيرها، قال فقلنا له: يا عم! كم عمرك؟ قال: فوق الستين أو عند السبعين، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (أعمار أمتي بين الستين إلى السبعين وقليلٌ منهم من يجاوز ذلك) يقول: قلنا يا عم: أنت في هذا السن وتبيع أسطوانات الأغاني، وتبيع الأشرطة، وتبيع الملاهي في هذا الدكان بجوار أهل الشيشة، وأهل هذه الأمور المحرمة النجسة والروائح النتنة؟ قال: يا (وليدي) أنا من عهد محمد بن إبراهيم إلى يومك هذا وأنا على هذه الحال، إنا لله وإنا إليه راجعون! أهذه مفخرة أن يستمر الواحد على معصية من حياة الشيخ محمد بن إبراهيم إلى يومنا هذا! وأقبح من هذا أن قال: إن الشيخ سبق أن نصحني ولكني ما تركت، يعني في معنى: أنني عاجزٌ عن أن أقلع أو أغير، والله ما عجز ولكن على الران القلوب: كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [المطففين:14] لأن من نشأ في معصية، وترعرع في معصية، وشب في معصية، وشاب في معصية، وبات شيخاً على معصية، فإن الشيخوخة في هذه الحال تعني: إدماناً وبقاءً على المعاصي وربما رأى الإنسان ألواناً من المواعظ والمذكرات والمغيرات ومع ذلك لا يتغير إلا يوم أن يأتيه الموت، فإذا أدركه الموت قال: قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ * آلْآنَ [يونس:90-91] الآن تتوب لما وصل الموت فحينئذ: لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً [الأنعام:158] إن الواحد ينبغي له أن يغتنم حياته -أيها الأحبة- وأن يستغلها في طاعة الله سبحانه وتعالى.

أنا أسألكم سؤالاً: نحن خلقنا لأجل عبادة الله جل وعلا، وأما نكاحنا .. زواجنا .. بيعنا .. شراؤنا .. سكنانا .. دوابنا .. سياراتنا هذه حاجات على الطريق، أما الغاية هي أن نعبد الله وأن نرضي الله حتى ندخل جنة الله، فتخيلوا معي الآن هذا المثال: رجلٌ سافر إلى مكة أو يريد السفر إلى مكة، وفي الطريق مر على محطةٍ وجد فيها دكاناً أو حانوتاً يبيع ألوان الخبز والمرطبات والمشروبات والمكسرات، ماذا تقولون لرجلٍ وقف عند هذا الحانوت أو هذا الدكان وقال: هنا وصلنا مكة، لا. الحانوت الذي على الطريق تأخذ منه حاجتك وليس غايتك أن تأخذ الشراب أو الطعام أو الملبس، غايتك أن تتجه إلى مكة أما وقوفك عند الحانوت لأجل أن تغير ثوباً أو تغير قطعةً أو تشتري دابةً أو تحصل حاجة، فحالنا حال الذي أراد السفر إلى مكة فظن أنه وصل إلى مكة بمجرد وقوفه عند محطةٍ من المحطات، أي: جعل ما يتزود به إلى الطريق غاية ونسي الغاية العظمى، فنحن غايتنا الآخرة خلقنا لعبادة الله، لكن كثيراً منا وقف عند حوانيت الدنيا، كثيرٌ منا جعل غايته عند زوجةٍ نالها، غايته عند بيتٍ سكنه، غايته عند سيارةٍ ملكها، غايته عند أرضٍ يبنيها، غايته عند أموالٍ يستثمرها، هذا المال والزوجة والسيارة والدابة هي مثل الكيك والكعك والمرطبات والمكسرات التي تجدها على جنبات الطريق؛ لكن لا يعقل أن واحداً يرضى بهذه المكسرات ويقول: هذه الغاية، بل ربما أكل منها شيئاً في الطريق ثم رماها من نافذة سيارته وحث السير بخطىً جادة حتى بلغ مكة أو بلغ غايته.

