المعوقون يتكلمون [1]


الحلقة مفرغة

الحمد لله على نعمه العظيمة، وآلائه الجسيمة، نحمده سبحانه خلقنا من العدم، وهدانا إلى الإسلام، وأطعمنا وسقانا وكفانا وآوانا، ومن كل خير سألناه أعطانا، نحمده سبحانه ونشكره ولا نكفره، ونخلع ونترك من يفجره، نرجو رحمته ونخشى عذابه، إن عذابه الجد بالكفار ملحق، ونشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له، واحدٌ في ربوبيته، واحدٌ في ألوهيته، واحدٌ في أسمائه وصفاته، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وعبد ربه مخلصاً حتى أتاه اليقين، لم يعلم سبيل خير إلا دل أمته عليه، ولم يعلم سبيل شر إلا حذر أمته منه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى، وتمسكوا بشريعة الإسلام، واجعلوا بينكم وبين عذاب الله وقاية، وذلك بالتمسك بأوامره، والانزجار عن زواجره يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ [الحج:1] .. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:70-71].

معاشر المؤمنين! حديثنا اليوم عن طائفة من أحبابنا وأبنائنا وإخواننا وأخواتنا يتقطع القلب حسرةً وألماً على ما هم فيه من الحال، ولكن قضاء الله وقدره بعباده جميلٌ ولو جهلنا حكمة ربنا فيه.

أيها الأحبة! حديثنا اليوم عن المعوقين والمعوقات من أبنائنا وبناتنا، وإخواننا وأخواتنا، أولئكم طائفة منسية من هذا المجتمع إلا من رحم الله، وما أقل من يذكرهم، أو يتابع شئونهم، أو يرصد أحوالهم، أو يتفقد حاجياتهم ومشاكلهم، وليس بدعاً، أو جدارةً، أو ذكاءً مني أن أطرقه بينكم، ولكن لما وجدته من إلحاح ومتابعة من طائفة من المعوقين من خلال رسائلهم واتصالاتهم الشخصية إلى حد قال لي فيه أحدهم: والله إن المشايخ لا يهتمون بنا، وإنهم هم أول الذين يحتقروننا، قلت: يا سبحان الله! ما الذي بلغك إلى هذا الحد حتى قلت هذا الكلام، أو أصدرت هذه الأحكام؟! فقال: لأننا منذ مدة طويلة نجتمع مع أمثالنا المعوقين، ونكتب حاجياتنا، ونرسلها إلى عدد من إخواننا، ولكن لا نجد من يلتفت لنا، أو يتفهم مشاكلنا، أو يتفقد حاجياتنا.

اعلموا -أيها الأحبة- أن الله جل وعلا جعل مناط التكليف العقل، فحيثما وجد العقل فالإنسان مكلفٌ بعقله، وإذا غاب العقل سقط التكليف، يقول صلى الله عليه وسلم: (رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يعقل، وعن الصغير حتى يكبر، أو يبلغ).

وكل هذا فيه دلالة جلية واضحة على أن مناط ومتعلق الأمر والنهي هو العقل، فحيثما وجد العقل، فصحابه مكلف سواءً كان أعمى أي: لا يبصر بعينيه، أو كان مشلولاً، أو معوقاً، لأن مركز الاستجابة والاستقبال وهو العقل لا يزال حياً يقظاً نابضاً بتلقي وتفهم الأمر، فعند ذلك يكون صاحبه مكلفاً مهما كانت نوع إعاقته بالقدر الذي يستطيع العمل معه لقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) ولقوله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16].

