الكنوز الضائعة


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

أيها الأحبة في الله .. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أسأل الله عز وجل في مستهل هذا اللقاء أن يجعل قولنا واستماعنا وسعينا خالصاً لوجهه الكريم، وأن يجنبنا النفاق والرياء والسمعة، وألا يجعل للشيطان في أعمالنا حظاً ولا نصيباً، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

أحبتي في الله! الحديث عن الكنوز الضائعة حديثٌ يطول ولا يسعه مقامٌ قصير كهذا، ولكن حسبنا أن نشير إلى أن ثمة كنوزٍ نضيعها بأيدينا ونسعى في تلفها، ويا ليت ما ضاع منها يتدارك، لكن ما مضى منه مضى بظرفه وزمانه، ومن كان له حظٌ في الاستدراك قبل الفوات والاستعداد قبل الممات، فإنه إن أعين على ذلك بنية وعزمٍ صادق فلعل الله عز وجل أن ينيله خيراً فيما بقى من حياته.

إن الله سبحانه وتعالى وصف خيرة خلقه وهم أنبياؤه ورسله بقوله: إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ [الأنبياء:90] فالمسارعة والمسابقة والمبادرة والاغتنام من الأمور التي لا تكون إلا على شيء يضيع أو يفوت، إن شيئاً قد توفر وتجمع بكمياتٍ هائلة لا أظنك تقول لأخيك: اذهب فاغتنم حظك من هذا؛ لأنك تعلم أن الكثير الكثير من أجناسه وأنواعه باقية لا تنفذ، لكن ما فات وما يزول وما يتخطفه الناس فإنك تقول لصاحبك: بادر واغتنم وأسرع ولا تدع الفرصة تفوتك وانتهز ذلك، إنها غنيمة، والمحروم من حرم والخاسر من خسر في أمرٍ إذا مضى ربما كان فوته لا يستدرك أبداً، فما بالك بأعمال تضيع في أوقاتٍ لا يمكن أن نتداركها، بل لو اجتمع الإنس والجن وكان بعضهم لبعضٍ ظهيراً على أن يعيدوا لنا ساعة مضت قبل غروب شمس هذا اليوم لما استطاعوا إلى ذلك سبيلا، فما بالك بما مضى من الأيام والسنين والأعوام وما فيها من خزائن، الله يعلم كم من حسرة سوف يبثها العباد إذا فتحوا خزائنهم يوم القيامة ليروا أنه قد مضى عليهم أوقاتٌ كثيرة وودعت خزائنها خالية فارغة ليس فيها من العمل الصالح شيء، قال الله سبحانه: فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ [البقرة:148]، وقال عز شأنه: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ [آل عمران:133].

فيا عجباً كيف يدعونا ربنا إلى المسارعة؛ نسارع إلى المغفرة ونسارع إلى جنة عرضها السماوات والأرض، ولماذا ندعى بخطاب المسارعة والمبادرة؟ الجواب واضح: لأن الآجال لا تدع أحداً ربما يحقق أو يطبق ما سوف أو وعد بفعله في المستقبل

صادفن منها غرة فأصبنها     إن المنايا لا تطيش سهامها

يا نائم الليل مسروراً بأوله     إن الحوادث قد يطرقن أسحارا

قال ربنا جل وعلا: سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ [الحديد:21] والخيرات كثيرة، ولكن حسبنا أن نركز جل وقتنا هذا على عبادة جليلة، بجارحة صغيرة لتحقيق وتحصيل حسناتٍ كثيرة، ألا وهي: ذكر الله، قال عز وجل: وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ [العنكبوت:45].

والذكر شأنه عظيم، وإني أسألكم الآن: هل يستطيع أحدكم أن يحرك يديه ورجليه بقدر ما يحرك لسانه؟! إنك لا تستطيع، بل لا يمكن أن تحرك جفن عينك على خفت وزنه وقربه فضلاً عن تحريك يدك أو قدمك بقدر ما تحرك لسانك، فهذا اللسان يمكن تحريكه بأيسر وسيلة وطريقة لتحصيل عبادة جليلة ثوابها كثير وخيرها وفيرٌ بإذن الله، ولكن من الناس من لديه استعداد أن يهجر ويلغو ويثرثر ويتكلم ويهرف بما لا يعرف، ويهذي بما لا يدري ليقول ما يضر ولا ينفع، الليل والنهار، وإذا قيل له: قل لا إله إلا الله اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ [الزمر:45] فيا عجباً كيف يطيب لهذه الألسنة أن تتكلم الساعات الطوال في الغيبة والنميمة، وفي القيل والقال، والغادين والرائحين، والذين أعطوا والذين حرموا، والذين أخذوا والذين منعوا، ثم يكل عليها أن تتكلم بذكر الله الذي هو شفاء الأبدان ودواء القلوب، الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد:28].

أيها الأحبة .. السلامى هي المفاصل، فهذه الأنملة كل مفصلٍ فيها يسمى سلامى، فكم في بدنك منها؟ إنها كثيرةٌ جداً والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إن علينا لله في كل سلامى من أبداننا صدقة) حيث قال في الحديث الذي يرويه أبو ذر : (يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة، فكل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة، ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما العبد من الضحى).