إذا علمنا هذا -أيها الأحبة- فلا نخلط بين الغاية وبين المتاع الذي في الطريق قال تعالى: وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا [القصص:77] لا بأس أن تقف عند أي حانوتٍ وتأخذ منه حاجتك من لباسٍ أو طعامٍ أو شراب، لكن الغاية أن تبتغي بما أوتيته من سمع أو بصرٍ أو مالٍ أو جاهٍ أو قوةٍ أو وجاهةٍ أو قدرةٍ أن تبتغي بها وجه الله سبحانه وتعالى، ففي الشباب قدرةٌ على الإقلاع عن الذنوب، وفي الشباب قدرةٌ على طلب العلم، وفي الشباب قدرةٌ على مجاهدة النفس:

ومن لم يذق ذل التعلم سـاعةً     تجرع ذل الجهل طول حياته

ومن فاته التعليم وقـت شبابه     فكبر عليه أربعاً لوفاته

أيها الأحبة في الله: الحياة قصيرة: وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ [الروم:55].

قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ * قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فاسْأَلِ الْعَادِّينَ * قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ [المؤمنون:112-115] والله عشتم سنين!! عشتم منكم من بلغ العشرين سنة، ومنكم من بلغ الثلاثين، ومنكم من بلغ الأربعين، ومنكم من بلغ الخمسين وجاوزها، والسبعين وتعداها، ماذا فعلتم بها؟ ظننتم أنكم لن تحاسبوا: أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ [المؤمنون:115-116] وقال تعالى: أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً [القيامة:36].

يا أخوان: لو أن رجلاً استقدم مائة عامل ثم تركهم هكذا لقلنا: هذا مجنون يستقدم مائة عامل ويتركهم هملاً في الأرض!!، أو استورد مائة جهاز ثم يقفل عليها في الخزينة ويتركها!! فما بالك بأحكم الحاكمين أتظنونه خلقنا عبثاً؟! هل خلقت هذه الأبدان لنلبس عليها أفخر المشالح والثياب وألوانها وأنواعها، أم خلقت الأعين لنقلبها في أفلام الفيديو والمجلات الخليعة؟! أم خلقت الآذان لنسمع بها إلى الأغاني والأهازيج والموسيقى والطرب؟! لا والله ما خلقت لهذا وإنما خلقت لطاعة الله.

إذاً خلق الإنسان كله لغاية وهي عبادة الله، لا يعقل أن يكون جزء منه لغير عبادة الله: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56] كلك يا بن آدم من أخمص قدمك إلى مفرق رأسك مخلوق لعبادة الله، أتظن أن الجسم كله خلق لعبادة الله والعين خلقت لكي تنظر إلى فلانةٍ وعلانة؟: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ [النور:30-31].

أيها الأحبة في الله: الواقع يشهد أننا ضيعنا كثيراً من الفرص وفاتتنا كثيرٌ من الغنائم، فيا ترى هل نعود لاستدراك ما فات؟ هل نستعد قبل الممات؟ هل نجتمع ونعقد العزم على تكفير السيئات وتجاوز الزلات والخطيئات؟

اغتنم خمساً قبل خمس، وذكر منها: (صحتك قبلك سقمك) أنت الآن معافى وأنت الآن قادر.

أحسن إذا كان إمكانٌ ومقدرةٌ     فلا يدوم على الإحسان إمكان

ليس كل مرةٍ أنت قادرٌ على أن تفعل الخير، فما دمت اليوم قادراً على فعل الخير فافعله وبادر وأسرع واغتنم فربما غداً لا تستطيع، ما دمت اليوم قادراً على أن تبذل الفضل في مرضاة الله فعجل فربما تكون غداً عاجزاً عن ذلك، اليوم الناس يحتاجون إليك، وغداً أنت تحتاج إلى الناس، اليوم أنت تخدم غيرك وغداً قد تسقط صحتك وتقف قواك فتبحث عمن يعينك.