أيها الأحبة في الله! إذا علمنا ذلك، علمنا أن كل معوقٍ مطالب بالالتزام، ومطالبٌ بالاستقامة، ومطالبٌ بالمحافظة على الصلوات مع الجماعة بحسب استطاعته وقدرته، ومطالبٌ بالاستجابة لأمر الله في كل دقيق وجليل من أوامر الله جل وعلا ومناهيه، لا كما يظنه بعض النفسانيين أو التربويين الذين هم أجهل الناس بحقيقة علمهم، ولا أقول كل النفسانيين أو التربويين جهلاء، لكن أقول: إن الجهل يخص طائفة منهم أولئك الذين يعالجون المعوقين بالطبول والعزف والموسيقى والطرب وعرض أمور لا ترضي الله جل وعلا، ويقولون: هذا نوعٌ من العلاج النفسي، وهذا نوعٌ من العلاج التدريجي لأولئك المعوقين، نقول: ينبغي أن تعيدوا لأولئك المعوقين الثقة بأنفسهم، أعيدوا لهم الجدارة والقدرة، وأشعروهم بأنهم قادرون أن يفعلوا أشياء قد لا يفعلها كثيرٌ من الأصحاء السليمين، ألم يعلموا أن أحمد ياسين من قادة الانتفاضة في فلسطين وهو رجل مصابٌ بالشلل الثلاثي، أو الرباعي، ما عاقه شلله، وما ردته إعاقته من أن يكون عنصراً وقطباً محركاً محرضاً مجاهداً في فلسطين.

أولم يعلموا أن عمرو بن الجموح الأنصاري قبل أحمد ياسين وقبل غيره كان رجلاً أعرج، وأراد الدخول في معركة مع النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له أبناؤه: إن الله أعذرك، فأنت من أهل الأعذار وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ [الفتح:17] فغضب عليهم، وجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: يا رسول الله! أولادي هؤلاء يردونني عن الجنة، والله لأطأن بعرجتي هذه الجنة يا رسول الله! فأذن له الرسول في الجهاد، فجاهد في سبيل الله، وصبر وثبت حتى قتل رضي الله عنه وأرضاه.

ألم يعلموا أن كثيراً من علماء المسلمين وقادة الجهاد والمجاهدين لا يزالون على نوع إعاقةٍ، وما ردتهم إعاقتهم عن أن يمضوا في سبيل الله، وأن يقدموا لدين الله ما استطاعوا من جهودهم.

ينبغي أن ننظر إلى أولئك المعوقين نظرة الثقة، ونظرة الجدارة، ونظرة المسئولية، ونظرة الكفاءة بأنهم ليسوا من العاجزين، أو المخلفين، وكثيرٌ منهم يسرف في عبارات الخضوع والرحمة والانكسار إلى حد يجعل المعوق يضيق من نفسه، أحدهم يقول: والله لا يؤذيني معوقٌ من المعوقين، يقول: والله لا يؤذيني إلا مبالغة كثيرٍ من الناس في هذا الانكسار، وفي تلك العبارات التي يظنون أنهم بها يترحمون، وما علموا أنهم بها يكسرون الجدارة والقوة والكفاءة، نعم. نحن ننظر والله لهم بعين نسأل الله معها أن يعينهم، وأن يرفع إعاقتهم، وننظر لهم -أيضاً- بأنهم عليهم نصيبٌ من مسئوليات مجتمعهم، ولا أقول إن كل المعوقين من الذين وقعوا في هذه الحال، بل منهم رجالٌ عرفناهم يعولون أسراً عديدة، ولهم أدوار بارزة بناءة في مجتمعاتهم.

لكن المصيبة في هذه الأيام مصيبة طائفة من الشباب المعوقين يشكون هذه الحالة، وهذه النظرة، وهذا الموقف الاجتماعي منهم، ما هي النتيجة؟ ما هي النتائج التي ظهرت من خلال هذا الموقف الاجتماعي من نظرتنا إلى المعوقين؟ لقد انعزل طائفة من المعوقين، والتف بعضهم حول بعض، وماذا تظنون -أيها الأحبة- أن تملأ اجتماعاتهم به؟ يقول صاحبنا هذا: والله إننا لنجلس، وقد يكون صاحب المنزل، أو المعوق الذي يضيفهم يدق نوعاً من الحبوب، فيمزجه بالشاي، فنشربه حتى يطرب، أو يتخدر طائفةٌ منهم، فقد وقعوا في المخدرات.