أولاً: هذا الحديث رواه الإمام مسلم فهو حديث صحيح، ومفاده: أن علينا لنعم الله علينا واجب الشكر وأداء النعم وإن كنا لا نستطيع حصرها ولا شكرها،

إذا كان شكري نعمة الله نعمة     علي له في مثلها يجب الشكر

فكيف بلوغ الشكر إلا بفضله     وإن طالت الآماد واتصل الدهر

إذا عم بالسراء أعقب مثلهـا     وإن عم بالضراء أعقبها الأجر

إذا كان مجرد هذا المفصل الذي يتحرك في الأنامل لله عليك فيه صدقة؛ بتسبيحة، أو بتهليلة، أو بتكبيرة، أو بأمر بالمعروف، أو بنهيٍ عن المنكر، أو إغاثة ملهوف، أو مساعدة محتاج، أو ابتسامة في وجه مسلم، أو ما شئت من وجوه الصدقات، فما بالك بما لله علينا من الصدقات الواجبات في أبصارنا؟! ماذا أحدثك عن عينك، ماذا أحدثك عن هذه الماسحات التي كلما علق الغبار على هذه الزجاجة أو هذا الغشاء الرقيق تحركت حركة أنت لا تدركها برطوبة لكي تغسل العين، وماذا أحدثك عن القَرَنِية وعن الشبكية وعن عصب العين؟! وماذا أحدثك عن جارحة الشم أو جارحة السمع أو جارحة الهضم أو جارحة التنفس أو جوارح كثيرة؟ إذا كانت السلامى -المفصل- لله عليك فيه صدقة، فكم من صدقة لله عليك في سمعك، وكم لله عليك من صدقة في بصرك، وكم لله عليك من صدقة في يدك وفي قدمك وفي جوفك وفي الكلى.

خذ على سبيل المثال واسألوا إخواننا الذين يرقد الواحد منهم في كل أسبوعٍ أربع مرات على السرير أو في غرفة الغسيل الكلوي لكي يغسل الدم، إن جلوس هذا المريض في وحدة الكلى ست ساعات كاملة من أجل تنقية الدم إن هذه العملية ليست كما قرر الحذاق من الأطباء إلا عشرة في المائة من الوظائف التي تؤديها الكلية، فما بالك بتسعين في المائة من الوظائف؟ أليس لهذه الكلى من حقوق الله علينا في شكرها الشيء الكثير؟ فحدث ولا حرج عن كل عرقٍ ساكن لو تحرك لما وجدت للحياة طعماً ولا لذة، وحدث ولا حرج عن كل عرقٍ متحركٍ لو سكن لما وجدت للحياة طعماً ولا لذة، ناهيك عن هذه الجوارح وهذه الحواس العظيمة.

ثم إنا لنعجب أيضاً من هذا الحديث، وفيه دلالة على أن هذا الدين لم يجعل طريق الخير واحداً لا يحسنه إلا فئة أو شريحة أو طبقة من الناس، فإن الله عز وجل لما أوجب علينا الصدقات في شكر هذه النعم التي لا نحصيها فضلاً عن القيام بشكرها وحق الله علينا فيها، إن الله عز وجل لم يجعل كل الخير في بابٍ واحد، بل جعل الخير في أبوابٍ شتى، بل جعل الخير في مذاهب شتى حتى يستطيع كل عبدٍ أن يذهب كل مذهب وأن يأتي بكل خير في وسعه وقدرته واستطاعته ليحقق لله شكراً في نعم الله عليه، فتسبيح صدقة، وتحميد صدقة، وتهليل صدقة، وتكبيرٌ صدقة، واحتسابٌ صدقة، ودعوة صدقة، وإماطة الأذى صدقة، وإعانة المسكين صدقة، وحمل متاع الرجل معه صدقة، والكلمة الطيبة صدقة، والابتسامة صدقة، بل وحتى إتيان العبد شهوته في حلالٍ صدقة، قال الصحابة لما قال صلى الله عليه وسلم: (وفي بضع أحدكم صدقة! قالوا: يا رسول الله! يأتي أحدنا شهوته ثم يكون له بذلك أجر؟ قال: أرأيتم إن وضعها في حرام أيكون عليه وزر؟ قالوا: نعم. قال: فكذلك لما وضعها في حلالٍ كان له بها أجر).

إذاً -أيها الأحبة!- لم يعجز أحدٌ أن يأتي بخير، لا أظن أن أحداً يعجز عن ابتسامة، أو عن كلمة طيبة، أو عن إفشاء السلام، أو إطعام الطعام، أو التسبيح والتهليل والذكر.

أيها الأحبة: من أجل الأذكار تلاوة كتاب الله عز وجل، والقرآن شأنه عظيم، ففي الحديث الذي يرويه ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: (من قرأ حرفاً من كتاب الله فله حسنة والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: (آلم) حرف، ولكن ألفٌ حرف، ولامٌ حرفٌ، وميمٌ حرفٌ) رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.

سبحان الله العلي العظيم، أن تجلس قبيل أو بعيد الصلاة أو في سيارتك أو في متجرك أو في مكانك فتفتح المصحف فتقرأ حروفاً وكلماتٍ وجملاً من كتاب الله عز وجل، فإذا بك تؤجر أجراً عظيماً وتثاب ثواباً عظيماً، هل تعبت؟ هل تنفست الصعداء؟ هل حملت أثقالاً؟ هل مشيت خطواتٍ؟ هل أخرجت مالاً؟ هل تعبت في ذلك؟ مجرد أن تفتح المصحف وتقرأ لك بكل حرفٍ حسنة والحسنة بعشر أمثالها، لنسأل أنفسنا يا من ننظر إلى من حولنا نظرة الرحمة والإشفاق بأنهم يضيعون أوقاتنا، كم نحن نضيع من الأوقات الكثير الكثير لا نقرأ فيها من كتاب الله.