ولقد رأينا وزرنا وجالسنا أناساً كم كان لهم في الحياة من صولات وجولات، وكان لهم مواقف شهدت لهم الأرض وشهدت عليهم، ولو نطقت جوارحهم لتكلمت بما فعلوا، كانوا بالأمس يبطشون، وبألسنتهم يتكلمون، وبأقدامهم يمشون، وربما إلى حرامٍ أو مشبوهٍ يسعون، فنالهم من أمر الله ما نالهم، كان الواحد منهم يقضي حاجته بنفسه والآن على سرير المرض إن لم تأت ممرضة ثم تعطيه في دبره ما يخرج الغائط من جوفه وإلا ما استطاع، كان بالأمس يقضي حاجته بنفسه واليوم تُقضى حاجته ويُعان على قضاء حاجته، كان بالأمس يحتاج الناس إليه واليوم احتاج إلى الناس، كان بالأمس يتحرك حيثما أراد واليوم لا يتحرك إلا بمن يدفعه بعربيته إلى المكان الذي يريد، كان بالأمس يقرأ ما يشاء واليوم يُقرأ عليه فقد فَقَدَ بصره، كان بالأمس يسمع كل كلام واليوم احتاج إلى الإشارة لأن نعمة السمع فاتته في أمرٍ من الأمور.

إذاً الصحة عارية وربما تذهب الصحة بمرضٍ أو بسقمٍ أو بموتٍ أو ببلاء، ولأجل ذلك فإن من نعمة الله عليكم -يا معاشر أمة محمد- أن النبي صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الصحيح قال: (إذا مرض العبد أو سافر كتب الله له ما كان يعمل صحيحاً مقيماً) هذه بركة الطاعة، وهذه بركة المجاهدة، وهذه بركة مجاهدة الله في الشباب؛ إذا كنت في شبابك مطيعاً فقعد بك الهرم والشيخوخة عن النوافل وأنت على فراش مرضك كتبت لك حسناتك وصيامك وقيامك، إذا كنت في إقامتك وحلك مجتهداً في الطاعة، فإنه يكتب لك في سفرك ما كنت تفعله كما قال صلى الله عليه وسلم: (إذا مرض العبد أو سافر كتب الله له ما كان يعمل صحيحاً مقيماً).

العمر جميلٌ بطاعة الله وفي غير طاعة الله نقمةٌ على صاحبه، العمر لذيذ في مرضاة الله، ومن كان معمراً على معصية، أو معمراً على فساد أو فاحشة، فمثل ذلك حياته وبال عليه ولو مات لكان خيراً له: لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ [الروم:4].

قيل للأعشى ميمون بن قيس وقد جاوز مائة سنة: يا أعشى! كيف وجدت الحياة؟ فقال:

المرء يرغب في الحياة وطول عيشٍ قد يضره

تفنى بشاشته ويبقى بعد حلو العيش مره

وتسوءه الأيام حتى ما يرى شيئاً يسـره

كم شامتٍ بي إذ هلكت وقائلٍ لله دره

أيها الحبيب: إذا علمت هذا فاسأل الله ربك أن يجعل حياتك في طاعته، وفي الحديث: (إن الله إذا أراد بعبدٍ خيراً استعمله!! قيل: وكيف يستعمله؟ قال: يوفقه إلى عملٍ صالح ثم يتوفاه عليه) هكذا يستعمل الإنسان في طاعة الله، وكم سمعت مراراً من سماحة المربي العالم المفتي سماحة الشيخ: عبد العزيز بن باز وهو يدعو ويردد ويقول: اللهم استعملنا في طاعتك، اللهم استعملنا في طاعتك، اللهم استعملنا في طاعتك.