ومن خلال رسالته، ومقابلتي له شخصياً، واطلاعي على هذا الأمر، علمت أن صديقاً له من المعوقين نظر إلى مجتمعه نظرة البعد، ونظرة اليأس والقنوط من أن يفتح له المجتمع دوراً، أو مجالاً بارزاً بناءً، فآثر العزلة، ووقع في طلق المخدرات ومصيبتها، فأخذ يتناول حبوباً بيضاء، وما هي إلا مدةً يسيرةً حتى أدمنها جسمه، فتناول حبوباً حمراء حتى أدمنها جسمه، ثم أصبح يتناول أنواعاً من الحشيش وغيرها، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وما هي النهاية؟

لقد مات على هذه الحالة، مات وهو معوقٌ على هذه الحالة، وكثيرٌ من زملائه وأصدقائه لا يزالون يعانون من هذه المشكلة، يقسم بالله العلي العظيم، يخرج لي عصاه وعكازه الذي يتوكأ عليه، يقول: أرأيت هذا العكاز، والله إن من خلاله لتدخل مئات الحبات من المخدرات، وتدخل سجائر الحشيش، وتدخل أمور محرمة ممنوعة، وقد ينظر إلى هذا المعوق نظرةً بالغةً في الشفقة والرحمة، فيمر، ولا يقع في أيدي رجال الأمن، ولا ينتبه لما يوجد في عكازه، لست هنا أدعو إلى التشديد وسوء الظن بالمعوقين وتفتيش عكازاتهم.

ولكن أقول: اعلموا أن الالتفات عنهم، وعدم إعطائهم مكانتهم ومنزلتهم المناسبة في المجتمع جعلتهم يبحثون عن أمور أخرى حتى وقعوا في جحيم المخدرات، وما أدراك ما يقع بين بعض الشباب من المعوقين، ولا أعمهم، لأني أعرف منهم طائفةً من الصالحين، وطلبة العلم، والرجال الأكفاء، لقد اجتمع كثيرٌ منهم على مثل هذه المجالس مع ترك الصلاة والسباب والشتيمة، والجلوس على أفلام خليعة لمشاهدتها، وكثيرٌ ينظر إليهم بعين الرحمة والشفقة، يراه يقع في نوعٍ من المخدر، أو يقع في شرب الدخان، أو ينظر إلى الأفلام الخليعة، ويقول: هذا مسكين، هذا معوق.

إذا كنت تنظر إليه بعين الرحمة والمسكنة، فواجبك أن تشعره بدوره، وأن توقظه من غفلته، وأن تبوأه مكاناً مناسباً يزول عنه به تلك العقدة التي علقت به من نظرة مجتمعه إليه.

ووالله -أيها الأحبة- إن الحديث عن بعض الشباب المعوقين ليؤلم ألماً عظيماً إلى حدٍ يستحي الإنسان أن يذكر ما يدور بينهم، ولكن لم نجد ألذ من الصراحة، ولم نجد أسرع في العلاج من تشخيص المرض بصراحة: يقع كثيرٌ من بعض الشباب المعوقين حتى في اللواط والزنا -والعياذ بالله- والله لقد وقع كثيرٌ منهم في هذا، وبعضهم يلتف حول بعض، ويجالس بعض، فأصبحوا في بوتقة، وفي حلقة مفرغة مغلقة، لا يعلم كثيرٌ من رجال المجتمع ما يدور في أوساطهم، ولا يجدون من يدخل إليهم حتى ينظف دائرتهم وحلقتهم مما يدور بينهم فيها .

فيا أيها الأحبة! ينبغي أن ننظر إلى إخواننا المعوقين، وأن نلتفت لهم، وأن نعطيهم من أنفسنا، ومن وقتنا، ومن شفاعاتنا، ومن حاجياتهم التي نبذلها لهم، ومن كل سبيل نستطيع أن نشعرهم من خلاله أن لهم محبة ومكانة ودوراً عظيماً، لا كما يظنه الكثير منهم أن المعوق ليس واقفاً إلا للاستجداء والمكيدة وسؤال الناس عند أبواب المساجد.