ينبغي ويجب علينا أن نجعل في كل يوم علينا فيه ورد وحق واجب، ولكن -أيها الأحبة- إنها كنوز القرآن الضائعة، ولو أن الإنسان بنية إذا شئت -يا أخي الكريم- حتى تفرح بعاجل بشرى المؤمن خذ معك ورقة وقلماً وعد عدد الأحرف في صفحة من صفحات المصحف، ستجد مئات الأحرف بمئات الحسنات مضروبة في عشر أمثالها، كم مر عليك من يوم لم تفتح المصحف فيه؟ كم مضى عليك من أسبوع لم تقرأ فيه من كلام الله عز وجل؟ فيا ضيعة الأعمار تمضي سبهللا كما قال الشاطبي رحمه الله:

وإن كلام الله أوثق شافعٍ     وأغنى غَناءٍ واهباً متفضلا

وهذا زمان الصبر من لك بالتي     كقبض على جمرٍ فتنجو من البلاء

ولو أن عيناً ساعدت لتوكفت     سحائبها بالدمع ديماً وهطلا

ولكنها عن قسوة القلب قحطها     فيا ضيعة الأعمار تمضي سبهللا

من فضل قراءة القرآن

إن قراءة شيء من القرآن يعدل شيئاً كثيراً، قال صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عقبة بن عامر : (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في الصفة، فقال الحبيب صلى الله عليه وسلم: أيكم يحب أن يغدو كل يوم إلى بطحان أو إلى العقيق فيأتي منه بناقتين كوماوين -يعني: بناقتين سمينتين- في غير إثم ولا قطيعة رحم، فقلنا: يا رسول الله! كلنا نحب ذلك، فقال صلى الله عليه وسلم: أفلا يغدو أحدكم إلى المسجد فيقرأ آيتين من كتاب الله عز وجل خيرٌ له من ناقتين، وثلاث خيرٌ له من ثلاث، وأربع خيرٌ له من أربع، ومن أعدادهن من الإبل) رواه الإمام مسلم .

فهذا فضل آيتين من كلام الله يعدل الكثير الكثير من ناقتين وثلاث وأربع وأعدادهن من الإبل، وقال صلى الله عليه وسلم: (أيعجز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن في ليلة، فإن من قرأ: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ [الإخلاص:1-2] في ليلة فقد قرأ ليلته ثلث القرآن) رواه الإمام أحمد والترمذي والنسائي.

وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ [القصص:68] الله الذي اختار هذا الكلام، وهو من هذه الأحرف التي نتحدث بها، ولكن الله اختار هذا الكلام ليكون أطيب الكلام وأجمله وأحكمه وأصدقه، واختار من هذا الكلام آيات وسوراً جعل الله فضلها عظيماً عميماً ومن ذلك: قل هو الله أحد.

عن عبد الله بن خبيب رضي الله عنه قال: (خرجنا في ليلة مطرٍ وظلمةٍ شديدة نطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأدركناه فقال: قل، قلت: ما أقول؟ قال: قل هو الله أحد والمعوذتين حين تصبح وحين تمسي ثلاث مرات تكفيك من كل شيء) رواه الترمذي وأبو داود والنسائي.

القرآن شفاء لما في الصدور

أين الذين يذهبون للعيادات النفسية ويشكون القلق والانفصام والاكتئاب؟ أين الذين يذهبون لعلاج ما يسمى بضيق الصدر؟ أين الذين يخسرون أموالاً بل ويرتكبون شركاً في الذهاب إلى المشعوذين والكهنة والعرافين ليعلق عليه من التمائم وليعطيه من الرقى والطلاسم، وليلبسه من التول ومن أشياء كثيرة كلها لا ترضي الله بل تجرح وتقدح في التوحيد إن لم تنافي التوحيد كله؟ والعلاج سهلٌ بين يديه أن يقرأ عند صباحه ومسائه: قل هو الله أحد، وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس، اسألوا الذين يترددون على العيادات النفسية، فقد بذل بعضهم مئات الآلاف من الأموال، أنا أعرف رجلاً، قال: إن ما خسرته على العيادات النفسية متردداً عليها والأدوية أكثر من أربعمائة ألف ريال، يعني: أقل من نصف مليون، فوالله إن هذا لقليل يعني: قد خسر أكثر، قلت: وهل وجدت نتيجة؟ قال: لا. قلت: إذاً كيف تعالج نفسك؟ قال: والله ما وجدت علاجي إلا في جزءٍ من القرآن آخر الليل، إن قرأت تلك الليلة جزءاً من القرآن في تلك الليلة أو قبل النوم أو في آخر الليل فإني أصبح نشيطاً سوياً سليماً معافى، وإن تركت القرآن أصبحت مريضاً قلقاً مكتئبا، فانظروا كم لله من النعم والفضل حينما يبتلي عبداً من العباد بلاءً يجعل دواءه في ذكره ليؤجر في دواء بلوى أصابته، أو في شفاء سقمٍ قد ألم به، نعمة عظيمة لكن ما أكثر الذين يترددون على المشعوذين، ويحيطون أنفسهم بالسرية وبالكتمان، وأنا أعرف لك واحداً موجوداً وراء الجبل وتحت الوادي وخلف المكان وفي آخر الطريق ولا تخبر به أحداً، ثم يأتي إلى بيتٍ نتن الرائحة خسيس المنظر والشكل؛ في حالة مزعجة وفي هيئة مريبة، ثم لا يلبث أن يعطيه من الطلاسم ومن البخور ومن التمائم ومن أمور الشعوذة ما الله به عليم، ثم يظن أنه بهذا قد سلك سبيلاً للشفاء والدواء، ووالله ما سلك إلا سبيلاً لزيادة البلوى والأذى، فهل يفهم هذا إخواننا؟ هل يفهم هذا أخواتنا؟ هل يفهم هذا الرجال والنساء الذين حينما يبتلى أحدهم ببلية في نفسه أو في ولده لا يتردد أن يذهب إلى فلانة التي تكشف، أو فلان الذي يشعوذ، أو علان الذي يعقد ويفك ويحل ويربط إلى غير ذلك؟ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ [البقرة:102] ولا يدبرون ولا يقدمون ولا يؤخرون شيئاً قد قدره الله سبحانه وتعالى.