فيا أيها الأحبة: العاقل يسأل الله أن يكون عمره في طاعة الله، إن كنت بلغت العشرين فقل: اللهم اجعل ما مضى خالصاً لوجهك في طاعتك، وأسألك أن تعينني وأن تثبتني على ما بقي؛ لأنك -أيها المسكين- لا تدري فأنت في زمن الفتن، يمسي الرجل مؤمناً ويصبح كافراً، ويصبح مؤمناً ويمسي كافراً، يبيع دينه بعرضٍ من الدنيا قليل، فعمرك نعمة، وما أسعد حال أولئك الذين شابت لحاهم في الإسلام! ولأجل ذلك في الحديث: (إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم) رجل كبير طاعن في السن لحيته بيضاء قد اشتعل الرأس منه شيباً، إن إكرامك له وإجلالك له من تعظيم الله سبحانه، لماذا؟ لأنه مكث ستين عاماً على التوحيد، أو سبعين عاماً على التوحيد، أو ثمانين عاماً على التوحيد، وأنت يا مسكين يا شاباً قد أعجبتك خطابتك أو محاضراتك، أو يا شاباً قيل لك: أنت ملتزم، أو أشير إليك بالبنان، أو قيل من الصالحين ما تدري ماذا يختم لك به، وكم من أناسٍ كانوا شباباً على الطاعة فتهاونوا أو غيروا أو تساهلوا فانقلبت طاعاتهم إلى معاصٍ، وختم لهم بسوء الخاتمة، ولا حول ولا قوة إلا بالله!

لأجل ذلك فإن الحياة على طاعة الله نعمةٌ عظيمة، أما الحياة على المعصية؛ أو على أحوالٍ يبعد فيها المرء عن مرضاة الله، ذلك بابٌ من الحرمان والخذلان.

شابٌ يعمل في أحد البنوك قال: جاء إلي رجلٌ عمره فوق الستين عاماً حول السبعين، قال: وكان له وديعة ربا قدرها ستين مليون دولار قال: جاء إلي ذلك الرجل الكبير ومعه عصاه وقال: يا ولدي! كم بلغت الفوائد الآن؟ فقلت: يا أبي يا عم يا رجل يا طيب يا كريم، أنت الآن عمرك ستون، قال: بس خل عنك كلامك كم بلغت الوديعة؟ قال: فأخبرته، ثم بلغني أنه أصابه مرضٌ في قلبه واحتاج إلى صمام أو شريان أو شيئاً من هذا قال: فقلت: لا أظن أن هذا الرجل الكبير يعود إلى الربا، بل ربما وهو في المستشفى يتصدق بجميع أمواله كي ينجو، قال: فما لبثت أشهراً إلا وجاءني ذلك الرجل ومعه عكازته دخل به رجلٌ معه علي وقال: يا ولدي! كم بلغت الفائدة؟ كم بلغت الوديعة؟ قال: فقلت: يا عم! أنت الآن في قلبك ما فيه، وفي صحتك ما فيها، وأنت الآن جاوزت الستين وقاربت السبعين، قال: أنت حاطينك البنك هنا مطوع وواعظ تعظ الناس، قال: فعلمت قول الله: يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ [البقرة:276] ستين مليون دولار وديعة فضلاً عن فوائدها صاحبها مصابٌ بشريان أو بجلطةٍ أو بصمام يرى الأموال والملايين، هل يستطيع أن يتزوج فتاة؟ لا هل يستطيع أن يأكل ما يشاء؟ لا. هل يستطيع أن يسافر حيثما شاء؟ لا. هل يستطيع أن يمارس أي رياضةٍ شاء؟ لا. ومع ذلك يسأل عن ستين مليون، هذا هو المحق بعينه: يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا [البقرة:276] قد يكون صاحب الربا يرى مليارات بين يديه ويرى أموالاً طائلة لكن بمعصيته وبعمره في معصية تمحق منه بركة المال، ينتظره الورثة متى يموت، ويتمنى العصبة والورثة فراقه ودفنه وإيداعه في اللحد حتى يتلذذوا كما يشتهون بأمواله التي جمعها، إن كان حراماً فعذاب، وإن كان حلالاً فحساب.