أحدهم يقول: كنت ذات يوم في المسجد، فإذ برجل يخرج من جيبه ريالات، فيضعها في يدي، إلى هذا الحد تضاءل وتناقص الفكر والعقل عند بعضهم؛ إلى حد أنه يظن أن كل معوق فقير، ليس هذا هو النظر العاقل، وليس هذا هو الموقف المطلوب، بل المطلوب هو أن نشعرهم بمكانتهم، وعن المكانة التي يمكن أن يتبوءوها، وإذا كان بعضهم لم يجد سبيلاً يستطيع من خلاله أن ينفع المجتمع، فعلينا أن نقترح، وأن نبحث عن أساليب نستطيع أن نضعهم فيها في مواقع اجتماعيةٍ مناسبةٍ نرد إليهم بها ثقتهم بأنفسهم، ومكانتهم، ونظرات المجتمع إليهم العادلة، لا كما وقع الآن من كثير من الناس بنظرة كلها انكسار وخضوع وشفقة متناهية، فالغلط أن ينظر إليهم بهذه العين حتى أصبح بعض الذين يعنون بشئونهم لا يرون علاجاً لهم إلا بالموسيقى وبالطبول وبالزمر ونحو ذلك.

آلمني ذات يومٍ ما رأيته في مجلة في مقابلة لأحد المعوقين بماذا برز؟ بماذا تفنن؟ أخرجوه وهو يضرب عوداً، ويدق أوتاراً، أهذا نموذج للمعوقين أن يظهر بين الشباب، لماذا لا نظهر معوقاً مخترعاً ؟ لماذا لا نظهر معوقاً من طلبة العلم؟ هو معوقٌ، ولكن الأصحاء حوله جلوسٌ يستمعون إلى علمه، لماذا لا نظهر معوقاً له الدور البناء؟ نستطيع أن نجد آلاف ومئات المجالات التي نظهر ونبرز ونعيد الثقة لهم فيها، لا كما يظنه البعض نظراً لحالتهم الاجتماعية المرتبطة بالأحوال النفسية لا نجد لهم إلا الرسم التشكيلي، والفنون التشكيلية، والطبول والزمر، ونحو ذلك.

ليس هذا بعلاج للمعوقين، وليست هذه بخطة عمل للمعوقين، بل العلاج والخطة المناسبة أن تشعرهم أن مناط التكليف عقولهم، وليس مناط التكليف هو الرجل، أو اليد، أو العين، أو السمع، لقد سرني ما رأيته ذات يومٍ في نادي معهد الأمل للصم والبكم أن وجد عشرات عديدة من الشباب الصم والبكم عليهم سيم الالتزام في لحاهم، وفي ثيابهم، وفي سمتهم، وفي صلاتهم، بسبب شباب -أسأل الله أن يجعل جهودهم في موازينهم- دخلوا بين هؤلاء الصم، وفهموا إشاراتهم وعباراتهم، ووجدوا في صفوفهم حتى ظهر هذا الالتزام، وظهرت هذه الصحوة حتى بين الذين يشكون الصمم والبكم.

فمن الذي يكون لأولئك المعوقين، ويدخل مجتمعاتهم، ويخالطهم، ويعيد إليهم الثقة بأنفسهم حتى يشعل صحوة في الاستجابة والاستقامة لأمر الله جل وعلا؟

إن أوامر الله عامة، وليست تستثني من فقد عيناً، أو رجلاً، أو يداً، بل إنها تخاطب من له عقل: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ [ق:37] .. فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ [الحج:46] .. قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ [الملك:23] الآيات كثيرة التي تبين وتظهر أن مناط الأمر والاستجابة والتكليف والنهي هو العقل والقلب، وليست هي اليد والرجل.

أسأل الله أن يعافيهم، وأن يشفيهم، وأن يردهم إلى الحق رداً جميلاً، وأن يرينا من بينهم العلماء وطلبة العلم، والمجاهدين والمفكرين والمخترعين؛ إنه على ذلك قدير وبالإجابة جدير.

بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العلي العظيم الجليل لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنب؛ إنه هو الغفور الرحيم.

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى، وتمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، اعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ في الدين ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار، عياذاً بالله من ذلك.

أيها الأحبة! إن مما يشكوه، بل إن أشد ما يعانيه إخوانكم المعوقون نظرة محجمة منصرفة معارضة من القرب والدنو منهم ألا وهي: مشكلة زواجهم، مشكلة الزواج عند المعوقين من أعظم المشاكل -أيها الإخوة- كثيرٌ منهم وأكثر ما وصلني من رسائلهم أنهم لا يجدون من يزوجهم، أتدرون ما الحل؟ ما هو البديل؟ أليسوا بشراً؟ أليس لهم شهوة وغريزة؟ بل إن بعضهم ليكون أشد شهوة وغريزة ممن نراهم أمامنا من الأصحاء والأقوياء، إنهم يعانون من هذه المشكلة، ولا يجدون من يزوجهم، وإذا تقدم أحدهم رد ولم يزوج.

ولا أقول: إن بوسع كل واحد أن يكره، أو يجبر ابنته على أن تتزوج منهم، ولكن ما الأمر برجل عنده ابنة معوقة، وفتاة معوقة، فإذا خطبها شابٌ معوقٌ رده، ولم يسأل ابنته، ولم يعرض الأمر عليها، ينتظر رجلاً سوياً صحيحاً يأتي ليخطبها، إذا تقدم لابنتك نصيب، وما أكثر البنات اللائي يرضين! ولو بمعوق خير لهن من أن يبقين عانسات بلا أزواج، لو أن الأب عرض الأمر عليهم؟ والله قال لي واحد منهم: التمس لي زوجةً جزاك الله خيراً , ولو كانت أكبر مني، ولو كانت معوقةً، ولو كان فيها الذي فيها، أريد أن أتعفف بالحلال، ثم أخرج لي بطاقته بطاقة التخفيض للمعوقين، إذا سكن فندقاً يخفض له نصف التكلفة، وإذا صعد طائرة يخفض له نصف التذكرة، وإذا نزل مكاناً فيه رسوم رسمية يخفض له نصف ذلك، قال: اعلم أن هذا هو البديل، اعلم أن أمثالي من زملائي كثيرون لم يجدوا بديلاً إلا بطاقة المعوق المخفضة، قلت: وكيف تكون البطاقة بديلاً؟ قال: السفر إلى البلاد الفلانية، فأفخر الفنادق نسكنها بنصف الأجرة، وما نطلبه من البغاء والشراب، وغير ذلك يبذل بنصف التكلفة، هذا هو البديل يا عباد الله.

إذا أجرمنا في حقهم، قدناهم وسقناهم واضطررناهم إلى الوقوع في أوحال المعصية، لماذا لا يزوجون؟ لماذا لا يوجد من يهتم ويعتني بأمرهم؟ أليس في المجتمع فتيات معوقات؟ بلى والله، ما الذي يمنع أن تقوم طائفة من الصالحين بالتنسيق مع دائرة رسمية بحصر المعوقين والمعوقات، أو من يرغبون الانتساب والانضمام إلى هذه المؤسسة، أو هذا المكتب؟ لا لغرض تعليمهم الموسيقى والفنون التشكيلية، لا. بل لتزويجهم، وهو يعانون أكبر المشاكل من الزواج، يعانون من ذلك أعظم المشاكل، والكثير منهم أصبح يائساً من مجتمعه حتى أن بعضهم يقول لأحد الصالحين منهم: أنت أشغلتنا بالشيخ فلان وعلان، لو كان في أولئك خير، لتناولوك أو تحدثوا عنك أو التفتوا لك، تعال واشرب، ويقسم بالله العلي العظيم أنه أرسل رسالة إلى أحدهم، قال: فرد لي الرسالة وفي داخلها حبوب مخدرات، هذا جواب الرسالة، جواب الرسالة ظرف فارغ إلا من الحبوب المخدرة، يعني: بلسان الحال، لا بلسان المقال، الجواب ما ترى لا ما تسمع، الجواب هو: الانحراف، الجواب هو: الغفلة، الجواب هو: الضلالة، ووالله لو تلطف بعض الشباب في الدخول إلى أوساطهم ومجتمعاتهم، لوجدوا خيراً عظيماً فيهم، ولاستطاعوا أن يوجدوا من أولئك المعوقين قادةً من الدعاة إلى الله جل وعلا، ليس العمل للإسلام محصورٌ للجهاد في أفغانستان، أو محصور في المنابر، أو محصور في الوعظ والإرشاد في المساجد، أو محصور في الخطب والمحاضرات.