من العجائب: يقول لي أحد الإخوة الذين يتبرعون في الرقية يقول: جاء رجل ومعه امرأة تشكو آلاماً وأمراضاً من أجل الرقية عليها، قال: فكنت أرقيها ولا تجد أي أثرٍ أبداً، قال: فسألته: هل هذه المرأة تلبس شيئاً من الحروز؟ هل تلبس شيئاً من التمائم؟ هل تعلق شيئاً؟ هل أعطيت شيئاً؟ قال: إن شئت الحق فإنها سبق أن ذهبت إلى رجلٍ وأعطاها حرزاً تعلقه على جسدها ولا تستطيع أن تفكه لأنها إذا فكته أصابها البلاء، قال: فطلبته منه وبعد إصرار وإلحاح شديد أخرجه لي، قال: فلما فككناه وجدنا فيه نداء لشياطين الجن ومردة الشياطين: يا عبدوس يا شيطون يا حبوس يا كذا يا كذا، زد على ذلك قال برائحة نتنة قال: والذي استظهرته أنه مكتوبٌ أجلكم الله والملائكة وبيته والسامعين أنه مكتوبٌ بدم حيض -والعياذ بالله- انظروا كيف يبتلى هؤلاء؟! بل وبعضهم يشرك وهو لا يدري .. وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ [يوسف:106] بسبب الوقوع في هذه الأمور وعندهم الكنز الثمين وعندهم المورد العظيم كلام الله عز وجل، لو تداووا به واهتدوا به وتذكروه وجعلوه ذكراً لكان حرزاً ودواءاً وشفاءً وكفاءً ولكن:

ومن العجائب والعجائب جمة     قرب الحبيب وما إليه سبيل

كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ     والماء فوق ظهورها محمول

إن قراءة شيء من القرآن يعدل شيئاً كثيراً، قال صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عقبة بن عامر : (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في الصفة، فقال الحبيب صلى الله عليه وسلم: أيكم يحب أن يغدو كل يوم إلى بطحان أو إلى العقيق فيأتي منه بناقتين كوماوين -يعني: بناقتين سمينتين- في غير إثم ولا قطيعة رحم، فقلنا: يا رسول الله! كلنا نحب ذلك، فقال صلى الله عليه وسلم: أفلا يغدو أحدكم إلى المسجد فيقرأ آيتين من كتاب الله عز وجل خيرٌ له من ناقتين، وثلاث خيرٌ له من ثلاث، وأربع خيرٌ له من أربع، ومن أعدادهن من الإبل) رواه الإمام مسلم .

فهذا فضل آيتين من كلام الله يعدل الكثير الكثير من ناقتين وثلاث وأربع وأعدادهن من الإبل، وقال صلى الله عليه وسلم: (أيعجز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن في ليلة، فإن من قرأ: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ [الإخلاص:1-2] في ليلة فقد قرأ ليلته ثلث القرآن) رواه الإمام أحمد والترمذي والنسائي.

وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ [القصص:68] الله الذي اختار هذا الكلام، وهو من هذه الأحرف التي نتحدث بها، ولكن الله اختار هذا الكلام ليكون أطيب الكلام وأجمله وأحكمه وأصدقه، واختار من هذا الكلام آيات وسوراً جعل الله فضلها عظيماً عميماً ومن ذلك: قل هو الله أحد.

عن عبد الله بن خبيب رضي الله عنه قال: (خرجنا في ليلة مطرٍ وظلمةٍ شديدة نطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأدركناه فقال: قل، قلت: ما أقول؟ قال: قل هو الله أحد والمعوذتين حين تصبح وحين تمسي ثلاث مرات تكفيك من كل شيء) رواه الترمذي وأبو داود والنسائي.

أين الذين يذهبون للعيادات النفسية ويشكون القلق والانفصام والاكتئاب؟ أين الذين يذهبون لعلاج ما يسمى بضيق الصدر؟ أين الذين يخسرون أموالاً بل ويرتكبون شركاً في الذهاب إلى المشعوذين والكهنة والعرافين ليعلق عليه من التمائم وليعطيه من الرقى والطلاسم، وليلبسه من التول ومن أشياء كثيرة كلها لا ترضي الله بل تجرح وتقدح في التوحيد إن لم تنافي التوحيد كله؟ والعلاج سهلٌ بين يديه أن يقرأ عند صباحه ومسائه: قل هو الله أحد، وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس، اسألوا الذين يترددون على العيادات النفسية، فقد بذل بعضهم مئات الآلاف من الأموال، أنا أعرف رجلاً، قال: إن ما خسرته على العيادات النفسية متردداً عليها والأدوية أكثر من أربعمائة ألف ريال، يعني: أقل من نصف مليون، فوالله إن هذا لقليل يعني: قد خسر أكثر، قلت: وهل وجدت نتيجة؟ قال: لا. قلت: إذاً كيف تعالج نفسك؟ قال: والله ما وجدت علاجي إلا في جزءٍ من القرآن آخر الليل، إن قرأت تلك الليلة جزءاً من القرآن في تلك الليلة أو قبل النوم أو في آخر الليل فإني أصبح نشيطاً سوياً سليماً معافى، وإن تركت القرآن أصبحت مريضاً قلقاً مكتئبا، فانظروا كم لله من النعم والفضل حينما يبتلي عبداً من العباد بلاءً يجعل دواءه في ذكره ليؤجر في دواء بلوى أصابته، أو في شفاء سقمٍ قد ألم به، نعمة عظيمة لكن ما أكثر الذين يترددون على المشعوذين، ويحيطون أنفسهم بالسرية وبالكتمان، وأنا أعرف لك واحداً موجوداً وراء الجبل وتحت الوادي وخلف المكان وفي آخر الطريق ولا تخبر به أحداً، ثم يأتي إلى بيتٍ نتن الرائحة خسيس المنظر والشكل؛ في حالة مزعجة وفي هيئة مريبة، ثم لا يلبث أن يعطيه من الطلاسم ومن البخور ومن التمائم ومن أمور الشعوذة ما الله به عليم، ثم يظن أنه بهذا قد سلك سبيلاً للشفاء والدواء، ووالله ما سلك إلا سبيلاً لزيادة البلوى والأذى، فهل يفهم هذا إخواننا؟ هل يفهم هذا أخواتنا؟ هل يفهم هذا الرجال والنساء الذين حينما يبتلى أحدهم ببلية في نفسه أو في ولده لا يتردد أن يذهب إلى فلانة التي تكشف، أو فلان الذي يشعوذ، أو علان الذي يعقد ويفك ويحل ويربط إلى غير ذلك؟ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ [البقرة:102] ولا يدبرون ولا يقدمون ولا يؤخرون شيئاً قد قدره الله سبحانه وتعالى.