أيها الأحبة: إن هذه الحياة وهذه الصحة إذا لم تستغل في طاعة الله فلا شك أنها ماضيةٌ في معصية الله، وإن كثيراً من الناس قد وسوس له الشيطان بقوله: لا تكن فاجراً زانياً خبيثاً مروجاً للمخدرات، ولا تكن مطوعاً متشدداً معقداً تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وإنما كن وسطاً؛ بمعنى: صل كما يصلي الناس ولا تتشدد على أولادك، وإن فاتتك الفجر فلا بأس، وإن جعلت المنبه قبل الدوام بنصف ساعة فلا بأس، وإن سمعت أغنية فلا بأس، وإن دعيت لتكتتب في أسهم بنك من البنوك فغاية الأمر سهمان أو ثلاثة فلا بأس، وإن دعيت إلى كذا فلا بأس؛ المهم ألا تكون مطوعاً معقداً متشدداً كما يريد هؤلاء الدعاة، ولا تكن متساهلاً مروجاً للمخدرات مسافراً لتلك البلدان التي يفعل بها الزنا، اجعل نفسك وسطاً.

وإني أعجب وأقول: إذا كان هذا يعد نفسه وسطاً فما هي وسطية النبي صلى الله عليه وسلم، إذا كان هذا الذي يتساهل ويضيع ويسمع ويداهن ويترك الأمر بالمعروف، ويرى المنكر ويسكت، ويرى أهله أو إخوانه أو أهل بيته على معصية ويقول: أنا لست متشدداً، إذا وصلت المسألة الزنا تكلمت، أما مادام لم تصل الزنا فأنا ساكت، لا تكن متشدداً اجعل نفسك وسطاً، إذا كنت وسطاً فماذا يكون أبو بكر الصديق ؟ ماذا يكون عمر بن الخطاب؟ ماذا يكون عبد الرحمن بن عوف وعلي بن أبي طالب وعثمان بن عفان؟ ماذا يكون المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي قال: (أتعجبون من غيرة سعد؟! إني لأغير من سعد، وإن الله لأغير مني، وإن غيرة الله أن يأتي العبد ما حرم الله عليه) وفتاةٌ أخرى تقول: لا أريد أن أكون متشددة معقدةً مطوعةً متخلفةً، إذا خرجت لبست القفاز ولبست عباءةً صفيقةً غير شفافة، ولبست ثياباً واسعة لا تحجم بدني ولا تصف جسمي، ولا أتكلم مع الباعة أو أكاسرهم أو أماكسهم وإذا أردت أن أخرج لا أتطيب، أنا لا أريد أن أكون متشددةً هكذا، ولا أريد أن أكون منحرفةً زانيةً أو مضيفةً لكن لا بأس أن أخرج إلى الشارع ويداي ظاهرتان، وشيءٌ من الساق قد بدا بما شق من الثوب من أسفله، ولو ظهر شيءٌ من النحر فلا حرج، وإن كان الغطاء خفيفاً فلن أبصر الطريق كما ينبغي، ولو تكلم رجلٌ في الهاتف تحدثت معه حديثاً لا بأس به، وأخذت وأعطيت ولو من باب التعرف، أو من باب قضاء الوقت؛ أنا لا أريد أن أكون زانيةً أو مضيفةً على الطائرة، ولا أريد أن أكون متشددةً متحجبةً ملتزمة، أريد أن أكون وسطا.

يا أمة الله! يا بنت المسلمين! إذا كنت تدعين الوسطية بهذا فماذا تكون فاطمة رضي الله عنها، وماذا تكون عائشة رضي الله عنها، أصبح العصاة يدعون الوسطية، فإذاً ماذا يسمى أهل الطاعة، وأهل العبادة؟ هذا أمرٌ عجيبٌ جدا!