إن العناية بأمثال المعوقين، ودراسة أحوالهم، وتتبع مشاكلهم-والله- لمن أعظم وجوه الدعوة إلى الله، والعمل لدين الله.

فيا أيها الأحبة! من عرف معوقاً فليساعده، وليكن نعم العون له على طاعة الله جل وعلا، لا أن يكون معيناً له على سفرٍ، أو غفلةٍ، أو لهوٍ، أو ضياعٍ، بل كن معيناً له في تفقد حاجته، في البحث له عن زوجة، توجد لهم سيارات تناسب قدرتهم بدلاً من الأجهزة التي تعتمد على الأقدام في القيادة وعلى الأيدي، وأعرف كثيراً منهم وهم معوقون يسوقون السيارات ويقودونها، توجد سيارات من هذا النوع- وأنتم تعلمونها- بعضهم يحتاج إليها فلا يستطيع أن يجمع قيمتها، ينظر المجتمع إلى هذا المعوق، سيارته عكازته، إذا زوجناه، لا يستطيع أن يذهب بابنتنا، أو يأتي بها، من الذي يصرف عليه؟ من الذي ينفق عليه؟

والله لو أن القلوب فيها رحمة وشفقة، لوجد المعوق من يزوجه ويصرف عليه وينفق عليه ابتغاء ما عند الله، ولا أقول إن المجتمع قد خلا من المعوقات، الكثير منهم يقولون: نحن لا نريد ملكات الجمال، نحن لا نريد شروطاً في زوجاتنا، نريد زوجة ولو معوقة مثلنا، لكن الكثير يرفضون تزويجنا، ومنهم من قال: حتى إني طلبت أن أتزوج من الخارج، فرفض أهلي وجماعتي، لأن هذا ليس من طريقتنا، أو من عاداتنا، فإذا كان من عادتكم ألا تزوجوا معوقاً، وليس من عادتكم ألا يتزوج من الخارج، ماذا يفعل؟ أينتحر المعوق؟ لا بد أن تلبى حاجته، لا بد أن تفرغ شهوته في قالب شرعي غريزي فطري مناسب ألا وهو بالزواج، فأعينوهم وتفهموا مشاكلهم.

ويا معاشر الدعاة! يا معاشر الشباب عليكم بجبهة المعوقين، اقتحموها وادخلوها، وانظروا ماذا يدور بينهم؟ أصلحوا شأنهم وأحوالهم، ووالله لو توغلتم في داخل ما يدور بهم، لوجدتم ما تشيب له الرءوس من المصائب التي يقعون فيها.

أسأل الله تعالى أن ينفعنا وإياكم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور سعد البريك - عنوان الحلقة اسٌتمع
أهمية الوقت في حياة المسلم 2802 استماع
حقوق ولاة الأمر 2664 استماع
المعوقون يتكلمون [2] 2652 استماع
توديع العام المنصرم 2647 استماع
فلنحول العاطفة إلى برنامج عمل [1] 2552 استماع
من هنا نبدأ 2495 استماع
أحوال المسلمين في كوسوفا [2] 2461 استماع
أنواع الجلساء 2460 استماع
الغفلة في حياة الناس 2437 استماع
إلى الله المشتكى 2436 استماع