من العجائب: يقول لي أحد الإخوة الذين يتبرعون في الرقية يقول: جاء رجل ومعه امرأة تشكو آلاماً وأمراضاً من أجل الرقية عليها، قال: فكنت أرقيها ولا تجد أي أثرٍ أبداً، قال: فسألته: هل هذه المرأة تلبس شيئاً من الحروز؟ هل تلبس شيئاً من التمائم؟ هل تعلق شيئاً؟ هل أعطيت شيئاً؟ قال: إن شئت الحق فإنها سبق أن ذهبت إلى رجلٍ وأعطاها حرزاً تعلقه على جسدها ولا تستطيع أن تفكه لأنها إذا فكته أصابها البلاء، قال: فطلبته منه وبعد إصرار وإلحاح شديد أخرجه لي، قال: فلما فككناه وجدنا فيه نداء لشياطين الجن ومردة الشياطين: يا عبدوس يا شيطون يا حبوس يا كذا يا كذا، زد على ذلك قال برائحة نتنة قال: والذي استظهرته أنه مكتوبٌ أجلكم الله والملائكة وبيته والسامعين أنه مكتوبٌ بدم حيض -والعياذ بالله- انظروا كيف يبتلى هؤلاء؟! بل وبعضهم يشرك وهو لا يدري .. وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ [يوسف:106] بسبب الوقوع في هذه الأمور وعندهم الكنز الثمين وعندهم المورد العظيم كلام الله عز وجل، لو تداووا به واهتدوا به وتذكروه وجعلوه ذكراً لكان حرزاً ودواءاً وشفاءً وكفاءً ولكن:

ومن العجائب والعجائب جمة     قرب الحبيب وما إليه سبيل

كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ     والماء فوق ظهورها محمول

من الكنوز الضائعة في ساعاتٍ تمر علينا فلا نغتنمها: ذكر الله في التسبيح، والتسبيح هو أن تقول: سبحان الله، تصوروا يا إخوان أنك حينما تسبح مائة تسبيحة فلك بها من الأجر ألف حسنة، وأنا الآن أريد أن أجري معكم اختباراً بالدقائق، قال صلى الله عليه وسلم: (أيعجز أحدكم أن يكسب كل يومٍ ألف حسنة؛ يسبح الله مائة تسبيحة فيكتب الله له بها ألف حسنة، ويحط عنه بها ألف خطيئة) رواه الإمام مسلم والإمام أحمد والنسائي، حديث صحيح.

نختبر أنفسنا دقائق، أريد أن نسبح مائة، اختبار وعبادة وذكر، كلٌ يسبح مائة بينه وبين نفسه لننظر كم تستغرق مائة تسبيحة من الوقت، ابدءوا من الآن.

أظن أكثر إنسان استغرق في مائة تسبيحة دقيقتين، ثم عدل ما بين دقيقة ونصف إلى دقيقتين إلا ربع، يعني: يا إخوان! ألف حسنة أليست كنزاً يضيع، في دقيقتين تحصل ألف حسنة، بإطراق بإخبات بخشوع بتذكر بتدبر.. أيضيرك هذا؟ كم يضيع من التسبيح أدبار الصلوات؟ كم يضيع من التسبيح وقت السحر؟ كم يضيع من التسبيح الأوقات المشروعة لهذه الأذكار؟ وذكر الله مشروع للإنسان في كل وقتٍ أيضاً.

فيا أيها الأحبة: يفوتنا والله من الخير الكثير، وتلك أيضاً كنوزٌ ضائعة، قال صلى الله عليه وسلم: (خير العمل أن تفارق الدنيا ولسانك رطبٌ من ذكر الله) رواه أبو نعيم في الحلية.

وقال صلى الله عليه وسلم: (خير الكلام أربع لا يضرك بأيهن بدأت: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر) رواه الإمام أحمد وابن حبان.

وقال صلى الله عليه وسلم: (ما من ساعة تمر بابن آدم لم يذكر الله فيها إلا حسر عليها يوم القيامة) أخرجه أبو نعيم في الحلية، والبيهقي في شعب الإيمان.

فكم ساعة سوف نتحسر عليها؟: (وما جلس قومٌ مجلساً لم يذكروا الله تعالى فيه إلا كان عليهم ترة وندامة) يعني: حسرة وندامة يوم القيامة، فيا أحبابنا! فعلاً تضيع منا كنوزٌ لا نحصيها.

وهنا كنزٌ عظيم ينبغي لكل واحد من الشباب والشيب، والرجال والنساء، والكبار والصغار ألا يضيعه أبداً، قال صلى الله عليه وسلم: (من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير في يومٍ مائة مرة؛ كانت له عدل عشر رقاب، وكتبت له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة، وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحدٌ بأفضل مما جاء به إلا أحدٌ عمل عملاً أكثر من ذلك) وهذا الحديث رواه البخاري ومسلم.

حرز وعتق رقاب وكفارة مائة سيئة وكسبٌ لمائة حسنة، وعمل عظيم تنافس به خلق كثير بمجرد أن تقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، والله لو استطعنا أن نركب على هذه الألسنة والأفواه عدادات لتعد كم كلمة قلناها في غير ذكر الله وكم كلمة قلناها في ذكر الله لنعلم أن حظ القيل والقال، وفضول السؤال والتدخل فيما لا يعنينا، والسؤال عما لا يهمنا، والانشغال بالغيبة وبالنميمة وبالكلام الذي لا يليق أو لا يجوز، لوجدنا الذكر شيئاً قليلاً بالنسبة إلى ما نقول من لهو القول أو رديء الكلام، ولا حول ولا قوة إلا بالله!