أيها الأحبة: في صحيح البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (نعمتان مغبونٌ فيهما كثيرٌ من الناس الصحة والفراغ) وهذا الحديث الصحيح فيه من معنى الحديث الذي هو موضوع المحاضرة: (صحتك قبل سقمك وفراغك قبل شغلك).

إذاً الصحة والفراغ نعمتان عظيمتان وإن كنا كثيراً ما نسمع على ألسنة الشباب قولهم: هيا بنا نحل مشكلة الفراغ، ونقضي على مشكلة الفراغ، ونتأمل مشكلة الفراغ، النبي يقول: الفراغ نعمة وليس بمشكلة كما يقول القائلون، ولاحظ قول النبي صلى الله عليه وسلم: (الصحة والفراغ نعمتان عظيمتان مغبونٌ فيهما كثيرٌ من الناس) كثير جداً يغبنون في هذه النعمة، فدل ذلك على أن القليل من الناس هم الذين لا يغبنون في الصحة بمعنى: يسخرونها في طاعة الله، قليلٌ من الناس هم الذين لا يغبنون في الفراغ فيسخرون فراغهم لطاعة الله، نعم الفراغ هو إناء الأعمال، الوقت هو زمن العمل أو هو وعاء العمل، فهذه ساعةٌ أنتم جلستم الآن في هذه المحاضرة تسمعون الكلام تذكرون الله .. تسبحونه .. تنـزهونه .. تكبرونه .. وتصلون على النبي صلى الله عليه وسلم، هذه الساعة بالضبط الآن فيها شابٌ يبيع في محل الفيديو، وفيها شاب يتعاطى المخدرات، وهذه الساعة فيها رجلٌ الآن يبيع في البنك ويشتري بالودائع والفائدة، وهذه الساعة هناك من يبيع ويشتري أسهم البنوك الربوية، وهذه الساعة فيها من يمشي إلى معصية، وهذه الساعة فيها من يراود على معصية، وهذه الساعة فيها من يجاهد نفسه عن معصية الله، وهذه الساعة فيها معتكفٌ في بيتٍ من بيوت الله، وهذه الساعة فيها طائع لله جل وعلا، إذاً فالزمن هو وعاء العمل، ساعةٌ فيها من يعصي الله وفيها من يطيع الله، لكن من عصى مغبون؛ لأن الساعة ولت، هل يستطيع الآن واحد منكم أن يمسك دقيقة حتى لا تفلت؟ هل يستطيع إنسان أن يمسك ثانية من الوقت؟ أبداً

يسر المرء ما ذهب الليالي     وكان ذهابهن له ذهابا

الواحد منا يفرح أن ينتهي الشهر يقول: الحمد لله اليوم ثلاثين يصرفوا له الراتب، نعم إنهم صرفوا الراتب ولكن صرف من عمرك شهر، اذهب إلى صندوق الدفع وهو القبر لترى ماذا صرفت هذا الشهر فيه، أنت تفرح أن مضت خمس سنوات حتى يخرج اسمك في صندوق التنمية العقاري، نعم اسمك أنت في الدفعة التي ستخرج الآن، أنت في الدفعة التي سيؤخذ ما عندها من القمح أو البر، ولكن أنت في الدفعة التي دنا أجلها وستموت في ذلك اليوم الذي قدر لها.

قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: [إني لأكره أن أرى أحدكم سبهللاً] أي: فارغاً لا في عمل دنيا ولا في عمل آخرة.