إنها أذكار باللسان، تحريك اللسان كما قلت شيء يسير وخفيف جداً لا يكلفك بشيء، وتستطيع أن تحرك لسانك وأنت قائم وقاعد ومضطجع وعلى جنب، ومستلقٍ وعلى فراشك، وأنت ذاهب وآيب، وراكب وماشٍ، ومسافر وفي حل وفي ترحال وأنت قادرٌ على هذا الذكر، أما والله إنها لكنوزٌ ضائعة، أما والله إننا في غفلة وضياعٍ في أعمارنا ولا حول ولا قوة إلا بالله!

أذكار بعد الآذان

قال صلى الله عليه وسلم: (من قال حين يسمع المؤذن: وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله رضيت بالله رباً وبمحمدٍ رسولاً وبالإسلام ديناً، غفر الله له ما تقدم من ذنبه) رواه الإمام مسلم وغيره.

ثم -يا شباب!- ليس عيباً إذا جلسنا مجلساً ثم كثر لغطنا وكثر قيلنا وقولنا ينبغي أن يقول أحدنا ليكن أوسطنا وأقومنا وأعدلنا: يا إخوان! جلسنا ونقوم ما ذكرنا الله، اجلسوا والله لا تقوموا من بيتي وما تخرجوا من مجلسي حتى تذكروا الله عز وجل، كلٌ يذكر ربه في نفسه، لا تقوموا من هذا المجلس الذي يشهد علي وعليكم بأننا جلسنا وأكلنا وشربنا فلم نسمِّ ولم نحمد ولم نشكر ولم نذكر، ثم نقوم هكذا، لا يمكن هذا، لا بد أن نؤجر في هذا المجلس أقلها دقيقتين نقول: سبحان الله مائة مرة، أقلها خمس دقائق نقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، نقولها مائة مرة، ممكن مجاملات وابتسامات وزيارات ولقاءات.. يا فلان! أزورك تزورني، لكن لا يوجد تواصٍ، نعم. يوجد تمادح؛ أنت ما مثلك، وأنت أحسن من ذاك، وذاك أحسن منك بقليل، وأنت أوشكت أن تتعدى ذاك، وكثير من الشباب قد ضر بعضهم بعضاً بهذا التمادح وهذا الثناء في الوجوه، أما النصيحة والتناصح، أما التواصي بالحق والتواصي بالصبر والتعاون على الخير فما أقل أن نجد ذلك في مجالسنا!

ماذا يمنع أنه عندما أزورك أو تزورني أو يزور بعضنا بعضاً أمسك بتلابيبه وقل له: تعال -يا أخي- أكلنا وشربنا وما ذكرنا الله عز وجل في هذا المجلس، اجلس نذكر الله عز وجل (ما جلس قومٌ مجلساً لم يذكروا الله فيه إلا كان عليهم ترة وندامة) أي: حسرة وندامة يوم القيامة.

سيد الاستغفار

إذاً نحن نحقق خيراً كثيراً بعبادة يسيرة في وقتٍ قصيرٍ جداً، ولكن كما قلت: التمادح والتشاغل أمرٌ عجيبٌ جداً.

في الحديث الذي يرويه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة وغيرهم: (من قال حين يصبح أو حين يمسي: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني، وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي، وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، فمات من يومه أو ليلته دخل الجنة) كلنا نحفظ هذا الدعاء ومن لم يحفظه فليحفظه، فهو سيد الاستغفار، إقرارٌ بالربوبية وإقرارٌ من العبد بعبوديته لله، واعترافٌ بالذنب واعترافٌ بالنعم لله عز وجل ووعد على الثبات والتوبة، أمرٌ يسير وسهل فلا ينبغي لأحدٍ أن يضيع حظه من هذا الدعاء في صباحه ومسائه.

سبحان الله العظيم وبحمده غرس الجنة

قال صلى الله عليه وسلم: (من قال: سبحان الله العظيم وبحمده غرست له بها نخلة في الجنة) قل فقط: سبحان الله وبحمده غرست في الجنة، بنية صادقة، بقلبٍ مخلص، القضية ليس فيها صعوبة: وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ [القصص:68] لا تقل: إن ذلك أجرٌ كثير بعملٍ يسير، هذا فضل الله لا يحده شيء، خزائنه ملأى، يده سحاء الليل والنهار، الدنيا كلها بما فيها بالنسبة لما عند الله في الآخرة لا تساوي إلا قطرة تنحدر من أناملك إذا أنت أدخلت إصبعك في اليم، قال صلى الله عليه وسلم فيما يرويه الإمام مسلم في كتاب وصف الجنة: (ما الدنيا بالنسبة للآخرة إلا كما يضع أحدكم إصبعه في اليم فلينظر بما يرجع) أنت حين تدخل إصبعك في البحر وفي المحيطات هذه كلها والبحار ثم تخرج إصبعك من البحر هل خرجت بنصف البحر؟ بربع البحر؟ بكيلو.. بكيلوين.. بلتر؟ خرجت بقطرة، اعلم أن هذه القطرة هي الدنيا بملوكها وأملاكها وثرواتها وما فيها، وكل كنوزها الظاهرة والباطنة في هذه القطرة، أما الآخرة التي فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، هي ما أعده الله لعباده المتقين المؤمنين، نسأل الله أن نكون منهم.

يمكن أن ندرك فضل هذه الآخرة بأسبابٍ عديدة:

ومنها: ألا نضيع هذه الكنوز، وأن نستثمر وأن نغتنم هذه الفرص العظيمة.

سبحان الله العظيم وبحمده غرس في الجنة، لا تقل كيف ولماذا ولعل وربما وأين؟ أبداً، وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ [القصص:68] الله عز وجل اختار أن تكون هذه الكلمة ثوابها غرسٌ في الجنة، تعترض على الله، تستكثر على الله، تستكثر أن الله يعطيك غرساً في الجنة مقابل أن تقول: سبحان الله وبحمده، لا. لكن الضياع والخسران والحرمان في هذه الألسنة والأبصار والقلوب، قال صلى الله عليه وسلم: (من قال حين يصبح وحين يمسي: سبحان الله العظيم وبحمده مائة مرة لم يأت أحدٌ يوم القيامة بأفضل مما جاء به إلا أحدٌ قال مثل ذلك وزاد عليه) يعني: بأعمالٍ صالحة، رواه الإمام مسلم وأبو داود والترمذي.

وفي الحديث الذي رواه الشيخان: (من قال: سبحان الله وبحمده في يومٍ مائة مرة حطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر) أجر عظيم وفضل عميم في ذكر الله عز وجل.

حكم التسبيح بالسبحة

بعض الناس عندما يرى أحداً يذكر الله كثيراً قال: أظن أن هذا صوفي، وهذا غير طبيعي، لأنه كثير ذكر الله تقول عنه صوفي؟ أو مجرد بعض الناس حينما يرى أحداً مولعاً بالذكر مشغولاً به قال: لا يهمك هذا سبحته لا يتركها من يده، ويسبح بها، الشيخ محمد بن صالح العثيمين في (نورٌ على الدرب) قبل أيام سئل وبأذني هذه وأنا مسئول عن هذا، سئل عن رجلٍ يقول: إنني أحرص أن أسبح ألف أو خمسمائة تسبيحة، وعندي سبحة فيها خمسمائة حبة، فهل هذا جائز، هل التسبيح بهذه جائز؟

فقال الشيخ: التسبيح بالسبحة لا بأس به ما دام أن السائل يقول: أنه يضبط بها العدد، لا يعتقد في السبحة اعتقاداً، إنما لضبط العدد، وهو يريد أن يسبح المائة يضيعها بسبحةٍ ما، أنا لست أدعو إلى التسبيح بالسبح، وقال الشيخ العلامة ابن عثيمين متع الله به: ولكن التسبيح بالأنامل أفضل لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل على إحدى زوجاته ورأى عندها حصىً تسبح به ما أنكر عليها ولكن أرشدها إلى التسبيح بالأنامل، فالأفضل أن تسبح بأناملك لأنهن مستنطقات.

فيا أخي الكريم .. إذا رأيت من هو على عناية بذكر فاستعن بالله واستفد منه، ما لم يكن يبتدع لنفسه أذكاراً معينة، من قرأ ألم نشرح لك صدرك مائة مرة فإنه يفعل كذا، من قرأ ويل لكل همزة لمزة ..؛ لأن هناك بعض المخرفة وإن كان الذكر حقيقة لكنه يعتقد عدداً معيناً في وقتٍ معين بشيء لم يشرعه الله ورسوله فهنا نقول: قفوا ولا تبتدعوا وإنما عليكم الاتباع.

لكن إذا جاء واحد وقال: يا أخي! أنا أعد بأناملي وأخشى وربما يجيك شايب كبير يقول: أنا لا أستطيع ضبط العدد بأناملي، مضطر أعد بهذه السبحة أو بشيءٍ من هذا، مائة مرة لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، تقول له: لا. قد ورد الشرع والنص والدليل بهذا الذكر وبهذا العدد، فلماذا تعترض عليه؟ لماذا تنكر عليه؟ إن كان بك خير،

فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهـم     إن التشبه بالكرام فلاح

في الحديث أيضاً: قال صلى الله عليه وسلم: (من قال حين يمسي: باسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيءٌ في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم ثلاث مرات لم يصبه فجأة بلاء حتى يصبح، ومن قالها حين يمسي ثلاث مرات لم يصبه فجأة بلاء حتى يمسي) رواه أبو داود وابن حبان والحاكم وصححه الألباني.

بصراحة وبعبارة واضحة: يا معاشر الإخوة! يا معاشر المسلمين! نحن قد ضيعنا الأذكار، أقل الكلام حظاً على ألسنتنا هو ذكر الله عز وجل، وما سوى ذلك فحدث ولا حرج، نحن ضيعنا الأذكار، أذكار الصباح .. أذكار المساء .. أذكار الصلوات .. أذكار الحفظ؛ الأذكار التي تحفظنا من شر العين والحسد والشيطان والجان ومن كيد الإنسان؛ كل هذه الأذكار نحن ضيعناها، وما كان السلف يتهاونون بها أبداً أبداً.

(لا حول ولا قوة إلا بالله) وفضلها

عن أبي موسى الأشعري قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لي: يا عبد الله بن قيس! قلت: لبيك يا رسول الله! قال: ألا أدلك على كنـز من كنوز الجنة؟ قلت: بلى يا رسول الله فداك أبي وأمي، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله) أخرجه البخاري .

سبحان الله! لا حول ولا قوة إلا بالله كنـزٌ من كنوز الجنة، الآن الناس إذا رأى شيئاً عجيباً صفر هذه التصفيرة الطويلة، لا يقول: (سبحان الله) حينما يرى شيئاً عجيباً لا يقول: الحمد لله على هذه النعمة، أو إذا حل بلاء لا يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، بل يقول: (أف) أو بعضهم يسخط على الله، وأنا ماذا عملت -يا رب- حتى يقع لي كذا، بل بعضهم يقع في الاعتراض وربما السخط على مقادير الله عز وجل؛ وذلك من الجهل العظيم، لكن لو ألزمنا أنفسنا الأذكار إذا رأينا عجباً سبحنا، وإذا صعدنا مرتفعاً كبرنا، وإذا هبطنا منخفضاً سبحنا، وإذا رأينا مبتلى قلنا: لا حول ولا قوة إلا بالله وسألنا الله العافية، إذا رأينا نعمة حمدنا الله، إذا رأينا شيئاً يعجبنا قلنا: ما شاء الله، فسنجد أن هذه الأذكار على ألسنتنا في كل مناسبة وفي كل ما نرى، لكن لما تعودت الألسنة المكاء والتصدية (التصفيق والصفير) والكلام العجيب والألفاظ الغريبة والحركات التي لا تليق أصبحت هي السائد عند كثيرٍ من الناس، وعند الشباب خاصة، ولو أننا عودنا أنفسنا هذا الذكر لكان بإذن الله خيراً نؤجر عليه.