الأصل أن المسلم لا يعيش فارغاً، فإما يكون في عبادة، وإما أن يكون في مباحٍ يفضي إلى عبادة، أو يقوي على عبادة، فالذي يجلس في المغرب في حلقة تحفيظ القرآن، أو في المحاضرة، أو في ندوة، أو في كلمةٍ نافعة، فهذا يؤجر بإذن الله، والذي يبيع ويشتري في دكانه ثم يجني أرباحه آخر النهار، فيكفل يتيماً، أو يجهز غازياً، أو يحفر بئراً، أو يتصدق، أو يغيث ملهوفاً، أو يفرج كربة، فهو أيضاً في مباحٍ جمع به مالاً قاده إلى عبادة، لكن الذي ليس في عبادة وليس في مباحٍ يعين على عبادة ماذا يفعل أيها الأحبة؟

ثم اعلموا أنه ربما حصل للإنسان صحة ولم يحصل له فراغ، وربما وجد فراغاً لا صحة فيه، فأنت ترى المرضى الذي لهم في المستشفى ست سنوات وثلاث سنوات وسبع سنوات لا شغل عندهم، ولكن فراغهم هذا بسبب زوال صحتهم، فهل فكرت يوماً ما أنك الآن في نعمةٍ عظيمة بإمكانك أن تستغل الدقائق والثواني والساعات والأيام قبل أن يهدمك الموت، وينقلك إلى دارٍ قريبةٍ، وما أكثر من تراهم كل يومٍ يحملون على الأكتاف

هو الموت ما منه ملاذٌ ومهربٌ     متى حط ذا عن نعشه ذاك يركب

نؤمل آمالاً ونرجو نتاجها     وعل الردى مما نرجيه أقرب

ونبني القصور المشمخرات في السما     وفي علمنا أنا نموت وتخرب

وقال الآخر:

أموالنا لذوي الميراث نجمعها     ودورنا لخراب الدهر نبنيها

إذاً الآن اجتمع لكم الصحة الفراغ فاغتنموها يا عباد الله.

إن الذين يرقدون على الأسرة البيضاء في المستشفيات فارغون لا شغل لهم، ولكن فراغهم لزوال صحتهم وعافيتهم، يتمنى الواحد أن يقوم من الشلل أو من الفشل، أو من البلاء أو من السقم والمرض ويعبد الله ليل نهار ولكن هيهات، إن ابن آدم ظلومٌ كفار قال تعالى في شأنه: وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَائِماً فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ [يونس:12].

خذ هذا المثال: شابٌ قوي البنية مفتول والعضلات، طويل عريض ضخماً أصابه ذات يوم مرض الزائدة -قطعةٌ صغيرةٌ في أسفل بطنه- فأخذ يتلوى ولا يستطيع أن يقف، كان سابقاً يقف نافخاً صدره مصعراً خده ينظر إلى الناس بنصف عين من شدة ما في نفسه من القوة والعافية وربما بطرته العافية، فلما أصابه أمرٌ من أمر الله ومسه الألم ما استطاع أن يقف، وأنتم تعرفون أن صاحب الزائدة لا يستطيع أن يقف هكذا بل يتلوى ويمسك أو يضع يده على أيسر بطنه ثم يتلوى ويصيح أو ينوح يريد الوصول إلى المستشفى، يريد أن يشق بطنه، يريد أن يقبض على هذه الزائدة وسط لحمه ودمه ثم تقطع وتجرح بالمشرط ثم يخيط بطنه كما يخاط السقاء والوعاء.

هكذا شأن الإنسان إذا أصابه البلاء: وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَائِماً فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ [يونس:12] لما شفي وعوفي وزال عنه المرض وولى البلاء: مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ [يونس:12] بعد ذلك إذا جاءت الممرضة حاول أن يلمس يدها، حاول أن ينظر إليها، حاول أن يضاحكها، حاول أن يكون له معها شأن، سبحان الله! لما جيء بك على السرير وأنت داخلٌ المستشفى تقول: يا ألله.. آه يا رب.. عالجوني اقطعوا هذه الزائدة.. شقوا بطني.. شرحوني.. افعلوا بي ما تشاءون، ولما عادت العافية: مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ [يونس:12]لماذا أيها الحبيب؟ لماذا أيها الأخ؟ لماذا هذا شأنك؟ ألا تعرف ربك إلا في الشدة؟ (تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة) تعلق بالله في الرخاء ينفعك في كل حينٍ وفي حال شدتك أيضاً.