قال صلى الله عليه وسلم: (من قال حين يسمع المؤذن: وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله رضيت بالله رباً وبمحمدٍ رسولاً وبالإسلام ديناً، غفر الله له ما تقدم من ذنبه) رواه الإمام مسلم وغيره.

ثم -يا شباب!- ليس عيباً إذا جلسنا مجلساً ثم كثر لغطنا وكثر قيلنا وقولنا ينبغي أن يقول أحدنا ليكن أوسطنا وأقومنا وأعدلنا: يا إخوان! جلسنا ونقوم ما ذكرنا الله، اجلسوا والله لا تقوموا من بيتي وما تخرجوا من مجلسي حتى تذكروا الله عز وجل، كلٌ يذكر ربه في نفسه، لا تقوموا من هذا المجلس الذي يشهد علي وعليكم بأننا جلسنا وأكلنا وشربنا فلم نسمِّ ولم نحمد ولم نشكر ولم نذكر، ثم نقوم هكذا، لا يمكن هذا، لا بد أن نؤجر في هذا المجلس أقلها دقيقتين نقول: سبحان الله مائة مرة، أقلها خمس دقائق نقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، نقولها مائة مرة، ممكن مجاملات وابتسامات وزيارات ولقاءات.. يا فلان! أزورك تزورني، لكن لا يوجد تواصٍ، نعم. يوجد تمادح؛ أنت ما مثلك، وأنت أحسن من ذاك، وذاك أحسن منك بقليل، وأنت أوشكت أن تتعدى ذاك، وكثير من الشباب قد ضر بعضهم بعضاً بهذا التمادح وهذا الثناء في الوجوه، أما النصيحة والتناصح، أما التواصي بالحق والتواصي بالصبر والتعاون على الخير فما أقل أن نجد ذلك في مجالسنا!

ماذا يمنع أنه عندما أزورك أو تزورني أو يزور بعضنا بعضاً أمسك بتلابيبه وقل له: تعال -يا أخي- أكلنا وشربنا وما ذكرنا الله عز وجل في هذا المجلس، اجلس نذكر الله عز وجل (ما جلس قومٌ مجلساً لم يذكروا الله فيه إلا كان عليهم ترة وندامة) أي: حسرة وندامة يوم القيامة.

إذاً نحن نحقق خيراً كثيراً بعبادة يسيرة في وقتٍ قصيرٍ جداً، ولكن كما قلت: التمادح والتشاغل أمرٌ عجيبٌ جداً.

في الحديث الذي يرويه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة وغيرهم: (من قال حين يصبح أو حين يمسي: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني، وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي، وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، فمات من يومه أو ليلته دخل الجنة) كلنا نحفظ هذا الدعاء ومن لم يحفظه فليحفظه، فهو سيد الاستغفار، إقرارٌ بالربوبية وإقرارٌ من العبد بعبوديته لله، واعترافٌ بالذنب واعترافٌ بالنعم لله عز وجل ووعد على الثبات والتوبة، أمرٌ يسير وسهل فلا ينبغي لأحدٍ أن يضيع حظه من هذا الدعاء في صباحه ومسائه.

قال صلى الله عليه وسلم: (من قال: سبحان الله العظيم وبحمده غرست له بها نخلة في الجنة) قل فقط: سبحان الله وبحمده غرست في الجنة، بنية صادقة، بقلبٍ مخلص، القضية ليس فيها صعوبة: وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ [القصص:68] لا تقل: إن ذلك أجرٌ كثير بعملٍ يسير، هذا فضل الله لا يحده شيء، خزائنه ملأى، يده سحاء الليل والنهار، الدنيا كلها بما فيها بالنسبة لما عند الله في الآخرة لا تساوي إلا قطرة تنحدر من أناملك إذا أنت أدخلت إصبعك في اليم، قال صلى الله عليه وسلم فيما يرويه الإمام مسلم في كتاب وصف الجنة: (ما الدنيا بالنسبة للآخرة إلا كما يضع أحدكم إصبعه في اليم فلينظر بما يرجع) أنت حين تدخل إصبعك في البحر وفي المحيطات هذه كلها والبحار ثم تخرج إصبعك من البحر هل خرجت بنصف البحر؟ بربع البحر؟ بكيلو.. بكيلوين.. بلتر؟ خرجت بقطرة، اعلم أن هذه القطرة هي الدنيا بملوكها وأملاكها وثرواتها وما فيها، وكل كنوزها الظاهرة والباطنة في هذه القطرة، أما الآخرة التي فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، هي ما أعده الله لعباده المتقين المؤمنين، نسأل الله أن نكون منهم.

يمكن أن ندرك فضل هذه الآخرة بأسبابٍ عديدة:

ومنها: ألا نضيع هذه الكنوز، وأن نستثمر وأن نغتنم هذه الفرص العظيمة.

سبحان الله العظيم وبحمده غرس في الجنة، لا تقل كيف ولماذا ولعل وربما وأين؟ أبداً، وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ [القصص:68] الله عز وجل اختار أن تكون هذه الكلمة ثوابها غرسٌ في الجنة، تعترض على الله، تستكثر على الله، تستكثر أن الله يعطيك غرساً في الجنة مقابل أن تقول: سبحان الله وبحمده، لا. لكن الضياع والخسران والحرمان في هذه الألسنة والأبصار والقلوب، قال صلى الله عليه وسلم: (من قال حين يصبح وحين يمسي: سبحان الله العظيم وبحمده مائة مرة لم يأت أحدٌ يوم القيامة بأفضل مما جاء به إلا أحدٌ قال مثل ذلك وزاد عليه) يعني: بأعمالٍ صالحة، رواه الإمام مسلم وأبو داود والترمذي.

وفي الحديث الذي رواه الشيخان: (من قال: سبحان الله وبحمده في يومٍ مائة مرة حطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر) أجر عظيم وفضل عميم في ذكر الله عز وجل.